نقاط على الحروف
سرقة "ذكيّة" لأصواتنا وكلماتنا
أمير قاروط
أعتقد أن جميع من يملك حسابًا، على "فايسبوك"، وصله إشعار تحديث مؤخرًا، وأجزم أن أغلبنا لم يطّلع على محتوى التحديث من خلال خيار (read preview) الموجود في أسفل الرسالة / الصفحة؛ التفاصيل باتت شبه معروفة لدى بعض مستخدمي "فايسبوك" ومنتجاته المتعددة، وهي تمرّ عادةً مرور الكرام عند الأغلبية، إلّا ما ندر من بعض المستخدمين، الذين يتعاملون مع تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي بجديّة عالية، لأنهم يعلمون حجم الخطر الذي تشكّله على خصوصيّة الفرد والمجتمع.
سأتحدّث عن شخص، يعيش معنا ويختلي بنا، طيلة 24 ساعة، وعلى مدى 7 أيام في الأسبوع، طيلة أيام السنة، ليلًا ونهارًا، في كل مكان نتواجد فيه وهو يعلم بكلّ فعلٍ ونشاط وحركة نقوم بها، الهاتف الذكي، بمختلف أنظتمه (IOS / Android...)؛ سأختصر المعلومات قدر الإمكان، بالرغم من أهمية الموضوع، وضرورة متابعته والجديّة بالتعامل معه.
تملك شركة Facebook العديد من التطبيقات الأُخرى تُعرَف بـ (Facebook products)، أغلبها معروف ومُتداول في مجتمعنا، وبعضها غير متداول، نظرًا لاستخداماته الاحترافية والعملية، وأيضًا العديد من البرامج والأنظمة والشبكات المدعومة أو التي تندرج تحت سلطة "فايسبوك"، واللافت في كل قوانين تلك التطبيقات التي نقوم بتحميلها، أنّها تبلّغنا "أحيانًا" بطريقة واضحة، من خلال عقد الشروط والأحكام (terms and conditions) والذي لا نقرأه عادةً، وتطلب منّا أن نعطيها الإذن من خلال ضغط "أُوافق" للولوج والاستفادة والقدرة على التحكم (access ) بالصور والفيديوهات والمايكروفون وأرقام الهاتف والكاميرا، وأيضًا بشبكة الإرسال التي ترتبط بالهاتف، وكل البيانات الموجودة فيه، وطبعًا، تطلب منا كل ذلك بدون تفسير واضح للمستخدم عن طبيعة الاستفادة "الحقيقيّة" من هذه الامتيازات، بالإضافة إلى تفعيل خيار تلقائي لتحديد الموقع، وغيره..
النقطة الأساسية في الملف، هي التي أشرتُ إليها في بداية المقال، أن الهاتف هو شريك يومي لصيق، كيف ذلك؟
هل حصل أن تعرضت يومًا لموقف مشابه؟ بعد أن أنهيت "سهرة" أو "لقاء" معيّناً مع الأصدقاء، وكنتم تتحدثون عن السّفر مثلًا، أو عن "أثاث المنزل"، أو أي عنوان آخر، وبعد الانتهاء والخروج من السهرة، دخلت إلى حسابك على "فايسبوك" أو "إنستغرام"، فظهر لك إعلان على الشاشة، يُخبرك بالمنتج الذي تُريد، أو الخدمة التي كُنت تتحدّث عنها مع الأصدقاء!
أو يقترح عليك "فايسبوك" أحد الأشخاص لتُرسل له طلب صداقة (suggested freinds) بعد أن تكون قد ذكرت اسم هذا الشخص، أو تكلّمت عنه بصوتك في السهرة، وهاتفك بجانبك...
حسنًا، ما لا يعرفه البعض، أن لدى الهواتف الذكية، القدرة على الاستمرار بتسجيل الصوت من خلال المايكروفون الخاص بها طيلة مدّة اقتنائها، أي، يمكنها أن تُسجّل صوتك ومحادثاتك وكل حوار أجريته لمدة عام أو عامين أو أكثر، عبر المتصفّح الخاص بها، مثلًا سفاري، وهو المتصفّح الموجود في هواتف apple، وهو يتحكم بالمايكروفون والكاميرا داخل الهاتف، وذلك بشكل افتراضي وتلقائي، دون خبر مُسبق أو إنذار أو إشعار يُخبرنا بهذه الكارثة، والكارثة الأكبر، أن هُناك أشخاصاً لا يعلمون حتى أن safari وغيره، يمكنهم الوصول والتحكم بالكاميرا والميكروفون.
يمكننا تغيير وإلغاء هذه الصلاحية من داخل الإعدادات، ولكن لا يوجد دليل مؤكد، ولا أحد من عُلماء التواصل الحديث والأمن السيبراني، يجزُم بأن هذه الشركات تلتزم بالوعود أو يجزم بعدم وجود خروقات وغيرها، وأيضًا، يبررون ذلك بأنهم يسعَون خلف خدمة أسهل وأفضل على المتصفّح، ومن أجل راحة المُستَخدِم.
طيّب، safari يتحكم بجهازنا، إذًا كيف يعرف "فايسبوك" بتلك التفاصيل؟ الجواب، أن "فايسبوك" وغيره من الشركات، والتطبيقات الرائجة التي تظهر فجأة، مثل face app وغيرها، تستفيد من البيانات التي "تسرقها" منّا الشركات الداعمة، لدواعٍ عديدة، يختصرونها بأنهم يريدون تقديم أفضل وأسهل خدمة ممكنة لنا.
يستفيد "فايسبوك" من تلك البيانات، ويحللّها، ويعمّمها على كل أنظمة منتجاته، ويقوم بالاستفادة منها وتعميمها. وقد اعترفت apple مؤخرًا أن الأطراف الخارجية التي تقوم بشراء أو طلب البيانات، قد تستمع إلينا أثناء تفاعلنا مع Siri، وتدّعي شركة Apple أن هذا الفعل، هو لأغراض التحسين. وتكمن المشكلة في أن Siri يتم تشغيله عن طريق الخطأ في كثير من الأحيان ويسجلّ تبادلات لأحاديث خاصة، مثل مواعيد وعناوين ومعلومات وغيرها، وهذا بالتأكيد ما لا يرغب به أغلب المستخدمين في العالم.
ومن أجل تطوير هذه الأنظمة، Siri في الآيفون، أو google home ، أو alexa في أمازون، تتم متابعتهم من قِبل فِرق بشرية - human workers، من أجل تحسين أداء هذه الأنظمة، ولفهم الأسلوب والنمط البشري بشكل أفضل عندما تتحدث مع المستخدمين.
أي أنّ تلك الفرق البشرية، تقوم بالعمل بشكل مباشر ودؤوب، لتلقين هذه الأنظمة، وتعليمها طريقة التواصل مع البشر بكل الطُرق والأساليب، حتى "السّوقية" منها، لتستطيع جمع أكبر قدر من التفاعلات والمصطلحات والانطباعات التي تصدر منّا، لتكوين أفضل صورة ممكنة عنّا، لتضيفها إلى "ملفنا".
الحقيقة هي أن أي جهاز لديه القدرة على تسجيل الصوت والفيديو لديه القدرة على تسجيلهما حتى عندما لا نعطيه أمرًا أو موافقة على القيام بذلك، ونحتاج جديًا اليوم إلى فهم أن البيانات أصبحت "سلعة"، لا يهم حقًا ما إذا كانت الشركة "تسرق" تلك البيانات لتحسين منتجاتها وخدماتها، أو لتجميعها وتغليفها وبيعها للمسوقين "يجب علينا افتراض أن هناك شخصًا ما يراقب دائمًا ما نفعله، في كل دقيقة وساعة وحديث ونقاش وجلسة ورحلة وفعل شخصي، ويرى ما تراه أعيننا، وفي نفس المشهد، يجب علينا ذلك".
قراءة تحديث "فايسبوك" حول سياسته الإعلانية وقدرته على الولوج واستخدام بياناتنا أمر ضروري، لنعرف ماذا نستخدم، وأي عيون تُحدّق بنا، خصوصًا بعد الاستهجان الكبير الذي حصل في المرة الأخيرة السابقة، التي أُثير فيها موضوع الـ avatar، وكيف تعامل البعض مع التحذيرات بسخرية واستخفاف، إلّا أن حقيقته هي "استكمال لملفاتنا، حتى تُستَخدم في يوم من الأيام في تسويق أو ترويج أو شيء آخر، يجعلنا نلهث خلف خدمة أو منتج معيّن، أو من أجل مجتمعات مُختَرقة هشّة..."
مواقع التواصل الاجتماعيالتكنولوجيافايسبوك
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024