نصر من الله

الخليج والعالم

ترامب يقوّض مكانة أميركا
04/02/2025

ترامب يقوّض مكانة أميركا

كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد ستيفن والت، مقالة نُشرت في مجلة فورين بوليسي حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، رأى فيها أن هناك تصادم بين نظريتين اثنتين متخاصمتين حيال الطريقة التي يعمل فيها العالم، الأولى هي نظرية توازن القوّة والتهديد، والثانية هي نظرية العمل الجماعي.

وأوضح أن نظرية توازن التهديد تقوم على منطق بسيط، حيث إنه وفي عالم تغيب عنه سلطة مركزية، تتخوف كلّ الدول إذا ما أصبحت دولة معينة تملك قوة مفرطة، إذ إنها لا تعرف كيف يمكن أن تستخدم القوّة التي بحوزتها. ونتيجة لذلك تتحد الدول الأضعف من أجل احتواء القوى الأكثر قوة، وهزيمتها في ما لو حاولت ان تهيمن على قوى أضعف. كما تزداد نزعة تحقيق التوازن إذا ما كانت القوّة القوية موجودة على مسافة قريبة، وإذا ما كانت تملك جيشًا يبدو انه مصمم بشكل أساس من أجل غزو الآخرين، أو إذا كانت تملك نوايا خبيثة.

تساعد هذه النظرية في شرح مسألة شاذة في السياسة العالمية، فالولايات المتحدة هي أقوى قوة اقتصادية وعسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن غالبية القوى البارزة والمتوسطة الحجم في العالم فضلت أن تكون متحالفة معها بدلًا من أن توازن ضدّها.

وهي لم تقفز على العربة الأميركية من أجل إرضاء واشنطن، بل كانت توازان مع الولايات المتحدة ضدّ دول مجاورة (الاتحاد السوفييتي) التي بدت أن لديها طموحات خطيرة. كانت إحدى نتائج ذلك أن نظام تحالف الحرب الباردة الأميركي دائمًا ما كان أقوى عسكريًا وأغنى وأكثر تأثيرًا من الشركاء الذين تحالفوا مع موسكو.

لم تواجه الولايات المتحدة يومًا ائتلافًا موازنًا بنفس القوّة، وأحد أسباب ذلك هو بعدها الجيوغرافي عن مراكز أساسية للقوة العالمية، لكن هناك سبب آخر وهو أن العديد من الدول الرئيسية، بما فيها دول مجاورة مثل كندا، لم تكن تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تشكّل ذاك التهديد.

لم يتغير موقع أميركا الجيوغرافي بالطبع، لكن نهج إدارة ترامب العدواني تجاه بلدان هي تقليديًا متحالفة مع أميركا مثل كندا والدنمارك هو غير مسبوق. لا يتوجب على شركاء الولايات المتحدة أن يتخوفوا من أنه لم يعد ممكن الوثوق بالولايات المتحدة فحسب، بل أيضًا من أن الولايات المتحدة شريرة.

عندما يهدّد الرئيس باستعادة قناة باناما أو غزو غرينلاند أو جعل كندا الولاية الحادية والخمسين، فيتوجب على كلّ الدول أن تقلق من أن تكون هي المستهدف التالي. كما تتوقع نظرية توازن التهديد، بدأ بعض قادة هذه الدول يدعمون مساعي متضافرة لمقاومة أجندة ترامب الخطيرة. فقد دعت وزيرة المالية الكندية السابقة كريستيا فريلاند إلى عقد قمة تجمع كلّ من المكسيك وباناما وكندا والاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل العمل على ردود مشتركة على رسوم ترامب الجمركية وتهديداته للسيادة.

لا بد وأن تزداد مثل هذه المساعي إذا ما واصل ترامب السير على مساره الحالي، وستبحث دول أخرى عن المساعدة من بكين من أجل كسب المزيد من الأوراق ضدّ واشنطن.

هناك تحول كبير في السياسة الخارجية الأميركية، ولا بد أن تقلص الاختلافات بين الولايات المتحدة وخصومها الجيوسياسيين الرئيسيين. باختصار، تفيد إحدى النظريات الأكثر استمرارية وقوة في السياسة العالمية، بأن نهج ترامب الراديكالي تجاه السياسة الخارجية سيرتد سلبًا. قد يحقق بعض التنازلات على الأمد القصير، لكن النتائج على الأمد البعيد ستكون عبارة عن المزيد من المقاومة العالمية وفرص جديدة لخصوم أميركا.

إلّا أن هنا تدخل نظرية العمل الجماعي، وتشير إلى الاتّجاه المعاكس، فالحدّ من القوّة الأميركية يتطلب عمل منسق واستعداد لتحمل أثمان المعارضة. إن جعل دول أخرى تصطف ضدّ ترامب سيستغرق وقتًا، وبعض الدول ستميل نحو الركب المجاني على أمل أن يتحمل آخرون العبء الأكبر. تستطيع الولايات المتحدة في مثل هذه الظروف أن تمارس لعبة فرّق تسدّ وأن تحاول إبعاد بعض الدول (عن تحالف ضدّها) من خلال تقديم تنازلات فردية. يجب عدم الاستهانة بصعوبة تنظيم ائتلاف موازن، وهو الأمر الذي يعول عليه ترامب بكلّ تأكيد.

غير أن إبقاء العالم فاقد التوازن يتطلب استخدام القوّة الأميركية بشكل انتقائي ودرجة لا بأس بها من ضبط النفس. للأسف فإن ممارسة ضبط النفس والإبقاء على الوعود ومعاملة الآخرين باحترام لم تكن يومًا من أساليب ترامب. ما كنت اعتقد يومًا أن الولايات المتحدة قد تبعد أقرب جيرانها والعديد من الشركاء القدامى، ولكن هذا بالضبط ما نتّجه صوبه.
 

الولايات المتحدة الأميركيةدونالد ترامب

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة