الخليج والعالم
على أعتاب العيد.. أردنيون من الشام لحكومتهم : مزيد من الانفتاح على دمشق
محمد عيد - دمشق
لم يحفل المواطنون الأردنيون، المشتاقون لعبور الطريق نحو سوريا للتبضع كما درجت العادة قبيل الأعياد وفي كل أوقات السنة، بما بدا أنه "انصياع رسمي " أردني للضغوط الأمريكية بوقف الانفتاح الرسمي والاقتصادي على دمشق. بدا هؤلاء بأعدادهم الضخمة أول من تمرد على ذلك الانصياع فاستعادوا "بغزوهم للأسواق السورية" ذكريات الزمن الجميل الذي كانوا يعودون فيه إلى بلادهم محملين بكل أنواع البضائع السورية التي لا تنهض لمنافستها بضائع أخرى وفي ذهنهم تجلت المقارنة وبشكل صارخ بين بلد لم يطو بعد فصول أزمته لكنه يضج بالحياة والعمل وبلدهم الذي يعيش وللمفارقة " ذكرى استقلاله " فيما يترنح اقتصاده تحت وزر عجز مزمن وغلاء فاحش بدا على النقيض من الصورة الجميلة التي شاهدوها في دمشق وودوا وهم عائدون إلى بلادهم محملين بالبضائع السورية أن يجدوا ما يدانيها هناك جودة وسعرا منافسا.
وصل ما انقطع
بزمن قياسي قصير لم يتجاوز تلك المدة التي دبت الحياة فيها مجددا بمعبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، عاد الأردنيون ليكونوا من أهل الدار السورية. يعانق موسى بشدة صاحب محل ألبسة في سوق الحميدية الشهير بدمشق. كانت العلاقة أكبر بكثير من تلك التي تجمع تاجرا بسائح من خارج البلد " أشتري منه منذ عشرين عاما ولم أتوقف عن الشراء إلا خلال فترة الحرب وبشكل اضطراري "، يقول موسى لموقع العهد الإخباري، مضيفا " ازدادت الثقة بيننا مع الأيام وكنت اشتري كميات ضخمة من عنده وأحيانا كثيرة بالدين ومن دون وثائق، وقد زارني يوما في بيتي بالزرقاء حين قدم لزيارة أحد أقاربه في الأردن".
لم تكن العلاقة بين موسى وخالد صاحب محل الألبسة علاقة عابرة بين زبون أردني يريد أن يشتري كسوة عيد الفطر المقبل بكاملها لعائلته وبين تاجر سوري بل كانت الصورة التي طبعت العلاقة بين اصحاب المحلات السوريين وزبائنهم من الأردنيين الذين يحفظون عن ظهر قلب كل الزواريب الصغيرة في أسواق دمشق ومعالمها فضلا عن بقية المدن السورية. " لطالما كان المنتج السوري مختلفا ورائعا وجيدا ورخيصا " توجز الحاجة حفصة الوصف وهي تملأ حقائبها استعدادا لعيد الفطر السعيد بالقطنيات والألبسة والجلديات والعطور المصنعة يدويا والتي تختزن رائحة ورود الشام وياسمينها.
"دمشق وأسواقها العتيقة ومآذن جوامعها المعروفة جنة بالنسبة لنا. لاشيء في الأردن يقارن بما نجده في الشام وخصوصا بالنسبة للبضائع وجودتها وأسعارها التي بقيت بالنسبة لنا معقولة وجيدة وهو أمر لم نكن نتوقعه بعد سنوات الأزمة الطويلة التي عاشتها سوريا. يا عمي الأصيل بيبقى أصيل ".
الأكلات الشامية لا تقاوم
يعشق الأردنيون الأكلات الشامية بكل أنواعها. المطاعم الشعبية الشهيرة في حي الميدان الشهير امتلأت بهم على موعدي السحور والفطور في رمضان لهذا العام. "يملك السوريون نفسا مختلفا للطعام لا تجده في مكان آخر" يقول عهد طالب الهندسة في الجامعة الأردنية لموقع "العهد" الإخباري " وهو يجهز نفسه لتناول طعام الفطور في أحد مطاعم الميدان. نصحه أخوه بتناول أكلات المقادم والكوارع والكبب والمشاوي والكباب والحراق باصبعو واللحمة بصينية والشاورما والبسطرما والأوزي والرؤوس المسلوقة بعناية وغيرها الكثير. يردف عهد ضاحكا "لم يترك أكلة سورية إلا وذكرها لي، وهو يتصل بي كل ساعة ليدلني على هذا المحل أو ذاك ويتمنى لو أستطيع أن أحمل له الأكل السوري الساخن إلى عمان".
محلات البوظة السورية الشهيرة غصت بدورها بالأردنيين. أزال أصحابها صور بعض الملوك والرؤساء العرب الذين جلسوا في فيئها يتناولون البوظة الشهيرة احتجاجا على سلوكهم تجاه الشعب السوري في أزمته الحالية لكن ذلك لم ينسحب أبدا على شعوبهم. "طعمها اللذيذ بقي تحت لساني وفي كل أسبوع ومنذ إعادة افتتاح المعبر أقدم إلى دمشق لتناولها" يقول خالد موظف البلدية الأردني.
صاحب أحد محلات البوظة الشهيرة في دمشق يقول لموقع العهد الإخباري على مقربة من شباب أردنيين لم يجدوا كرسيا لهم يجلسون عليه في المحل فراحوا يتأملون اكتظاظ السوق في الخارج وهم يتناولون البوظة وقوفا: " لم يتوقف دخول الأردنيين إلى سوريا منذ إعادة افتتاح معبر نصيب وهو يزداد كثافة أسبوعا بعد آخر لأن العائدين من سوريا يحدثون أهلهم وأصدقاءهم عن جو الأمان فيها ورخص الأسعار وجودة البضائع فنشهد زيادة ملحوظة في عدد الأردنيين القادمين وخصوصا في نهاية الأسبوع. ولكن ذروة قدوم الأردنيين إلى الأسواق السورية بدأت منذ أيام مع اقتراب حلول عيد الفطر السعيد، فأغلب الأردنيين يرغبون بالبضائع السورية لأسباب متعلقة بعراقتها وجودتها وأسعارها المنافسة ومتعلقة كذلك بعاداتهم الشرائية التي لم تتبدل رغم انقطاعهم عن سوريا في سنوات الأزمة ".
انكفاء رسمي وانفتاح شعبي
يخشى مصعب أستاذ اللغة العربية في إحدى المدارس الأردنية من توجه حكومي أردني للتضييق على قدوم البضائع السورية إلى الأردن وما يمكن أن يجره ذلك من ردة فعل سورية على قاعدة المعاملة بالمثل " تضيق من هامش قدرتنا على شراء ما نريده دون الخضوع لتجاذبات السياسة ".
يقر مصعب ضمنيا بأن الجانب الرسمي الأردني وتحت عناوين " غير مقنعة " لجم وبضغط أمريكي من اندفاعته للانفتاح الاقتصادي على الأقل بالنسبة لسوريا ". صرنا نسمع عن مبدأ المعاملة بالمثل والتضييق على الشاحنات وحماية المنتجات الأردنية من القدرة المنافسة للبضائع السورية. هذا أمر يقلقني فكل ما أريده هو العودة من الشام محملا بكل هذه البضائع التي درج والدي على شرائها كلما زار دمشق بشكل دوري ".
مدير النقل الطرقي في وزارة النقل السورية محمود أسعد زود موقع العهد الإخباري بهذه المعلومات عن الآلية الناظمة لحركة دخول الشاحنات والبضائع بين سوريا والأردن، فأوضح أن جميع الشاحنات العابرة من الأراضي السورية عبر معبر نصيب تعامل بنفس المعاملة بما فيها السيارات التي تحمل لوحات سورية، أي ان هذه السيارات تعامل وفق المعادلة التالية:
ـ الوزن الاجمالي مضروبا بالمسافة مضروبا بـ 10% بالدولار
ـ السيارات الأردنية التي يكون مقصدها سوريا تكون معفاة من الرسم
ـ السيارات اللبنانية التي مقصدها سوريا تعامل كالتالي :
ـ الوزن الإجمالي مضروبا بالمسافة مضروبا بـ 1% بالدولار
ـ باقي فئات السيارات التي مقصدها سورية :
ـ الوزن الإجمالي مضروبا بالمسافة مضروبا بـ 1% يورو
ولفت أسعد إلى أن السيارات السورية في الوقت الراهن ممنوعة من الدخول إلى معظم الدول العربية وخاصة دول الخليج والعراق وحتى الأردن. وبحسب سائقين سوريين " فإن السلطات الأردنية تمنع في بعض الأحيان دخول السيارات إلى الأردن او عبورها حيث يتم افراغ الحمولة في معبر جار وتحميلها إلى سيارات اردنية او يتم قيادة السيارة السورية من قبل سائق اردني ليقوم بإيصال الحمولة واعادة السيارة إلى المعبر ويتم استيفاء اجرة السائق الأردني من قبل السائق السوري".
في سوق الميدان الشهير التقينا أردنيين يشترون أفخر أنواع الحلويات السورية. كانت حقائبهم مملوءة بالمبرومة والشرحات والبقلاوة والبلورية وكول وشكور والوربات بالفستق الحلبي والقشطة وزنود الست وإسوارة الست والمعمول، وقد طالبوا عبر موقع العهد الإخباري حكومة بلدهم ألا تساير الأمريكيين كثيرا بالشأن السوري ". تجربة السنوات الثمانية توضح أنه لا بديل من الانفتاح على سوريا وحل كل المشاكل العالقة معها. لا أريد أن أحرم أولادي من اطيب حلويات يمكن لشخص ان يتذوقها على وجه الأرض كرمى لعيون ترامب " يقول الحاج احمد أستاذ التاريخ الأردني لموقع "العهد" الإخباري.