نقاط على الحروف
في المواجهة على منصات التواصل: الأخلاق سلاحٌ
ليلى عماشا
قبل سنوات قليلة من الآن، كانت المنصات التواصلية الإلكترونية تُنسب إلى الافتراض، أما اليوم فقد تحوّلت إلى مرآة تعكس الواقع إلى حدّ معيّن، وإن كانت تخضع في كثير من الأحيان لقواعد وشروط مالكيها ولتقنيات التضخيم والتعتيم بهدف التأثير أو منعه. شيئًا فشيئًا، تحوّلت هذه المنصّات إلى ساحة مواجهة يومية، إلى أرض معركة يخوضها جميع المتواجدين فيها، كلّ بالأدوات التي يمتلكها ومن أجل الأهداف التي يسعى لتحقيقها.
ومن هنا، يمكن لأي متابع للحسابات اللبنانية على هذه المنصّات أن يتفرّج على هذه المواجهة "الافتراضية" بين سائر فئات وأطياف المجتمع اللبناني، وأن يلاحظ منذ اللحظة الأولى طبيعة المعسكرات واختلاف التوجّهات وتعدّد لغات التخاطب ومستوياته.
سواء في الحرب أو في الخصومة أو في النقاش، الأخلاق عتادٌ لا يتوفّر إلّا في جعب أهل الحق. وإن كان موضوع كشف المحتكرين لم يزل محلّ جدل بين اللبنانيين، ككلّ الأمور المفصلية، فإنّه يشكّل نموذجًا "افتراضيًا" عن كيفية خوض المعسكرات الافتراضية اللبنانية المتواجدة على منصات التواصل لمعاركها وكيفية تحويل كلّ حدث وكلّ تفصيل في اليوميات إلى مادة تُستهدف من خلالها المقاومة وبيئتها وجمهورها في إطار الحرب الإعلامية، وبتوجيهات تفوح منها رائحة شمطاء عوكر.
جنّد "جيش لحد" في صفوفه عملاء من كلّ الطوائف والمذاهب والفئات والطبقات الاجتماعية، وكذلك جيش المحتكرين. وكما تجرّد اللّحديون من طوائفهم ومذاهبهم وخانوا مجتمعهم، تجرّد المحتكرون من كلّ ذلك. وكما باع العملاء أنفسهم للصهاينة طمعًا بمكسب ماديّ أو معنوي، باع أهل الاحتكار ضمائرهم وحاولوا تحقيق المكاسب من خلال الاستثمار في وجع الناس. إذًا لا فرق بين عميل ومحتكِر، وكلاهما لا ينتمي إلى الدائرة التي يُحسب عليها اجتماعيًا.
يتعامل جمهور المقاومة مع عبارة "المحتكر كالعميل لا طائفة له ولا دين" بانسجام تام مع مضمونها. لذلك، يهاجم هذا الجمهور فكرة الاحتكار أيًّا كان مرتكبها، ويزيد من عيار طلقات الهجوم إذا ما وجد صلة قرابة تربطه باسم متهم بالاحتكار. يسارع إلى استنكار الفعل الشائن، ويحافظ بغالبيته على مصداقية عالية في تداول أخبار المحتكرين لأي جهة انتموا، ويحاول أن يتحاشى التعميم، بل يرفضه، ولذلك لا نجد بين أهل الحق من يسقط في مستنقع اتهام طائفة كاملة بالاحتكار وحماية المحتكرين ولو ظهر أن أحد أفرادها القياديّ في أحد أحزابها المتلاشية والمنحلة سابقًا قد افتتح زمن التخزين والاحتكار منذ عام ٢٠١٩ أي قبل اندلاع الأزمة.
في المقابل، إليكم كيف تتعاطى أدوات شيا مع الموضوع نفسه؛
- يؤدي تخزين مادة البنزين واحتكارها في عكار إلى انفجار ذهب ضحيّته أكثر من ٣٠ شهيدًا. حاول فريق شيّا بكلّ الأساليب البحث ولو عن خيط من وهم يربط الانفجار بحزب الله وبالمقاومة، فلم يجدوا. حرّضوا عبر اختلاق بعض الأكاذيب ولما لشدة ركاكتها لم تجد أذنًا واحدة تصغي، صمتوا، صمتوا تمامًا لأنهم فشلوا في تحويل الضحايا الذين قضوا حرقًا والجرحى الذين ما زالوا معلقين بين الموت والحياة إلى حقل استثمار سياسي، ولأنّ المتهم بالتخزين ولأن من يحمي هذا المتهم هو جزء من الفريق العوكري.
- تمّت مداهمة عشرات المستودعات على كلّ الأراضي اللبنانية وعُثر فيها على الأدوية المفقودة في الصيدليات، وعلى حليب الأطفال، وعلى المواد الغذائية، وعلى كلّ السّلع الحيوية. وفيما كان ناشطو جمهور المقاومة على منصات التواصل لا يتأخرون عن مهاجمة أصحاب هذه المستودعات في أي منطقة وُجدت ولأي جهة انتمى أصحابها، كان فريق المتأمركين يدقّق في أسماء المحتكرين وسجلّات نفوسهم وصورهم المنشورة على منصات التواصل، ليهاجم من ورد في خانة مذهبه كلمة "شيعي" ومن ثبت من صورة له أو منشور أنّه يناصر حزب الله. أما المحتكرون الباقون، فيتمّ تجاهل ما ارتكبوا وكأنّ الاحتكار حقّ طبيعي، ومسألة اعتيادية إلّا حين يمكن استثمار الخبر ضدّ أهل المقاومة فتصبح عيبًا يجري تعميمه وتهمة يجري تسييسها، بل ويبلغ الأمر بالبعض حدّ ربط الفعل الشائن بالشعائر المقدّسة وبالمظاهر الدينية في إيحاء مشبوه، سواء تعمّد الموحي به أو سقط فيه سهوًا.
في كلّ امتحان نخوضه على منصّات التواصل ولا سيّما في المحطّات التي تشكّل حدثًا، يثبت جمهور المقاومة أنّه بغالبيته يتسلّح بالأخلاق وبالقيَم وبالمبادىء في كلّ أنواع المواجهة. يتوخى الصدق، لا يدافع عمّا يراه خطأ ولا يردّ على الكذب بالكذب وعلى السفالة بالسفالة. والأجمل، أنّه يواجه التنميط الذي يتعرض له بالمصداقية والتمايز، ويواجه التعميم الذي يوجّه ضدّه بالتصويب على مكامن الخطأ في كلّ الجهات، دون اعتبارات مريضة كالتي في أذهان أدوات عوكر. بالمناسبة، يقولون "شيا" في عوكرها كئيبة، يبدو أن الإحباط قد أصابها بعد عجز فريق أدواتها الفاشل عن تحقيق أي خرق يُذكر في جدار ثقافة أهل الحقّ، هذه الثقافة التي تسمو فوق ترّهات القوم المتأمركين، تلفظ الفاسد المحتكر كما لفظت العميل، وتحافظ على طهرها رغم مليارات شينكر التي ضاعت هباء في صناديق جمعيات الكاذبين.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024