معركة أولي البأس

الخليج والعالم

انسحاب امريكا من معاهدة الاجواء المفتوحة يهدد الأمن الدولي
27/08/2020

انسحاب امريكا من معاهدة الاجواء المفتوحة يهدد الأمن الدولي

تتردد في أروقة وزارة الخارجية الروسية معلومات تؤكد جدية الولايات المتحدة الاميركية بالعمل على الانسحاب من معاهدة الاجواء المفتوحة، فما هي الخيارات الروسية للتعاطي مع تنصل اميركا من إلتزاماتها تجاه المعاهدات الدولية، وما هو الرد الروسي على مزاعم واشنطن وأسباب خروجها من تلك الإتفاقيات المعلنة.

تفيد أوساط الخارجية الروسية أن الوضع حول تلك الإتفاقيات شديد التوتر. ويعود السبب باديء ذي بدء للأعمال الهدامة للولايات المتحدة الأميركية. ففي تصريح لرئيس المركز الوطني للحد من المخاطر النووية سيرغي ريجكوف، نشرته جريدة القوات المسلحة الروسية كراسنايا زفيزدا: "بعد الإعلان عن أهمية الحد من ومراقبة التسلح، تعمل الإدارة الأمريكية الحالية بإصرار على كسر النظام الحالي للأمن الدولي. فواشنطن تنسحب باستمرار من أية اتفاقيات دولية تحد بطريقة أو بأخرى من أنشطتها."
 
الأمر ليس مرتبطاً اذا بإتفاقية الأجواء المفتوحة التي أعلنت واشنطن في 22 أيار/ مايو الماضي نيتها الإنسحاب منها خلال ستة أشهر فقط، بل ينسحب على كافة الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالتسلح، فبعد إنسحاب الولايات المتحدة من إتفاقية الدرع الصاروخية، انسحبوا من إتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وأعلنوا نيتهم عدم تجديد العمل بإتفاقية الأسلحة الإستراتيجية ستارت 3 و خروجهم من الإتفاق النووي مع إيران وإصرارهم الغير مبرر بتمديد حظر السلاح عليها.

فور إنسحابها من معاهدة الدرع الصاروخية أطلقت الولايات مشروعاً واسع النطاق لإنشاء نظام درع صاروخي إستراتيجي أنفقت عليه مئات مليارات الدولارات وتحتاج المزيد من حساب دافعي الضرائب الأميركيين لرفع قدرات وكفاءة المنظومات التي أنشأتها. وهو بالتأكيد يهدد توازن الردع الذي تمتلكه روسيا التي طورت صواريخ فرط صوتية، ويذكر سيرغي ريجكوفَ أنه "بعد بضعة أيام على خروجها من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، أجرت الولايات المتحدة تجارب إطلاق صاروخ جديد يقع ضمن تصنيفات الحظر التي تفرضها المعاهدة".

من الواضح أن العمل على إنشاء تلك الصواريخ المحظورة بموجب المعاهدة كان غير مصرح به من قبل مجمع التصنيع العسكري الأمريكي و ذلك قبل وقت طويل من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية.  
 
كعادتها تتحجج واشنطن بفرضيات مخالفة روسيا لتلك الإتفاقيات. مع العلم أن تلك التبريرات لم تعد تجد تأييداً واسعاً حتى في الولايات المتحدة نفسها.

تستند الولايات المتحدة و حلفاؤها في إتهاماتها على رفض روسيا قيام دول أجنبية برحلات جوية ضمن شريط عشرة كيلومترات من حدود أبخازيا و أوسيتيا، الرفض الروسي مرتبط بشروط و بنود الإتفاقية التي تنص أن رحلات الإستطلاع يجب أن لا تتوغل لأكثر عشرة كيلومترات من حدود دولة أو دول ليست طرفاً في المعاهدة وروسيا تعتبر أبخازيا وأوسيتيا دولاً مستقلة ذات سيادة غير مشاركة في المعاهدة، بينما لا تعترف واشنطن وتيبيليسي (عاصمة جورجيا) ودول الناتو بإستقلال أبخازيا وأوسيتيا.
 
أبدت روسيا إستعدادها لحل المسألة بالتفاهم ويقول رئيس المركز الوطني للحد من المخاطر النووية "سيرغي ريجكوف": "طرحنا السماح لرحلات الإستطلاع الجوي في نطاق العشرة كيلومترات عن حدود أبخازيا وأوسيتيا إذا سمحت تيبيليسي للمفتشين الروس القيام برحلات إستطلاع جوي مماثلة فوق أراضي جورجيا، ولكن تيبيليسي التي تحظى بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا تستمر في تعطيل المبادرة الروسية".
 
ويقول "ريجكوف" أنه في الواقع، لدى روسيا شكاوى أكثر بكثير بحق الأمريكيين. تحدث عنها ممثلو الاتحاد الروسي في 6 تموز/ يوليو  الماضي خلال مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، المخصص لمناقشة عواقب انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة المذكورة. وأظهرت الحقائق الواردة في التقرير الصادر عن المؤتمر أن الولايات المتحدة لا تفي بتعهداتها بأمانة ضمن اتفاقية الأجواء المفتوحة. و يقول ريجكوف:" ذكرنا الجانب الأمريكي، على وجه الخصوص، برفضه دخول طائرات الإستطلاع الروسية إلى الأجواء الأمريكية، إضافة لحظرهم مراقبة منطقة الجزر ومنع تنظيم رحلات إستطلاع جوي للطائرات الروسية تعمل الطواقم فيها من 14 إلى 18 ساعة" .

كل ما سلف يؤكد أن سبب خروج الولايات المتحدة من معاهدة الأجواء المفتوحة ليس ما أعلنته واشنطن، فالولايات لديها رغبة بالسيطرة على كل الفضاء (أنظمة الإتصالات، الملاحة، التحكم بالنفايات الفضائية، ومراقبة الكرة الأرضية عن بعد وغيرها من الأهداف) يقول "ريجكوف" وهي تسعى لكسب مادي في المستقبل عن طريق بيعها للمواد المختلفة المتعلقة بتلك المجالات.

تستمر الولايات المتحدة برفضها السماح بتفتيش أراضيها، وتجدر الإشارة إلى أن وضع معاهدة الأجواء المفتوحة بدأ بالتدهور منذ شهر أيلول/ سبتمبر 2013 حين قامت طائرة تفتيش روسية من طراز "آن 30 ب"  مزودة بمعدات رقمية للمراقبة، بطلعة إستطلاعية دولية إعترضتها الولايات المتحدة وقيدت عملها. تحديداً خلال العام 2013 الوحيدة من بين الدول المشاركة في الإستطلاع الدولي والتي رفضت الولايات المتحدة السماح لها بالتحليق هي الطائرة الروسية التي كانت تقوم بواجبها وفقاً للمعاهدة الدولية.

تفاعل الولايات المتحدة بشكل غامض مع برامج روسيا لتحديث أسطولها الجوي تماشياً مع متطلبات معاهدة الأجواء المفتوحة، وقتها تقدم عدد من رجال الكونغرس الديموقراطيين والجمهوريين من الرئيس الأميركي باراك أوباما بطلب عدم السماح لروسيا بمراقبة أراضي الولايات المتحدة بطائراتها المزودة بمعدات تجسسية حديثة. ومنذ ذلك الوقت كانت نية أصحاب الإقتراح هي الخروج من المعاهدة. و اليوم إدارة ترامب الحالية تنفذ هذا المخطط الذي يهدد الأمن الدولي.

إنهيار معاهدة الأجواء المفتوحة يعني إنهيار إحدى أهم ركائز ضمان الأمن والإستقرار الدوليين، وبينما تلتزم روسيا ومعظم الدول ببنود المعاهدة تأتي الخروقات ويأتي التنصل من العهود من الولايات المتحدة ما يضطر الطرف الآخر للجوء إلى مبدأ المعاملة بالمثل وعدم الإمتثال لأسلوب التهديد والإنذارات والتنازلات عن الأمن القومي والأمن الإقليمي والدولي الجماعي المشترك.

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم