عين على العدو
التضخم يتغلغل في الاقتصاد "الإسرائيلي" والحكومة تفعل بخلاف التوصيات
كتب أدريان بيلوت، وهو الصحافي والمحلّل الاقتصادي المتخصص في قضايا الاقتصاد وميزانية "الدولة" (الكيان) والسياسة النقدية، في موقع "كالكاليست" الاقتصادي مقالًا تحدّث فيه عن الاقتصاد "الإسرائيلي" الذي شهد، يوم أمس، حدثين اقتصاديين حاسمين لمستقبل الاقتصاد، وقعا تقريبًا في الوقت نفسه. الأول هو تقديم رئيس اللجنة لفحص الميزانية "الأمنية" يعقوب ناغل الاستنتاجات النهائية للجنة، والثاني هو عرض محافظ بنك "إسرائيل"، أمير يرون السياسة النقدية وتوصياته السياسية للسنة المقبلة، بصفته المستشار الاقتصادي للحكومة.
هذا؛ ووفقًا لبيلوت، قد يبدو للوهلة الأولى أن الحدثين غير مرتبطين، لكن هناك علاقة عميقة بينهما. وفي هذا الإطار، يُدرج بيلوت جملة استنتاجات تُدلّل على تغلغل التضخم في الاقتصاد "الإسرائيلي"، وتصرفات الحكومة التي تنعكس سلبًا على اقتصاد الكيان:
1 - النتيجة الأساسية لتوصيات لجنة ناغل هي أن الميزانية "الأمنية" ستقفز بنحو 30 مليار شيكل سنويًا، من 68 مليار شيكل إلى نحو 98 مليار شيكل، أي بزيادة تفوق 42%. مع أن اللجنة أضافت بين 9 و15 مليار شيكل سنويًا، إلا أن هذه الإضافة تأتي فوق الخطط التي وافقوا عليها مسبقًا. وكما كان متوقعًا، الجيش يرى أن هذه الزيادة غير كافية. ومع ذلك، هذه المبالغ الضخمة تطرح تساؤلات عن مدى واقعيتها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية؟.
ووفقًا لبيلوت، تجدر الإشارة في المقام الأول إلى أنه من غير المناسب عمل المؤسسة العسكرية من دون قيود إنفاق، أو أن تكون منفصلة تمامًا عن الضغوط الاقتصادية. رأينا ما حدث منذ "7 أكتوبر"، عندما لم يحدّد سقف لأيام الاحتياط، ما أدى إلى قفزة كبيرة في النفقات، كان بعضها غير ضروري. وبعد حوالى عام ونصف من حصول الجيش على كلّ ما طلبه، من غير المؤكد أن تستمر هذه الطريقة من دون تمييز أو مراجعة عميقة للاحتياجات. كما أن على المؤسسة العسكرية البحث عن الكفاءة في الانفاق، وليس فقط قطاعات مثل التعليم والرفاه.
2 - مع أن "ناغل"، بتوصية من محافظ البنك المركزي، شدد على ضرورة الحفاظ على التوازن المالي وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكنه لم يقدّم خطوات عملية لتحقيق هذه الأهداف. قد يُقال إن هذه لم تكن مهمّة اللجنة، لكن من المهم الفهم أنه من دون هذه الخطوات ستواجه "إسرائيل" واقعًا ماليًا مشابهًا لما حدث بعد حرب "يوم الغفران": "عقد ضائع" للاقتصاد "الإسرائيلي". كما تميّز بزيادة دائمة مماثلة تقريبًا لـ"الأمن" من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ما تسبب في انخفاض حاد في الانفاق المدني والاستثمارات الاقتصادية، الأمر الذي أعاق نمو القطاع الخاص.
الآن، بالعودة إلى تصريحات محافظ البنك المركزي، قال بيلوت: "منذ بداية الحرب؛ شددتُ على أنه حتّى لو كانت هناك حاجة لزيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الحرب، فمن الأهمية بمكان تحديد مسار سياسي يضمن انخفاض الدين لاحقًا... ومن المهم تبني إجراءات بديلة لمنع تفاقم العجز المالي المتوقع، حتّى يتمكّن الاقتصاد من العودة إلى مسار تنازلي لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ابتداءً من العام 2026... وإذا قررت الحكومة زيادة الميزانية الأمنية بناءً على توصيات لجنة "ناغل"، فمن الضروري مرافقتها بإجراءات تعويضية تضمن انخفاضًا مستمرًا وواضحًا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وأوضح يرون بوضوح أنه كي تتوقف نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عن الارتفاع، بل وحتى تبدأ في الانخفاض، سيكون من الضروري إجراء تعديلات إضافية في المستقبل".
وبحسب بيلوت، من المهم التذكير أنه لا يوجد "أمن" من دون اقتصاد، والنفقات الأمنية هي الأعلى في ميزانية "الدولة". وعلى الحكومة أن تقرر ما إذا كانت ستتبنّى الزيادة غير المسبوقة في الميزانية الأمنية- ليس فقط توصيات ناغل، بل أيضًا الخطة متعددة السنوات- وإذا فعلت ذلك، فكيف ستوازن هذه الزيادة؟ هل من خلال رفع الضرائب كما فعلت هذا العام؟ أم عبر تقليص الإنفاق المدني، والذي يعدّ بالفعل من بين الأدنى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)؟ أو مزج الاثنين؟ كلّ شيكل يُخصص للجيش، لن يُستثمر في إعادة إعمار الشمال والجنوب، وبالتأكيد لن يذهب إلى قطاعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. ومن المتوقع أن يدفع المواطنون (المستوطنون) "الإسرائيليون" ثمنًا باهظًا بسبب الإجراءات التقشفية للعام 2025، وليس من المؤكد أنهم مستعدون لتحمّل المزيد".
وبحسب الكاتب، من غير الواضح أيضًا ما إذا كانت الحكومة الحالية قادرة على تمرير التعديلات المطلوبة في "الكنيست". ووفقًا لأحدث توقعات بنك "إسرائيل"، فقد تجاوز العجز الفعلي الهدف الذي حددته الحكومة: 4.7% بدلًا من 4.4% المقررة. والميزانية لمّا يوافق عليها بعد. وهذا يشكّل خطرًا حقيقيًا وجوهريًا على الاقتصاد، وقد يؤدي إلى عقد ضائع من الاقتصاد "الإسرائيلي".
3 - "ناغل" تجاهل نقطتين إضافيتين بالغتي الأهمية، لكن محافظ البنك المركزي سلّط الضوء عليهما. الأولى هي انخفاض المخاطر الجيوسياسية، فقد أوضح المحافظ أن أحد أسباب تحسين توقعات النموّ الاقتصادي هو تحسن الوضع الجيوسياسي لـ"إسرائيل".
لكن هناك نقطة أكثر أهمية غابت تمامًا عن التقرير، وهي تجنيد طلاب المعاهد الدينية. إذ من غير المنطقي أن تفرض الحكومة فعليًا ضرائب إضافية على الجميع في المستقبل، بينما تمنح إعفاءً شاملًا لـ"المتدينين" من الخدمة العسكرية. وأشار محافظ البنك المركزي إلى التكلفة الاقتصادية لهذه المسألة: "قلنا سابقًا إن الزيادة في أعداد المجندين، عندما تقع هذه الزيادة على عاتق المجندين الحاليين فقط، ستكلف نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، أي نحو 10 مليارات شيكل سنويًا. علاوة على ذلك، فإن توسيع دائرة المجندين من المرجح أن يسهم في دمجهم في سوق العمل، وزيادة أجورهم، وتقليص الفجوات الاقتصادية".
لكنّ الحكومة الحالية،ـ وفقًا للكاتب، تفعل خلاف ذلك تمامًا، وقد أوضح المحافظ أنه إذا لم تتصرف الحكومة بمسؤولية، فلن يكون قادرًا على تغيير السياسة النقدية، ما يعني أن أسعار الفائدة لن تنخفض، بالرغم من توقعات قسم الأبحاث في البنك المركزي بخفضها مرتين، ما يزال عدم اليقين كبيرًا، وشدد يرون على مدى تغلغل التضخم في الاقتصاد "الإسرائيلي"، خاصة في قطاع الخدمات.