معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

لكِ يا مصر السلام!
25/10/2020

لكِ يا مصر السلام!

أحمد فؤاد
معقدٌ كلغز لم يحن أوان فكه، مخادعٌ كسراب لا تعكس صورته أي معنى للحقيقة، لكنه مظلم تمامًا.. هكذا يبدو الوضع الخليجي مع التطبيع اللاهث إلى طريق تل أبيب، متعاميًا عن مسيرة بلدان أخرى، من المنطقة المنكوبة ذاتها، لم تجد في السلام سوى المرارة والألم والخيبات المتتالية.

مصر التي سبقت إلى اليد الصهيونية باتت بلدًا لم يعد يملك من أوراق حياته شيئاً، فضلًا عن حيازة أوراق بمحيطه أو إقليمه، مستقبل مشوش، يبدو فيه المجهول هو الخيار الأكثر سعادة ورومانسية.

بمسيرة ضالة في طريق التسليم، تقترب مصر من استكمال نصف قرن من الضياع، التخبط، التيه، في الطريق إلى حلم "الرخاء والتنمية"، كلمتي السادات الأكثر ترددًا على مسامع المواطن المصري، منذ توقيعه على اتفاق يقضي بتسليم عدوه كل مقدرات بلده، أمنها وحاضرها، وجودها ومستقبلها، لتزداد الهوة بين البلد ومحيطها العربي، ويتعمق بالتالي ارتباطها بالغرب، وفي الخيار الأول خسرت مصادر قوتها، وفي الثانية لا تزال النخب تنظر إلى أوروبا باعتبارها المثل الأعلى، والقِبلة الأولى المرجوة.

في مثل هذه الأيام، وقبل 47 عامًا، وحين كان الدم العربي في مصر وسوريا يزيد حبات الرمال قدسية فوق قدسيتها، كانت الخيانة أيضًا تستعد للكشف عن أحد فصولها الأكثر ترويعًا في تاريخنا الحديث.

عقدت المحادثات المصرية الصهيونية الشهيرة بـ فك الاشتباك/الارتباط.

بداية من العنوان الضاغط دخلت مصر ـ الأنظمة المتعاقبة لا الشعب ـ الحظيرة الصهيو ـ أميركية مبكرًا، حين قبل قادتها أن يجلسوا في خيمة تحت ظلال لافحة لدبابة صهيونية، في محادثات الكيلو 101، لتضغط على أذهانهم خلال سير المباحثات وقوف المدرعات الصهيونية على بعد كيلومترات من العاصمة القاهرة، وأثناءها وبعدها، كانت التنازلات تتدفق على الجانب الصهيوني، الذي لم يبد أحيانًا مصدقًا لحجم ما هو معروض أمامه.

فك الارتباط تحول مع الوقت إلى عنوان عصر جديد، تخلى النظام فيه تمامًا عن ارتباطه العربي، وصنع ارتباطًا جديدًا إلى واشنطن وتل أبيب.

منذ ذلك التاريخ، غيرت مصر الرسمية وبدلت تحالفاتها، فمن الشرق إلى الغرب، ومن النظر لمياه النيل، مصدر الحياة، للتطلع دائمًا للبحر المتوسط وما ورائه، منبع الضوء الزائف، ومن الحواضر العربية الفاعلة، والمخلصة، إلى صحارى الخليج وأباره المتفجرة ودراهمه وريالاته اللامعة، والنتيجة كانت بالضبط هي ما توقفت عنده الدبابات، قلب محاصر وخاصرة تتفكك يومًا بعد يوم، قبل أن تمضي مسيرة الخيانة والتطبيع على منزلق التراجع المساوم المستمر.

الجديد في الوضع المصري، هو الإعلام الخليجي، الذي يعيد قصيدة الوعود الكاذبة، التي ثبت قطعًا زيف كل حروفها، من السلام إلى الرخاء، ومن التنمية إلى الأمان، اليوم مصر تقف مكبلة أمام حليف صهيوني، يمسك بتلابيبها في سيناء، ويقترب من قتلها في إثيوبيا، ويحاصرها في السودان، ثم هو ينتزع الحلفاء الأقرب للنظام في الخليج، وخزينته القادرة على الدفع والإنقاذ.

الخليج المسارع بأنظمته المصنوعة بريطانيًا، والمروية بالماء الأميركي النجس، إلى التطبيع، يعيد تدوير أسطوانة الحل الصهيوني لأزماته، تلك الأزمات المصنوعة من فشل الأنظمة، والحلب الأميركي المستمر والمستنزف لأموال بترولها، والحجة المرفوعة لنتعلم من عدونا الناجح، وليس لنا من صداقته بد.

الحال الخليجي، وعلى رأسه السعودي، بائس للغاية، من معدلات فقر تتعاظم، وموازنات مختلة، ومحاولات تحديث فاشلة، والأهم: أنظمة حكم فشلت في القيادة الروتينية اليومية، تنتمي بالكامل لعصور القبائل، وتريد فجأة أن تقود التحول إلى العصور الحديثة، لا هي تمتلك الأدوات، وبالطبع لا تتمتع بالكفاءة اللازمة.

السعودية، الغارقة في حروب بترولية لا نهاية لها، خدمة للمصالح الأميركية، ورغبة في إيذاء إيران وروسيا ماليًا، تعاني الأمرين مع استمرار حرب اليمن، ومع مدفوعاتها الهائلة للأنظمة التابعة لها ولواشنطن بالمنطقة، وبالإضافة لسوء الإدارة المروع والباعث على الشفقة، تريد حلًا لأزماتها، فتجد الصهيوني جاهز بسلاحه الحديث لليمن، وجاهز بإداراته للوضع الاقتصادي، وتأثيره الهائل والقادر في أسواق المال، بعد الفشل في تحقيق نتائج لخطة التحول 2020، وفشل طرح "أرامكو" عملاق البترول في البورصات العالمية، وتراجع أمل فتح ثغرة في جدار عصر ما بعد البترول رغم مئات المليارات من الريالات التي رصدت لدعم القطاعات الصناعية والتكنولوجية، ثم ذهبت هباء.

يتخيل صانع القرار الخليجي إن الكيان منظمة خيرية، ستأخذ بيده إلى بر الأمان، وتصنع معه العصر الجديد الذي يراه ولا يستطيع دخوله، لكن هل نجح من سبق الخليج إلى الأحضان الصهيونية في تحقيق أي هدف روج له إعلامه الكاذب!

بعد أن سبق السادات، محمد بن سلمان، إلى مسيرة الاستسلام للعدو، تقف مصر في منطقتها تابعة، بعد أن كانت رائدة، باعت فلسطين، ثم تنازلت عن تيران وصنافير، عنق سيناء ومانحة التفرد لشبه الجزيرة، وأخيرًا تخشى التحرك عسكريًا لرد التهديد الأخطر عن مصدر الحياة "النيل"، بعد انكشاف الدور الصهيوني في إثيوبيا، منتظرة على ما يبدو ضوء ترمب الأخضر لرد التهديد عن حياتها.

باعت مصر المصنع والحقل والبندقية، وشبابها يلهث عبر جحيم البحر المتوسط، باحثًا عن فرصة حياة تحمله إلى أوروبا، وجيشها غارق في مربع منفلت بسيناء، يستنزف الأرواح والثقة، منذ سبع سنوات وأكثر، وحكومتها مشغولة بإهالة التراب على عصر التحرر والمقاومة، وإدانته، في ندوات يطلقون عليها تثقيفية.

بعد 47 عامًا من توقف المعارك، بين مصر والكيان الصهيوني، واتفاقية فك الارتباط، التي وعد بعدها السادات ـ وغيره ـ الناس بالرحيق والذهب، من الممكن أن يبدو الحكم على المسيرة، الآن، عملًا عقلانيًا وحيدًا، في ظل خسارة تقترب من أن تكون كاملة، ونهائية.

أنور السادات

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف