معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

حلّ أزمات لبنان ممكن بعصًا سحرية اسمها
17/06/2021

حلّ أزمات لبنان ممكن بعصًا سحرية اسمها "الجرأة".. هناك من استخدمها مؤخرًا!

محمد كسرواني

لطالما تساءل اللبنانيون عن سبب تأخر الحلول تقريبًا لكل الأزمات الخدماتية في لبنان، علمًا أن عروضًا جمّة قدمت من دول عدة. منها أزمة المحروقات، التي تستفحل مؤخرًا، وأزمة المواصلات والمعاناة اليومية، مرورًا بأزمة الكهرباء والمياه والعديد غيرها.

لكل تلك المعضلات حلول لكن مشكلتنا الأساس تكمن بـ "الجرأة". فسياسيو لبنان لا يجرؤون على الإقدام على أيّ اتفاق خدماتيّ ضخم، ما لم يحظَ بتوافق دولي. فلو أخذنا النفط من ايران ستغضب أميركا، ونحن لا نجرؤ على ذلك. ولو طورّنا قطاع الكهرباء بدعم تركي، ستأخذ علينا السعودية مأخذًا، ونحن أيضًا لا نجرؤ على ذلك. وأميركا والسعودية تعاقبان لبنان لعدائهما مع العهد برئاسة العماد ميشال عون ومشاركة حزب الله في الحكم.

الخلاصة، أنهم لا يريدون حلّ مشاكلنا ولا يرضون بأن نحلها عبر غيرهم، والحلّ؟ الخيار "بالجرأة".

في أكثر من إطلالة تلفزيونية قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله إن الأمر يحتاج الى قرار جريء من السلطة التنفيذية. حذّر الحكومة الحالية ومن سبقها من التمادي في الانصياع والتخوّف من العقوبات الأميركية أو "الزعل" الخليجي، وأن الحصار المبطن الساري المفعول اليوم لن يختلف كثيرًا عما يمكن أن يفرض لو استعنا بدول كايران أو روسيا أو الصين.

في العالم القريب منّا تمرّدت دول على هيمنة واشنطن، قالت "لا" فواجهت وتحدت العقوبات. ايران أبرز نموذج، ورغم ذلك تتقدم عسكريًا وتكنولوجيًا وطبيا. هنالك سوريا التي قالت "لا" للخليج والغرب، وشعبها يتحمّل الحصار والصعاب ويصمد.

قد يقال إن لبنان وبتركيبته الطائفية والحزبية القائمة على النماذج المتناقضة لا يمكنه الاقتداء بالنموذج الايراني أو السوري، فلا يوجد فيه مقومات الحياة، ولم يعمل خلال العقود المنصرمة على تنمية مصادر بديلة!

في محيطنا دولة شبيهة بحالتنا من خليط الطوائف والاحزاب، دولة سادها الفساد والمحاصصات 40 عاماً، لم تَسلم من سرقة المال العام والتوظيف العشوائي والعقود الوهمية دون خدمات، حتى افلست خزينتها وباتت عاجزة حتى عن دفع رواتب موظفيها.

في تلك الدولة، تسلم مقاليد الحكم قبل 3 سنوات رجل وطنيّ جريء، فقلب الدفة. لم يقم بمعجزة او اتى بخطة "حارقة خارقة متفجرة". كل ما فعله انه قال لأميركا والسعودية وكل الدول الطامعة ببلده: "لن اقوم إلا بما هو مصلحة لناسي وشعبي، وبعدها قال "لا" وبكل جرأة.

حاولوا اسقاطه في الشارع، فخاطب الناس بصدق وبنى بينهم وبينه الثقة. حاولت أحزاب المعارضة بث الفتنة، فغلبها باستقدام المشاريع من الصين وروسيا. هددوا باغتياله، فزاد اجراءاته الوقائية وتابع عمله. أتحدث عن بلد اسمه باكستان حكمه رجل ذو سمعة طيبة وكفّ نظيف يدعى عمران خان.

المشكلة في لبنان. لو قارنا وضعنا بما يحصل في باكستان، فإننا نخاف من ردة فعل أميركا والسعودية. لا نجرؤ على النقد ولا على قول "لا" ولو كنا أصحاب الحق. نحذر من ردة الفعل، ويخوّف بعضنا بعضًا منها، فنفتّح أعينهم على نقاط ضعفنا ونحرضهم على استخدامها وعندها نتذرع بأننا ضعفاء ولا خيار بديل.

في باكستان، بلد الـ 270 مليون مواطن، قال رئيس الحكومة "لا أريد أن أكون طرفًا، وأين هي مصلحة بلادي سأمضي". ماذا فعلت أميركا؟ فرضت عقوبات؟ فرضت حصارا بريا وبحريا؟ اميركا الدولة المتجبرة في العالم لم تفعل شيئًا! لا شيء سوى التحريض فأخمد خان الفتنة بالعمل.

هُدد بالعقوبات وسحب الودائع، فلجأ للصين وروسيا ولوّح بأكبر شراكة ثلاثية فعادوا اليه يرجون رضاه. هنا المفارقة، نحن في لبنان حتى لم نجرب أن نبدي رأيًا أو نكون سياسيين محنّكين نستفز أميركا بالترويج لاستقدام عروض من الصين أو روسيا.

ولنقل انهم فرضوا عقوبات، ما الفارق الذي سيكون؟ فنحن حاليًا محاصرون! يتذرعون بحزب الله وأمن "اسرائيل"، وماذا اذًا؟ الواقع أننا لا نملك "الجرأة"، وهذا ما رمى اليه السيد نصر الله مرارًا، لبنان يحتاج الى قرار جريء.

عندها لن يكون هنالك حصار، بالعكس سيزور سفراؤهم في اليوم الثاني وزراءنا لتقديم العروض والمشاريع الضخمة. تجربة الوقود هذه خير دليل، بعد ساعات من إعلان حزب الله عزمه استيراد الفيول من ايران - رغم الحصار - بدأت ملامح الأزمة تحلّ، وعلى هذا المنوال يمكن أن نمضي قدمًا.

الخلاصة .. هناك حلول لكل أزمات لبنان المعيشية لكنها تحتاج الى رجال "عندهم ركب" يمتلكون الجرأة لا غير، ويستطيعون اغلاق الهاتف بوجه اميركا، كما اُغلق يومياً بوجه مادلين أولبرايت!

الشرق الأوسط

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل