عين على العدو
"يديعوت أحرونوت": كان من الممكن تجنب الثمن الدموي في غزة باكرًا
قال المختص بالشؤون الأمنية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" "الإسرائيلية" رونن برغمان: "إلى جانب موجة الفرح التي اجتاحت "إسرائيل" بعد الإعلان عن إتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن قراءته الدقيقة وملحقاته "تثير أسئلة تصدمك بقوة"، كما وصف ذلك أمس الأربعاء مصدر أمني "إسرائيلي" رفيع المستوى".
وأضاف: "أنت تعرف ما مكتوب هناك، وتعرف ما كان مكتوبًا في المخططات السابقة، تلك التي كدنا نوقع عليها مع حماس"، مردفًا: "إنه لأمر مروع أن نفكر في أننا كنا قادرين على التوقيع على كل هذا منذ وقت طويل، ولا مفر من هذه الحقيقة، فمع الفرح تأتي أيضًا تلك الفكرة الرهيبة والمزعجة بلا توقف، أنه كان من الممكن تجنب هذا الثمن الدموي".
ولفت إلى أنَّ "مجموعة التصريحات الصادرة عن مسؤولين ووزراء "إسرائيليين" كبار تؤكد فعليًا ما كُتب هنا مرارًا وتكرارًا عن أنَّ الضغوط السياسية منعت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من المضي قدمًا في الصفقة، وها هو وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير يؤكد ذلك بصوته"، مضيفًا: "في الإحاطات الإعلامية لمكتب رئيس الوزراء خلال الـ 48 ساعة الماضية، وبعد ذلك في بيانات وتغريدات مختلفة، يحاول المكتب الترويج لفكرة أن "إسرائيل" أصرت على مخطط 27 أيار/مايو، والذي لفترة معينة كان يسمى "مخطط بايدن"، رغم أن "إسرائيل" هي من اقترحته أساسًا، لكن كان من المريح لمكتب نتنياهو حينها الادعاء بأنه جاء من جهة أخرى، ليبدو كأنه يتجاوب مع مطالب الولايات المتحدة".
وأوضح برغمان: "وفقًا لهذه الرواية، كما تُعرض في النسخة الحالية، قال المصدر إن "إسرائيل" اقترحت مخططًا، وحماس رفضت أو لم ترد، فقط لأن نتنياهو استمر في الإصرار، خضعت حماس في النهاية لكل المطالب"، مؤكدًا أنَّها قصة غير صحيحة وفي الواقع عكس الحقيقة تمامًا، مضيفًا: "ما حدث بالفعل هو أن "إسرائيل" وحماس صاغتا مخططًا للاتفاق وكانتا قريبتين جدًا من التوقيع، ثم أجبر نتنياهو فريق التفاوض على وضع رسالة التوضيحات على الطاولة".
وأكَّد أنه في ظلّ موجة الفرح التي اجتاحت "إسرائيل"، يصعب الافتراض أن أحدًا، حتى من لا يعرف أيّ أسير شخصيًا، بقي غير مبالٍ إزاء الأخبار عن صفقة الأسرى، فقد تبنّى غالبية الجمهور قضية الأسرى كقضية شخصية، وبعد أن تحوّلت قضايا كثيرة إلى مسائل متعلقة بالمواقف السياسية وليس بالحقائق، بقي الأسرى بمثابة نوع من الإجماع، وصحيح، أن عصابة البلطجية المحرضين نجحت في تقويض هذا التوافق، مستخدمة أساليب دنيئة بقيادة الناطق باسم نتنياهو، لتضليل بعض الجماهير وإقناعهم بأنّ عائلات الأسرى هي العدو الحقيقي، لكن الأغلبية الساحقة من الجمهور فكّرت خلاف ذلك.
وأشار إلى أنَّ "الكثيرين شعروا بتضامن "وطني" وإنساني مع الأسرى وعائلاتهم، لكنهم اقتنعوا بالدعاية المستمرة التي جاءت من جهات مختلفة، والتي حاولت تبرير غياب الصفقة بأنّ حماس لا تريدها، وأنّ يحيى السنوار لا يرغب في أيّ صفقة، بل يسعى فقط إلى الفوضى في الشرق الأوسط، وكلّ شيء آخر بالنسبة له فليذهب إلى الجحيم".
وتابع: "كتبنا مرارًا وتكرارًا على مدار العام الماضي أنّ حماس مسؤولة عن كلّ شيء. لكن حقيقة أنّ حماس مذنبة لا ينبغي أن تمنعنا من التساؤل: هل كان من الممكن إنهاء هذا الكابوس "الوطني" والشخصي للأسرى وعائلاتهم في وقت أبكر بكثير؟ وإذا كان الجواب نعم، فمن خدع الجمهور، وكيف نجح في ذلك؟ الوقت، التحقيقات، والبروتوكولات (تلك التي لم يتم تزويرها بعد) ستكشف ما الذي دفع العجلة فجأة بما يكفي ليصل الطرفان إلى اتفاق ويوقّعان الصفقة".
وقال: "لكن حتى ذلك الحين، هناك ملاحظتان مهمتان: الأولى - لا ينبغي أن ننسى أن هذه الصفقة، في مرحلتها الأولى، ستترك وراءها نصف الأسرى الأحياء، وهو عدد مرعب وهائل، والثانية - هناك ما يكفي من الأدلة والشهادات والمستندات التي تؤكد أنّ هذه الصفقة كان يمكن توقيعها منذ فترة طويلة، وعندها كان الأسرى الذين ماتوا خلال الأشهر التالية لا يزالون معنا، بالإضافة إلى العدد الهائل من الجنود الذين قتلوا منذ ذلك الحين".
وأضاف برغمان: "يحتاج المرء إلى نظارات، وربما إلى تلسكوب، لكي يلاحظ الفروقات بين الاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس بين "إسرائيل" وحماس وبين الصيغة التي قدمتها "إسرائيل" للوسطاء - الولايات المتحدة وقطر ومصر - في 27 أيار/مايو، وبعد ذلك بوقت قصير، وافقت حماس على معظم بنود الاتفاق، بينما الفروقات كانت صغيرة نسبيًا، وعمليًا، معظم بنود الصفقة كانت جاهزة منذ شهر آذار/مارس".
إصرار "إسرائيل"
وأكد أنَّه أمام ما يراه بوضوح كل عضو مبتدئ في فريق المفاوضات أو أي من مئات وربما آلاف رجال الأمن الذين عملوا على قضية الأسرى منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تكن لدى سكرتير الحكومة يوسي فوكس أي مشكلة في الادعاء بعكس ذلك تمامًا، لكن هذه الادعاءات التي تتناقض مع أمور أخرى نشرها المكتب، ليست صحيحة وتتعارض بشكل صارخ مع
شهادات أعضاء فرق المفاوضات، سواء من "إسرائيل" أو من قطر ومصر أو حتى من الولايات المتحدة، كما تتناقض بشدة مع الوثائق التي تم تبادلها بين "إسرائيل" والوسطاء وحماس والعكس.
وقال: "رغم التصريحات "الإسرائيلية" التي تفيد بأن "حماس لا تريد صفقة"، إلا أن حماس كانت بالفعل تريدها، ولكن بشروطها، تمامًا كما أرادت "إسرائيل" صفقة وفقًا لشروطها، في حين أرادت حماس صفقة واحدة شاملة، "الكل مقابل الكل"، لكن "إسرائيل" أصرت على هيكل معقد ومتعدد المراحل، مما أدى إلى حدوث أعطال وانفجارات، كما حدث في الصفقة الأولى التي انهارت بالفعل".
وسأل: "لماذا أصرت "إسرائيل"؟ لأن هذه كانت القيود الأساسية التي فرضت على فريق المفاوضات "الإسرائيلي" – صفقة على مراحل، وليست شاملة، بحيث لا يتم التفاوض على الجزء الثاني المتعلق بإنهاء الحرب والانسحاب من غزة إلا في منتصف المرحلة الأولى، وبهذه الطريقة، يمكن لنتنياهو مغازلة شركائه من اليمين المتطرف، ليظهر كأنه لم يكن ينوي أصلًا تجاوز المرحلة الأولى وسرعان ما سيعود للقتال".
وتابع: "على مدى ما يقارب ستة أشهر في عام 2024، دار التفاوض حول مطلب "إسرائيل" بالحصول على قائمة بالأسرى الأحياء، بينما قالوا في حماس إن الدمار في غزة وتفكك المنظمة ووسائل الاتصال لا تسمح لهم بمعرفة عدد الأسرى وأماكن وجودهم، وإنهم بحاجة لأسبوع من وقف إطلاق النار لجمع البيانات، وربما كانوا صادقين، وربما كانوا يكذبون، فيما تعتقد "إسرائيل" أن الأمر مزيج من الاثنين، لكن من الناحية الفعلية، أصرت حماس، فتنازلت "إسرائيل" مؤقتًا عن هذا الطلب، كما تنازلت عن مطالب أخرى كانت تشكل عقبات، وطرحت في 27 أيار/مايو مقترحًا تم قبوله بالكامل تقريبًا تحت ضغط شديد من قطر ومصر".
وأردف: "في ذلك الوقت، يبدو أن أحدهم أطلع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على ما كان على وشك الحدوث وربما اقترح عليه تعطيل الصفقة على وجه السرعة، إذ قال وزير المالية في مطلع شهر تموز/يوليو: "لن أُفاجأ إذا، فجأة بعد شهور من الرفض، ردّ السنوار إيجابًا على العرض الذي تلقاه للصفقة لأنه في حالة ذعر ويدرك أننا قريبون من النصر، ويريد إنقاذ نفسه وإنقاذ حكم حماس في غزة، ولهذا بالتحديد، هذا ليس الوقت المناسب للتوقف، ولرفع القدم عن دواسة البنزين، على العكس تمامًا، وهذا هو الوقت المناسب لإدخال المزيد من القوات وزيادة الضغط العسكري".
ورأى برغمان أن "سموتريتش بكلماته الخاصة كان يقول عمليًا، إنه يجب تفضيل الحرب على حياة الأسرى، بمعنى آخر، قال سموتريتش إن السنوار وافق على العرض "الإسرائيلي"، ولهذا السبب بالذات يجب الاستمرار في سحقه، ولتذهب حياة الأسرى إلى الجحيم".
وكشف أنَّ مكتب رئيس الوزراء من جهته حاول نشر معلومات باسم "مصدر أمني"، - رغم أنه لا يوجد مثل هذا المصدر في مكتب رئيس الوزراء - يدعي بأن حماس رفضت مخطط أيار/مايو، وأصرت على "عشرات التعديلات" وفقًا لمقربين من رئيس الوزراء، وبحسب الرواية الجديدة التي قدمها سكرتير الحكومة بالأمس، لم ترد حماس على الإطلاق حتى الآن، أي أنها ردت ورفضت، ثم ردت وقدمت عشرات التعديلات، وفي الوقت نفسه لم ترد على الإطلاق، كل ذلك في آن واحد، بحسب برغمان، وبالفعل، أصرت حماس على عدد قليل من النقاط، بعضها لم يكن بسيطًا، لكنها أيضًا قدمت تنازلات في نقاط مهمة، في حين أخذ القطريون رد حماس، ودمجوه مع العرض "الإسرائيلي"، وأضافوا في بندين فقط - حيث ما زالت هناك خلافات - عنوانًا باللون الأحمر: "هذه البنود لا تزال قيد التفاوض". وفي أحد أعمدة الجدول كُتب البند كما جاء في العرض "الإسرائيلي" الأخير، وفي العمود الآخر، الصياغة التي قدمتها حماس. بمعنى آخر، كل ما لم يتم وضعه في الجدول المقسم إلى قسمين، حيث توجد نسختان، هو ما تم الاتفاق عليه بالفعل من قبل الجانبين وحصل على ضمان ودعم من الدول الوسيطة الثلاث".
وقال: "رغم الترحيب الإيجابي للغاية بمخطط القطريين في المؤسسة الأمنية، فرض نتنياهو "رسالة التوضيحات" في 27 تموز/يوليو، حيث أوضح فيها القليل وأضاف الكثير، ومع ذلك، ادعى مكتب رئيس الوزراء في بيان في أيلول/سبتمبر أنه وافق على جميع العروض، بينما "حماس رفضتها جميعًا"، مضيفًا أن "نتنياهو لم يوافق على عرض أميركي، بل وافق على عرض قدمته "إسرائيل" بنفسها".
مهزلة فيلادلفيا
في سياق آخر، تحدث برغمان عن محور فيلادلفيا، وقال إن للاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس ملحقاً، تم إنشاؤه في جزء كبير منه للتعامل مع المطالب التي أضافها نتنياهو وأعوانه، ويذكر أن "إسرائيل" ستنسحب تدريجيًا من معظم محور فيلادلفيا خلال المرحلة الأولى من الصفقة. وقال المصدر الأمني: "هذا لا يزال يتماشى، بطريقة ما، مع ادعاء مكتب رئيس الوزراء بأنه لم ينسحب من محور فيلادلفيا "المقدس"". لكن في وقت لاحق، ورد أن "إسرائيل" ستنسحب بالكامل في اليوم الخمسين من المكان الذي بذل نتنياهو جهودًا كبيرة للتأكيد على أنه لا غنى عنه، علمًا أن مخطط أيار/مايو لم يتطرق إلى فيلا دلفيا على الإطلاق.
وفي ما يتعلق بمحور "نتساريم"، تعود الصفقة إلى نفس النقطة – عودة "المدنيين" إلى شمال القطاع بدون أسلحة، وفقًا لبرغمان، ولكن أيضًا بدون عمليات تفتيش ستجريها "إسرائيل"، وقد وافق نتنياهو، ثم تراجع في "رسالة التوضيحات"، مطالبًا بوضع آلية متفق عليها للإشراف على العائدين، أي إعادة فتح القضية مجددًا. رغم أن مستشاريه لشؤون المختطفين والمفاوضات حذروه من أن ذلك غير عملي وسيعرقل المفاوضات.
وقال: "كل ذلك فقط للعودة إلى الوراء في الملحق، ربما لإرضاء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أو خوفًا منه، أو لأي سبب آخر، والسماح للاجئين بالتحرك شمالًا سيرًا على الأقدام دون تفتيش".
وختم برغمان: "من الجيد أنه تم التوصل إلى اتفاق في النهاية، رغم أنه ليس جيدًا لأنه جزئي ولا يشمل سوى نصف الأحياء. لكن السؤال المروع - لماذا استغرقت الحرب عامًا آخر تقريبًا للعودة إلى نفس النقطة؟ - سيظل مطروحًا لسنوات عديدة قادمة".
غزةصحيفة يديعوت احرونوتجيش الاحتلال الاسرائيلي