معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

في حرب تموز.. جاء سليماني إلينا
30/12/2020

في حرب تموز.. جاء سليماني إلينا

ليلى عماشا

بين ذاكرة تموز ٢٠٠٦ وسيد شهداء محور المقاومة رابطة تجمعه بالنصر الإلهي، وبليلات حالكات اختار أن يعيشها كتفًا إلى كتف مع قادة المقاومة، "عند الساتر الأمامي" على حدّ تعبير السيّد نصر الله، تحت القصف، وعند خط الخطر الأعلى في الضاحية، بعد أن أصرّ على الحضور رغم طلب السيد إليه بعدم المخاطرة.

"كان لدى حزب الله غرفة عمليات في قلب الضاحية، وفي إحدى اللّيالي خرجنا أنا والسيّد وعماد...". هذا ما قاله فارس القدس الجنرال قاسم سليماني في معرض حديثه عن حرب تموز ذات مقابلة. روى أحداث الليلة تلك بصوت يدمع حبًّا بالسيّد وشوقًا لعماد، بصوت عرفناه بحواس القلب سندًا، وعرفته الجبهات مقاتلًا برتبة قاسم وعاشقًا من طينة الأولياء.. تحدّث بحياء عظيم عن جبهة جاء إليها سندًا وشريكًا. قال "جاء عمادٌ إليّ..." وفاض دمعًا حوى كلّ رقّة روحه وبأسها، كلّ عاطفته الشفّافة وصلابة قلبه، وأسرنا نحن الذين لم نُشفَ بعد من جرح العماد الذي ما عرفناه إلّا شهيدًا، بل ما عرفناه بعد.. حسنًا، لم نكن نعلم أنّ في تلك المقابلة مع الجنرال قاسم سليماني كنّا نرتشف وجعنا الآتي وجرحًا عظيمًا يجاور جرح العماد فينا، ويبكينا في كل مرة مرّتين، وإن كنّا على يقين بأن الشرّ الأميركي يتربّص به عند كلّ مفترق، وأنّه الفارس الذي يطلب من محبيه أن يدعوا له بالشهادة.

في "حوار العام" على قناة "الميادين" مع سيد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أمكننا أن نسمع القليل من مآثر السند الحنون قاسم سليماني في حرب تموز، إذ تحدّث سيّدنا عن إصرار الحاج قاسم على الحضور، عن مواكبته لكل التفاصيل المتعلقة بالحرب، وعن توليه مهمة تأمين كل ما تحتاجه المقاومة من دعم على مختلف الصعد خلال الحرب وبعدها، عن مغادرته لمدة لا تتعدى الثماني والأربعين ساعة لتأمين ما يلزم وعودته سريعًا كي يبقى جنبًا إلى جنب مع المقاومين في لبنان.

بقاؤه في الضاحية حينها بكلّ ما يعنيه، كان محور حديث له في المقابلة التلفزيونية التي حكى خلالها بعضًا من حكايات تموز بعينيه، بيقينه المقدس.. أخذنا معه إلى ليلة من الحرب، إلى شجرة في الضاحية وجعلنا نرى في ظلالها أصدقاء ثلاثة هم رفاق قتال أمميون: السيد حسن والحاج عماد والحاج قاسم. وصحبنا معه في شروده بسيّدنا الأمين حين تذكّر فيه غربة مسلم بن عقيل، كما جعلنا نشهد معه "ضربة علي (ع) في الخندق" كلّما عدنا إلى مشهد البارجة ساعر التي أحرقتها المقاومة في عرض البحر وأحرقت معها اسم سلاح البحرية من لائحة العنجهية الصهيونية المسمّاة بالتفوّق العسكري.. سحرنا محدّثًا عن عرفانيات توهجت في تموز، دمعت عيناه فاستحالت قلوبنا حبات دمع في قلادات من شوق وعزّ..

انتهت الحرب، ولم يغادر الضاحية إلا بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ لينطلق في مهمة تأمين كلّ المطلوب لإيواء أهل المقاومة في مناطقهم وقراهم التي نزحوا منها وعادوا إليها، معزّزين مكرّمين، ولتعود ضاحيتنا وكل بقعة تضرّرت "أجمل مما كانت"، كي لا ينام أحد ليوم واحد في العراء، كي يحفظنا ويحفظ عزّتنا، ويكون خير عون للمقاومة في ذلك تمامًا كما كان في كلّ تفصيل عسكري.

اقتربت ذكرى الفقد الذي ما فارق أوردتنا برهة منذ ذلك الفجر الذي أحرق قلوبنا، وفي كل يوم نعي أكثر من هو قاسم سليماني.. هذا الفارس الذي ندين له بأكثر ممّا يمكن للكلمات أن تقول.

الآن في الضاحية، في مدينة الحبّ التي تلفّ بالجفن عيون الشهداء، كيفما نظرنا يمكن لقلوبنا أن تلمح طيف سليماني ببزة الحرب وعتاد الحبّ، تمامًا كما تلمح بأس العماد يمشي في عيون النّاس ثائرًا، ويمكن لأرواحنا أن تسمع الغضب الزينبيّ في صوت السيّد حين قال "أيّ دمٍ لنا سفكتم...". الآن من الضاحية، تحيّة مرصعّة بالدمع وبالفقد وبالامتنان لمقاتل أمميّ لم يتخلّ عنّا في أحلك ساعات القتال، لوليّ طاهر شهيد سيبقى حبّه زينة قلوبنا، لسندٍ ليس كمثله أحد!

حرب تموز 2006قاسم سليماني#فارس_القدس

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة