نقاط على الحروف
طائر أيلول المهاجر..
ليلى عماشا
في الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر عام ١٩٩٧، أي قبل التحرير الذي كسر العنجهية الصهيونية على مرأى صنّاعها في العالم أجمع، أمكن لكلّ الناس أن يشهدوا أن المقاومة الإسلامية في لبنان تنتمي إلى مدرسة الإيثار الأصدق، وعرفوا أنّ هؤلاء القوم لا يدّخرون أولادهم للمستقبل، ولا يبعدونهم عن الساحات التي يدعون الآخرين إلى الإنخراط فيها حدّ الشهادة.. في ذلك اليوم، عرفنا جميعًا أن للسيد حسن نصرالله بكرٌ مجاهدٌ، بكرٌ زُفَّ إلى أبيه وأهله وحزبه شهيدًا، جثمانه قيد الأسر، وبأسه يحاكي بأس أبيه.
"هذا الشاب سار ككلّ مجاهدي المقاومة وككلّ شهداء المقاومة الذين استشهدوا أو المجاهدين الذين ما زالوا اليوم على خطوط المواجهة" بهذه الكلمات المرفقة ببسمة الجبل المقاوِم الصابر، زفّ السيد الأمين بكره، وفيما كان العالم كلّه يحدّق في عينيه بانتظار أن يلمح فيهما نظرة انكسار واحدة، كان يقول بكلّ ما أوتي من صدق وأبوّة " أشكر الله على عظيم نعمه أن تطلع ونظر نظرة كريمة إلى عائلتي فاختار منها شهيداً وقبلني وعائلتي أعضاء في الجمع المبارك المقدس لعوائل الشهداء".
بالأمس وبهذه المناسبة التي تحوّلت إلى محطة يتذكّر فيها الناس "طائر أيلول المهاجر" ويستعيدون فيها ذاكرة الدلالات التي تحملها من إيثار ومصداقية وإيمان حقيقي بمسار المقاومة، عرضت قناة "الميادين" وثائقيًا يتضمّن مقتطفات من حديث مع نجل السيد نصرالله السيد جواد، وكريمته زينب، حول استشهاد شقيقهما هادي، وعن ردّة فعل والديهما يوم الإستشهاد. البعد الوجداني الحاضر في الحديث كان كفيلًا بتثبيت صورة السيد نصرالله الأب الحنون في أذهاننا نحن الذين
بعيدًا عن أي تكلّف، تحدّث الأخ عن أخيه المجاهد المقدام، وتحدثّت الأخت عن الأخ الأكبر "الحنون". وصفوا لحظات لهم معه، ولحظات ذهابه إلى المهمة الأخيرة، والتي انتهت كما تمنّى قبيل مغادرته البيت مودّعًا أهله، وطالبًا من أخيه أن يدعو له بأن لا يعود.. أخذنا المشهد إلى كلّ المشاهد التي تشبهه.. إلى نظرات كل الشهداء الذين قبيل الشهادة يفيضون نورًا لا يُكشف سرّه إلّا حين "لن يعودوا".. والتحق نبضنا بكفوف السيّد وهو يجمع أغراض هادي الخاصة في "كرتونة" كتب عليها بخطّ يده "هادي".. رافقنا بسمته التي استقبل بها المهنئين بشهادة بكره كما لو أنّها الآن تلفّ أهل المقاومة كلّهم بوشاح الصبر، وأغمضنا عيننا كي لا نسمح لقلوبنا بتخيّل لحظة دمعة الأب التي أخفاها عن العالم كي لا يظنّ أيّ خبيث أنّ الدمع سببه الحسرة أو الإنكسار..فالسيد اختار لدمعه مكانًا بعلوّ حسين الثورة وزينب الإباء، وعلى هذا النهج حمد الله على نعمة استشهاد بكره، الذي اختار بكامل إرادته وفطرته هذا النهج وهذه الطريق.
طائر أيلول المهاجر، الشهيد الذي قضى نحبه اشتباكًا مع العدو في جبل الرفيع، والذي بطبيعة المنظومة المقاوِمة التي ينتمي إليها لم يحظَ بأيّ امتياز كونه ابن أمينها العام، انضمّ إلى قافلة الشهداء التي جمعته بكلّ مَن كانوا مثله وكان مثلهم.. ومثل كلّ الشهداء، ترك عائلة تفخر به، تتذكره وتستعيد حكاياته في كلّ جلسة وفي كلّ مناسبة، وترك وعائلته الكريمة في قلوبنا بصمة من حبّ ودرسًا في الإيثار.. هذه المقاومة التي لا فرق بين أفرادها إلّا بما سُطِّر بالدم، وبهذه الروحية الصابرة المقاتلة، غيّرت وجه العالم، وستبقى حتى تعيد إليه وجهه الأنقى، وجهه الخالي من "اسرائيل".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024