الخليج والعالم
الفشل الأميركي في مواجهة إيران.. دروس وآمال
القاهرة ـ احمد فؤاد
أكد المنتدى السياسي والفكري للحزب الاشتراكي المصري، أن الولايات المتحدة تمارس سياسة عدوانية في المنطقة، تستهدف الشعوب، عن طريق محاولة ضرب القوى المقاومة في الشرق الأوسط، بمساعدة الأنظمة الخليجية المتحالفة معها، وتأتي مواجهتها مع إيران في هذا الإطار، مشددين على أن العالم العربي مدعو لوقفة جادة، ضد فرض الهيمنة الأميركية والصهيونية على المنطقة بالكامل.
وعقد الحزب الاشتراكي المصري، الأحد، ندوة بعنوان "السياسة الأميركية في المنطقة والمواجهة مع إيران" وحاضر فها الكاتب الصحفي بالأهرام مصطفى السعيد، وحضرها رئيس الحزب الاشتراكي المصري المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وعدد من ممثلي الأحزاب السياسية المصرية والكتاب والباحثين المهتمين بالشأن.
وقال الدكتور مصطفى السعيد، الكاتب والمفكر السياسي، أن الولايات المتحدة دولة عدوانية، قامت واستمرت على السلب والقرصنة، وفرضت نظام العولمة، في ظل تفوقها الصناعي الكاسح، والآن، هي تعاني من تبعات ظهور أقطاب جديدة، تحد من حركتها، وتكسب أرضية جديدة في الأسواق العالمية، وعلى رأسها الصين والاتحاد الأوروبي، وروسيا، بعد امتصاص صدمة تفكك الاتحاد السوفيتي السابق.
أكد "السعيد" أن الفشل الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، دفع "أوباما" لتجربة مخطط الفوضى الخلاقة، في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما واجهته سوريا، بدعم إيراني وروسي، موضحًا أن الصمود السوري يعود لمتانة محور المقاومة، ونشأة "الحشد الشعبي" كنتيجة لإطلاق "داعش" في العراق وسوريا، ورغم بعض أخطاء التجربة، إلا أنها تبقى أحد أهم الاختراقات الضخمة لخطط التفكيك الأميركية، ويكفي أنه ـ الحشد ـ حقق خلال شهور ما قال الجنرالات الأميركيين إنه سيستغرق سنوات.
نجاح إيراني رغم الحصار
ويستطرد السعيد: "أوباما حاول كبح الطموح الإيراني، في مجال التكنولوجيا النووية، فما يرعب الأميركي والصهيوني أن تنجح دولة معادية لهم في امتلاك المعرفة النووية، خصوصًا مع التقدم الإيراني المذهل، رغم سنوات الحصار الطويلة، فالبلد تمتلك كل مقومات التحول إلى دولة نووية، ولا ينقصها إلا قرار سياسي".
يضيف: "في العام 1979 تم فرض حصار على إيران، ووقعت مصر معاهدة "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيوني، في هذا التوقيت، دفع صدام إيران إلى حرب الثماني سنوات، وكانت إيران محاصرة ومصر منفتحة، تكبدت إيران تكلفة حرب كبيرة، وتم مصادرة أموالها في الخارج، ومصر تلقت معونات كبيرة، وبالرغم من ذلك إيران حققت تقدم اقتصادي وتكنولوجي وأصبحت دولة نووية، ومصر لم تحقق أي شيء ولم تستفيد من هذه الأموال لعدم توافر الرؤية والإرادة، وفى فترة السادات تم القضاء على كل مقومات الدولة والانفتاح أهدر أموال الشعب وكل الأدوات التي قدمت لنا للمساعدة تسببت في ضرر لنا على عكس إيران كل مقومات الدمار استفادت منها، وطورت قدرتها الذاتية، وحققت نجاحا في صناعة البتروكيماويات والسيارات والسلاح، ويكفى صمودها لمدة أربعين عاما، ووصلت نسبة الأمية لديها 2%، وهى في الصفوف الأولى في شتى العلوم. ولكي نبنى دولتنا لابد من الاستفادة من هذا الصمود والمقاومة".
وفي مجال مقارنة القوة العسكرية بين إيران وأميركا، يقول السعيد: "الولايات المتحدة تنفق 785 مليار دولار كموازنة للتسلح، ولديها ما يفوق 800 قاعدة عسكرية منتشرة بالعالم، ورغم ذلك، لم تربح أي صراع عسكري خاضته، ونهاية كل حروبها كانت مأساوية تدميرية، والعراق وأفغانستان والصومال شواهد قريبة، وفى المقابل إيران لم تبلغ موازنة تسلحها 12 مليار دولار، ولديها جيش نظامي وجيش عقائدي وهو الحرس الثوري تسليحه محلى، ولا يوجد لديه طيران، ولكنه يستفيد من تصنيع السلاح المناسب في أن يكون فعال مثل الصواريخ الباليستية".
ويؤكد أن "إيران حققت النجاح في صنع الطائرات المسيرة، وهي تعد سلاح المستقبل، وأخرجت أكثر من جيل، ولديها قوات بحرية كبيرة ودفاع جوي قوى من إنتاجها، يمكنها الدفاع عن نفسها، واستطاعت إسقاط طائرة تجسس عسكرية أمريكية بلغت تكلفتها 200 مليون دولار لأمريكا، وكل التقارير الدولية تشير إلى ضرورة استخدام السلاح النووي ضد إيران، ولكن إيران لديها قدرة على الردع، ولديها التكنولوجيا النووية، وتستطيع في حال وجود قرار سياسي امتلاك سلاح نووي، في وقت قصير، والدولة التي تتمكن من تحمل الخسائر بالتأكيد ستبلغ النجاح".
الخليج الخاسر الأكبر.. والكيان تحت النار
وعن خسائر الحرب المتوقعة، أجاب السعيد: "دول الخليج الخاسر الأول والأكبر، رغم أن بعض عائلاتها الحاكمة تقرع طبول الحرب، إلا أنها ستكون الضحية الأولى لها، وستندثر بعض الدول خلال الساعات الأولى من الحرب، والأخطر أن الحرب الشاملة يمكنها التدحرج إلى مواجهة عالمية شاملة، هذا كله بالإضافة للكيان الصهيوني، الواقع في المدى المؤثر لصواريخ كل أطراف محور المقاومة، والولايات المتحدة ستتكبد خسائر فادحة، فيما يتعلق بسلاحها البحري خصوصًا، وقواعدها المنتشرة بالمنطقة، ويمكن فهم سبب الصمت البريطاني على احتجاز سفنها، فالمواجهة مع إيران مكلفة للغاية".
ورد السعيد على بعض الأسئلة، متوقعًا أن تخرج الصين إلى دور عالمي، تستحقه، خاصة مع الخسائر المتتالية التي تضرب أميركا، فالدولة صاحبة الاقتصاد الأقوى عالميًا طرحت مبادرة الحزام والطريق، للالتفاف على هيمنة أميركية استمرت نحو 8 عقود، ولا يوجد مبرر حقيقي لاستمرار عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع التراجع الأميركي المستمر".
وشدد على أن مصر مدعوة للانخراط في عملية التحول الجارية، والاستفادة من التراجع الأميركي، على المستويات كافة، ودخول الصراع من بوابة المصالح المصرية والعربية، لا الخليجية، خصوصًا مع تصميم كل من الصين وروسيا على صناعة عالم جديد متعدد الأقطاب، وهو ما يصب في المصلحة العربية".
التنين الآسيوي قادم وقادر
وأكد السعيد في ختام الندوة، أن الصين بعلاقاتها الوطيدة مع العالم العربي، وقفت مع الحق الفلسطيني، ولم تعترف بالكيان الصهيوني، سوى بعد اعتراف أصحاب القضية به، وهي سائرة مع روسيا وإيران لرسم خريطة جديدة للعالم، تطوي مرحلة القطب الأوحد والبلطجة الأميركية، والتلاعب بمصير العالم والشعوب، والحرب التجارية التي خاضها ترمب ضد الصين، أوضحت بما لا يدع مجالا للشك، أن التنين الآسيوي قادر وقادم، وهي فرصة ذهبية أمام العرب لإعادة الميزان المختل إلى نصابه، والاستفادة من تغيرات المسرح العالمي".
من جانبه، أكد المهندس أحمد بهاء شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، أهمية متابعة تطورات الأوضاع، في ظل التحولات الأخيرة في المنطقة، وتحول منظور الأمن القومي لدى البعض من الكيان الصهيوني إلى إيران ثم الخطر الشيعي المزعوم، وتصريحات نتنياهو، رئيس وزراء كيان العدو بأنه لم يعد لنا عدو في العالم العربي وعدونا المشترك هو إيران، وتعاظم خسارة القضية الفلسطينية من سيطرة هذه الرؤية، وتسارع وتيرة الصراع مع إيران، وتجريم حزب الله ووضعه على قائمة المنظمات الإرهابية والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، وشيطنة إيران ودق طبول الحرب ضدها، وهو ما يصب في مصلحة الكيان بكل تأكيد".
الحصار الأميركي الطويل على إيران، والمستمر حتى اليوم بحجج شتى، ثبت أنه كان حصارًا على العرب، حصار استهدف قطع طريق التواصل بين مشروعين بينهما الكثير من المصالح وفرص النجاح والتكامل، فالمتطلع لخريطة العالم العربي اليوم، يجد الحيز الجغرافي العربي محصورًا بين مياه المحيط في الغرب، والصحراء الكبرى تعزله في الجنوب، والمتوسط شمالًا، وامتداد اليابسة مقطوع بتركيا والقواعد الأميركية فيها، ولا يتبق أمامنا إلا إيران، طريقًا مفتوحًا، بل ومستعدًا.
باختصار فإن إيران، والتي كانت تمثل في مراحل سابقة داعمًا ومؤيدًا وظهيرًا للقضية الأساس للعرب، فلسطين، دخلت رقمًا ولاعبًا في معادلة الصراع، وبقدر ما تمثله من خسارة للكيان الصهيوني، فهي مكسب للحق العربي، وبإمكانياتها الهائلة وقدراتها، فقد وفرت ضوءاً جديدًا لمسيرة جد مختلفة في الصراع الوجودي مع الصهاينة.