معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

قطاع الطرق: المراهقة في السياسة والأمن‎
11/03/2021

قطاع الطرق: المراهقة في السياسة والأمن‎

ليلى عماشا

إطارات سيارات جديدة ومستعملة، جاهزة وتحت الطلب، وإذا احتاج الأمر شاحنة أو سيارة -ولو مستأجرة- لزوم التوقف "بالعرض"، جمع قليل مبعثر من غريبي الأطوار الذين يبدأون بالصراخ جوعًا وينهون الصرخة بطروحات مريبة حول سلاح المقاومة: بهذه المكوّنات يمكنك أن تحوّل أي طريق في لبنان إلى معبر يستحضر كلّ ذاكرة المعابر التي تملأ صورها الأذهان، سواء تلك التي رافقت خطوط التماس ذات حرب أهلية، أو التي نصبها العدو الصهيوني بوابات عبور مشروط ومذلّ إلى الشريط الحدودي المحتلّ قبل أن يفرّ منها ذليلًا عام ٢٠٠٠.

دخل قطاع الطرق يومياتنا من بابها الأوسع، من باب الحاجة للتنقل الذي تحوّل إلى مخاطرة حقيقية في ظلّ عبث الفاعلين بأمن الطرقات.. صار الخروج حتى لظروف طارئة خاضعًا لمزاج مرسِلهم ومزاجهم.. وهل من طارىء أكثر من مرور سيارة إسعاف تسابق الوقت للوصول بمريض إلى المستشفى، أو بسيارة مدنية تنقل طفلًا مصابًا بالسرطان لتلقي جرعته العلاجية؟  وهل من عاقل يجد مبرّرًا لجموح قطاع الطرق وإصرارهم على إلحاق الأذى بالعابرين بكل أشكاله، من السبّ والشتم إلى التهجّم على ركّاب السيارات، ومن الإعتداءات المتنقلة على من يصرّون على العبور إلى التسبب بحوادث السير التي أدّت إلى مقتل خمسة أشخاص منذ بداية نغمة قطع الطريق! وإذا شئنا إحصاء الأضرار المعنوية والمادية التي يؤدي إليها قطع الطرق بهذا الشكل البعيد كلّ البعد عن أشكال الإعتراض السلمي، يمكننا أن نجد في كل سيارة عبرت أو انتظرت ساعات لتعبر حكاية مؤذية: من المرضى الذين تأخروا عن الوصول إلى المراكز الطبية إلى تلف الأدوية التي يتوجب نقلها بين المناطق، ومن الموظفين الذي تأخروا عن الوصول إلى مراكز عملهم إلى العائلات التي عانت الأمرين لتصل بيوتها.. من الأطفال الذين روّعهم المشهد إلى "العسكريين" الذين تعرضوا للضرب حين أصرّوا على المرور بسيارتهم العسكرية.

تحرص المجموعات الإخبارية على منصات التواصل على إرسال نشرات يتمّ تحديثها باستمرار حول الطرقات السالكة وتلك المقطوعة، على سبيل مساعدة الناس على اتخاذ قرار التنقّل من عدمه، وعلى تقدير الوقت الذي قد يحتاجونه للعبور بين المناطق أو حتى داخل بيروت.. ويُلاحظ أن لا معيار يحكم توقيت "القطع" أو مدّته. فأحيانًا يطيب للقلّة التي أغلبها من المراهقين الشتّامين أن تترك مجالًا لمرور سيارة واحدة، وفي أحيان أخرى يفضّلون قطعها نهائيًا قبل أن يعيدوا فتحها.. وهكذا حتى تنتهي نوبتهم ويذهبوا لاستراحة قبل أن يعودوا!

كلّ هذه الإعتداءات الموصوفة تأتي تحت مسمّى "الغضب".. وإن أشرت لهؤلاء "الغاضبين" غريبي الأطوار أنّهم يقطعون الطرقات على الناس الذين يدّعون الغضب لأجلهم، وأن لا فائدة عملية من هذا الفعل يردّون بإجابات غريبة، ولعلّ أعجب تلك الاجابات تمثلّت بأن لا مجال لقطع الطرق التي يسلكها "المسؤولون" لتجنّب التصادم مع القوى الأمنية التي تحرسهم لأنها مؤلفة من عسكر هم من"أهلنا وناسنا" وقد نتعرّض للضرب أو للإعتقال.. وبذلك هم يقومون  بقطعها على "الأهل والناس" أجمعين، ولا بأس بالإعتداء على عسكريين مرّوا عبر طريق بعيد عن دور المسؤولين..

أمّا في السؤال عن طبيعة هذا الغضب وخلفيته، فغالبًا سيصيح لك قاطع طريق متأنق يتبختر بسيارته الحديثة جدًا بأن الجوع هو سبب الغضب، فيما يبوح لك آخر بأنّه غاضب من سلاح المقاومة رافعًا شارة "القوات" عسى تسجّل الكاميرا تفانيه في خدمة من أرسله وإن تنصّل منه حزبه ببيان يتبرأ فيه من قطاع الطرق!

وبعد، بانتظار آخر تحديث لنشرة الطرقات السالكة وتلك المقطوعة، ونظرًا لغرابة أطوار قطاع الطرق وجهلهم التام بما يراد من قطع الطريق، لا بأس بإظهار كل الحب تجاه الصابرين الذين يتعاملون مع هؤلاء على قاعدة "نأخذهم على قدر عقولهم" لعلّهم يدركون حجم الخطر الذين يشكّلونه على الناس، أو يفهمون أنّ هذه الأفعال الشديدة الأذى لا يمكن أن تكون سبيلًا إلى أي حلّ اقتصادي أو معيشي، وطبعًا لن تفيد من ينسّق لها في تحقيق أي غاية سياسية.. فما لم تحقّقه قوى العالم مجتمعة، لن يتحقّق على وقع صيحات مراهقي السياسة والأمن.."وبشّر الصابرين..."

 

#قطاع_الطرق

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف