الخليج والعالم
تنظيم "داعش" يكثّف هجماته في البادية السورية وواشنطن تسهّل
بوتيرة متسارعة ومنظّمة يكثّف تنظيم "داعش" التكفيري هجماته على النقاط العسكرية للجيش السوري وحلفائه في البادية السورية، كما كثّف حضوره ضمن مناطق شرق الفرات، حيث واظب على استهداف المدنيين الأبرياء وخصوصًا في ريفي الرقة ودير الزور.
اعتداءات ما كان لها أن تكون على هذا النحو المتصاعد لولا عوامل تتصل باستغلال التنظيم للصراع القائم بين العشائر العربية وما يُسمّى "قوات سورية الديمقراطية"، حيث نفذ من خلالها إلى مناطق جديدة وطاول المدنيين على نحو كبير، فضلًا عن استغلاله لانشغال القوات الرديفة بمواكبة تداعيات العدوان "الإسرائيلي" على غزّة واستنفارها لمواجهة النشاط الأميركي الداعم لهذا العدوان وللتنظيم التكفيري الذي يغير انطلاقًا من مناطق سيطرة قوات الاحتلال الأميركي في قاعدة التنف.
هذا سرّ عودة "داعش"
يرى المحلّل السياسي جعفر خضور أنّ الضربات القاصمة التي تلقاها تنظيم "داعش" التكفيري في معارك الميادين والبوكمال في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 والباغوز في آذار/مارس 2019 كان يمكن أن تنتهي به إلى موت سريري لا تقوم له من بعده قائمة لولا أنّ الحاجة إليه لم تنتفِ من قبل مشغليه الأميركيين الذين أعادوا ضخّ الأوكسجين في جسده المتهالك.
وفي حديث خاص بموقع العهد الإخباري، أشار خضور إلى ارتفاع عدد هجمات خلايا التنظيم إلى 153 هجمة في العراق وسورية خلال النصف الأول من هذا العام مع تنوع واضح في خياراته الهجومية من قبيل استهداف قوافل عسكرية ونقاط حراسة متباعدة وشاحنات ناقلة للنفط فضلًا عن عمليات اغتيال طاولت مدنيين أبرياء قتلهم التنظيم بدم بارد، فيما أجبر ميسورين آخرين على دفع الأموال له تحت عناوين الزكاة والجباية والحماية و"الأتاوات".
وأضاف خضور أنّ لغة الإحصائيات الدقيقة الصادرة عن مراجع حكومية صحية تتحدث عن أنّ عمليات التنظيم التكفيري أسفرت عن استشهاد أكثر من 480 شخصًا بين عسكريين ومدنيين، جلّهم من جامعي الكمأة في البادية السورية، الأمر الذي يجعل حصيلة النصف الأول من العام الجاري هي الأسوأ مقارنة بما كانت عليه منذ سقوط آخر معاقل التنظيم في البادية السورية قبل عدّة أعوام.
وشدّد المحلّل السياسي على أنّ عملية نهوض "داعش" مجددًا لا ترتبط فقط بعوامل ذاتية أو مراجعة تكتيكية من قبل قادته العسكريين ولكنها جزء واضح من "عمل استخباراتي أمني كبير" يجري، لـتقويته وإعادة تنظيم صفوفه مجددًا، تحت مظلّة انشغال العالم بالجريمة الصهيونية المفتوحة في غزّة ورد محور المقاومة عليها في أكثر من جغرافيا بما فيها تلك التي ينشط فيها تنظيم "داعش"، حيث قامت قوى المقاومة باستهداف قواعد الجيش الأميركي هناك بشكل مستمر وما استتبع ذلك من اعتداءات أميركية، تحرك التنظيم تحت غطاء منها.
"داعش" ينخرط في المجهود العسكري الأميركي و"الإسرائيلي"
الخبير العسكري العميد علي خضور يرى أنّ رشاقة التكتيكات والتحركات لعناصر التنظيم في البادية وضمن مساحات مفتوحة تفوق قدراته بكثير لا سيّما وأنّ قوات الجيش العربي السوري والقوات الرديفة تواظب على ملاحقة فلوله وشنّ الحملات الدورية عليه ضمن مناطق سيطرة الدولة السورية على الأقل.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار العميد خضور إلى إصرار واشنطن على الاستثمار في التنظيم التكفيري في مناطق البادية في كلّ من سورية والعراق حيث تتعرض قواعد الاحتلال الأميركي شرق الفرات لهجمات المقاومة، الأمر الذي يدفعها إلى تمكين التنظيم من شن هجمات منظمة على النقاط العسكرية للجيش السوري والقوات الرديفة ومعهم المدنيون في ريفي دير الزور والرقة خصوصًا.
وأضاف أنّ خلايا التنظيم تنشط في مجال حيوي واسع يمتد من محيط قاعدة التنف على مثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية وحتّى سلسلة جبال "البشري" جنوب الرقة، وما بينهما من بادية شاسعة تشمل جنوب دير الزور وشرق تدمر والسخنة، وهي الأراضي التي شكلت المجال الحيوي لتحرك خلايا التنظيم منذ قمة صعوده عام 2014 في محافظة الرقة السورية وحتّى اليوم.
ولفت الخبير العسكري إلى أنّ قاعدة التنف الأميركية منحت خلايا التنظيم منطقة عازلة بعمق 55 كم تحوم فوقها طائرات الاستطلاع وتحميها نيران قوات الاحتلال الأميركي، ما وفّر حرية حركة واسعة لها بعيدًا عن رصد سلاحي الجو الروسي والسوري.
وأشار الخبير العسكري إلى أنّ التنظيم وجد في الأوضاع الأمنية الإقليمية الملتهبة فرصة له من أجل إعادة هيكلة نفسه والتحرك بشكل لا مركزي حيث وسع من عملياته شرق وغرب الفرات، وهاجم مواقع متقدمة للجيش السوري في عمق البادية، كان آخرها في "الشولا" جنوب دير الزور.
ورفض العميد خضور وصف العلاقة المتبادلة بين قوات الاحتلال الأميركي و"داعش" بـ "المنفعية" للطرفين، لأنه يرى أنّ "داعش أداة أميركية، واستعماله على هذا النحو يعود بالمنفعة لقوات الاحتلال التي تستنزف خصومها من جانب وتبرر بقاءها من جانب آخر بحجة محاربة التنظيم الذي تتبنّاه بشكل لا لبس فيه".
وختم الخبير العسكري حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أنّ إدراك الجيش السوري وحلفائه لخطورة دور التنظيم التكفيري في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة جعلتهم يجندون وحدات متخصصة في التعامل معه في معارك البادية كالفيلق الخامس والدفاع الوطني ولواء القدس حيث تمّ إيقاف تمدّده في عدة مواقع، والقضاء على عناصره ضمن حملة قصف جوي سوري _ روسي لأوكاره في جبال البشري وجبل أبو رجمين شمال شرق تدمر، مشيرًا إلى أنّ هذه الحملات وإنْ حدّت من خطورته لكنّها لم تقضِ عليه كليًا بسبب الدعم الكبير الذي يلقاه من القواعد العسكرية الأميركية التي تستدعي حضوره وفق حاجتها.
المقاومة الإسلاميةسورياحزب اللهروسياالجمهورية الاسلامية في إيرانداعش