عين على العدو
حكومة العدو الجديدة.. بداية خاطئة واستغلال واضح للأزمات الراهنة
كتب المحرر المؤسس في موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلي مقالة، تحت عنوان: "استغلال الشعب، وليس خدمته: الحكومة الإسرائيلية المضخمة بشكل مخجل"، قال فيها إن "بن غوريون استطاع تدبر أموره مع 12 وزيرا في الانتخابات الأولى.. الآن، لدينا 35 وزيرا، بعضهم يشرف على حقائب وزارية عبثية وغير منطقية، في وقت نشهد فيه انهيارا اقتصاديا".
وفيما يلي المقالة:
يدرك بنيامين نتنياهو (رئيس حكومة العدو الجديدة) العوامل التي دفعته إلى ترك زميله في "الليكود" وأحد أكثر الموالين له نير بركات، الذي كان من بين المرشحين لخلافته عندما تحين اللحظة، خارج فريقه الوزاري.
نتنياهو يعرف تماما سبب نفيه لخليفة محتمل غلعاد إردان إلى الولايات المتحدة، للعمل سفيراً لدى الأمم المتحدة، الذي قد يشغل في الوقت نفسه لبضعة أشهر من نهاية العام منصب سفير "إسرائيل" في واشنطن، في حين قام بتعيين خليفته الثاني المحتمل الآخر يسرائيل كاتس وزيراً للمالية، وترك خليفته الثالث المحتمل رئيس "الشاباك" السابق آفي ديختر دون أي منصب كبير.
نتنياهو يعرف تماما لماذا قام بنقل موال آخر له زئيف إلكين من منصبه كوزير للبيئة وأنشأ بدلا منذ ذلك وزارة سخيفة للتعليم العالي وموارد المياه من أجله، وفضّل اختيار يوآف غالانت على حساب طامحين آخرين لتعيينه في منصب وزير التربية والتعليم. كما تلاعب بفكرة إخراج يوفال شتاينيتس من وزارة الطاقة لكنه تخلى عنها في نهاية المطاف، وأبقى على الوزير السابق من حزب "كولانو" إيلي كوهين (وزير المخابرات) وقام بإنشاء منصب وزاري سخيف لـ"تعزيز المجتمع والنهوض به" لأورلي ليفي أبيكاسيس غير الموثوق بها، في وقت أحيا وزارة أخرى بالاسم فقط للموالي له دافيد أمسالم.
كما قام نتنياهو بسحب مهمات من بعض الوزارات، إذ إن فصل التعليم العالي عن التربية والتعليم ليس سوى المثال الأكثر سخافة على ذلك، في حين ابتكر حقائب وزارية سعيا لإرضاء الجميع تقريبا.
وعندما قدّم حكومته بعد ظهر أمس الأحد، ظهرت مناصب مفاجئة إضافية وانتهى به الأمر مع عدد وزراء من كتلته أكثر بثلاثة من عدد الوزراء في كتلة منافسه بيني غانتس، اي 19-16. ليحظى 16 وزيرا فقط من كل كتلة بحقوق التصويت، وذلك من أجل الحفاظ على مبدأ تقاسم السلطة بشكل متساو الذي كان في صميم الاتفاق الائتلافي.
ويرى البعض إمكانية إجراء تعديل أو تخصيص نهائي للمناصب التي تتضمن أحكاما لبعض الوزراء بتغيير مناصبهم بعد 18 شهرا، خصوصا أن نتنياهو سيقوم بتسليم رئاسة الوزراء إلى بيني غانتس رئيس حزب "أزرق أبيض"، ما يعد دليلا على احترامه لبنود الاتفاق الائتلافي.
ولو كان يخطط سرا للتراجع، وإيجاد طريقة للتهرب من هذا "التناوب"، وفرض إجراء انتخابات جديدة قبل تسليمه منصب رئيس الوزراء كما هو مقرر إلى غانتس، ما كان ليتكبد عناء بناء فريق وزاري الآن أو بعد 18 شهرا.
نتنياهو هو الوحيد الذي يدرك كل الاعتبارات التي تقف وراء الخيارات التي أشعلت تمردا صغيرا في تكتل "الليكود" في الكنيست يوم الخميس الماضي، والذي فرض تأجيل أداء حكومة اليمين القانونية إلى يوم أمس الأحد، حيث كافأ بعض الشخصيات الهامشية نسبيا والتي لا تشكل أي تحد له، وأثار غضب آخرين قد يكونون كذلك.
ما نعرفه هو أن الائتلاف الحكومي الذي قدّمه نتنياهو وغانتس أمس الأحد ينهي فترة غير مسبوقة تزيد عن 500 يوم افتقرت فيها "إسرائيل" إلى حكومة تعمل بكامل طاقتها، بغض النظر عن العضوية المتضخمة في هذا الائتلاف، بالإضافة إلى جميع أشكال المناصب الوزارية غير الضرورية وغير المنطقية والمكلفة، التي شكلت إهانة للإسرائيليين – لا سيما في وقت يعاني فيه ربع القوى العاملة في البلاد من البطالة.
من المفارقات، أن أزمة جائحة فيروس "كورونا" هي التي دفعت غانتس إلى التخلي عن تعهده في ثلاث جولات انتخابية بعدم الجلوس في حكومة مع نتنياهو، طالما أن زعيم الليكود يواجه اتهامات بالفساد. تخرج "إسرائيل" مبدئيا من هذه الأزمة مع إعادة فتح المتاجر وعودة المدارس هذا الأسبوع وانخفاض حالات الإصابة الجديدة بالفيروس واقترابها من الصفر، ولكن يجب عليها الآن مواجهة الانهيار الاقتصادي الناجم عن القيود الصارمة التي فرضتها.
الحكومة التي استلزمتها هذه الأزمة ظاهريا، والمكلفة بالتركيز في الأشهر القليلة الأولى بشكل كبير على تأثير الوباء، هي رمز لكبرياء سياسي غير مقيد وإفراط مالي يموله دافعو الضرائب.
في الحكومة الأولى لـ"إسرائيل"، التي شكلها دافيد بن غوريون في مارس/آذار 1949، بلغ عدد الوزراء 12 وزيرا، شغل حينها بن غوريون في هذه الحكومة منصب رئيس الوزراء ووزير الأمن، فيما كان زميله حاييم موشيه شابيرو، مسؤولا عن الصحة والهجرة والشؤون الداخلية.
قد يستلزم تزايد عدد السكان والتحديات المتعددة فريقا وزاريا أكبر مع مرور العقود، لكن القانون الأساسي الذي تم إلغاؤه لاحقا في عام 1992 ينص على أن عدد الوزراء في الحكومة لا ينبغي أن يزيد عن 18 وزيرا، وقد خلصت لجنة قبل عامين فقط إلى استنتاجٍ مشابه مفاده أن 17 وزيرا في الحكومة يُعتبر عددا كبيرا.
بدلا من ذلك، حطم أريئل شارون الرقم القياسي في عام 2003 مع 26 وزيرا في حكومته، وفي عام 2009 وصل نتنياهو إلى 30 وزيرا، لكن حكومتنا الجديدة حطمت كل التجاوزات السابقة مع 35 وزيرا.
بالإضافة إلى ما يصل عددهم إلى 16 نائب وزير، ومن المقرر أن يرتفع العدد إلى 36 في غضون ستة أشهر، وكل وزير مع مكتب وسكرتارية ومستشارين وسيارة وسائق…
لقد تم طرح أرقام مختلفة في الأيام القليلة الماضية حول تكلفة كل هذا، الرقم الأعلى الذي سمعته حتى الآن هو مليار شيكل – حوالي 280 مليون دولار – على الرغم من أن كيفية حساب ذلك، وما يغطيه بالضبط، غير واضحة.
رقم آخر يتم تداوله يتعلق بالنسبة التي تم من خلالها حساب مقاعد مجلس الوزراء، إذ يقال إن نتنياهو وغانتس قاما بتسمية فريقيهما على أساس أن يحصل كل حزب في الائتلاف على وزير واحد تقريبا لكل 3 أعضاء في الكنيست، مع تقييم قوة "أزرق أبيض" قبل انهياره، ومع التعديلات والتعويضات في شكل رئاسة اللجان، مما يطرح تساؤلا عن سبب عدم قيامهما، في ائتلاف كبير بشكل استثنائي، بتعديل هذه النسبة.
الإجابة التي تقول إنه في حكومة قائمة على مبدأ التمثيل المتساوي لكتلتي نتنياهو وغانتس، سيجعل تعديل النسبة الكثير من الأشخاص الطامحين بالحصول على منصب وزاري بدون وزارة، هي ببساط إجابة غير كافية.
خلال عرض حكومته بعد ظهر أمس الأحد، قال نتنياهو إن "تكلفة خوض انتخابات رابعة، إذا لم يتم تشكيل هذا الائتلاف، كانت ستكون أعلى بكثير"، ما قاله ليس مبررا لإهدار الموارد من أجل إرضاء الكبرياء السياسي، واللامبالاة الواضحة للرمزية الأنانية في مثل هذا الإفراط، ولابتكار حقائب وزارية بشكل غير منطقي – مما يجعل من فكرة أن يتمكن الوزير من الإشراف بشكل فعال على مثل هذه التسلسلات الهرمية المتنوعة فكرة مثيرة للسخرية.
إذا كانت هذه هي العودة إلى السياسة المعتادة، فقد يُغفر للجمهور تساؤله عما إذا كنا أفضل حالا بدونها.
نجاح نتنياهو.. رهان غانتس
من الواضح أن الحكومة الجديدة تمثل انتصارا شخصيا لنتنياهو، الذي ضمن استمراره في منصبه لمدة 18 شهرا، فيما تقلصت معارضته بشكل جذري بعد التغيير في موقف غانتس وفصل رافي بيرتس عن حزب “يمينا” وإرسال نفتالي بينيت وآيليت شاكيد المذلولين إلى المعارضة.
بالإضافة إلى ذلك فإن ثلثي حزب "العمل" داخل الحكومة وثلث آخر خارجها، ليصبح هذا الحزب دون أهمية على الإطلاق، في وقت اصبح أحد أشد الموالين له (أمير أوحانا) مسؤولا عن وزارة الأمن العام، إذ من المحتمل أن تتعامل الشرطة مع تحقيقات جديدة في تعاملات نتنياهو المالية.
وقد تم التغاضي عن انجاز آخر إلى حد كبير، لكنه قد يكون بالنسبة لنتنياهو أفضل إنجازاته، وتمثل بأن الحليف المقرب السابق الذي منعه من تشكيل ائتلاف في بداية هذه الملحمة الانتخابية التي استمرت 16 شهرا وشهدت ثلاث جولات انتخابية، أفيغدور ليبرمان، أصبح مهمشا تماما، ومن غير المرجح أن يتمكن من إصلاح حياته السياسية.
بالنسبة لغانتس، يُعتبر هذا الائتلاف الحكومي رهانا، إذ يدعي أنه تصرف لأسباب مبدئية، واختار وضع "إسرائيل" أولاً، مؤكدا أن وجوده ووجود زملائه على طاولة الحكومة الواسعة سيحسن التعامل مع أزمة الجائحة، ويحمي الديمقراطية الإسرائيلية، ويعزز الوحدة وسيادة القانون.
تحالف غانتس مع يائير لابيد وموشيه يعالون انهار كنتيجة حتمية لانتقاله إلى نتنياهو، وقد تخلى عن الحق في منع الضم لأجزاء من الضفة الغربية من جانب واحد – وهو أمر يعارضه. الجدير بالذكر أنه لم يشر إلى القضية في خطابه أمس، بينما شدد نتنياهو عليها، وقال إنه لن تكون هناك محاولة جديدة للدفع قدما بتوسيع التجنيد العسكري و / أو الخدمة الوطنية.
والآن سيكون عليه الانتظار لمدة 18 شهرا ليرى ما إذا كان نتنياهو، الذي أثنى عليه أمس لقبوله "بشجاعة" إرادة الناخبين وتحديد موعد، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، لتسليم القيادة الإسرائيلية – سوف يفي بهذا الوعد.
البطلان الرئيسيان في حكومتنا الجديدة لا يثقان ببعضهما البعض بالمرة، والحكومة المتضخمة والمبنية بشكل فوضوي التي قاما بتشكيلها بدأت بداية خاطئة.
في أي لحظة أخرى كان سيقوم فيها نتنياهو وغانتس بتقديم حكومة بهذا البذخ الواضح، قد يتمنى المرء أن يحل الوباء على كلا بيتيهما. في هذه اللحظة، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد للتعافي من فيروس كورونا وفي الوقت الذي تواجه فيه تحديات جديدة وأخرى مألوفة من الداخل والخارج، لا يسعنا إلا أن نتمنى أن يتذكرا، ولو كان ذلك في مرحلة متأخرة، بأنهما ممثلانا المنتخبان، وليسا "بريمادونا" يتصرفان بطريقة استعلائية وعلى حسابنا مباشرة. يفترض أن يكونا خادمي الشعب، وليس مستغلّيه.
إقرأ المزيد في: عين على العدو
22/11/2024