معركة أولي البأس

الخليج

محكمة الشعب البحرينية كانت السبّاقة وقالت: لا للإعدام
09/07/2020

محكمة الشعب البحرينية كانت السبّاقة وقالت: لا للإعدام

سندس الأسعد

من المقرر أن يمثل ضحيتا التعذيب  في البحرين والمحكومان تعسفًا بالإعدام محمد رمضان وحسين موسى يوم الاثنين 13 يوليو/تموز، أمام محكمة التمييز البحرينية في فرصة أخيرة لاستئناف حكم الإعدام الجائر الصادر بحقهما والذي استند الى اعترافات باطلة انتزعت منهما تحت سطوة التعذيب الشديد وسوء المعاملة.

قوى المعارضة ونشطاء سياسيون وحقوقيون بحرينيون استبقوا الحدث وأعلنوا في استفتاءٍ الكتروني ضخم عبر منصة "تويتر" بلغت نسبة المشاركة فيه ١٩ ألف تغريدة رفضهم لحكم الإعدام.

النشطاء طعنوا بالأحكام الجائرة بسبب التشكيك في نزاهة واستقلالية القضاء البحريني الذي يعين أعضاؤه بمراسيم ملكية، فيما يعتمد إصدار الأحكام على اعترافات منتزعة تحت التعذيب وأدلة مقدمة من تحريات سرية وشهود مجهولين متسائلين لماذا الإصرار على المعالجة الأمنية للأزمة السياسية الحقوقية.

نائب الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي الشيخ حسين الديهي غرّد قائلًا إن أحكام الإعدام في البحرين جاءت على خلفية الحراك المطلبي ونتيجة تغييب مبدأ الشراكة السياسية والتي يهدف من خلالها النظام إلى ثني الشعب عن مواصلة مطالبه العادلة وكسر صموده، خاتمًا أن هذا الخيار لا يحقق استقرارا سياسيا، إنما يعزز القناعات الشعبية الراسخة بضرورة التغيير السياسي الجذري.

ضحية التعذيب والناشطة الحقوقية ابتسام الصائغ علّقت بأن البحرين لن ترقى إلى مستوى العدالة إلا اذا أعادت النظر في أحكام ‏الإعدام. وبيّن يحيى الحديد رئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الانسان أن البحرين تحذو حذو الحكومات العربية في تلفيق تهم قلب نظام الحكم والعمالة للخارج لإعدام معتقلين.

أما ممثل حركة حق المعارضة، عبد الغني خنجر، فغرّد: "‏‏تواصل البحرين إصدار أحكام الإعدام بحق المعارضين لها متجاهلةً جميع الدعوات الحقوقية حيث تعقد المحاكمات عبر اعترفات انتزعت تحت التعذيب وانتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة".

الناشط السياسي المعارض أحمد المتغوي أكدّ أن البحرين تمارس التعذيب الجسدي والنفسي والتشهير عبر الإعلام ضد المحكومين بالإعدام، وهو ما يؤكد حق البحرينيين المشروع بقضاء مستقل يضمن حقوق المواطن. وفي السياق نفسه أوضّح الحقوقي ورئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش أن ‏سياسة الإفلات من العقاب جعلت التهديد والتلويح بتنفيذ الإعدام أداة نمطية للتعذيب في البحرين.

وغرد مسؤول الرصد والتوثيق في المنتدى، حسين نوح كاشفًا أن أحكام الإعدام انتقام سياسي واضح في الوقت الذي يتوجب على السلطة البحث عن حلول جدية للازمة السياسية.

وكانت أحكام الإعدام السياسية قد تصاعدت منذ سنوات في البحرين، حيث أعدم الشهيد المظلوم عيسى قمبر في مارس/آذار ٢٠١٧، وفجع البحرينيون صبيحة الخامس عشر من ك٢/يناير ٢٠١٧ بإعدام معتقلي الرأي سامي مشيمع، وعباس السميع وعلي السنكيس، الذين اتهموا ظلمًا وعدوانًا بقتل ضابط إماراتي وشرطيين آخرين خلال قمع تظاهرة احتجاجية، وذلك بعد رحلة طويلة من التعذيب الوحشي والمحاكمة أمام القضاء العسكري. بعد تنفيذ الحكم لم يخرج صوتٌ عاقلٌ في السلطة ليستنكر ما حدث، لا شيء غير التشفي والتهليل وسط جو مرعب من السادية والتعذيب النفسي. السلطة لم تكتفِ فصادرت حق الأهالي في مواراة وتشييع أبنائهم المكفول في الدستور، بل ودفنتهم قسرًا في مقبرة الماحوز البعيدة عن مسقط رؤوسهم خلافًا لرغبة العوائل وحقهم الشرعي والاخلاقي والقانوني، وحرمت غالبية الأقارب والأهل وعموم الناس من توديعهم، وحرمت إخوتهم المعتقلين من حق توديع إخوانهم رغم تقديم المحامين طلب الافراج المؤقت عنهم. كما عمدت قوات الأمن إلى ممارسة التفتيش المهين للعوائل والايذاء النفسي والتلفظ بألفاظ طائفية مملوءة بالتشفي والانتقام  أثناء وجودهم في المقبرة، واعتقلت منير مشميع شقيق الشهيد سامي مشيمع بتهمة أنه ظهر في تصوير مرئي لحظة تلقيه الخبر الفاجع وهو يبكي، ويلطم صدره ورأسه داعيًا على الملك الذي قتل أخاه.

وفي ٢٧ يوليو ٢٠١٩، أُعدم ضحيتا التعذيب أحمد الملالي وعلي العرب. العرب كان قد أخفي جبريًا لمدة شهر، في مبنى المخابرات، حيث نزعت أظافره وتعرض للصدمات الكهربائية، وأفيد بأن ضابطًا من النيابة العامة أجبره وهو معصوب العينين على التوقيع على تهم الانضمام لتنظيم إرهابي وقتل ضابط. وقد نقل إلى سجن الحوض الجاف حيث تعرض للضرب المبرح مرارًا على قدميه في مكتب إدارة السجن، بسبب رفضه تقبيل حذاء الضابط، حيث شوهد في وقت لاحق من ذلك اليوم منقولًا على كرسي متحرك إلى عيادة السجن. أما الملالي فقد أصيب برصاصتين في يده اليمنى أثناء القبض عليه، ولم تتم إزالتها من جسده إلا بعد مرور 23 يومًا. وأُفيد بأنه عُذب وأُجبر على توقيع اعترافات ولم يحظَ بتمثيل قانوني إلا في وقت متأخر من إجراءات المحاكمة بما ينتهك معاهدة مناهضة التعذيب. ولم يتم اخبار ذويهما بموعد تنفيذ حكم الإعدام، فلم يقابلا أبناءهما في ذات اليوم بل تلقيا اتصالًا هاتفيًا يفيد بضرورة حضورهم إلى مركز الشرطة. وبعد عدة إجراءات، وجدوا أبنيهما على المغتسل في مخالفة صريحة للمادة 335 من قانون الإجراءات الجنائية الذي ينص على أن تدفن الدولة على نفقتها جثة المحكوم عليه بالإعدام، فقط ما لم يكن له أقارب يطلبون القيام بذلك، بخلاف رغبة أهاليهم ومن دون وجودهم.

في المحصلة، أجمع النشطاء في استفتاء (#كلا_للإعدام) الإلكتروني على أن أحكام الإعدام في البحرين باطلة لأنها صادرة عن محاكم عسكرية واستندت الى إجراءات غير إنسانية واعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب الوحشي والتهديد بهتك الأعراض وأدلة مقدمة من تحريات سرية وشهود مجهولين، بسبب مطالبة هؤلاء بالعدالة والحريّة واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة المؤسسات، وذلك في اطار المنهجية الانتقامية المتهورة لبيت الحكم.

يذكر أن المحكوم بالإعدام وضحية التعذيب محمد رمضان اتهم زورًا بمقتل شرطي على الرغم من وجود أدلة تثبت أنه كان على رأس عمله وقت وقوع الحادث. رمضان استنفد جميع الطعون القانونية ومن الممكن تنفيذ حكم الإعدام بحقه متى ما وقعه "الملك". رمضان اعتُقِل انتقامًا من مشاركته في تظاهرة سلمية مؤيدة للديمقراطية حيث تعرض للتعذيب الوحشي بهدف إجباره على التوقيع على اعترافات كاذبة. بدوره، تعرض المحكوم بالإعدام ماهر الخباز للتعذيب لإجباره على الإدلاء باعترافات تدينه بمقتل مرتزق باكستاني إلا أن المحكمة رفضت الأخذ بأقوال.

المحكوم بالإعدام فاضل عباس اُعتقل إلى جهة غير معلومة في 2016 حين داهمت قوّة أمنية منزله ولم يسمح له بمقابلة عائلته أو توكيل محام إلا بعد حوالي 3 أشهر من اعتقاله. أما المحكوم بالإعدام سيد علوي حسين فقد اختطف من مقر عمله في 2016، على يد مجهولين حيث تعرض للتعذيب الوحشي وتسرّب لاحقا أن محور قضيّته يدور على اتّهامه وآخرين بالتخطيط لاغتيال القائد العام للجيش. ووفقًا لشهادة المحكوم بالإعدام زهير رمضان: "تمت تعريتي من ملابسي بالكامل وتعليقي من اليدين والرجلين للأعلى والصعق بالكهرباء في الأماكن الحساسة من الجسم (..) لقد تعرضت للتحرش الجنسي وقام أحد المحققين بتهديدي بأنهم سيقومون بقتل عائلتي إذا لم أعترف بالتهم المنسوبة لي".

محاكم البحرين العسكرية كانت ولا تزال تفتقد كل الضمانات الحقوقية وقد أصدرت أحكام إعدام جماعية بحق معتقلي الرأي ما يؤكد عسكرة الدولة وعدم نزاهة القضاء الذي يعين أعضاؤه بمراسيم ملكية. من الجدير ذكره أن غالبية المحكومين اختفوا قسريًا لعدة أشهر واحتُجزوا في الحبس الانفرادي في زنزانات صغيرة لفترة طويلة وتعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة لانتزاع اعترافات باطلة استخدمت ضدهم في المحكمة وحرموا من التمثيل القانوني ورفضت المحكمة التحقيق في ادعاءات تعذيبهم.

معتقلو الرأي المحكومون بالإعدام ينفون علاقتهم أو معرفتهم بالقضايا المنسوبة إليهم نفيًا قاطعًا وهذا دليل على فشل الأداء السياسي والاضطهاد الممنهج الذي يهدف إلى كمّ الأفواه وسط صمت الحليفتين، واشنطن ولندن، اللتين تحتضن البحرين قاعدتهما العسكرية الأهم في المنطقة. ترامب كان قد وعد ملك البحرين في ٢٠١٧، قائلًا: "علاقاتنا لن تظل متوترة بعد الآن". ومنذ ذلك الوقت وموجة أحكام الإعدام غير مسبوقة لتطرح مؤشّرا صادما حول مدى الاضطهاد الذي بلغته البلاد حتى غدت كيانًا بوليسيًا يهدد بالقتل خارج اطار القانون كل صوت معارض يرفض ممارساته، وهو ضربٌ للمادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه "لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه".

من هنا، يرى النشطاء والحقوقيون أن على البحرين الإفراج عن معتقلي الرأي وإسقاط جميع الاعترافات التي انتزعت منهم تحت التعذيب والكف عن استخدام عقوبة الإعدام، وإلغاء أحكام الإعدام الصادرة سابقًا، ومحاسبة عناصر الأجهزة الأمنية الذين يثبت تورطهم مهما علت مناصبهم فلو كان الإعدام والتعذيب وخنق الحريات مقومات لحفظ الأنظمة لما سقطت عشرات الأنظمة الدكتاتورية. ما تحتاجه البحرين اليوم هو تغليب لغة الحوار الجدي والتصالح الوطني الحقيقي الذي يحقق مصلحة جميع المواطنين.

إقرأ المزيد في: الخليج