الخليج والعالم
تونس:عودة احتجاجات المناطق الحدودية يعمّق التحديات أمام الحكومة
تونس روعة قاسم
تكاد الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات لا تتوقف في تونس منذ أن خرج البعض للإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 17 كانون الأول/ديسمبر للعام 2010. تهدأ هذه الاحتجاجات لفترة لكنها سرعان ما تتجدد في مناطق متفرقة من البلاد، والمطالب هي التنمية والتشغيل وتحسين الأوضاع المعيشية بعدما تدهورت القدرة الشرائية للمواطن التونسي بشكلٍ لافتٍ مقارنةً بما كان عليه الأمر في السابق.
ولعلّ ما يؤجّج هذه الاحتجاجات هو أنه لا شيء تحقق في المجال الاجتماعي منذ الإطاحة بالنظام السابق، فقد ذهبت مطالب المحتجين والثوار سدىً بعدما وجهت الطبقة السياسية ثورتهم باتجاه مطالب أخرى لا تمت بصلة لما طالبوا به.
بعد كتابة دستورٍ جديدٍ وإقرار نظامٍ سياسيٍ هجينٍ -احتار في تصنيفه فقهاء القانون الدستوري- انصرفت الطبقة السياسية إلى صراعات جانبية إيديولوجية لا تعني المواطن التونسي البسيط الباحث عن لقمة عيشه في شيء، ولا يعيرها أي اهتمام.
أزمة الكامور
تعتبر المنطقة النفطية الصحراوية في أقصى جنوب البلاد الخاصرة الرخوة لتونس، والتي يستغلها الأهالي لكسر عظم السلطة المركزية في العاصمة من خلال إيقاف إنتاج النفط بالسيطرة على المضخات في منطقة الكامور وإيقاف تدفقه، ومنذ ثلاث سنوات والحكومات تتفاوض مع معتصمي الكامور ولم يجرِالتوصل بعد إلى حل مع هؤلاء، الذين يبدو أن لديهم مطالب تعجيزية لا قدرة للدولة على الوفاء بها.
ويرغب هؤلاء بالأساس بتشغيل أبناء الجهة بالشركات النفطية وبنَيل نصيب من مداخيل البترول لتنمية ولاية تطاوين التي تشتكي من التهميش وغياب التنمية، وهي الولاية الداخلية الصحراوية غير المطلة على البحر والواقعة بين كل من ليبيا والجزائر. لكن أعداد المطالبين بالتشغيل تبدو كبيرة ناهيك عن المبالغ المالية التي يطالبون برصدها للتنمية والتي تفوق قدرة الدولة وتجعل الحكومة الجديدة أمام تحديات حقيقية فإما الإستجابة للمطالب أو استمرار تعطيل إنتاج النفط.
الحوض المنجمي
وتواجه الحكومة الجديدة تحدٍ آخر في منطقة الحوض المنجمي، حيث الثروة الهائلة من الفوسفاط والتي جعلت تونس في السابق ثاني منتج لهذه المادة على مستوى العالم، لكنها بسبب توقف الإنتاج أصبحت تستورد هذه المادة لتشغيل المجمع الصناعي الكيميائي الذي لديه التزامات للتصدير مع أطراف خارجية. وتتفاوض الحكومة أيضًا مع المعتصمين في الحوض المنجمي لإعادة الإنتاج إلى نسقه الطبيعي ولإيجاد حلٍ لشركة فسفاط قفصة (الشركة الوطنية التي تحتكر إنتاج وتصدير هذه المادة)، والتي وصلت إلى الإفلاس بسبب توقف الإنتاج وكثرة العاملين بها، والذين وجدت الحكومات نفسها مجبرة لتشغيلهم لتهدئة الاحتقان في الشارع.
وللإشارة، فإن توقف إنتاج الفوسفاط بسبب الاعتصامات تسبب للدولة بخسائر اقتصادية فادحة، وفي فقدان أسواق عالمية كانت تحبذ المنتوج التونسي وتصعّب اليوم استعادتها لأنها ارتبطت بعقود جديدة مع دول عربية استغلت حالة الوهن التونسية دون رحمة. وبالتالي فإن هذا الملف يعتبر أيضًا ضمن التحديات التي تواجه الحكومة التونسية الجديدة والمطالبة بتجاوز أخطاء الحكومات التي سبقتها وإيجاد حلٍ نهائي ٍلهذه المعضلة.
الأزمة الليبية
وتسببت الأزمة الليبية بدورها بمشاكل اقتصادية واجتماعية لبعض المناطق في تونس، والتي تعيش وتقتات من التجارة البينية بين البلدين على غرار منطقة بن قردان الحدودية التي شهدت اضطرابات اجتماعية.
وقد أدى إغلاق معبر رأس الجدير الحدودي إلى خنق الأهالي في تنقلاتهم وفي نشاطهم الاقتصادي دون أن تقوم الدولة بأي تحرك لتجد لهم الحلول التنموية في غياب الحركية بين تونس وليبيا.
ومن المرجّح أن الأزمة الليبية ستطول وستتواصل معها معاناة أهالي بن قردان وحتى أبناء المناطق الحدودية الليبية، وما على الحكومة التونسية الجديدة إلا أن تلقي بثقلها التنموي لانتشال سكان هذه المناطق من الفقر الذي يؤدي بالكثير منهم إلى الهجرة السرية نحو أوروبا التي تنزعج من قدومهم، رغم أنها أحد أسباب مأساتهم من خلال الحرب التي يشنها "الناتو" على ليبيا.
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
22/11/2024