نقاط على الحروف
خيال "النهار" في خدمة عوكر
ليلى عماشا
تحت عنوان "الجيش اللبناني: مخطط حزب الله لآخر معاقل الدولة"، قدمت لنا صحيفة "النهار" وبتوقيع منى فياض نموذجًا واضحًا عن كيفية الكتابة الصحفية بالاعتماد على الخيال المستوحى من الواقع، أي دس بعض الوقائع المنفصلة في قالب متخيّل واحد في خدمة عوكر، وما حول عوكر، وما خلف عوكر. الحبكة تبدو للوهلة الأولى أشبه بسيناريو ركيك لمبتدىء في دورة إخراج مسرحي، لكنّها للإنصاف تتطلّب جهدًا إبداعيًا من النوع الذي يجعل مرتكبها يستنزف كلّ المعطيات الحقيقية التي تابعها ويضيف إليها معطيات "مختلقة" يسمّيها "تسريبات" ثم يسكب هذه المكوّنات كلّها في سياق من وهم لا وجود له إلا في خياله. وقد يجد للسياق اسمًا جاذبًا لهواة النوع كـ"الاحتلال الإيراني" مثلًا.
بطبيعة الأحوال، وفي ظل الأوامر الأميركية بشيطنة المحور بكلّ عناصره، وجب على الأدوات تجنيد كل ما أمكنهم لتلبية الأوامر. وبعض الأدوات مؤسسات صحفية وأقلام مدولرة وحبر رخيص وورق تنخفض قيمته بانخفاض مصداقية ما خُطّ عليه.
اجتزأت كاتبة المقال المذكور عنوانه أعلاه مقتطفات مشرّفة من خطابات للسيّد نصر الله حول حضور ودعم الشهيد الحاج قاسم سليماني في الضاحية في حرب تموز ٢٠٠٦ وحول سعيه لإمداد غزّة بالصواريخ ومرّت على حديثه عن موافقة الرئيس الأسد واندفاعه تجاه هذا الأمر، لتستنتج، بعد مرورها على الروس وعلى تسريبات لم يتبيّن حتى اللحظة في أيّ خليّة تمّ اختلاقها وعبر أي أجهزة تمّ توزيعها، وبثقة لا مثيل لها، أن هذا كلّه يقع في إطار مساعي إيران للسيطرة على المنطقة عبر دعم حزب الله والدولة السورية والحوثيين والحشد الشعبي وحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
اللافت في الأمر، أن الكاتبة لم تخفِ الرعب الأميركي من تشكيلات محور المقاومة، وإن صاغت هذا الرعب على هيئة سخرية أو توهين. فهي تارة لا يعجبها "الصبر الإستراتيجي" وتسقط ما فهمته منه وما جيّرته من سوء فهمها على الوضع المحلّي اللبناني، وتارّة تعتبر أن الخطر المحدق بلبنان المحتل هو دعم إيران للمقاومة كحركة تحرّر. وتتساءل بسذاجة طفولية "تحرّر ممّن"، وافترضت أن التفاوض بين الدولة اللبنانية وبين كيان الاحتلال الاستيطاني في فلسطين، والذي لم يبلغها خبر تعثره، يكفي للقفز فوق الصراع واعتبار الأمر منتهيًا وأنّ الكوكب كان سيكون بخير لولا "حركات التحرّر" التي تدعمها إيران، أو لولا إيران نفسها.
ومن نفق لا يعلم به إلّا من حفره في جبل الوهم داخل رأسه، عبرت فيّاض من "التحليل العابر للمحور" إلى أزقة القضايا المحلية والتي تأتي عادة في أروقة القضاء وإن اتخذت في بعض الأحيان ضجّة بفعل كيديّات هنا أو تجاوزات هناك، فحوّلت الإشكال الذي حدث بين الصحافي رضوان مرتضى والجيش والذي تمّت معالجته ضمن الأطر القانونية و"بأرضه"، إلى إطار أمر عمليات "محوري" صدر عن السيد نصر الله ضد الجيش! تعيد القراءة عسى تجد الخيط الذي به ربطت الكاتبة حبكتها المتخيلة. عبثًا. عمليًا، عادت فياض إلى ما بدأت مقالتها به، فاختارت من الوقائع ما يمكنها أن تجد له قالبًا في السياق الذي يخدم ما تريد قوله، أو مَن تريد تلبية هاتفهم إلى الجريدة التي تعمل بها، فحوّلت مطالبة السيّد نصر الله باسم الناس، باسمنا نحن أشرف الناس، ونقولها بمباهاة شديدة، بمعرفة ما وصلت إليه نتائج التحقيقات إلى تحريض ضد الجيش.
كثر الحديث عن المبالغ التي صرفها الأميركي وعوكره على أوكار الصحافة والإعلام (التقليدي والإلكتروني) والتي سمّى العاملين فيها بالأدوات في إطار شيطنة حزب الله ورموزه وبيئته، وفي إطار شيطنة محور المقاومة لما يشكّل من خطر وجودي على كل الكيانات الخادمة للاستعمار وعلى "اسرائيل" ككيان استيطاني استعماري.. وكثر الحديث عن فشل هذه الأدوات في تأدية مهامها، ويبدو أنها فشلت أيضًا في القراءة الصحيحة لواقع الأحداث فلجأت إلى الخيال عسى تجد فيه ملاذًا يقنع الأميركي أنّه بخير. ومن المتعارف عليه أنّ الواهم يصدّق أوهامه، لكن لم يثبت حتى اللحظة حالة واحدة استطاع فيها واهم أن يقنع أحدًا بحقيقة ما يتخيّل، فما بالك بأداة تحاول أن تقنع مشغّلها بأوهامها، حين أعيتها الوقائع والحقائق والحتميات؟
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024