الخليج والعالم
الجولاني يحثّ أنقرة مراهنًا على "إسرائيل".. هذه فرصتنا
يقف "زعيم" "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني على مفترق طرق خطير، مع اشتعال الحاضنة الشعبية عليه ومن حوله وازدياد هواجسه الأمنية، على النحو الذي دفعه إلى تصفية العديد من القيادات داخل الهيئة تحت ذرائع تتعلق بالارتباطات مع استخبارات خارجية لتنفيذ الانقلاب عليه، كما عمد إلى إطلاق يد عناصره في تعذيب المعتقلين في السجون.
غير أن أخطر ما يؤرق الجولاني، خلال هذه المدة، هو التقارب التركي - السوري وما أبداه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رغبة عارمة في لقاء الرئيس بشار الأسد. هذا الأمر دعا الجولاني، وفقًا لمصادر خاصة أكدت لموقع "العهد" الإخباري، إلى تحريك آخر أوراقه على ما يبدو حين طلب اجتماعًا عاجلًا مع قادة في الجيش والاستخبارات التركية عند معبر باب الهوى عند الحدود، مقدّمًا عرضًا يقول إن احتمال توسع الحرب مع "إسرائيل" قائم وبقوة، الأمر الذي سيمكّنه ــ بحسب قناعاته ــ من "قلب الطاولة" على الجيش السوري وحلفائه نتيجة انشغالهم بالحرب، ما سيجعل الجانب التركي أقوى بكثير في أي مفاوضات قادمة مع الجانب السوري، وربما يكون الجولاني نفسه طرفًا في هذه المفاوضات.
الجولاني لأنقرة: "إسرائيل" صديقتنا
يؤكد المحلل السياسي إبراهيم العلي أن الجولاني يأمل في أن تشكّل الخطوة التي قام بها لجهة عقد الاجتماع مع ضباط الجيش والاستخبارات التركية، في معبر باب الهوى الحدودي، طوق النجاة من الانهيار التدريجي الذي يعيشه بعد الاضطرابات التي عصفت من حوله وتغير المناخ السياسي على النحو الذي لا يشتهيه. ففي حديث خاص لموقع "العهد"، أشار العلي إلى أن طرح الجولاني على الجانب التركي بخصوص قدرته على السيطرة على مساحات واسعة من الشمال والشمال الغربي السوري، في حال اشتعال الحرب على نطاق واسع بين دول جبهة المقاومة والكيان الصهيوني وانخراط سوريا المتوقع فيه، مبني على القوة العسكرية التي يمتلكها والتي لا يمكن تحييدها أو توظيفها إلا بقرار مبني على رؤية السياسة التركية لآلية توظيف صنيعتها المسماة بـ "هيئة تحرير الشام".
أضاف العلي أن الجولاني، وبما لا يزال يمتلكه من علاقات قوية مع الجانب التركي، قدم نفسه هذه المرة "الناصح الأمين" بالقول للأتراك بأن موقفهم التفاوضي الحالي سيكون أقوى بكثير في حال سقطت مدن وبلدات سورية بيده. وهو أمر سيكون مقدورًا عليه في حال قيام الطيران الصهيوني بقصف مواقع الجيش السوري لحساب النصرة وغيرها من الفصائل على النحو الذي كان يقوم به خلال سنوات الأزمة الطويلة في سورية.
لفت المحلل السياسي لـ"العهد" إلى أن الجولاني يسعى من خلال التجاوب التركي معه إلى تحقيق عدة أهداف بضربة واحدة أهمها:
1ـ إعادة تعويمه بقوة من الجانب التركي ليكون سيد الميدان الفاعل في الشمال، وليس الهامد كما حاله اليوم، الأمر الذي قد يدفعه لاحقًا ومجددًا ليكون رهان واشنطن المستقبلي على تغيير الأوضاع مجددًا.
2ـ رغبة الجولاني في أن يكون طرفًا في أي مفاوضات تركية- سورية تكون على قاعدة رجحان كفة الميزان الميداني لمصلحة أنقرة، بعد أن يكون هو نفسه رأس الحربة في تغيير هذه المعادلة بمساعدة "النيران الإسرائيلية الصديقة".
3ـ يُدرك الجولاني أن إشعال نيران الحرب هي السبيل الوحيد للجم العضب الشعبي الذي يتهدد إمارته في الشمال، والذي لم يتوقف منذ مدة طويلة على خلفية زجّ معارضيه من قادة وإعلاميين ووجهاء عشائر ومواطنين عاديين في السجون، وتصفية قسم منهم في المعتقلات ودفنهم بشكل سري بعيدًا عن عيون ذويهم.
ختم العلي حديثه لـ"العهد" بالإشارة إلى أن آمال الجولاني في العودة كي يكون رقمًا صعبًا في المعادلة الميدانية، في الشمال السوري، يتوقف على التقديرات التركية لقدراته وللمناخ السياسي الإقليمي والدولي الذي يجعل إمكان تحقيق وعوده قائمة من عدمها.
تحفظات أنقرة
بدوره، الباحث السياسي محمد علي أشار، في حديث خاص لموقع "العهد" الإخباري، إلى أن إعلان الجولاني استعداده لفتح جبهات على الجيش السوري وحلفائه في حلب وحماة وسراقب، إذا ما اشتعلت نيران الحرب في المنطقة وتحصل على الدعم المطلوب من أنقرة، وتقديمه خطة هجوم متكاملة في هذا السياق، من أجل تسخين الجبهات وتغيير الخرائط الميدانية التي ثبتتها اتفاقيات خفض التصعيد بين موسكو وأنقرة، قد لا يبدو مثيرًا للاهتمام كثيرًا بالنسبة إلى الجانب التركي.
ورأى محمد علي أن أنقرة لا تملك ترف المغامرة في أي عمل ميداني ضد الجيش السوري قد يعطل مساعي تحسين العلاقات مع الدولة السورية، كما أنها ليست بوارد تعزيز الشكوك الروسية- الإيرانية حيال مصداقيتها إزاء الإاتفاقيات المعلنة، خصوصًا مع الجانب الروسي في سوريا، سيما وأن تاريخها حافل بالمماطلة والتسويف.
ختم المحلل السياسي حديثه لـ"العهد" بالتأكيد على أن هناك قناعة تركية قوية ببقاء القيادة السورية وترسيخ موقعها محليًا وإقليميًا، وأن عودة العلاقات معها ستبقى مسألة وقت طال أم قصر. ولذلك؛ أنقرة ليست معنية حاليًا بمنح "صنيعتها" الجولاني طوق النجاة من أجل الخروج من مأزقه السياسي، هذا فضلاً عن أن الجيش السوري نجح كثيرًا في الميدان مؤخرًا بفعل الضربات التي ألحقها بمقرات الهيئة عبر مسيراته الانقضاضية، ما يؤكد بقاء زمام المبادرة في يديه على نحو لا يمكن التشكيك فيه.
الكيان الصهيونيتركياالجيش العربي السوريأبو محمد الجولاني