الخليج والعالم
مخاوف من عزم "الأفريكوم" نشر قوات في تونس
تونس - روعة قاسم
أثار بيان صادر عن القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا "الأفريكوم" حول إمكانية نشر قوات في تونس على خلفية الأنشطة العسكرية الروسية المتزايدة في ليبيا، زوبعة وعاصفة من الجدل والانتقادات والمخاوف لدى التونسيين خشية من تبعات هذا الوجود الأمريكي. فقد تناقلت وسائل الاعلام المحلية والعديد من النشطاء التونسيين هذا البيان بتحفظ كبير خاصة أن أمريكا أينما تحلّ يأتي معها الخراب والدمار، وهي زرعت دمارها وسمومها في سوريا تماما كما فعلت سابقا في العراق.
واليوم يبدو أن عين الأمريكيين على شمال افريقيا خاصة ليبيا وتونس والجزائر. البيان الذي نشرته الأفريكوم حول فحوى المكالمة الهاتفية مع وزير الدفاع التونسي ليلة 29 أيار / مايو والذي جاء فيه أن الولايات المتحدة تبحث مع المسؤولين التونسيين عن إمكانية استخدام "لواء المساعدة" وذلك لمخاوف من الوجود الروسي في ليبيا وما يترتب عنه، سرعان ما سحبته لتصدر بيانا توضيحيا آخر جاء فيه ان "لواء المساعدة" هو وحدة تدريب صغيرة تندرج ضمن برنامج المساعدة العسكرية وليس وحدات مقاتلة.
كما أن السفارة الأمريكية في تونس سارعت من جهتها أيضا الى اصدار بيان صباح السبت نفت فيه الأنباء التي تتحدث عن عزم أمريكا نشر قوات في تونس مشيرة الى انها قوات مساعدة أمنية للتدريب.
وقالت السفارة، في بيانها: "للتوضيح، قوات المساعدة الأمنية التي ذكرتها أفريكوم في بيانها الصحافي الصادر بتاريخ 29 مايو الجاري، يشير إلى وحدة تدريب صغيرة، وهي جزء من برنامج المساعدة العسكرية، وليس المقصود بها بأي حال من الأحوال قوات عسكرية مقاتلة".
يشار الى أن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، تأسست في 1 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2007 ، كقيادة مؤقتة تحت القيادة الأمريكية لأوروبا، والتي كانت لمدة أكثر من عقدين مسؤولة عن العلاقات العسكرية الأمريكية مع أكثر من 40 دولة أفريقية. ويوجد حاليًا 2000 جندي في معسكر ليمونيير بدولة جيبوتي ـ القاعدة الأمريكية الوحيدة في أفريقيا ـ يعملون تحت سلطة القوات المشتركة في منطقة القرن الأفريقي بحجة الحد من النشاطات الإرهابية في شرق أفريقيا.
لكن ما صدر عن الأفريكوم خلال اليومين الماضيين يكشف عن نوايا وأهداف الأمريكيين وأطماعهم في شمال افريقيا. وكل ذلك أجج مخاوف التونسيين من ان تكون ليبيا هي بوابة للتسلل الأجنبي الجديد للمنطقة. فواشنطن التي دخلت بقوة الى المعارك الدائرة في سوريا، يبدو انها تبحث اليوم عن "أعداء جدد" وتهيئ كل الظروف للتدخل بعلة مواجهتهم في شمال افريقيا، وهذه المرة تعللت بالمخاوف من وجود روسي في ليبيا.
وهو أمر نفته موسكو مرارًا مؤكدة أن لا نية لها بأي وجود عسكري في ليبيا وأنها مع حل سلمي للأزمة الليبية وسبق أن احتضنت مباحثات سلام تحضيرية لمؤتمر مدريد على أرضها جمعت الفرقاء الليبيين والخارجيين الفاعلين في الأزمة.
يبدو واضحًا ان الولايات المتحدة -ومن خلال الوجود التركي- تسعى الى إيجاد موطئ قدم لها في شمال افريقيا من اجل تحقيق حلم توسيع "القاعدة العسكرية الافريكوم" الذي لطالما راودها، وقد جوبهت دائمًا برفض تونسي وجزائري لأي وجود عسكري أمريكي.
واليوم، وفيما تحاول واشنطن استغلال الأزمة الليبية لتقوية نفوذها في شمال افريقيا، جوبهت أيضًا بعاصفة من ردود الأفعال الرافضة من النشطاء والفاعلين التونسيين والذين أكدوا ان تونس لن تكون "عراقا" آخر ولن يسمح أحد باستباحتها وان تاريخها وجغرافيتها عصية على أي أطماع، وتاريخها مليء بقصص النضال ضد المستعمرين، ودماء "النقابي" والقائد الكبير فرحات حشاد تسري في دماء كل تونسي. وقد نفت مصادر في الرئاسة التونسية خاصة لـ "العهد" مزاعم الوجود الأمريكي مؤكدة أن ما يحصل هو "حرب اشاعات". وجاءت كل هذه الأنباء المتسارعة لتثير قلق التونسيين من تداعيات الصراع الليبي خاصة أنه يسير شيئا فشيئا نحو السيناريو السوري بكل ما يحمله من أخطار على الأمن الإقليمي. ولئن تمكن الجيش العربي السوري من صدّ كل المؤامرات واسترجاع أجزاء كبيرة من أرضه من العصابات الإرهابية والصمود لأكثر من تسع سنوات من الحروب، فإن التساؤلات الكبرى اليوم تدور حول مدى قدرة الليبيين بكل أطيافهم على مقاومة مثل هذا السيناريو والنجاة من كل الأطماع الخارجية بأقل الأضرار. فالشعب الليبي دفع طيلة السنوات الماضية من دمائه وأرواحه وثرواته وممتلكاته ثمن كل هذه المعادلات الإقليمية والدولية، وثمن "الذهب الأسود" الذي يُسيل لعاب الدول الكبرى وتحول الى نقمة على الليبيين.