الخليج والعالم
ليبيا نحو المصالحة الشاملة
تونس - روعة قاسم
تشهد الساحة الليبية تطورات هامة باتجاه المصالحة الشاملة، فبعد تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وانتقال السلطة بشكل رسمي الشهر الماضي، جاء الإعلان عن اطلاق سراح معتقلين في مدينة الزاوية غرب البلاد - يتبعون قوات شرق ليبيا التي يقودها خليفة حفتر - ليمثل بادرة تعزز مسار الوحدة الوطنية التي بدأت منذ أشهر.
هذه الخطوات هي نتيجة مسار طويل من المحادثات برعاية أممية والتي تكللت في شهر تشرين الأول / اكتوبر الماضي بالتوصل لاتفاق لوقف اطلاق النار أفسح المجال لتسوية سياسية بين فرقاء الصراع. وتقضي هذه التسوية بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحلّ محل الادارتين المتنافستين وتخفف وطأة الانقسام والتصدع السياسي والإداري الذي استفحل في البلاد طيلة السنوات الماضية.
ولقي الإفراج عن المعتقلين ترحيبًا داخليًا وخارجيًا، وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إن "مستقبل ليبيا وتقدمها مرتبط بقدرتها على معالجة جراحها من خلال المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة".
وأضاف أن "إطلاق سراح الأسرى في مدينة الزاوية يمثل تقدما إيجابيا في هذا المسار".
كما رحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في بيان، بـ"عملية إطلاق سراح الأسرى بمبادرة لجنة حوار مدينة الزاوية". واعتبر هذه الخطوة "مهمة في إطار المصالحة الوطنية، التي كان قد أطلقها المجلس الرئاسي الليبي منذ استلامه زمام أمور البلاد". وقال المنفي إن "تحقيق مصالحة وطنية شاملة يوجد في أعلى سلم أولويات المجلس الرئاسي لكونه حجر الأساس لبناء دولة موحدة من أجل تحقيق العيش المشترك بين الليبيين".
كما اعتبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبر بيان، ان جهود الحكومة لتحقيق المصالحة الوطنية، والتي بدأت بإطلاق سراح الأسرى، خطوة هامة داعية إلى إطلاق جميع المعتقلين، قبل بداية شهر رمضان المبارك.
ومن المتوقع أن تتبع هذه المبادرة خطوات أخرى ذات صلة بالإفراج عن المعتقلين في شرق البلاد التابع لسيطرة خليفة حفتر.
ومن أجل استكمال مسار المصالحة، فإن السلطات الليبية تعكف على تشكيل ما يسمى بـ "المفوضية العليا للمصالحة الوطنية" كأحد أهم بنود التسوية السياسية التي وقعّت في فيفري الماضي برعاية اممية.
فلا يمكن اليوم الحديث عن انفراج سياسي في ليبيا دون الحديث عن مصالحة شاملة ترد جميع الحقوق الى أصحابها. ويرى البعض أن مجلس القبائل الليبية لعب خلال السنوات الماضية دورًا بارزًا في تعزيز المصالحة وفي إعادة اللحمة للنسيج المجتمعي الليبي. وأن المصالحات التي تحققت بين القبائل المتناحرة سواء في الجنوب أو الشرق أو الغرب، أفضت كلها الى تحقيق التسوية السياسية. وأنه لولا ارادة القبائل ودورها في رأب الصدع لما توصل الفاعلون سواء في الخارج أو الداخل الى الإتفاق السياسي والى وضع خارطة طريق للخروج بالبلاد من النفق المظلم.
وقد حظيت هذه الخطوات بترحيب فرقاء الصراع الليبي مثل اللواء خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني. كما حظيت بقبول الأطراف الدولية الخارجية الداعمة للمتحاربين في الداخل. مما يعني أن هناك قرارًا دوليًا بطيّ صفحة الحرب الليبية للبدء بإعادة إعمار هذا البلد مع كل ما يعنيه ذلك من صفقات تحاول القوى المؤثرة -والتي دعمت الصراع العسكري طيلة 10 سنوات- أن تأخذ منها نصيب الأسد.
ويرى متابعون بأن النجاح في استكمال مسار المصالحة واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، سيفتح الباب أمام عودة الإستقرار المالي والإقتصادي لليبيا. وبالتالي اعادة بناء ليبيا الجديدة، والنقطة الأهم التي تهمّ شركات النفط العالمية المؤثرة هو الوصول بالإنتاج النفطي الليبي إلى مستويات ما قبل الثورة والبالغ نحو 1.7 مليون برميل يوميا.
كل هذه المستجدات من شأنها أن تنعكس على الجوار الإقليمي لليبيا خاصة على تونس التي كانت تعتبر سابقا، مصدرًا أساسيًا لتوريد السلع المتعددة الغذائية والصحية وغيرها الى الجوار الليبي، وذلك قبل أن يدخل الأتراك على خط الأحداث ويسارعون الى إغراق السوق الليبية بالسلع التركية عقب تدخلهم العسكري في الغرب الليبي.