معركة أولي البأس

الخليج والعالم

هل يخفف انطلاق الحوار الوطني في تونس الاحتقان الشعبي؟
27/11/2020

هل يخفف انطلاق الحوار الوطني في تونس الاحتقان الشعبي؟

تونس – روعة قاسم

لطالما كان شهر كانون الأول/ديسمبر في تونس شهر الغضب والاحتجاجات، وذلك على مدى تاريخ البلاد الحديث. ومع اقتراب هذا الشهر تكثر التساؤلات حول مآل الاحتجاجات الغاضبة التي انطلقت في العديد من الولايات التونسية للمطالبة بالتنمية، والتشغيل، والتوزيع العادل للثروات الطبيعية.
 
ويرى كثير من المراقبين أن الاتفاق غير المسبوق الذي توصلت اليه الحكومة مؤخرًا مع المحتجين في منطقة الكامور، وما نتج عنه من فك الاعتصام وإعادة العمل بمضخات النفط لكن بشروط المحتجين هو ما أشعل فتيل الغضب ومثّل حافزًا لباقي الولايات المهمشة الى رفع الصوت عاليًا والدخول في إضرابات عامة واعتصامات بالجملة، وذلك  في تطاوين، قابس، القصرين، صفاقس، قفصة، سيدي بو زيد، باجة، القيروان، توزر وغيرها، وذلك بهدف التوصل الى اتفاق شبيه بـ "اتفاق الكامور " ونيل بعض المكاسب الاجتماعية والاقتصادية.

وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي أعلنت الحكومة التونسية عن انطلاق حوار وطني اقتصادي واجتماعي حول خطط التنمية في البلاد. وبحسب ما ورد في بيان رئاسة الوزراء فإن  "لقاء الحكومة مع مكونات المشهد السياسي والبرلماني اندرج في سياق انطلاق الحوار الاقتصادي والاجتماعي حول قانون المالية ومخطط التنمية، بهدف تعزيز السياسة التشاورية في تونس".

وأبرز الوجوه السياسية التي التقاها رئيس الحكومة هشام المشيشي هي نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس (30 نائبا من أصل 217)، وعماد الخميري رئيس كتلة حركة النهضة وأنور معروف عضو الكتلة (54 نائبا)، ومهدي مجدوب عن حركة تحيا تونس (10 نواب)، وأضاف البيان أن من شأن الحوار الوطني إخراج تونس من المرحلة الصعبة، لتأسيس مرحلة جديدة من الانطلاق الاقتصادي والاجتماعي والتنموي في البلاد.

في حين دعا رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي المحتجين في عدة مناطق داخلية إلى "الهدوء والتهدئة واعتماد لغة الحوار بدلا من أسلوب تعطيل مرافق الدولة".

موجة الاحتجاجات شملت كل القطاعات والولايات، فحتى القضاة دخلوا مؤخرا في اضراب عام على خلفية وفاة قاضيتين جراء كورونا، في ظروف صحية مهينة لا تليق بمكانة القضاة،  ويأتي الإضراب أيضا احتجاجًا على "الأوضاع الصحية وظروف العمل الكارثية في المحاكم، إضافة إلى الظروف المادية المتردية للقضاة وتعطيل ملف الإصلاح القضائي".

القطاع الإعلامي احتج أيضًا في يوم غضب الأمس، على مماطلة الحكومة بنشر الاتفاقية القطاعية للصحفيين في الرائد الرسمي ومماطلتها بالاستجابة لمطالب الصحفيين،  كما هدّد عمّال وموظفو الشركة التونسية للكهرباء والغاز بتنفيذ اضراب في بداية الشهر المقبل للمطالبة بتحسين أوضاعهم.
 
هذا الظرف المتشنج يزيد من التعقيدات في المشهد السياسي وفي المناخ العام الذي يحذّر العديد من الخبراء الاقتصاديين من انه لا يوفر بيئة جيدة للاستثمار والإصلاح الاقتصادي المنشود،  ويبدو أن هناك غيابا للثقة لدى شرائح اجتماعية واسعة بالحكومة وبوعودها، وبإمكانية تحسين وضعية بعض الجهات التي عانت طويلا من التهميش،  فحكومة المشيشي اليوم أمامها مهمات صعبة أولها الاستجابة لهذه المطالب الاجتماعية وأحقيتها وامتصاص الغضب الشعبي وفي الوقت نفسه البحث عن حلول لإنقاذ البلاد وتمويل ميزانية الدولة.  

المفارقة أن هذا الغضب الشعبي يتزامن مع ذكرى انطلاق شرارة الثورة التونسية وبداياتها في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، وبداية كانون الأول/ديسمبر من عام 2011، والتي كان أهم شعاراتها التنمية المتوازنة والعدالة، لكن بعد مرور كل هذه السنوات وبعد تعاقب الحكومات فإن الانتقال الاقتصادي والاجتماعي الموعود لم يتحقق وهذا ما يفسّر انفجار بركان الاحتجاجات كلما سنح الظرف بذلك.

أمام الحكومة التونسية والطبقة السياسية الحاكمة اليوم تحديات كبيرة أولها إعادة الثقة بالدولة وبمؤسساتها لدى هذه الفئة الغاضبة -وجلّها من الشباب العاطلين عن العمل- والبدء فورًا بحوار وطني اجتماعي اقتصادي عميق يضع يده على الجروح الاقتصادية التي لا تزال تنزف رغم كل ما تحقق من انتقال ديمقراطي في تونس.

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم