معركة أولي البأس

الخليج والعالم

03/07/2019

"العهد" في صحنايا غرب دمشق... والأهالي "صامدون هنا"

دمشق ـ محمد عيد 

دفعت بلدة صحنايا الواقعة في غوطة دمشق الغربية الضريبة الأكبر جراء العدوان الصهيوني الأخير على سوريا بارتقاء خمسة شهداء من أبنائها بينهم طفل رضيع لم يتجاوز عمره الأشهر. لكن البلدة كشفت عن وجه صامد عرف في صباح اليوم التالي كيف يكنس آثار العدوان ويعود سيرته الأولى مقبلا على الحياة.
 
"لولا وسائط الدفاع الجوي لكانت الخسائر البشرية كبيرة جدا"

كان ليل صحنايا هادئا ولا شيء فيه ينذر بالشر المستطير الذي سيحصل، وما إن انقضت عشرون دقيقة بعد منتصف  الليل، حتى اهتزت الأرض تحت أقدام السكان الآمنين في المنطقة التي تشهد كثافة سكانية عالية. المضادات الأرضية السورية كانت على الموعد وأسقطت معظم الصواريخ، لكن إصرار الكيان الغاصب على إيذاء المدنيين عبر إطلاق موجة كبيرة منها، أسفر عن سقوط أحدها في مكان قريب من التجمع، فتحطم جدار بكامله على عائلة صغيرة وارتقى الرضيع عبد الرحمن شهيدا وحققت "اسرائيل" نصرها الرخيص على براءته. 

في اليوم الثاني للعدوان كان المهندس علاء ابراهيم محافظ ريف دمشق يتفقد المدينة رفقة قائد الشرطة ووفد خدمي، سألناه عن العدوان فرد بأنه يأتي في سياق معاقبة أمريكا و"إسرائيل" للشعب السوري على صموده موضحا أن أعداد الضحايا ستكون أكبر من ذلك بكثير لولا نجاعة منظومات الدفاع الجوي السورية. 

محافظ ريف دمشق أكد لموقع "العهد" الإخباري أن العدو الصهيوني الجبان يختار أكعادته أن يهاجم سوريا من الأراضي اللبنانية "وغالبا من أجواء يتلطى فيها وراء الطيران المدني لكن السوريين بهمة قائدهم وجيشهم سينتصرون في النهاية".
 
رافقنا المحافظ في جولته على الجرحى والبيوت المتضررة. أشاد الرجل بالمشافي الخاصة التي استقبلت الجرحى بالمجان رفقة المشافي الحكومية فيما أوعز هو للجان المحافظة الخدمية بتعويض المتضررين بعد إحصاء خسائرهم.
 
كانت الخسائر المادية فادحة، واجهات محلات بأكملها تعرضت للضرر وتحطم زجاجها، وانخلعت النوافذ الخشبية تحت تأثير شدة الانفجار لتصيب البشر والحجر داخل البيوت. كم شخصا من أهالي صحنايا حدثنا عن "التوقيت الرحيم" الذي جعل الموت يخطئه دون عائلة الرضيع الشهيد عبد الرحمن الذي تحول حائط منزله إلى شاهد قبره مع والده وأخته، بعدما سقط عليهم. تعاطف الناس بشدة مع صور الوالد وهو يبتسم لرضيعه في صورة نجت من العدوان وشقت طريقها إلى مواقع التواصل الإجتماعي كعنوان للتعاطف غير المحدود من قبل السوريين مع شهدائهم. 

"العهد" في صحنايا غرب دمشق... والأهالي "صامدون هنا"

لن تتوقف أرجوحة إلهام..

صبحي عاش حالة مشابهة لولا أن الأقدار قد تلطفت بابنته إلهام في اللحظات الأخيرة. كان الرجل قد استودع طفلته فراشها وعاد ليكمل السهرة مع زوجته في ليل لا يشبه ليالي صحنايا المنعشة، وما هي إلا دقائق قليلة حتى دوى الانفجار، سالت روح صبحي وزوجته مرات عديدة قبل أن يصل إلى ابنته التي افترش الزجاج المتطاير سريرها. كم حدثته نفسه في هذه اللحظات القصيرة المستطيلة بالهم والترقب بأن الرعب الذي أصابها بنوع من الخرس القهري في عتمة ذلك الليل نذير شؤم برحيلها عن عالمه. احتضن الرجل طفلته وراح يتحسس وجهها الطفولي بيده في الظلام. الأنين الذي يطلقه الخُرس وحده كان قد أعطاه بعض الأمل بأنها لا تزال على قيد الحياة. تناسى الرجل الجرح العميق الذي أصاب رجله ومضى بابنته إلى المشفى. أخبره الأطباء بأن حالة الرعب التي أصابتها تحتاج إلى طبيب أمراض عصبية كي يجري الكلام مجددا على لسانها. وهذا ما حصل ولكن بعد يوم كامل من الصمت القهري. حسبه اليوم أن أرجوحتها المنصوبة على شرفة المنزل لن تبقى شاغرة لذكراها، وهذا بنظره فوز عظيم  تبدو حياله الخسائر الفادحة التي لحقت بالمنزل والدماء التي سالت من جسده مجرد حطام دنيا غير مأسوف عليها. يقول صبحي: " المهم أن إلهام لم تصب بأذى وعوضي على الله فيما خسرته". 

كان أهالي صحنايا يكنسون آثار العدوان بتعليقات لا تخلو من الدعابة والتهكم على عدو بارع في إحراز انتصارات هزيلة، ألف هؤلاء فكرة أنهم باتوا جزءا من جغرافيا مقاومة تصر "إسرائيل" على استهدافها في كل عدوان بمنطق مكابرة يؤكد حرصها على تسجيل الحضور حتى لو لم يتوفر بنك أهداف يبرر هذا العدوان فقد عرف الجيش السوري كيف يخفيها ببراعة، فاختار سلاح الجو الصهيوني أن يثأر من المدنيين كتعبير عن عجزه المزمن في تغيير معادلة الصمود السوري ومع ذلك سار أهالي صحنايا إلى أعمالهم في اليوم الثاني وكأن شيئا لم يكن .

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم