معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

رعبهم صورة عن أماننا
26/08/2020

رعبهم صورة عن أماننا

ليلى عماشا

ازدحمت شرفات البيوت في الجبل الأمين عامل حتى وقت متأخّر من مساء الأمس.. تداخلت أصوات مدفعية الصهاينة مع أصوات الناس في الطرقات المشرفة على الحدود مع فلسطين المحتلّة، وتناقل أهل المقاومة أخبار الرعب الصهيوني على هيئة نكات تبدع في صياغة ذلّ العدوّ وهلعه.. وبعدها، نامت العيون مكسوّة بالعزّ، وأمكن للقلوب أن تشهد فيض الطمأنينة يسري بين النبضات.. بدا المشهد ساحرًا، لا سيّما بالنّظر إلى حال الصهاينة، فالمستوطنون اضطروا على التزام بيوتهم، في غرف آمنة قريبة من الملاجىء، فيما كان جندهم المهزومون يمارسون فعل الرعب الهستيري المضحك، بكلّ ما أوتوا من قنابل مضيئة وصرخات فزع..

بدون الدخول في مجريات ليل أمس، تستوقفنا ردّة فعل النّاس حيال ما جرى.. تعود بنا إلى أيّام الاحتلال في مقارنة تفرض نفسها وتترجم المعنى الأعمق لعبارة "هنا زمن النّصر".. في تلك الأيّام، حيث كان جيش العدو وأدواته اللحديون يتفنّنون في بث الرّعب والقلق في يوميّات سكان القرى الحدودية الصامدين والقرى المحاذية للشريط المحتل، كان الغروب إيذانًا بالدخول إلى المنازل وعدم الخروج ليلًا إلّا للضرورة.. وفي مرحلة ما، كانت أضواء البيوت تنطفىء باكرًا كي لا تثير فضول دوريّة لحديّين أو صهاينة.. كانت الأصوات في السهرات تنخفض بحيث لا تعبر جدران المنازل أو أسوار الحدائق.. كان القهر والشعور بانعدام الأمان خبزًا يوميًا، ونمط حياة أُجبر الناس على اعتماده.. كان يكفي أن يرمي الصهيوني قنبلة مضيئة واحدة كي يحلّ ظلام الترقّب والقلق على القلوب.. كان المشهد حافلًا بالحزن بكل تفاصيله.. حتى لحظات الفرح بعد عمليات المقاومة ضدّ مواقع الاحتلال وعملائه كانت تأتي مغلّفة بالصّمت، كي لا تستفزّ غضب المحتل ونقمة الخونة..

بسرعة، يتنقل القلب بين هذا المشهد وذاك الذي رأيناه بالأمس.. الفرح المصحوب بالأمان ولهفة النّاس إلى "التفرّج" على نوبات ذعر الصهاينة، لا سيّما مع توارد الأخبار عن اختباء الصهاينة في منازلهم، وعن خوفهم من التجوال، وعن رعبهم الذي جعل كلّ الناس ترى بعينيها هشاشة بيت العنكبوت وعجزه عن لحظة اطمئنان واحدة.

رعبهم صورة عن أماننا
قنابل ضوئية أطلقها العدو الاسرائيلي عند الحدود مع لبنان

وبين المشهدين، بعيون القلب أمكن أن نرى جيشًا من مقاومين عشّاق صنعوا الحرية عبر التراكم النوّعي للعمل العسكري المقاوم والمنظم والمتيقّن من حتمية النّصر..

هذا الحشد المقدّس من رجال الشّمس، الشهداء منهم والمنتظرون، كان بالأمس يتجلّى في سماء الجنوب، وفي سماء القلوب.. فكانت كلّ القلوب الطاهرة تتمتم نبضًا يحمد الله على العيش في زمن كسرت فيه العين المخرز وفتّتته رعبًا، ونبضًا يشكر كلّ مقاوم..

سهرُ العامليين وسائر أهل المقاومة تزيّن بالأمس بفطرته النظيفة.. هذه الفطرة التي لا تنطق إلا كرامة وإباء، وهذه الفطرة التي أبدعت المقاومة تحصينها بشكل يقيها شرّ السقوط في مستنقعات "الحياد"..

ما حدث بالأمس دليل صارخ على دور المقاومة في تعزيز أمان الناس وطمأنينتهم بحيث ما عاد يخيفهم الجيش الذي يعتبر نفسه ويعتبره الواهمون والخونة من أقوى الجيوش على الأرض وأكثرها تجهيزًا.. ودليل أيضًا على التفاف الناس حول من أعزّهم حبًّا وكرامة وحرية، ومن حرّر أرضهم من رجس الإحتلال وحرّر أرواحهم من قيود القلق والترقّب. وهنا يصبح الميدان المطرّز بزمرّد المقاومة جزءًا يسيرًا من التغيير الذي صنعته، فالميدان الأبرز كان العبور بأرواح الناس من عتم الخوف إلى فجرِ الانتصارات، ومن التوترّ اليوميّ حيال ما ارتكبه العدو أو ما قد يرتكبه إلى "التفرّج" بأنس كثيف على ما يرتكبه العدو مرعوبًا..

باختصار، المقاومة التي حرّرت الأرض وصانت البيوت وحمت الأرزاق، حصّنت فطرة النّاس وكلّلت أرواحهم بفيض العز والحرية.. وهل ثمّة فعل حرّ يشبه عيش هذه الحال من القوّة والحبّ؟

بالأمس تحلّقنا حول نوبة ذعر تخبّط خلالها الصهيوني، تبادلنا المستجدات بفرح غامر وقلب يهتف ملء نبضه ويكرّر عبارة سيد المقاومة "الإسرائيلي واقف ع اجر ونص!"، ولمحنا بأعيننا الحرّة والمسلّحة باليقين وبالأمان، طيف مغنية وقد أتى ومعه جيش من رجال الله يكرّرون بصوت واحد وهدّار: زمن الهزائم قد ولّى..

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف