معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

أسرار التحرير الثاني.. ماذا حقق حزب الله؟
25/10/2020

أسرار التحرير الثاني.. ماذا حقق حزب الله؟

د.علي.أ.مطر
يكشف وثائقي أسرار التحرير الثاني الكثير من الخفايا والخبايا، العسكرية، الأمنية والسياسية، لا بل أنه يكشف عن تاريخ مشرق في عمل المقاومة في قدراتها وفي إيمان رجالها وثقتهم بالنصر وقدرتهم على القتال بظروف مختلفة.. القصير القلمون وغيرها من المعارك الهامة التي خاضتها المقاومة في سوريا، جعلت من الضرورة الحديث عن دورها في محاربة التنظيمات الإرهابية، ودورها في حفظ الحدود مع سوريا وتالياً حماية العمق اللبناني، فلبنان كان مكشوفاً تماماً أمام الإرهابيين لتنفيذ مشروعهم، وأخذ لبنان مطية لإقامة "دويلات" لتنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" متصلة بمواقعهم في سوريا.

لعب العنصر الجغرافي وارتباط لبنان بسوريا براً وبحراً، دوراً رئيسياً في إتاحة الفرصة أمام التنظيمات الإرهابية للدخول إليه. سمحت الحدود بين البلدين بتوغّل الإرهابيّين والسيطرة على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي اللبنانيّة في جرود السلسلة الشرقية بعد أن كانت قد وصلت لتخوم قرى أخرى عبر القصير. كان الربط بين لبنان وسوريا أحد أهم أهداف الجماعات الإرهابية، ووفق نظرة جيوبوليتكية، كان ذلك ضرورياً لتأمين خط الإمدادت لها من لبنان نحو سوريا. وبالتالي كان لا بد من دخول المناطق اللبنانية، وهذا ما شكّل خطاً أحمراً في المقابل هبت المقاومة للدفاع عن المناطق الحدوديّة مع سوريا. ولم تكن صدفةً أن كانت أولى المناطق التي عملت الجماعات الإرهابية على احتلالها، المناطق الحدودية الفاصلة بين لبنان وسوريا. فتمّت السيطرة على حمص، القصير والزبداني، ومن ثمّ المناطق السورية التّي يقطنها لبنانيون مثل زيتا، السماقيات، جرماش وربلة. كل ذلك من أجل فتح معبر الإمداد الرئيسيّ عبر الشمال اللبنانيّ والساحلَين السوريّ واللبنانيّ ما يُشكّل خطراً استراتيجيّاً على العاصمة السوريّة دمشق.

القصير فاتحة الانتصارات

شكّل حزب الله أحد أهمّ الداعمين والمساهمين في الحرب ضدّ الإرهاب، وكانت باكورة الحرب الكبرى التي خاضها حزب الله في القصير ربيع العام 2013 بعد إعلان المشاركة رسمياً في المعركة، عندها كانت التنظيمات الإرهابية قد وصلت إلى تخوم القرى اللبنانية وبات الخطر محدقاً بلبنان، فكان لا بد من التحرك السريع لإيقاف التقدم الإرهابي نحو لبنان، وقد كشف أسرار التحرير الثاني كيف بدأت المعارك، وكيف عملت قوات المقاومة وواجهت الاف المسلحين المحصنين في خنادق ومتاريس وغيرها.
كشف الوثائقي كيف أن ثلة من الرجال وضعوا النصر أمامهم، فيما كانت تتكالب عليهم الأمم، وتنتظر هزيمتهم على يد التكفيريين الذين أتوا إلى سوريا من كل حدب وصوب، إلا أن رجال المقاومة كانوا مصممين على النصر، فقاتلوا قتالاً شديداً من مبنى إلى مبنى ومن منزل إلى اخر إلى أن وصل القتال ليكون من غرفة إلى أخرى، وبهذه العزيمة كان النصر، وهروب الإرهابيين الذين استقدموا لواء كامل إلى القصير من حلب وبعد أن بلغ عددهم أكثر من 7000 مقاتل، لكن إقدام المقاومين كان أقوى، وفي زيارة صحافية إلى المنطقة رأينا كيف تحصن المسلحون، وكيف وزعت المناطق بينهم من الجيش الحر وجبهة النصرة ولواء التوحيد، وأخرين من الشيشانيين، وكيف كانت التحصينات كبيرة وأثار المعارك بين البيوت.

من يبرود إلى القلمون.. تحيرت عقول العسكريين

بعد انسحاب الإرهابيين من القصير، أصبحت سلسلة لبنان الشرقية من جرد القاع حتى عرسال معقلاً لمئات المسلّحين، الذين ينتمي معظمهم إلى "جبهة النصرة" وكذلك تنظيم "داعش"، وقد أنشأ هؤلاء في الجانب اللبنانيّ معسكرات تدريبٍ ومستشفياتٍ ميدانيةً وشقّوا طرقاتٍ عسكريةً في أعالي الجبال، وحصلوا على سياراتٍ جديدةٍ لتنقلاتهم وعلى أسلحةٍ جديدةٍ أيضًا، هذا فضلًا عن من كان يأتي من القلمون السوري الذي سيطرت عليه الجماعات المسلحة، ولذلك بدأ العشرات من هذه العناصر بالانسحاب نحو لبنان، وبدأت تنتشر شبكات تهريب الأفراد والسّلاح والمتفجرات نحو القرى اللبنانيّة، وهنا كان تحول أخر في القتال، من ناحية هو قتال المدن كما حصل في يبرود وصولاً إلى رأس المعرة، ومن ثم قتال في الجبال الوعرة من منطقة القلمون، وقد أظهر وثائقي أسرار التحرير الثاني كيف حارب رجال المقاومة في بيئات وظروف قتالية مختلفة، من المدن كما يبرود إلى الجرود وكيف تم تحرير جرود رنكوس والجراجير وعسال الورد وجرود رأس المعرة وصولاً إلى التلال الكبرى كتلة موسى الاستراتيجية ومن ثم الثلاجة وغيرها، حيث أستطاعت المقاومة تحرير ما يقارب 600 كلم من الجرود الوعرة التي لا يمكن لجيش بجميع عتاده أن يقاتل فيها، وهو ما حصل مع الجيش الأميركي في جبال تورا بورا، حيث لم تستطع كل طائراته هزيمة الإرهابيين، إلا أن المقاومة دخلت في عمق هذه الجرود وقاتلت دون غطاء جوي، وهو ما يحير عقول الخبراء العسكريين.

ما شاهدناه في حلقات أسرار التحرير الثاني حول تحرير جبال القلمون يظهر مدى عظمة القدرات العسكرية البدنية التكتيكية الإيمانية التي يمتلكها أولئك الرجال الذين لم تقف بوجههم صعوبات الجغرافيا والتحصينات الدفاعية فقد استطاعوا بالتوكل على الله أن يلينوا الجبال ويتحدوا الظروف ويصنعوا الانتصارات، هذا فضلاً عن إمتلاك قيادة عسكرية عملياتية وميدانية تمتلك خبرة قوية وذكاء حاد وحنكة عسكرية وإيمان بالنصر، وهذا ما ظهر من خلال مشاهد قيادة الشهيد الحاج ساجد الطيري، فضلاً عن المشهد الذي يحير الكثيرين والذي ظهر فيه الذكاء العسكري وسرعة البديهة عند الشهيد الحاج علاء حمادة عندما واجه مجموعة من النصرة أثناء الاستطلاع فقام بالتحدث معهم والتمكن من مباغتتهم والقضاء عليهم.

ما عرضه الوثائقي الذي يظهر القليل من قدرات المقاومة، يبين كيف أن دور حزب الله تدرّج من العمل الدفاعيّ عن المناطق الحدوديّة، إلى التحول في الأداء من الخبرة الدفاعيّة إلى المشاركة الميدانيّة الهجوميّة إلى جانب الجيش السوريّ، وتحول أداؤه العسكريّ إلى التكتيك الهجوميّ المضاد لحرب العصابات في وجه الجماعات الإرهابية.  وبذلك ثمة مسلّمة لم تعد قابلة للنقاش، أن الانتصارات الكبرى التي حققها حزب الله في سوريا، جعلته يلعب دوراً إقليمياً عابراً لدوره المحليّ، وجعلته ينطلق من الحماية لمناطقه وعمقه الاستراتيجيّ، إلى ركيزة أساسيّة للدّفاع عن محور المقاومة، وتحقيق إنجازات قلبت المعادلة العسّكريّة، وساهمت في إفشال مشروع الشّرق الأوسط الجديد.

وثمة حقيقة أخرى، أن ما كان يخاف منه العدو الإسرائيلي حصل، فقد استطاع حزب الله أن يُنمّي قدراته العسكريّة لمحاكاة أساليب القتال في مختلف الظروف والبيئات الجغرافيّة المحيطة بأيّ معركة، كما تحولت قوّات حزب الله، التي اكتسبت خبراتٍ جديدةٍ خلال مشاركتها في سوريا، إلى تهديد استراتيجي لـ"إسرائيل" عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة تمكّنها من العمل في الجنوب السوريّ، ومن محاكاة معارك مختلفة البيئات، ما يجعله قادراً في أية حرب مستقبلية على دخول الجليل.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل