معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

13/05/2021

"ذو الفقار" المقاومة: سيفٌ عزيزٌ لا يُغمَدُ‎

ليلى عماشا
فيما تسطّر غزّة آيات العزّ المقاتل وترسم خارطة سماوية بالصواريخ، وفيما ينتفض كلّ التراب الفلسطيني على محتلّيه ويبثّ الرعب في نفوس الصهاينة، وفي أوّل أيام العيد الذي انشقّ هلاله من البشارة الفلسطينية المتجدّدة، تأتي ذكرى استشهاد السيد ذو الفقار، سيف المقاومة الذي ما أغمده غيابٌ، ولا أخّره الرحيل عن الحضور إلى سماء فلسطين ناظرًا إلى حكاية "الرّدع الصاروخي" ناحية غزّة.. الحكاية التي بدأت في جنوب لبنان منذ نيسان ١٩٩٦، وعلى يده قائدًا وعقلًا يدير العمليات ويُقرأ في خرائطه وعينيه النصر خاتمة للصراع.

حضر مصطفى بدر الدين إذن على صهوة ذكراه فارسًا من ثلّة أحرارٍ ما تأخروا يومًا عن صناعة الحدث المقاوم، أينما كانت المعركة وحيثما تعرّض إنسان لظلمٍ وكيفما استقوى في الأرض باغٍ أو جبّار.. فكيف لبدر الدين الفارس الغيور على المستضعفين أن يتأخر عن الحضور إلى ساحة القتال ثائرًا، عاشقًا، غاضبًا، وذا عزم عظيم.

لم يكن ذو الفقار المقاومة فقط قائدًا عسكريًا يتصدى للعدو في مقدّمة الميدان، ولم يكن فقط عقلًا متطوّرًا عرف أن سوح الحرب تتعدّد وتتسّع فشكّل في كلّ ساحة جبهة تصنع الإنتصارات ومنها جبهة "الإعلام الحربي" التي تولّت وما زالت تتولى وضع خطط وأساليب الحرب النفسية وتؤثّر بشكلٍ مباشر في النفس الصهيونية التي جاءت إلى بلادنا ممتلئة بغرورها وبوهمها بالتفوّق، ونراها اليوم مثخنة بخيبتها  وبهزائمها السابقة واللاحقة، تهيم على وجهها بانتظار ما لا تعرف، أو ما أدركته متأخرّة عن حتمية زوال كيانها. ولم يكن فقط المفاوِض الشرس في كلّ جولات التفاوض مع الوسيط الألماني من أجل تحرير الأسرى من المعتقلات الصهيونية، والبطل الذي يستبسل في فرض الشروط التفاوضية التي حرّرت أسرانا معزّزين ومكرّمين ومرفوعي الرأس بعد أن تولى بنفسه هذا الملف رغم دقّة وضعه الأمنيّ ليتمكّن من تحقيق تحرير الأسرى كأسير محرّر سبقهم في معاناة مرارة الأسر وكعقل يجيد استخدام كلّ إمكاناته من أجل تحقيق الهدف.. سواء كان هذا الهدف موقعًا عسكريًا متقدّمًا أو قافلة تكفيرية قاتِلة أو تحرير أفراد أسرهم العدو، أو تحرير البلاد. ولم يكن فقط أب المقاتلين العطوف الصّارم حين يتعلّق الأمر بنصحهم وإرشادهم لا سيّما بما يخصّ تحصيلهم العلمي وشهاداتهم الجامعية..

كان مع كلّ ما سبق الرجل الأكثر لهفة في غوث المظلومين أينما كانوا: "وين في ظالم، منلاحقه لحتى نعمله عبرة لمن يعتبر... ممنوع الظلم" والأكثر حمية وغيرة على الأرض والأعراض وعلى المقاومة خطًّا ونهجًا وأفرادًا، حدّ شعوره دائمًا أن على عاتقه حماية الجميع، حدّ دمعه ينسكبُ فوق تراب رفيق العمر منذ الطلقة الأولى عماد مغنية: "كيف وصلوا لك وأنا موجود!".

مصطفى بدر الدين، اسم شغل الدنيا سواء في أروقة المخابرات الغربية أو على ألسنة أرادت الزجّ بطهره في سيناريوهات مخابراتية ركيكة  "دولية" وإن جاءت على هيئة محكمة تعمل من أجل طمس الحقائق أو تضييع الوقت، واسم ارتفع في سماوات الشهادة بعد أن لقّن شياطين الأرض من صهاينة وتكفيريين العبر والدروس القاسية والتي بقيت مطبوعة على وجوههم وبقيت وشمًا لا يُزال عن وجه التاريخ، فهزيمة الظالمين وانتصار الحق مسألة تشكّل محطّات أساسية في مسار الدنيا والعالم، ويد بدر دين خطّت سيلًا هدّارًا من هذه المحطات.

في الثالث عشر من أيار/ مايو ٢٠١٦، حلّ الإسمُ مرفقًا بصورة وجهه الباسل وبرتبة "شهيد" في كلّ بيوت أهل المقاومة.. الخبر الذي وصل حارًّا مؤلمًا زاد في منسوب العزّ في دم الأحرار بقدر ما أوجعهم وأغضبهم،  وتحوّل إلى محطة تبريك تتهافت إليها قلوب المقاومين وكلماتهم من سائر أرض المحور المقاوِم. عاد السيد مصطفى بدر الدين إلى الغبيري شهيدًا، وعلى وقع الدمع والتبريك بخاتمة عظيمة، احتضنه الثرى الفوّاح بعطر الأقمار، ليغفو بالقرب من رفيقه وحبيبه وقريبه وصديقه الحاج رضوان وكل الشهداء الذين نلمح طيف ابتساماتهم كلّما دبَّ رعبٌ في قلبِ صهيونيّ وكلّما اقتربنا خطوة من النصر العظيم.

عيدٌ وزمانٌ تكتب فيه فلسطين محطة تاريخية هائلة السطوع وذكرى عزيز أعزّ مظلومي الأرض بيده وبقلبه وبعقله وبلسانه وبدمه: هو تزامن يملأ القلوب العاشقة سحرًا وعزّا.. يجعلُ من اليوم الواحد زمانًا كاملًا يحوي تكبيرة العيد وعزّة ذي الفقار وبشرى الحقّ الفلسطيني..

القدس المحتلة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف