معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

العلاقة المُحرّمة مع
12/12/2020

العلاقة المُحرّمة مع "إسرائيل"!

هيثم أبو الغزلان

حقّقت الاستراتيجية السياسية التي اتّبعها رؤساء حكومات الاحتلال الصهيوني منذ اسحاق رابين وصولًا إلى نتنياهو، والمتلخّصة بـ "عدم وجود شريك فلسطيني" المكاسب الكثيرة للكيان الإسرائيلي. فهذه الاختراقات العديدة التي أحدثتها هذه الاستراتيجية مؤخرًا تمثّلت بالإعلان "المفرط والمتسلسل" للتطبيع عبر انتقاله من السرية إلى العلن، باقتناع تام من قبل بعض قادة هذه الدول المُطبّعة، وبضغط ومساومات مع آخرين. ومن المعروف أن التطبيع بانتقاله من السرية إلى العلن قد جاء بعد سلسلة طويلة من التراجعات والاخفاقات العربية التي يتحمّل الجانب الفلسطيني الرسمي بعضًا من مسؤوليتها ما أفضى إلى الانتقال من التطبيع السري والمتقطّع والتدريجي إلى التطبيع العلني حدّ التحالف مع الجانب "الإسرائيلي".

فقد ردّد الزعماء العرب طيلة عقود من الزمن سيمفونية اعتبروا فيها إسرائيل عدوة، وربط العديد منهم بين التطبيع معها والتقدم بعملية السلام والتوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. ورغم ذلك قام أنور السادات بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد (1979)، وتبعته منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيعها اتفاقية أوسلو (1993)، وتوقيع الأردن اتفاق سلام في (1994)، لكن ذلك لم يجلب سلامًا ولم يوفر أمنًا، بل ازداد التطرف الإسرائيلي تهويدًا واستيطانًا وإجرامًا ضد الشعب والأرض. ولم يستجب الإسرائيلي للمبادرة العربية التي أطلقها الزعماء العرب في بيروت (2002) وتلخصت بتحقيق السلام الشامل شرط الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. تلك المبادرة نفسها التي لم يجف حبرها حين قام جيش شارون باجتياح الضفة الغربية، وردّد القادة الإسرائيليون على شرفها أن العربيّ الجيد هو العربيّ الميّت.
كامب دايفيد وأوسلو ووادي عربة لم تجلب سلامًا ولم توفر أمنًا بل ازداد التطرف الإسرائيلي تهويدًا واستيطانًا وإجرامًا
إن التطبيع يعني تحويل ما هو طارئ وشاذ إلى وضع طبيعي، ففكرة التطبيع هنا تعني أن بعض الدول إن أحسنّا الظنّ لم تكن مقاطعة لـ"إسرائيل" سابقًا، وطيلة عمر الصراع معها، لأن في حالات الحصار العربي والمقاطعة لهذا الكيان الغاصب كان القادة الإسرائيليون يشعرون بأزمة وجود لكيانهم (1948، 1967..)، لذلك انتهج "ديفيد بن غوريون" (سياسة القفز على الحواجز الإقليمية)، بغية كسر الحصار العربي، وخلق بيئة تعاون ولكن ليست بديلة عن المحيط العربي والتعاون معه! ولهذا فإن الاعلان عن التطبيع مع بعض الدول العربية هو انتقال من حالة التعامل السريّة إلى الكشف عنها والتعاطي معها بعلانية ودون خجل. فقد أورد "إسرائيل شاحاك" في كتابه "أسرار مكشوفة" أن بعض الدول العربية، ولأهداف مقصودة وأهداف عملية، قد توقّفت عن مقاطعة "إسرائيل" في العام 1967، بعد حرب الأيام الستة مباشرة، وبدأت في متابعة أشكال مختلفة من التجارة والعلاقات الأخرى معها. وكتب "يوسف عين دور" في صحيفة "عال همشمار" مستندًا إلى معلومات زوّده بها البروفيسور في (جامعة تل أبيب) "جاد جيلبير" الخبير في اقتصاد الشرق الأوسط أن قيمة الصادرات الإسرائيلية بلغت في أوائل الثمانينيات إلى الدول العربية بما في ذلك المناطق المحتلة حوالى 500 مليون دولار، وبلغت الصادرات الإسرائيلية الخفية لدول عربية حوالى 10% من إجمالي الصادرات وهو ما يعادل بليون دولار أمريكي".

العلاقة المُحرّمة مع "إسرائيل"!

لقد أدّى الاعلان عن اتفاقيات بين "إسرائيل" وقادة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب مؤخرًا نتيجة لدوافع تكتيكية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لها علاقة بالحالة الأمريكية الداخلية، وبانحيازه المطلق إلى جانب الكيان الإسرائيلي والذي تمظهر من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، والضغط على السلطة الفلسطينية بعدد من الإجراءات الهادفة إلى إعادتها إلى مربّع التنسيق الأمني وهذا ما حصل بالفعل. إن من الواضح أن قيادة السلطة الفلسطينية قد قرأت وأُفهمت المشهد الرسمي إلى أين يذهب، وكيف تسير الأمور حاليًا. لقد أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوجّه العام منذ (2017) حين قال إن كثيرًا من الدول العربية لم تعد ترى في "إسرائيل" عدوًا لها. وهذا يشير إلى أن سياق التطبيع بين "إسرائيل" والدول المُطبّعة سيكون من أولى مهامه تشكيل حلف مشترك لمواجهة أخطار أخرى على رأسها الخطر الإيراني ومحاربة حركات المقاومة، والتعاون في مجالات أخرى بناء على وجود مصالح مشتركة بين الجانبين في مجالات البيئة والطاقة والأمن والمياه، والتهديدات غير التقليدية: أمن الغذاء والأمن السيبراني ومرض "كوفيد-19". وقد اعتبرت  ابتسام الكتبي (رئيسة "مركز الإمارات للسياسات")، أن ""اتفاق أبراهام" يمثّل فصلاً جديداً في تاريخ الشرق الأوسط، حيث يعكس التّغيّرات الهيكليّة التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي". وأضافت "استند التطبيع الى تعاون حقيقي يخدم مصالح البلدين وإلى الرغبة في إقامة نظام أمني جديد. إنه سلام قائم على الخيارات وليس الضرورة". ويُرجّح الكاتب في معهد واشنطن والصحفي الإسرائيلي "إيهود يعاري" أن "تكون إقامة ترتيبات تطبيع تدريجية مع العديد من الدول العربية هو المسار الأكثر ترجيحاً للتطور القريب المدى لعملية السلام بين العرب وإسرائيل، بدلاً من سلسلة وشيكة من الاتفاقات التاريخية على غرار الاتفاق الذي وقّعت عليه الإمارات". وأن تقوم "الولايات المتحدة بالمساعدة في تسريع وتيرة هذا التحوّل التدريجي من خلال الوساطة أو الرعاية أو المشاركة في مبادرات محددة". وهذا يبدو أنه المسار الذي يعمل وفقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه المقرب منه. إن الهدف الرئيس من التطبيع المتسارع بحسب يعاري هو "النجاح السريع لاتفاق التطبيع الإماراتي ليكون نموذجاً للشركاء المحتملين الآخرين وتشجيعهم على إحاطة الفلسطينيين بـ "حزام سلام" عربي - "إسرائيلي" يُقنع رام الله بالسعي إلى التوصل إلى اتفاق". ويبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه..

في المحصلة إن التطبيع الفوقي رغم خطورته لا يلزم الشعوب ولا يُعطي الاحتلال صك براءة على احتلاله وجرائمه بحق شعبنا وأمتنا، وليس له أيّ مسوغ قانوني ولا يتمتّع بشرعية، ولا يُلزم إلا أصحابه، وسيبقى الكيان الإسرائيلي كيانًا غير شرعي في محيط لا يعترف به ولا يقبل بوجوده، ولن يستطيع تثبيت كيانه بوجود بحر من الرافضين لوجوده غير الشرعي. ورغم ذلك ينبغي لقوى المقاومة في الأمة الرافضة للاحتلال أن تُوحّد جهودها وتضع الخطط والبدائل في سبيل استمرار المواجهة وتعزيز المقاومة الشاملة.

الاردن

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل