معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

معادلة
16/01/2021

معادلة "عإجر ونص" تحرّر حسن زهرة‎

ليلى عماشا

وعاد حسن زهرة سالمًا. هذه الجملة وحدها تختصر تاريخًا كتب بالدم، ويُمكن للقاصي وللداني وللعدو وللصديق وللمبصر وللأعمى أن يقرأه محفورًا على الصخر.

جميع مَن على كوكب الأرض يعلمون بشكل أو بآخر أن الكيان الصهيوني لم يلتزم يومًا بمقرّرات مجلس الأمن، ولم يخضع لأي من قرارات الأمم المتحدة، ولا يتوانى عن ممارسة كلّ عداونية ممكنة في كلّ مناسبة ومكان وزمان إلّا حين يجد من وما يردعه. وبالتالي، يعلم الجميع، فيما عدا القيمون على بعض الإعلام المدولر، أنّ ما جعل العدو الصهيوني يفرج عن حسن زهرة هو علمه اليقيني أن المقاومة لن تسكت عن اختطاف مواطن لبناني، لا سيّما وأنّه يقف عاجزًا بالمقياس القتالي ولا يعرف كيف يخفي ارتباكه ووقوفه "على اجر ونص" المستمر منذ ما يقارب ١٨١ يومًا بانتظار رد المقاومة الحتمي على اغتيال الشهيد علي كامل محسن في سوريا في ٢٠ تموز من العام الماضي.

اختطف الصهاينة الراعي حسن زهوة مساء يوم الثلاثاء من أحراش كفرشوبا، وادّعوا أنّه يعمل لصالح المقاومة وأنّهم وجدوا  بحوزته جهازًا لاسلكيًا.. بظرف أيام قليلة، وجد الصهيوني نفسه مضطرًا إلى تكذيب نفسه، إلى التراجع عن سيناريو قام بتأليفه ليبرّر حركة متسرّعة قام بها وليتداركها بالإفراج السريع عن المعتقل قبل أن يكبر الموضوع ويتحوّل إلى بند جديد في لائحة الحساب الذي يعرف أن عليه أن يسدّده من أمنه المتهالك وأسطورة وجوده المتهالكة. يذكّرنا المشهد بالمعركة التي خاضها الصهاينة مع ظلّهم بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة عند الحدود مع لبنان والتي أعلنوا خلالها عن "قتل أفراد مجموعة هاجمتهم عند الحدود، لكنّ أفراد المجموعة القتلى ما لبثوا أن انسحبوا من أرض المعركة" ليتبيّن فيما بعد أن إحدى المجنّدات كانت بمزاج سيئ ربما فأعطت إنذارًا خاطئًا بناءً على تهيؤات أقرب إلى الهلوسات الناتجة عن القلق الهستيري.

نعم، وضعت معادلة الرعب التي كرستها المقاومة الصهاينة في هذه الزاوية الضيقة، حتى وإن كانت هذه الحقيقة عصيّة على الاستيعاب بالنسبة إلى البعض في لبنان ولا سيما أولئك الذين لولا العيب لأخذتهم الحماسة بالأمس لشكر الصهاينة على حسن خلقهم وقيامهم بالتجاوب مع الشكوى اللبنانية إلى مجلس الأمن. لسبب ما، يصر هؤلاء على تجاهل السطوع الذي يرافق رعب الصهاينة قتاليًا، ولجوءهم إلى الانتهاكات الجوية "من بعيد لبعيد" لحفظ ماء وجوههم. يحاولون تظهير مسارعتهم إلى الإفراج عن حسن زهرة كإنجاز دبلوماسي "سلمي" فيما لا يسألون أنفسهم عن عجز هذه الدبلوماسية مثلًا حيال الخروقات الجوية اليومية والمستمرة. بل يتعمدون تغييب أي دور للمقاومة في تحقيق هذا التوازن الذي يفرض على الصهيوني أن يتراجع عن خطيئة اختطاف مواطن لبناني ويفضلون أن ينسبوا هذا الفعل إلى "كرم أخلاق" الصهاينة والتزامهم بالمقررات الدولية متناسين تماما أن كل حبة تراب على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة تشهد كيف كانوا يختطفون قبل العام ٢٠٠٠ وبشكل شبه يومي الشبان والشابات والاطفال والعجّز ويخضعونهم للتعذيب وللاعتقال وللتنكيل وللقتل دون اي اعتبار لأي قرار دولي او غيره! حتى يخيّل للمرء أن المعتقلات التي حوت آلاف المعتقلين على مرّ السنين لم يكن السجانون فيها على اتصال بالعالم الخارجي ليتم تبليغهم بالمقررات الدولية والا لما كانوا تأخروا برهة عن الافراج عن المعتقلين!

عاد حسن زهرة سالمًا. عاد كما كان قبل اختطافه، حرًا، موقنًا أن خلفه مقاومة يحسب لها العدو ألف حساب. عاد وهو يعرف أنه لو حدث وتم اختطافه في زمن سبق انتصارات المقاومة، لتناقل الناس خبر اعتقاله همسًا، ولما تجرّأ الإعلام المدولر على ذكر الخبر كي لا يزعج الصهاينة. لكن المقاومة التي غيرت المعادلات ومجرى الصراع، فرضت على الصهيوني أن يفرج عنه بقوة الردع وتوازن الرعب، أما بالنسبة للكيفية وللإجراءات والبروتوكولات، فهي تفصيل تتابعه الدبلوماسية، ويرعاه المعنيون وينفذه من أوكلت إليه الدولة اللبنانية والمواثيق الدولية مهمة استعادة وتسلّم المختطفين عبر الحدود.
إلى حسن زهرة: الحمد لله على السلامة. دمت حرًا.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف