معركة أولي البأس

الخليج والعالم

مبادرة
18/12/2019

مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.. نهوضٌ اقتصادي وضربٌ للنفوذ الأمريكي في المنطقة

علي حسن 

أشاد الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس بمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين معتبرا انها شكلت تحولاً استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية في العالم، خصوصا كونها تعتمد على الشراكة والمصالح المشتركة عوضاً عن محاولات الهيمنة التي يتبعها الغرب. كما دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة له في وقت سابق إلى التعاون مع الصين لتفادي الانهيار الاقتصادي، فبماذا ستعود هذه المبادرة الصينية على سوريا ودول الجوار؟ وهل ستؤدي لاستقرار اقتصادي فعلاً؟

الخبير الاستراتيجي السوري الدكتور أسامة دنورة تحدث لموقع "العهد" الإخباري بشكل تفصيلي حول هذه المبادرة، ويقول إنّ "مبادرة الحزام والطريق الصينية تقوم على ربط طرفي "العالم القديم" إن جاز التعبير بـ"حزام" بري و"طريق" بحري يصل التخوم البرية للمحيط الهادي شرقاً بتخوم الأطلسي غرباً، ويصل آسيا وأوروبا وأفريقيا ببعضها بعضًا عبر شبكة من الطرق والمسارات البحرية والبرية والبنى التحتية ومشاريع الشراكة الاستثمارية، وتغطي هذه المبادرة أكثر من (68) دولة، بما في ذلك 65٪ من سكان العالم، وَ 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، لذلك يقدر أنّها ستدرج ضمن أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في التّاريخ".

وأضاف أنّ "أهمية فلسفة مبادرة الحزام والطريق (أو حزام واحد وطريق واحد) انها تقوم، كما أشار الرئيس الأسد، على مقاربة الشراكة بدلاً من الهيمنة، بمعنى آخر هي تعبير حضاري إنساني تطويري عن تعاظم الاقتصاد الصيني كبديل عن النزوع الامبريالي الذي ميز تعاظم القوى الكبرى عبر التاريخ، وبالتالي فهي مقاربة الندية في الشراكة بدلاً من الاستغلال والاخضاع"، مضيفا انه "يمكن القول إنها في سياق العلاقات الدولية تعبير عن أنسنة الارتقاء الاقتصادي الرأسمالي نحو بلورة منظومة علاقات اقتصادية متوازنة تبني الازدهار للجميع وبالتالي تعزز السلام. ويعتبر البعض أنها المرحلة الطليعية لبزوغ "العصر الصيني" وحلوله مكان "العصر الامريكي"، خاصةً اذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن واحدًا من مآلات ونتائج المشروع المفترضة هو تعزيز دور اليوان الصيني كعملة احتياط عالمية تمهد لكسر احتكار الدولار لهذا الموقع".

وتابع ان "منطقة شرق المتوسط تعتبر واحدة من أهم المنافذ التي تصل البر الآسيوي بأوروبا وأفريقيا، وبالتالي لا غنى عن هذا المعبر الهام لاتمام المبادرة وبلوغها أهدافها، وهي طبعاً من واقع الشراكة والأهمية الجيوايكونومية للمنطقة تعتبر مرشحة لاستقطاب استثمارات هامة في اطار هذه المبادرة، فإذا ما نُظر مثلاً إلى حجم الاستثمارات الصينية المخطط لها في منطقة نائية وطرفية مثل غرينلاند مثلاً، فيمكننا ان نتوقع مثلاً حجم الاستثمارات المتوقعة في منطقة مركزية ومحورية في المشروع كمنطقة شرق المتوسط" بحسب حديث الدنورة، وتابع قائلاً إنّ "تزامن صعود المشروع الصيني مع ضرورات إعادة الاعمار السوري يطرح آفاقاً اكثر عمقاً للشراكة اقتصادياً وجيوبوليتيكياً، فدول المنطقة جميعها (بما فيها ايران وتركيا وبعض دول الخليج) تأخذ بعين الاعتبار الشراكة ضمن هذه المبادرة في خططها الآنية والمستقبلية الخمسية والعشرية لأنها تعبر عن آفاق واعدة تفرض نفسها على مستقبل المنطقة، ومن هنا فأهمية المشروع لسورية تبدو مضاعفة للتطوير المستقبلي الاستراتيجي ولإعادة البناء التي تتطلب استثمارات واسعة على حد سواء، وهذا يحقق مصالح مؤكدة للطرفين السوري والصيني لا سيما أن الاستثمار في عملية إعادة الإعمار هو استثمار مجزِ ومربح كما أكد الرئيس الأسد".

وأكد دنورة أنّ "المبادرة تعتبر فرصة هامة لترجمة الاستراتيجية السورية القائمة على "التوجه شرقاً" والشراكة الاقتصادية المتوازنة مع الشرق كبديل عن هيمنة الغرب. والموقع السوري يؤهل سورية لأهمية جيوبوليتيكية خاصة في إطار المشروع، لأن المحاولات الامريكية لإعاقة المشروع تقوم على زرع الحكومات العميلة للغرب في مساره الجغرافي، أو إثارة "الفوضى البناءة" لإعاقة مشاريع الشراكة وخطوط النقل والتجارة، ومن هنا فإن استقرار سورية سياسياً واقتصادياً، وأن لا تكون في موقع العمالة والتبعية للنفوذ الأمريكي، هو عامل مهم في بناء موزاييك الحزام والطريق الذي يفترض الاستقرار واستقلال القرار وعدم الانقطاع في التواصل الجغرافي البري".

ولفت دنورة إلى أنّ "المنفذ التركي نحو اوروبا يشكل جزءاً من المقاربة الاستراتيجية للمشروع، ولكن مما لا شك فيه أنه يحمل مخاطر لا بد أن الصيني يدركها ويأخذها في عين الاعتبار، ومنها عضوية تركيا في الناتو، ووجود بعض الأزمات الكامنة في العلاقات الصينية - التركية كموضوع اقلية الايغور ذات العرقية التركية والتي ينتمي إليها الارهابيون من الحزب الاسلامي التركستاني الذين ينشطون في ادلب بدعم تركي، وهم سبق لهم تنفيذ عمليات إرهابية ضد الدولة الصينية، وعلى الرغم من أن الصين، وضمن مقاربة الشراكة الاوراسية التي تبنيها روسيا بخطى حثيثة مع تركيا، تسعى لتعميق التعاون الاقتصادي مع الاتراك، إلا أن مروحة المخاطر والأزمات الكامنة في العلاقات بين البلدين ستزيد من الاهمية الجيوبوليتيكية والجيوايكونومية لسورية في إطار المشروع".

وختم دنورة حديثه لـ"العهد" قائلاً إن: "مشروع الحزام والطريق هو واحد من الفرص الواعدة الأكثر أهمية بالنسبة لتطوير سورية اقتصادياً وإعادة إعمارها، ومن شأنه إذا أحسن استثماره وتم تمهيد الطريق امام الشراكة معه، أن يمثل قيمة مضافة مهمة للإمكانيات الذاتية السورية ومساهمات سائر الحلفاء في نهوض سورية وإعمارها ودفعها نحو التقدم الاقتصادي".
 

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم