لبنان
مقاومونا.. طلّاب علم وشهادة
لم يبخل الجنوب وأهله على الأمة بكلّ ما استطاعوا إليه سبيلًا، افتدوها بالروح قبل الأرزاق وقدموا في سبيل صون كرامتها وحريتها أغلى ما لديهم. شباب يحاكون بأعمارهم ورود أرض عامل، وعلى طريق القدس وفلسطين، سخّروا حياتهم وعلمهم وعطاءاتهم بعد أن مضوا في طلب العلم والمعرفة حبًّا بالحياة الطيّبة وخدمةً لهذا النهج المقاوم، ليكون ختام طريق العطاء هذا شهادة مباركة.
مقاعدهم الخالية في أروقة الصفوف تحكي عنهم، وغيابهم في سجلات الحضور يصاحبه حضورٌ في ميدان آخر، أماكن امتحاناتهم التي افتقدت ضجيج أقلامهم كانت أكثر الأماكن الفارغة امتلاءً. في حضرة شهداء العلم والمعرفة نقف وأقلامنا عاجزين، إذ كيف نفي الشهيد حقّه؟ وكيف يُترجم الوفاء والشكر والامتنان الأبدي ببضعة أحرف خجولة؟
طلاب في سنواتٍ دراسيةٍ مختلفة واختصاصاتٍ متعددة، لم يجدوا مشقّةً في درب العلم المصحوب بالجهاد ولم يتخلفوا عنه يومًا، وقبل إحرازهم لشهادة العلم كانت الشهادة الكبرى - التي لا يضاهيها شيء - قد سبقتها بخطوات، لينالوا بذلك الفوز الأعظم، في الدنيا والآخرة.
خمسة طلاب من أصحاب الاختصاصات المهنية حملوا في جعبهم طلبات ترشيحهم للامتحانات الرسمية، لكن شاء القدر أن تحضر صورهم وطلباتهم وباقات الورد المهنّئة بشهادتهم، فوق مقاعدهم في صفوف الامتحانات؛، الشهداء طارق بسام عوض، حسين سلمان مصطفى، حسين أحمد ناصر الدين، جهاد أحمد حايك ومصطفى خضر قصير، كانوا حاضرين هذه المرة في امتحاناتهم الأخيرة لكن روحًا، لا جسدًا.
بين أروقة معاهد مدن الجنوب بقيت الذكرى، شهداء كُثر درسوا بين صفوفها لنيل الشهادة الرسمية، لكنّهم اختاروا أن يودّعوها باكرًا. الشهداء حسين علي حميد، هادي محمود حجازي، علي حسين ويزاني، ياسين حسين حسين، علي عدنان أرطيل وعلي عباس ملحم كانوا خيرة من درس فيها، ملامحهم التي حفظتها الأماكن عن ظهر قلب، ستخلّدها تلال جبل عامل وقرى الجنوب أيضًا، ويكفي الجنوب فخرًا أن شهداءه الأبطال كانوا أيضًا روّاد علم وبصيرة.
قافلة الشهداء الطلاب امتدت لتشمل 11 شهيدًا من الطلاب المهنيين في اختصاصات مختلفة، منهم من درس المعلوماتية والكهرباء والإلكترونيك، والإدارة والتسويق، والتربية البدية والعناية التمريضية، بعضهم استشهد قبل تقديم طلبات الترشيح لامتحاناته، وبعدهم حصل عليها بالفعل.
في الإطار نفسه، لا بد من الوقوف في حضرة الأساتذة الذين التحقوا هم أيضًا بركب الشهداء على طريق القدس وفلسطين، منذ بداية المعركة وعلى امتداد عشرة أشهر، منهم الشهداء محمود إبراهيم فضل الله، بلال أمين مراد وحسين إبراهيم سلامة وغيرهم من الأسماء المشرّفة من الذين أفنوا حياتهم في جهاد العلم وكانوا خير قدوة لكل الأجيال التي واكبت مسيرتهم، والأمر ليس بجديد على هذه البيئة المقاومة التي قدمت على مذبح هذا الوطن وفلسطين، خيرة شبابها وأبنائها.
يعلم العدوّ جيدًا أن أبناء هذه المقاومة "مميّزون" و"استثنائيون"، وأن كلّ ما ألمّ ويلمّ به من صفعات مدوّية هو ببركة أيديهم وقبضاتهم، وهو يعلم أيضًا أن محاولاته الجبانة للنيل منهم لن تزيد الأمة إلا إيمانًا بهذا النهج المقاوم، وإصرارًا على التمسك به، وهذا ما يبدو جليًا في وصايا هؤلاء الشهداء السّعداء، وفي مواقف ذويهم الشجاعة التي تختصر كلّ معاني الوفاء والتضحية.
كرّس شهداء المقاومة ومجاهدوها نموذجًا مشرّفًا في مسيرة النضال والحرية على امتداد التاريخ البشري، وأثبتوا للعالم بأسره أن ثقافة الحياة لا تنفصل أبدًا عن ثقافة الجهاد، ربما لأن الحياة بلا كرامة لا ترقى أساسًا لمستوى "الحياة"، ومن اعتاد على العيش ناقص الكرامة لن يدرك معناها، لا حاضرًا ولا مستقبلًا.
المقاومة الإسلاميةشهداء المقاومة الإسلامية
إقرأ المزيد في: لبنان
09/11/2024