الخليج والعالم
كيف ألحقت علاقة واشنطن و"تل أبيب" ضررًا كبيرًا بالمصالح الأميركية؟
المواقف الغربية الداعمة للقضية الفلسطينية والمعادية لسياسة الاستيطان الإسرائيلي التي برزت في الآونة الأخيرة، تأتي في سياق ردود فعل تاريخية جراء قواسم مشتركة تجمع بعض الدول الأوروبية مع فلسطين المحتلة. الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلبا على مقاربة ضفتي الأطلسي حيال موضوع دعم كيان العدو الصهيوني وسياساته.
وفي هذا السياق، أشار المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـCIA بول بيلر في مقالة نشرتها موقع "ناشيونال انترست" إلى أن "البرلمان الإيرلندي صادق الأسبوع الماضي على مشروع قانون يدين الضم الإسرائيلي الفعلي لأراضٍ فلسطينية"، لافتًا إلى أن "إيرلندا أصبحت بذلك الدولة الأولى في الاتحاد الأوروبي التي تتخذ هكذا موقف حيال الملف الفلسطيني".
الكاتب اعتبر أن هذا الموقف يعود بشكل جزئي إلى أن الإيرلنديين يرون أن هناك قواسم مشتركة بين تجربتهم وتجربة الفلسطينيين، إذ إنها كانت دولة جارة لبريطانيا التي أقدمت على ضم أراضٍ إيرلندية إليها".
وأضاف الكاتب أن مواقف دول أوروبية أخرى حيال العدو تتأثر بتاريخها، وذلك باعتبار بلدان استعمارية مثل بريطانيا وفرنسا تتخذ موقفًا مختلفًا، لافتا إلى أن "السياسة الخارجية الألمانية تضع أولويتها دعم "إسرائيل" بسبب مزاعم حول تعرض اليهود لاضطهاد خلال حكم النازيين".
وتابع الكاتب أن "هذه المواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية تأتي في سياق ردود فعل تاريخية، أثّرت سلبا على مقاربة ضفتيْ الأطلسي حيال موضوع دعم كيان العدو الصهيوني وسياساته".
وتطرق الكاتب إلى الدعم الأميركي لكيان العدو، قائلا إن واشنطن تعتبر كيان العدو "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، مذكرا بأن هناك تطابقا ثقافيا تاريخيا بين الصهاينة والغربيين لأن اغلبهم يعودون إلى خلفية أوروبية، وذلك خلافًا للعرب والفرس. وأشار إلى أن كيان العدو "كان حليفا لـ "دول الحلفاء" ضد الاتحاد السوفييتي خلال "الحرب الباردة"".
ولفت إلى "دعم الانجيليين لـ"تل أبيب" من منطلق عقائدي"، وقال إن "قوة اللوبي المؤيد لـ "إسرائيل" هي عامل أساسي وراء الدعم الأميركي".
الكاتب أضاف أن "الأمور تغيرت ولم يعد بالإمكان اعتبار "إسرائيل" ديمقراطية، بينما تحرم اعدادا كبيرة من السكان من حقوقهم السياسية"، حسب تعبيره، وقال إن "أي دعم قدمته "تل أبيب" للسياسة الخارجية الأميركية خلال حقبة "الحرب الباردة"، يطغى عليه ما قامت به على صعيد "تخريب" هذه السياسة".
وذكر بـ"القواسم المشتركة بين تجربة الولايات المتحدة التاريخية والتجربة الإسرائيلية"، مشيرا إلى أن مستوطني "كلا الجانبين هما من المهاجرين الذين فر البعض منهم من الاضطهاد الديني"، وقال إن المستوطنين الاميركيين سكنوا المناطق الغربية في الولايات المتحدة بينما يسكن المستوطنون الإسرائيليون الضفة الغربية".
وتابع أن "القواسم المشتركة هذه لطالما كانت موجودة في الوعي الأميركي"، مضيفًا أن "الحجاج والمتشددين كانوا ينظرون إلى مستوطناتهم فيما يعرف اليوم بولاية "ماساتشوستس" على انها ""إسرائيل" الجديدة""، ولفت إلى انه "كان يُفرض على الطلاب في جامعة "هارفرد" دراسة اللغة العبرية حتى العام ١٧٨٧".
وبحسب الكاتب، فإن "العوامل هذه دفعت بالعديد من الأميركيين إلى النظر لكل شيء يتعلق بالعدو في سياق التاريخ التوسعي لدى الولايات المتحدة"، وقال إن "التهميش السهل" للسكان الأصليين في اميركا الشمالية يؤدى إلى مقاربة مماثلة حيال الفلسطينيين".
وتحدث الكاتب عن موقف السيناتور الجمهوري السابق ريك سانتروم الذي قارن ما بين الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 67 واحتفاظ الولايات المتحدة بولاية تكساس وغيرها من المناطق الجنوبية بعد انتهاء الحرب مع المكسيك.
وذكر أن" مثل هكذا مقاربة لا تشكل "سياسة خارجية" سليمة، وان تأثير التجربة التاريخية الاميركية ساهم في اتخاذ مواقف اميركية خاطئة"، مشددا على أن "السياسة الخارجية السليمة تتطلب التخلص من النظرة التاريخية القديمة والعواطف والعقيدة الدينية والمخاوف من تأثير اللوبيات في الداخل".
واعتبر أن ""العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" ألحقت ضررًا كبيرًا بالمصالح الأميركية، سواء كان على صعيد فقدان المصداقية في قضايا تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، أو على صعيد نشوء "الإرهاب المعادي لأميركا" او غيره"، مؤكدا أن "أي مكاسب ناتجة عن علاقات مع "إسرائيل" يمكن ان تتحقق من خلال علاقات عادية وليست "خاصة"".
وختم الكاتب قائلا إن "تغاضي الولايات المتحدة عما تمارسه "إسرائيل" من احتلال وقهر لا يخدم الأخيرة"، مضيفًا أن "الحرب الأخيرة في الأراضي المحتلة قد بيّنت أن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني ان "إسرائيل" ستعيش دائمًا "عبر السيف " ولن تحظى بسلام حقيقي".