الخليج والعالم
ديفيد هيرست: بايدن ورث "محصول" من الأخطاء الاستراتيجيّة خارجياً
كتب الصحفي الأمريكي "دفيفيد هيرست" مقالة قال فيها إنّ الرّئيس الأميركي جو بايدن ورث "محصول" من الأخطاء الاستراتيجيّة على صعيد السياسة الخارجية التي ارتكبها اسلافه، مشيرًا إلى أنّ ما حصل هذا العام يعود إلى أخطاء ارتكبتها الولايات المتّحدة في حكم العالم على مدار ما لا يقل عن ثلاثة عقود من الزمن.
وأضاف أنّ جميع الرؤساء الاميركيين في حقبة ما بعد سقوط الاتّحاد السوفييتي كانوا يعتبرون أنّ أميركا تستطيع التّعامل مع كلّ الملفات دون مشاركة مجلس الامن، لافتاً إلى أنّ واشنطن تستطيع أن تشنّ الضّربات من "فوق الأفق" بدقّة عالية.
كذلك تابع الكاتب أنّ الرؤية هذه حملت معها فرضيتين اثنتين ثبت فيما بعد عدم صوابهما. وأوضح أنّ الفرضية الأولى هي أنّ الولايات المتحدة تريد أن تحتكر استخدام القوة إلى أجل غير مسمّى، معتبراً أنّ الإحتكار هذا انتهى مع التدخّل الأميركي في سوريا. أمّا الفرضية الثانية فقال أنّها تتمثّل بتطبيق الولايات المتّحدة لنظام عالمي يستند على "القواعد" طالما أن هي من تضع هذه القواعد. وأضاف بأنّ بايدن قضى على الفرضيتين جراء الإعتراف بأنّ القوى العظمى ستضطر إلى "إدارة" التنافس فيما بينها من أجل تجنّب النّزاع الذي لا يمكن أن ينتصر فيه أي طرف.
عقب ذلك قال الكاتب أنّ النّزاعات الكبرى مثل نزاع أوكرانيا لا تحدث تلقائياً بل أنّ هناك مسبّبات وتداعيات. كما أضاف بأنّ المسبّب كان القرار الأحادي الجانب بتوسيع حلف الناتو شرقاً في حقبة التسعينيات والتخلّي عن نموذج منطقة خالية من الصواريخ في أوروبا الشرقية الذي كان جرى التباحث حوله مع الرئيس السوفييتي “Mikhail Gorbachev”. وأردف بأنّ توسيع حلف الناتو كان من أجل إعطاء معنى جديد للحلف بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي.
أمّا في التّداعيات فقال الكاتب أنّ أوكرانيا ستبقى دولة منقسمة وأنّ هذا البلد لن يتعافى من الحرب الأهلية.
وفيما يخصّ الصين اعتبر الكاتب أنّ هناك حرب باردة تتشكّل بين بيكن وواشنطن بينما تستدير الأخيرة "شرقاً".
الكاتب تابع أنّ "إدارة" التنافس تحمل معها تداعيات إنسانة لا تقل خطورة عن سياسات "الانتصار" التي انتهجت في التسعينيات، وبأنّ أفغانستان هي نموذج لذلك. وأشار في هذا الإطار إلى الفساد الذي استشرى في أفغانستان بعد سقوط طالبان.
كما لفت إلى تقرير أعد للمتفش العام الأميركي لأفغانستان حذر من أنّ الولايات المتّحدة و"حلفائها الأفغان" لا يعرفون العدد الحقيقي لعناصر الجيش والشرطة الأفغانيين والمستوى الفعلي لهؤلاء العناصر على الصعيد العملاني.
وتابع الكاتب بأنّ الولايات المتّحدة تتحمّل مسؤولية مباشرة للمجاعة التي تشهدها أفغانستان. كما قال أنّ سرعة انهيار القوات الأفغانية أمام عناصر طالبان فاجأ الجميع وحتى الإستخبارات الباكستانية التي تتهمها الهند الحكومات الغربية بإدارة شبكة حقاني التابعة لطالبان. وأضاف أنّ البلد الوحيد الذي كان يعرف حقيقة ما كان يجري هو إيران إذ أنّ عناصر قوات حرس الثورة الإيرانية كانوا برفقة طالبان بحسب مصادر إيرانية مقرّبة من حرس الثورة (وفق قول الكاتب).
كما نقل الكاتب عن مصدر باكستاني بأنّه أصبح هناك عشر الجماعات الإرهابية في أفغانستان بينما كانت هناك مجموعة "إرهابية" واحدة عام 2001 والتي هي تنظيم القاعدة. كذلك نقل عن هذا المصدر بأنّ الإستخبارات الباكستانية لا تملك معلومات حول مصير السلاح الذي خلّفه الأميركيون. ونقل عنه أيضاً أنّ "المجموعات الانفصالية لا تملك خياراً سوى الالتحاق "بالارهابيين" بسبب عدم وجود التمويل.
عقب ذلك شدّد الكاتب على ضرورة أن تتأمّل واشنطن الوضع جيداً قبل أن تقدم على الخطوة المقبلة، معتبراً أنّها أخطأت في كلّ نزاع دخلت فيه منذ مطلع هذا القرن. كما حذر من أنّ احتمالات اندلاع نزاع عالمي أصبحت عالية بشكل غير مسبوق.
وقال الكاتب أنّ بايدن يجب أن يأخذ كلّ ذلك في الحسبان وأنّ مصلحة واشنطن الاستراتيجية باتت تقتضي وقف سفك الدماء في ساحات القتال التي أوجدتها هي نفسها خلال هذا القرن. كما أضاف بأن ذلك يعني أن على الولايات المتحدة التوصل إلى اتّفاق مع إيران من خلال رفع العقوبات التي فرضتها منذ الوقوع على الاتفاق النووي عام 2015، وأردف بأنّ مثل هذه السياسة تشكل أفضل ضمانة إذا ما أرادت واشنطن أن توازي النفوذ الصيني والروسي في الشرق الأوسط.
كذلك تابع الكاتب بأنّ إيران لن تسلم صواريخها كما أنّ "إسرائيل" لن تكف عن استخدام طائراتها العسكرية. غير أنّه قال أنّ التوصّل إلى اتفاق مع إيران قد يكون مقدمة لمفاوضات إقليمية حول الامن في منطقة الخليج عموماً، مضيفاً بأنّ الاماراتيين والقطريين والعمانيين والكويتيين جاهزون لذلك.
كما تابع بأنّ على واشنطن أن تبدأ بتطبيق القواعد مع الحلفاء مثل السعودية ومصر، وبأنه عليها أن تجعل "إسرائيل" تدفع ثمن سياساتها الاستيطانية المستمرة إذا كانت بالفعل تطبق القانون الدولي، مضيفاً بأنّ التوسع الاستيطاني مستمر لأن واشنطن لا تتحرك ساكناً لوقف هذا التوسع.
وقال الكاتب أن ذلك هو السبيل الوحيد كي تستعيد الولايات المتحدة "سلطتها العالمية" وأنّ الأخيرة دخلت في عصر جديد حيث لم يعد بإمكانها تغيير الأنظمة عبر القوة أو العقوبات. كما أضاف بأنّ واشنطن اكتشفت عدم جدوى القوة وأنّ عليها الكف عن سياسات العصا والتركيز على سياسة الجزرة، مشدداً على ضرورة أن تمضي الولايات المتحدة في مهمة خفض النزاع، ووصف هذه المهمة بالملحة.
وأضاف الكاتب بأنّ ذلك لم يعد مسؤولية بل واجب بعد الأضرار التي لحقت في دول مثل أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، محذّراً من أنّ أي خطأ استراتيجي أميركي آخر سيكون الخطأ الأخير سواء للولايات المتّحدة نفسها أو لأوروبا الغربية.