معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

كيف يخاطب العدو جمهور النفط وكيف يخاطب نفسه؟
21/12/2020

كيف يخاطب العدو جمهور النفط وكيف يخاطب نفسه؟

ايهاب زكي

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري "يجب تحليل العدو "الإسرائيلي" في ضوء حقيقته، وليس في ضوء ادعاءاته عن نفسه". واليوم ينقسم العالم العربي إلى قسمين، قسم يرى العدو على حقيقته، واهناً مرتجفاً خائرَ القوى، وآخر يراه حسب ادعاءاته عن نفسه، يقظاً مقتدراً صلب العزائم، القسم الأول تدفعه رؤيته لحقيقة العدو إلى الإصرار على انتزاع الحقوق، أمّا القسم الثاني فتدفعه رؤيته لتقديم كل التنازلات التي يطلبها العدو والتي لم يطلبها، وحتى قبل أن يطلبها، وهذا الادعاء عن النفس سياسة تستخدما "إسرائيل" منذ نشأتها، وهي سياسة لم تعد ذات جدوى، بعد عظيم الشروخ التي أصابتها بفعل من يصرّون على انتزاع حقوقهم، لذلك يبدو أنّ إعلام النفط أخذ على عاتقه مهمة إعادة ترميم تلك الشروخ، وترسيخ ادعاءات العدو عن نفسه في عقول جماهيره، فحين تقول "إسرائيل" لإعلام النفط إنّها قادرة على هزيمة لبنان وسوريا وإيران والحشد الشعبي وغزة دفعةً واحدة، بينما لا يمنعها عن ذلك سوى شديد رغبتها في تحقيق السلام وازدهار الشعوب، في الوقت الذي تقول فيه لنفسها بقسوة الحرب المقبلة، فهذا يعني أنّها كلفت النفط بمهمة تضخيم القدرة"الإسرائيلية".

في عمليةٍ تشبه السباق على نيل كل مخازي العار، يتنافس الإعلام السعودي على استضافة مسؤولين"إسرائيليين"، وهناك قاسم مشترك في جميع تلك اللقاءات، وهو الإصرار على تضخيم القدرة "الإسرائيلية"، والرغبة الملحة في صنع السلام، ففي لقائه مع جريدة الشرق الأوسط السعودية الخميس الماضي، يقول بني غانتس بصيغة تهديد الواثق "إذا لم تنحُ إيران ومحورها للسلام سيواجهون ما لا تُحمد عقباه"، أمّا عن السلام فيقول "الجنرالات الذين رأوا ويلات الحروب هم أكثر من يريد السلام، ومن بين الجنرالات يمكنني القول بكل ثقة، انني أكثرهم سعياً للسلام"، والثقة المفرطة التي يتحدث بها المسؤولون"الإسرائيليون" للإعلام الخليجي عموماً لافتة جداً، وتتناقض كلياً مع حديثهم لأنفسهم ولإعلامهم، حيث يملؤها الشك والارتباك والخوف، فهذا الغانتس الذي يتعامل معه الإعلام العبري باعتباره الساذج الأول في "إسرائيل"، حيث يتخذه نتن ياهو أضحوكةً وألعوبةً انتخابية، يقدمه الإعلام السعودي باعتباره الظافر القاصم والحكيم، ورغم أنّي لا أكترث لما يلاحظه البعض من فروقاتٍ في أطياف الساسة "الإسرائيليين" من يمينٍ ويسارٍ ووسط فكلهم قتلة، وحتى لو كانوا ملائكة سيظلون أعداءً إلى أن يُقتلوا أو يغادروا فلسطين كاملةً، ولكنهم حين يثرثرون كثيراً عن السلام، فهذا يعني أنّ الحكومة المقبلة ستكون أكثر تطرفاً ودموية.

وفي تنافسٍ مع الشرق الأوسط أجرى موقع إيلاف السعودي حواراً مع من قال انّه ضابط في "هيئة الأركان الإسرائيلية"، رفض الإفصاح عن هويته، لكنه قال الكثير من الكلام المضحك، ولا أعرف إن كان منبع ذلك أنّه "كوميديان" بطبيعته، وساقته الأقدار ليكون في "هيئة الأركان" لشيء في نفس الأقدار، أمّ أنّه يوجه خطابه لمن يعرف مسبقاً أنّهم سيرون في كلامه "قولاً ثقيلا"، مهما كان خفيفاً وتافهاً مكتنزاً بالصبيانية، فمن ضمن ما قاله انّ "الطيران"الإسرائيلي" يستمر في التحليق بالأجواء الإيرانية لجمع المعلومات وقتما شاء"، ويقول أيضا "إنّ السيد نصر الله رفض عرضاً إيرانياً لشغل منصب سليماني"، ويقول كذلك "انّ الرئيس السوري بعث بإشارات للسلام شرط أن تدعمه "إسرائيل" في البقاء بالحكم ومساعدته لإخراج إيران من سوريا وجلب الأموال الخليجية". وهذا القائد ذاته لا يجرؤ أن يقول هذه السذاجات لموقعٍ "إسرائيلي"، فلو قالها لصحفيٍ "إسرائيلي" قطعاً سيطلب له فنجان قهوة سادة ويؤجل اللقاء، لأنّ الصحفي سيعتبره ثملاً، فهذا القائد الذي يعجز أحد جنوده عن إطلاق النار على فلسطيني، ألقى عليه زجاجة حارقة من مسافة مترين، وكان الجندي يشاهد ويتراجع والشاب الفلسطيني يهمّ بإشعالها، وعجز عن إطلاق النار لأنّه أصيب بصدمة حرب، كما بيّنت التحقيقات "الإسرائيلية"، يريد إقناع جمهور النفط مستلَب الوعي بأنّه هرقل.  

ولكن كيف يخاطب "الإسرائيلي" نفسه؟ أصدر مؤخراً "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، تقريرا عن سيناريوهات الحرب المقبلة، وهنا لا مجال للمزاح أو "البروباغندا"، فهنا الحقيقة المطلقة التي يدركها العدو إدراكاً شديداً، رغم أنّه لا يعدم وسيلة التخفيف من قتامتها، فيخلص التقرير إلى أنّ الحرب المقبلة ستكون بمشاركة إيران، وستتلقى "إسرائيل" الصواريخ من لبنان وسوريا والعراق وغزة، وستتعرض الجبهة الداخلية للفوضى، وستكون حرباً قاسية ومدمرة، ورغم سوداوية المشهد الذي قدمته "إسرائيل" لنفسها في هذه الدراسة، إلّا أنّ الملاحظ هو كمّ مواد التجميل التي "دلقتها" على وجه هذه الدراسة، لتكون بشاعتها مستساغة للعين وغير منفرةٍ للعقل "الإسرائيلي" غير خالعةٍ للقلب، فإنّ في الحرب المقبلة حسب التصور "الإسرائيلي"، تتوقع أن تُفتح جبهات سوريا ولبنان والعراق وغزة وبمشاركة إيران، سيكون الدمار والقسوة مجرد آثارٍ هيّنة، لأنّ هذه الحرب بهذه الجبهات حسب السيناريو "الإسرائيلي" دون زوالها، ستعتبر نفسها انتصرت نصراً ساحقاً، فهو انتصارُ البقاء على قيد الجغرافيا، لذلك فإنّ "إسرائيل" تسعى حتى لا تقع هذه الحرب غداً، ولكنها تعرف أنّها قد تأتي في أيّ غدٍ، وهي تستعد لها دون الأخذ بعين الاعتبار كل فقاعات التطبيع وفقاعات المطبعين التي لا قيمة لها ولا وزن على مآلات الصراع.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف