الخليج والعالم
"ذا إنترسبت": باكستان تؤكد الدور الأميركي في الإطاحة بعمران خان
اعتبر مسؤولون باكستانيون أنّ البرقية التي نشرها موقع "ذا إنترسبت" الأميركي، الأسبوع الماضي، والتي كشفت أنّ دبلوماسيين أميركيين يضغطون من أجل إقالة رئيس الوزراء السابق عمران خان، بسبب موقفه المحايد من الصراع في أوكرانيا، "لا تكشف عن مؤامرة".
وكان الموقع الأميركي قد نشر البرقية الدبلوماسية، وفيها يظهر مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية وهم يشجّعون على الإطاحة بخان. وأشار الموقع إلى أنّ المسؤولين في باكستان قالوا في البداية إنّ الوثيقة "غير حقيقية"، مضيفاً أنّ ردّ إسلام آباد وواشنطن على القصة كان "دفاعياً ومتناقضاً".
تناقض ذاتي
وأضاف "ذا إنترسبت" أنّ القيادة الباكستانية الحالية سرعان ما بدأت بالتشكيك في صحة الوثيقة، حيث أعلن وزير الخارجية السابق المعارض لخان، بيلاوال بوتو زرداري، أنّ البرقية المنشورة "غير حقيقية"، بذريعة أنّه "يمكن كتابة أي شيء على قطعة من الورق".
ومع ذلك، ألقى الوزير باللوم على خان، مؤكداً وجوب محاكمته، بموجب قانون الأسرار الرسمية الباكستاني، لاحتمال تسريبه وثائق سرية!
بدوره، قال شهباز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني، الذي سلّم الحكومة إلى رئيس وزراء مؤقت، في تصريحات إلى وسائل إعلام محلية، في الأيام التي تلت نشر البرقية، إنّ "التسريب يمثّل جريمةً كبيرةً"، مع تفاديه إعطاء جواب مباشر، بشأن ما إذا كانت محتوياته صحيحة، بحسب الموقع الأميركي.
لكن بعد أيام فقط، أكد شريف الوثيقة في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، كما ذكر "ذا إنترسبت". وأضاف الموقع، الذي نشر البرقية، إنّ شريف أفاد بأنّ "خان قال إنّه كان يمتلك البرقية، لكنه فقدها.. الآن تم نشرها في موقع على شبكة الإنترنت".
وعلى الرغم من تأكيد صحة الوثيقة التي نقلت أقوال دبلوماسيين أميركيين غاضبين من خان بسبب "حياده العدواني المزعوم" تجاه روسيا، مهدّدين باكستان بـ "العزلة" إذا بقي في السلطة، قال شريف إنّ البرقية، لا تمثّل مؤامرةً ضد رئيس الوزراء السابق.
وبحسب الموقع، لم يقدّم أي من شريف أو بوتو زرداري أدلةً على تورّط خان في تسريب الوثيقة، التي قدّمها مصدر داخل الجيش الباكستاني إلى "ذا إنترسبت".
وفوق ذلك، أعلنت الحكومة الباكستانية إجرائها تحقيق، ووجّهت اتهامات ضد خان، أمس الأربعاء، بـ"سوء التعامل مع وثائق سرية وإساءة استخدامه".
"ذا إنترسبت"، وصف هذه الخطوة بـ"المتناقضة ذاتياً"، معتبراً أنّها مكوّنة بدورها من ثلاث خطوات: التشكيك في صحة الوثيقة في وقت واحد، وإلقاء اللوم على خان لتسريبها في ما يرقى إلى عمل خيانة، ثم إضافة أنّ مضمون البرقية "غير جدير بالأهمية".
أميركياً، رفضت وزارة الخارجية في وقت سابق تصريح خان، بأنّ واشنطن ضغطت عليه لعزله من السلطة. لكن بعد الكشف عن البرقية المسرّبة، أخبر مسؤولو وزارة الخارجية "ذا إنترسبت" أنّهم "لا يستطيعون التعليق على دقة وثيقة حكومية أجنبية".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للموقع، إنّ "لا شيء في التعليقات يظهر أنّ بلاده تتخذ موقفاً بشأن من يجب أن يكون زعيم باكستان".
وعند الضغط أكثر عليه بشأن الوثيقة في مؤتمر صحافي، وسؤاله عمّا إذا كان مضمون المحادثة المبلّغ عنها في البرقية دقيقاً، قال ميلر لأحد المراسلين، إنّ التقرير كان "قريباً نوعاً ما".
تحقيق إرهابي
وأورد "ذا إنترسبت"، أنّ رئيس الوزراء الباكستاني السابق تعرّض لضغوط متصاعدة، خلال وجوده في السجن، وهو حالياً، يقضي حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بتهم فساد.
وفي غضون ذلك، لا تزال حملة القمع واسعة النطاق ضد أنصاره مستمرة، حيث لا يزال الآلاف قابعين رهن الاحتجاز، بسبب مزاعم انضمامهم إلى حزبه السياسي من جهة، وتورطهم في سلسلة من المظاهرات المناهضة للجيش التي وقعت في البلاد، في أيار/مايو الماضي.
وفي الوقت نفسه، اعتبرت الحكومة الأميركية حملة القمع "مسألة داخلية" للحكومة الباكستانية، مع الاستمرار في إشراك الجيش الباكستاني الذي يعتقد أنّه دبر الإطاحة بخان.
إعادة تشكيل مسار الأزمة في باكستان
بحسب "ذا إنترسبت"، إنّ الكشف عن البرقية، والكشف عن أنّ خان كان صادقاً إلى حدٍّ كبير في تصويره محتوياتها، والذي تضمن اقتباس دقيق لمسؤول في وزارة الخارجية يقول إنّ "الجميع سيغفرون" إذا تمت الإطاحة بخان من السلطة، يمكن أن يعيد تشكيل مسار الأزمة السياسية في باكستان.
ويعتمد مصير خان السياسي الآن إلى حدٍّ كبير على المدى الذي تقرّر فيه الحكومة الحالية، التي يقودها الجيش، "مواصلة ثأرها منه ومن أنصاره".
ويضيف الموقع أنّ الكشف عن محتويات البرقية، والانقسامات التي أحدثها القمع العنيف لحزب خان داخل المؤسسة العسكرية، لا يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة التي اجتاحت باكستان منذ الإطاحة بخان من السلطة العام الماضي.
وكان خان، قد اتهم رئيس جيش بلاده بتعميق الأزمة السياسية التي تشهدها باكستان، وذلك خلال مقابلة مع موقع "ذا إنترسبت"، قبل شهرين.
وأشار خان إلى أنّ اجتماعاً عُقد في 6 آذار/مارس 2022، بين السفير الباكستاني ووكيل وزارة الخارجية الأميركية دونالد لو. ووفقاً له، تم تسجيل ما قيل خلال الاجتماع، وأُرسلت شيفرة التسجيل إليه وإلى وزارة الخارجية، ورد فيها أنّ "باكستان ستشهد عواقب"، في حال عدم الإطاحة بخان.
وقال خان حينها إنّ قائد الجيش السابق، قمر جاويد باجوا، "عبّأ واشنطن ضده" بالتعاون مع السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة حسين حقاني.
وبحسب ما قال، فإنّ حقاني أخبر الأميركيين أنّ "رئيس الوزراء ضدهم"، في حين أنّ "قائد الجيش داعم لهم". وأضاف أنّ قائد الجيش هو الذي "هندس" هذا الشعور في واشنطن، والذي يفيد "بأنّ خان معادٍ للولايات المتحدة".