الخليج والعالم
هل تشن تركيا عمليةً عسكرية على مواقع "قسد" في الشرق السوري؟
حشدت أنقرة مسؤوليها العسكريين مؤخراً في اجتماع ترأسه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وجاءت تصريحاته فيه موازيةً لتصريحات أخيرة لنظيره في الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، من أنّ صبر بلاده قد نفد وأنّ البديل عن التوافق التركي الأمريكي حول مشروع المنطقة الآمنة هو العمل العسكري، ورغم التأكيدات هذه إلا أنّ كلام أكار يحمل في طياته تأكيداً ضمنياً أنّ أي عمل عسكري لن يتم إلا في حال تأخرت الولايات المتحدة بالوصول إلى الاتفاق، فهل تنفذ تركيا تهديداتها هذه في ظل استمرار التسويف الأمريكي؟ وما هو الموقف الحكومي السوري من ذلك إن حدث؟.
المحلل السياسي والاستراتيجي والعضو السابق بالوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، الدكتور أسامة دنورة، أكد لموقع "العهد" الإخباري أن "خيار العمل العسكري التركي ضد قسد في تل أبيض أو سواها ليس خياراً سهلاً على الأتراك، فاحتمالات الصدام السياسي مع الولايات المتحدة تحمل محاذير الضغط الاقتصادي الغربي على اقتصاد تركي هش ومهدد بالانكشاف، ولكن التركي يدرك أيضاً مفاتيح الضغط ومواطن القوة التي يتمتع بها بمواجهة الأمريكي".
وأشار دنورة إلى أنه في ظل الحصار والعقوبات على إيران يصعب على الولايات المتحدة أن تخاطر بطرح تصعيد الضغوط على تركيا لأنه قد يساهم في إفشال الضغوط السياسية والاقتصادية على ايران، كما أن أية خطوات سلبية أمريكية ضد تركيا قد تدفعها للميل أكثر وأكثر تجاه موسكو لا سيما أن حصول تركيا على S400 قد افتتح مرحلة جديدة من التقارب التركي مع روسيا والابتعاد بالمقابل عن الناتو تسليحياً وبالتالي استراتيجياً وسياسياً".
ولفت إلى أن التركي كما يساوم ضمناً على ورقة ادلب، فهو يدرك أهميته للأمريكي والاسرائيلي من ورائه بما يقدمه من غطاء استراتيجي لإرهابيي ادلب، وبالتالي يطيل أمد استنزاف محور المقاومة، ويؤخر التعافي السوري بما يعنيه من استعادة سوريا لمناعتها الوطنية واستعادة التعادل في ميزان الردع المتبادل مع الكيان. فالبديل عن أردوغان سيكون ائتلافاً عماده حزب الشعب الجمهوري، والأخير أول ما سيقوم به هو رفع الحماية وفك الارتباط مع ارهابيي ادلب، وهو ما سيشكل خسارة كبيرة وقيمة استراتيجية مفقودة بالنسبة للكيان الاسرائيلي في مواجهته مع محور المقاومة".
وأضاف دنورة "لذلك كله لا يمكن أن نستبعد استبعاداً كاملاً احتمال شن عملية عسكرية تركية ضد قسد، خاصة إذا كانت محدودة بقصد الضغط السياسي، وعبر استخدام المرتزقة العملاء لتركيا من بقايا الحر ومن أشكال درع الفرات وغصن الزيتون، بحيث يعمل التركي عبر الوكيل على الضغط العسكري، متجنباً احتمالات الصدام العسكري المباشر مع الامريكيين".
وتابع قائلا "يبدو من تعثر محادثات جيمس جيفري وكينيث ماكينزي، قائد القيادة المركزية بالجيش الامريكي، أن التفاهم الأمريكي مع أنقرة عسير وربما متعذر في هذا الملف، فالأمريكي يصعب عليه رفع منسوب التصعيد ضد تركيا في الوقت الحالي، ويصعب عليه بشدة أيضاً التضحية بحليفه قسد المستجد، والذي يعول عليه الأمريكيون ومن خلفهم الاسرائيليون لإضعاف سوريا مستقبلاً وكعائق جيوبوليتيكي يسهم في الحيلولة دون إمكانية التواصل البري السوري- العراقي".
وبناء على ما تقدم، خلص دنورة إلى أن "الامريكي سيكون أمام أحد خيارين: إما ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية محدودة ضد تركيا لثنيها عن تصلبها بالتوازي مع استمرار المسار التفاوضي التركي – الامريكي، أو البحث عن حلول وسط تتضمن تراجعاً نسبياً للموقف الامريكي على حساب قسد، وهذا من شأنه أن يعزز شكوك قسد حول الضمانات الامريكية وحول المستقبل، باعتبار أنّ المفهوم التركي للمنطقة الآمنة سيجعل مشروع "روج آفا" برمته في خبر كان، لذلك فالخيارات الامريكية محدودة ومعقدة، وهنا من الممكن ان تكون التفاهمات الروسية - التركية قائمة على حل الوضع في ادلب بعد أن تتمكن تركيا من التحرر من تهديد قسد ووحدات الحماية كعمق استراتيجي للـ بي كي كي، ولكن مثل هذه القراءة هي افتراضية، فافتراض وجود مثل هذه التفاهمات غير المعلنة الروسية - التركية لا يقوم عليه أي دليل، وحتى تطبيقها في حال وجودها المفترض قد يبقى أمراً غير موثوق في ظل ما عرف عن النظام التركي من مراوغة وحنث بالعهود".
وتابع دنورة حديثه لـ"العهد" بأن "موقف الحكومة السورية من أي عدوان تركي على أراضي الجمهورية العربية السورية تحدده الأعراف والمواثيق الدولية، وهو حتماً سيقوم على الرفض المطلق والإدانة والحق في المقاومة، حتى لو أدى مثل هذا العدوان الى إفشال المشروع الانعزالي لقسد في الشمال الشرقي، فالتعاطي مع قوات احتلال معتدية لا يمكن إلا أن يكون بالمقاومة السياسية والعسكرية إذا تطلب الامر".
وختم بالقول "يبقى الخيار الأكثر حكمة لقسد أن تستعيد مظلة الدولة السورية لمواجهة أي عدوان تركي في ظل شرعية وطنية ودولية قائمة على الحق في مقاومة العدوان والاحتلال، وهذا من منظور قانوني شرعي، أما من المنظور السياسي البراغماتي فالتعويل على الحماية الأمريكية أمر في غير مكانه كما يظهر من التردد الأمريكي في البقاء، في حين أن التعويل على محور محاربة الارهاب والعمق الاستراتيجي الوطني السوري سيضمن توازن قوى مستقر وثابت ومستمر يسمح بلجم المغامرات والنزوع العدواني التركي".