الخليج والعالم
السفير الفلسطيني في العراق لـ"العهد": "سيف القدس" أفشلت مشاريع التطبيع
بغداد: عادل الجبوري
في حوار مفصل أجراه معه موقع "العهد" الاخباري، استعرض السفير الفلسطيني في العراق الدكتور احمد عقل، مختلف أبعاد وجوانب ودلالات معركة "سيف القدس"، وما ترتب عليها من معطيات ونتائج انية مرحلية، وما يمكن ان يترتب عليها من معطيات ونتائج مستقبلية قريبة وبعيدة المدى.
تطرق السفير عقل إلى عمق الأزمة التي باتت تواجه الكيان الصهيوني بعد معركة "سيف القدس"، أكثر من أي وقت مضى، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، في ذات الوقت أكد السفير في حديثه لـ"العهد"، أن المعركة الأخيرة، ساهمت الى حد كبير في توحيد الموقف الفلسطيني، وأظهرت تلاحم الجميع في مواجهة العدوان الصهيوني، فضلًا عن التعاطف والتأييد الواسع، عربيًا واسلاميًا وعالميًا.
"سيف القدس" وحدت الفلسطينيين
وعن دلالات معركة "سيف القدس"، قال السفير عقل "ان المعركة الاخيرة، هي معركة القدس، وهي مرتبطة بالقدس، والقدس بالنسبة للفلسطينيين بكل فصائلهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم تمثل نقطة البداية ونقطة النهاية، وبالتالي هي الشيء الذي وحد ويوحد الشعب الفلسطيني، والذي يضحي من اجلها بكل ما يملك".
وكما هو معروف - والكلام للسفير الفلسطيني - فإن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، أراد أن يفتح معركة القدس مبكرا، لأسباب ودوافع داخلية، ترتبط بالانتخابات الرابعة، والتي لم يفلح في سابقاتها بتحقيق النتيجة التي تتيح له الاستمرار بالحكم، والقضية الاخرى تتمثل، في أنه أراد أن يثبت القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بجعل القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، في العقلية الفلسطينية، وكذلك لدى المجتمع الدولي، ناهيك عن جس نبض الادارة الاميركية الجديدة، وفيما اذا كانت ستسكت عن الموضوع، أو ستتبنى خطوات ايجابية بالنسبة له. وعلى ضوء ذلك، فإن نتنياهو بدأ بحي الشيخ جراح، الذي يضم مواطنين فلسطينيين نازحين من القدس الى الشيخ جراح منذ عام 1948، وفقًا لتنسيق بين الحكومة الأردنية ووكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة (الانروا)، من خلال دفع أشخاص يهود الى تحريك دعاوى قضائية بأحقيتهم بأراضي الشيخ جراح بحكم عائديتها لهم منذ أكثر من مائة عام، استنادًا الى وثائق مزورة.
وأكد السفير الفلسطيني، أن الخطوة الإسرائيلية قوبلت بتعاطف دولي كبير مع أبناء الشعب الفلسطيني في حي الشيخ جراح الساكنين فيه منذ ما يقارب السبعة عقود، حيث رأى الكثيرون فيها تطهيرًا عرقيًا، مضافًا إلى ذلك، دخول الجيش الصهيوني إلى المسجد الأقصى وقيامه بمنع المصلين الفلسطينيين من دخول المسجد مع الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك، إلى جانب محاولة المستوطنين الصهاينة تنظيم تظاهرة كبرى من باب العمود الى المسجد الاقصى بمناسبة ذكرى احتلال القدس الشرقية عام 1967، وهذا ما أثار حفيظة كل ابناء الشعب الفلسطيني، ودفعهم الى التوجه نحو القدس والدفاع عن المسجد الاقصى.
فشل اسرائيلي كبير
وعلى العكس مما كان يخطط له نتنياهو، سارت الأمور لصالح المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فبينما وجد رئيس وزراء الكيان الغاصب، فرصة ذهبية له لتدمير كل الترسانة الصاروخية للمقاومة في قطاع غزة، وتصفية قادتها، بعد أن أطلقت من غزة صواريخ تحذيرية، جاءه الرد صاعقا ومدويا، وغير متوقع بالمرة، وفي ذلك يشير السفير عقل بالقول "ان نتنياهو، نفذ خلال الأيام الثلاثة الأولى من المعركة حرثا بكل ما هو موجود في غزة من مبانٍ وجسور وأنفاق، معتقدًا وعلى ضوء معلومات استخباراتية، أنه يعرف كل مواقع تخزين الصواريخ ومواقع القادة والانفاق، ولكن تبين فيما بعد أن معلوماته لم تكن دقيقة، لا سيما مع استمرار وتزايد اطلاق الصواريخ من غزة نحو تل ابيب ومدن الكيان الاخرى، وفيما بعد فشلت خدعته في اليوم الرابع، عبر محاولة جر المقاومة الفلسطينية إلى حرب برية، الأمر الذي دفعه الى تكثيف هجماته الإجرامية على المدنيين، ليقتل عددًا كبيرًا من الأطفال والنساء ويدمر المنازل، بعدما فشل في استهداف أي من كبار القادة الفلسطينيين.
ويؤكد السفير الفلسطيني، أن عملية "حارس الأسوار" -كما أطلق عليها الصهاينة- فشلت الى حد كبير أمام "سيف القدس"، باعتراف الكثير من السياسيين والقادة العسكريين والأمنيين والمحللين السياسيين الصهاينة، ناهيك عن قيام بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية بنشر صور ومقاطع تظهر مشاهد القتل والتدمير الذي الحقته الطائرات الاسرائيلية بالفلسطينيين.
التطبيع في طريق مسدود
وفي سياق البحث في طبيعة تداعيات الأحداث، انطلاقًا من اتفاقيات التطبيع التي ابرمت العام الماضي برعاية الولايات المتحدة الاميركية بين الكيان الصهيوني وعدد من الأنظمة العربية، يشير السفير أحمد عقل في حديثه لـ"العهد"، الى "أن الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاستعمارية الأعظم عالميًا، أرادت أن تخلق قوة اقليمية قادرة على حماية مصالحها في منطقة الشرق الاوسط لمائة عام قادمة، وهذا ما كان مأمولا لو استمر ترامب في الحكم، كما قال السفير الاميركي في تل ابيب، ليحقق رؤية الزعيم الصهيوني السابق شيمون بيريز، بالشرق الاوسط الجديد، تلك الرؤية التي تقوم على أن "اسرائيل" هي العقل المدبر، والأموال تأتي من الدول الخليجية الغنية، والطاقات البشرية تكون من الدول ذات الكثافة السكانية العالية كمصر والسودان والاردن وفلسطين، وتصبح عموم المنطقة بمثابة سوق كبير لتصريف السلع والبضائع وفرض الهيمنة الاميركية الاسرائيلية.
ويضيف السفير قائلا، إن المنطقة منذ حوالي عشرين عامًا كانت تهيئ لهذا المخطط، من خلال ما سمي بالربيع العربي أولًا، ومن خلال ايجاد الارهاب ثانيًا، في إطار هدف محوري محدد يتمثل بتدمير الدولة الوطنية، وتفتيت المجتمعات العربية، وخصوصًا مجتمعات الدول القوية كمصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن، لتصل دول المنطقة إلى نتيجة مفادها أن من يريد أن يحمي مصالحه ويحافظ على وجوده الأمني ويتطور اقتصاديًا لا بد له أن يطبع مع الكيان الصهيوني.
وينوه السفير عقل، إلى أن التجارب أثبتت فشل كل مشاريع التطبيع، ويضرب مثالًا على ذلك اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني قبل أكثر من أربعين عامًا، وكذلك اتفاقيات وادي عربة بين الأخير والاردن قبل حوالي ربع قرن.
وانطلاقا من ذلك، كانت رؤية نتنياهو تقوم على فرضية أو حقيقة، أن "اسرائيل" غير ملزمة بتقديم التنازلات الى الفلسطينيين، ولكن حينما اندلعت معركة القدس، ورأى ردة الفعل الفلسطينية القوية غير المتوقعة، والارتباك الكبير في واقع الكيان الصهيوني، أمنيا وسياسيًا واقتصاديا، وفشل القبة الحديدية في ضمان أمن الكيان، تبين أن الحسابات والتقديرات كانت خاطئة الى أبعد الحدود، وأن فشل نتنياهو في تحقيق مكاسب سياسية من وراء معركة القدس يتيح له البقاء في السلطة، يعني أنه ذاهب إلى السجن لا محالة بعد ان تمسك المعارضة بزمام الامور.
توازنات ومعادلات جديدة
"معركة سيف القدس، قلبت معادلات كثيرة، محلية واقليمية، وأوجدت حقائق جديدة"، هذا ما يقوله ويؤكده السفير الفلسطيني في بغداد، ويستشهد على ذلك، بالتعاطف الكبير الذي أظهرته الشعوب والحكومات العربية وغير العربية، والاستعداد الواضح لتقديم مختلف اشكال الدعم للفلسطينيين في غزة والمدن الاخرى، على صعيد الاعمار والتنمية وتحسين الواقع الاقتصادي في الاطار العام والشامل، ويشير الى أن التعاطف والدعم الشعبي العربي كان له أثر ايجابي كبير على قوة الموقف الفلسطيني، وهو بالتالي انعكس على القرار السياسي، فضلا عن ذلك كشفت حقيقة ضعف الكيان الصهيوني وخواءه وهشاشته السياسية والامنية والاجتماعية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، يرى السفير أحمد عقل، أن المعركة الأخيرة، أحدثت تقاربًا كبيرًا بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية وردمت الهوة فيما بينها، وأفشلت رهانات الكيان الصهيوني في ضمان تحقيق تفوقه وسيطرته من خلال الانقسامات والتشضيات في داخل الجسد السياسي الفلسطيني.
مواقف عراقية مشرّفة
وعن الموقف العراقي من معركة "سيف القدس"، أكد السفير عقل، أن العراق عبر العصور التاريخية المختلفة، منذ نشأة الحضارات الاولى، وقيام النبي ابراهيم عليه السلام برحلته الايمانية الى القدس، كان داعمًا ومساندًا ومدافعًا عن فلسطين بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم فيه، حيث إن فلسطين حررت أربع مرات من قبل العراق، علمًا أن هناك تداخلًا عشائريًا اجتماعيًا بين العراق وفلسطين، ويأتي الموقف الأخير للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الداعم لنضال الشعب الفلسطيني في صدارة المواقف العراقية المشرفة، إذ كان موقفًا قويًا ومهمًا ومؤثرًا، وعلى ضوء هذا الموقف تبلور موقف شعبي واسع، عبرت عنه مختلف مكونات الشعب العراقي، وكذلك الموقف الرسمي الذي عبرت عنه الرئاسات الثلاث، رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان ووزارة الخارجية.
في ذات الوقت أشاد السفير الفلسطيني بموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء على الصعيد السياسي - الدبلوماسي الرسمي، أو الشعبي، أو الإعلامي، من خلال التظاهرات والوقفات الاحتجاجية والتغطيات الاعلامية وغير ذلك، مؤكدًا أن هذه المواقف تستحق التقدير والثناء.