نقاط على الحروف
سيناء.. الجرح النازف في رمضان
أحمد فؤاد
من جديد، وفي شهر رمضان الكريم، يعود الإرهاب ليدمي قلب مصر من سيناء الجريحة، ويخطف 10 شهداء - حصيلة أولية - ليلحقوا بطوابير طويلة من ضحايا عمليات التكفيريين في الأرض الغالية، ويحوّل بيوتًا مصرية إلى السواد الإجباري.
ضربة هائلة نجحت بها الجماعات الإرهابية المتشددة في كسر مشروع راهنت عليه الدولة مؤخرًا، عبر مسلسل "الاختيار" الموجه لقطاعات عديدة من الناس، بدأت لا ترى من الحرب المعلنة على الإرهاب سوى "أرقام أخرى"، لا تختلف عن الأرقام التي ترتفع بها وتيرة الأسعار، أو العجز اليومي والمستمر في توفير ضرورات الحياة، مع حظر وإيقاف جزئي للنشاط الاقتصادي والحياة في مصر.
أرادت الدولة أن توجه، أخيرًا، إعلامها وأموالها لخدمة قضية تراها أهم من غيرها، قضية الإرهاب قادرة على منح صك الاستمرار والقبول بالداخل والخارج، والتضحيات الغالية لأبناء البلد تستطيع انتزاع شرعية ما، كانت يومًا للنظام الحالي، قبل أن يفقدها تمامًا.
لكن العملية الإرهابية نجحت، بكل أسف، في تبديد وهم كان يجري تمثيله على الشاشات، دون وجود حقائق على أرض الواقع.. المسلسل العسكري ضخم الإنتاج والمصروفات، لم يضع المشاهد أمام حقيقة "من يَقتل" في سيناء، أراد تجنب الصدام مع مشغلي وداعمي النظام، وإبعاد شحنات الغضب عن حلفائه الحاليين فحصر العدو في مجموعات من المقاتلين، وحصر العداء في تركيا وقطر، ليحقق ما ظن داعمه وهمًا إنه اصطفاف وطني، فصدم الناس فجأة بالعملية الكبيرة، وفي شهر يعتبره كل مسلم أقرب للعبادة والتخلي عن حاجاته الدنيوية.
وقبل العودة لجذر الأزمة الحالية، وقلبها الذي يضخ الموت والألم إلى مصر، لا بد من التوقف عند حقيقة واضحة، وهي أن اتهام نظام الحكم الحالي بالفشل في إدارة التحدي الوطني بسيناء، وفي عموم مصر، لا يعني التقاطع مع الجماعات التكفيرية، أو مشغليها، كما أن الهجوم على سياسة النظام تجاه مفاوضاته، أسطورية الغباء عظيمة الفشل، مع إثيوبيا لن تدفع إلى الإقرار بالحق الإثيوبي في تعطيش المصريين.
بداية مأساة سيناء معروفة، ومن غير العسير إثباتها، وفضح كل ما يُراد تصديره عنها، سواء من إعلام الدولة، أو من الإعلام السعودي. أزمة سيناء تعود إلى بائع مصر ذاتها، والمفرط الأول في روحها وحقوقها، أنور السادات، حين قبل خلال مفاوضات الذل "كامب دايفيد" أن يمنع عودة الدولة بأجهزتها إلى مناطق معينة في سيناء، واستمر هذا الواقع لأربعة عقود تالية على مقتله، بيد خالد الإسلامبولي، الشاب المصري.
سيناء، بطبيعة انعزالها عن الوادي المصري، ثم بقربها من الكيان الصهيوني، وأخيرًا بالحظر المفروض على انتشار الجيش ومحدوديته في قطاعات ثلاثة فيها (أ – ب – ج) منحت الفرصة لتداخل صهيوني، ضمن ارتباط قطاعات من المهربين والتجار بالكيان، ثم جاءت الأموال السعودية الموجهة لتغيير التدين الصوفي لأهالي شبه الجزيرة لتكمل زرع النبتة السامة، وكل هذا جرى ويجري في غياب كامل للدولة، فنشأت مع الزمن حاضنة شعبية من أفراد قبائل سيناء الكبرى (السواركة – الترابين – الحويطات) للتنظيمات التي بدأت متشددة، ثم انتهت إلى مبايعة تنظيم "داعش".
زادت الحاضنة الشعبية مع مخاصمة الدولة للوجود في سيناء، ومع تراجعها وانكفائها إلى داخل حدودها، ثم تجميد الأزمات، بقرار غير مكتوب زمن مبارك، الرئيس الأسبق، والتجمد المصري قابله انفلات صهيوني، وتجبر أميركي، ومخططات صهيونية لا تتوقف، بل تجري كفرس في سباق طويل.
يكفي للتدليل على الدور السعودي، ما قاله ولي عهد آل سعود، محمد بن سلمان، منذ شهور طويلة خلال حديثه مع مجلة "أتلانتيك" الأميركية، "دخلنا الحرب الأميركية في الستينات ضد عبد الناصر والقومية العربية، ثم الحرب ضد إيران والثورة الإسلامية، إلى جانب الولايات المتحدة"، وقبله حديث حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري، السابق، عن "الدعم المالي" للفصائل المقاتلة في سوريا.
وللتأكيد فقط على جدية كلمات ابن سلمان، جاء حديث الرئيس السوري، الدكتور بشار الأسد، مع شبكة "راي نيوز 24"، الذي منع من الإذاعة بقرار حكومي إيطالي، عن الأموال الخليجية التي تدفقت على بعض الدول العربية، واستغلت أزماتها في الترويج للتطرف، وصناعة ظهير شعبي للجماعات التكفيرية.
الآن فقط، ومع وضع سيناء تحت الأضواء الإعلامية، جاءت العملية الإرهابية. ربما هي فرصة للنظام كي يعيد حساباته، سواء في الداخل المصري أو الإقليم العربي، فالعدو الأميركي واضح، والتخطيط الصهيوني جلي، والمال الخليجي فاضح، ونهر الدماء لن يتوقف بمسلسلات أو أفلام، بل بوقفة تعيد ترتيب الأولويات، وتضع التعاون مع الدول التي واجهت الحرب ضد الإرهاب مثل سوريا والعراق ولبنان على قائمة الحلفاء بدلًا من العلاقات الباردة مع الشقيق، الساخنة جدًا مع العدو الحقيقي.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024