نقاط على الحروف
جميلة بوحيرد.. مقاتلة ومناضلة لم تسقط
ليلى عماشا
كان على طوابير التلامذة في المدارس الجزائرية أن ينشدوا في الصّباح حبًّا لفرنسا: "فرنسا أمّنا". وكانت جميلة تخرج من الطابور وتصرخ بأعلى صوتها "الجزائر أمّنا".
وكانت "جبهة التحرير الجزائرية" تخوض معركتها باللحم الحيّ ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت جميلة في صفوف الجبهة وردة تزرع الألغام في الطرقات التي يسلكها المستعمرون، وفي المقاهي وفي الملاهي التي يرتادونها، وكانت قائدة تخطط وتنفذ مع مجموعات المقاتلين أجمل العمليات ضد المحتل، حتى تحوّلت إلى اسم أول في قائمة من يطاردهم المحتل ويسعى لاعتقالهم أو لقتلهم بكلّ الوسائل، بل بأكثر الوسائل وحشية. أصيبت برصاصة في كمين نصبه المظليون الفرنسيون ما سهّل عليهم اعتقالها عام ١٩٥٧ وتعذيبها والتنكيل بها كي تعترف ولو باسم أحد رفاقها، وكانت بين إغماءة وأخرى من جراء الصعق بالكهرباء تصرخ: "الجزائر أمّنا".. وبقيت قيد الاعتقال حتى تحرير الجزائر عام ١٩٦٢.
منذ مدة يتلهّى بعض المهرجين باطلاق اشاعات تدعي رحيل جميلة بوحيرد.. الاسم الذي ارتبط بالثورة الجزائرية وبمقاومة الاستعمار الفرنسي ارتباط الدفء بالنار، والاسم الذي حيكت حول حكايته مئات القصص والتقارير الصحفية، والاسم الذي تحوّل إلى رمز ثوري مقاوم في بلاد ظنّ المستعمر أنّ الخضوع قدَرها، فقاتلت بكلّ ما فيها: بشبّانها وكهولها ونسائها وأطفالها.. تلك الثائرة التي لا تشبه ثائرات "الربيع العربي"، نفت الشائعة، فأوطاننا العربية، لم تعد تحتمل المزيد من المآسي المتتالية.
لكن شائعة كهذه، تعيدنا الى واجبنا الوطني، بتمجيد هذه الأيقونات الثورية، وتقديمها كما يجب، فبوحيرد مناضلة خجولة تتحاشى الظهور كي لا يُفهم أن ظهورها استعراض، وتعتبر أنّها لم تؤدِّ أكثر من واجب وطني وأخلاقي تجاه بلادها. كثيرة كانت الأعمال الفنية التي تناولت شخصية جميلة بوحيرد ونضالها، بين القصائد التي قيلت فيها والأفلام الوثائقية التي تحدّثت عنها وعبرها عن ثورة المليون شهيد، إلى السينما التي وثّقت سيرتها في فيلم "جميلة"، لكنّ هذا كلّه لم يجعلها تتعامل مع نفسها ومحيطها كأيقونة أو كحالة استثنائية، بل تصرّ دائمًا، بحياء جميل يشبهها، أنّها كانت حلقة واحدة من سلسلة لا تنتهي من الثوريين.. وحتى حين خاضت العمل السياسي بعد تحرير الجزائر، انسحبت بسرعة حين شعرت أنّ دورها قد لا يكون بالفعالية التي استطاعت تحقيقها بالقتال،
تتابع حياتها بعيدًا عن الأضواء التي أرادت دومًا متابعتها، حرّة عزيزة لا يلوّث حسّها الثوريّ وسيرتها الكريمة أيّ عامل من العوامل التي تغري المرء عادة حين يكون شهيرًا.
لكنّها في بعدها تتابع أخبار كلّ عمل مقاوم، تسمّي بيروت "عاصمة المقاومة"، تشارك في بعض حفلات التكريم التي تُدعى إليها وتعتبرها منبرًا يذكّر من نسوا أنّ الاحتلال، كلّ احتلال مهما كان اسمه ووجهه، لا يزول إلّا بالقتال.
بوحيرد، صورة عن امرأة مقاتلة، عن مناضلة لم تسقط يومًا في فخ الاستعراض، عن سيدة محترمة لم تغرها الدنيا ولا أوقعتها في أفخاخ الشهرة والأيقنة المستحدثة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024