لبنان
الشيخ الخطيب: لن نسمح لأحد بأن يُسيء للعلاقات الطيبة والتاريخية مع الفاتيكان
أكَّد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب أنَّ "وحدة الأمة أمانة الله في أعناقنا، والمسلمون جميعًا مسؤولون أفرادًا وجماعة عن وحدتها، كما هم مسؤولون عن رسالتها، بل لا يمكن الفصل بينهما أي بين الأمة والرسالة، فحين تتخلّى الأمة عن وحدتها تكون قد تخلّت عن رسالتها والعكس صحيح، لأن الأمة بُنيت على أساس عقائدي أخلاقي، وحينما تفقد الرابط الديني والعقائدي تفقد مبرر وجودها، وتخون الأمانة التي اؤتمنت عليها، أي انها ترتكب خيانة شرعية وأخلاقية، ولهذا كان التركيز من أعدائها على تفكيكها بغاية إنهائها كمشروع إلهي حضاري".
وخلال إلقائه خطبة الجمعة في مسجد الإمام الصادق (ع) بشاتيلا، قال الشيخ الخطيب: "من هنا لم يكن رفض الصيغة الوطنية حين ابتداعه لنا ناشئًا من فراغ وليس موقفًا مبدئيًا من الصيغة الوطنية، ولو كانت المشاريع الوطنية تحت مشروع وحدة الأمة والحفاظ على وظيفتها ربما لم تجد لها معارضة جدية، ولكن الأمر لم يحدث على هذا الوجه خصوصًا أنه فُرِضَ بالقوة ولم يكن باختيار منها، وإنما كان مشروعًا استعماريًا معاديًا فرضه الغرب على هذه المنطقة وبشكل معادٍ لها بوضوح، لأنه أتى تحت عنوان حماية الأقليات، أي أتى على أساس تقسيم الأمة إلى أقلية وأكثرية يعني على خلفية التعدد لا على أساس الوحدة".
وأضاف: "هذا ما يُفسّر الانقسام التاريخي في الموقف اللبناني من التضامن مع قضايا عربية وإسلامية كثيرة، وعلى رأسها الموقف من التضامن مع القضية الفلسطينية، وبالتالي الموقف من المقاومة، لأن الرافض لهذا التضامن لا يعتبر وجود رابط معها كما هو الحال مع سائر بلدان العالم العربي فضلًا عن العالم الإسلامي، وليس لديه فرق بين سورية على سبيل المثال وبين "إسرائيل"، وهم يُصرّحون بذلك علنًا ويدعون أكثر من ذلك إلى الحياد".
وتابع الشيخ الخطيب: "نحن مع الحياد في الخلافات العربية الداخلية إلا على النحو الإيجابي، أما الحياد تجاه القضية الفلسطينية أو أي قضية عربية أو إسلامية من شأنها المسّ بالأمة ووجودها، فهذا تخلٍ عن واجب شرعي بل خيانة لله ولرسوله وخصوصًا عندما يمسّ الأمر إلى جانب ذلك بالمصالح الوطنية كما هو حاصل اليوم في الصراع مع الكيان الصهيوني، فليست القضية مختصة بالموضوع الفلسطيني فقط وإنما يمسّ لبنان في الصميم، فالكيان الغاصب تهديد وجودي للكيان اللبناني فضلًا عن فلسطين وشعبها".
وشدَّد الشيخ الخطيب على أنَّ "الذين يدعون اليوم الى الحياد يتجاهلون أمرًا واضحًا للعيان حينما يتغاضون عن الخطر والتهديد الوجودي للكيان اللبناني خصوصًا عندما يتحفوننا بالدعوة إلى الانفصال عن الكيان اللبناني، ونحن حينما ندعو إلى وحدة الأمة لا نعتبر المكونات الدينية الأخرى إلا جزءًا عزيزًا منها، وأن كرامتهم من كرامة سائر مكوناتها، على أنَّ هؤلاء الداعين دائمًا إلى التجزئة والتمزيق يحملون روح التعصب والاستعلاء على أبناء هذه الأمة ويسمونها بالتخلف وأنهم جزء من العالم المتقدم، مع أنهم لا يُشكّلون له أدنى اهتمام".
ورأى أنَّ هؤلاء ينفِّذون أخطر مشروع بحق المسيحية في الشرق ويجرون أبناءنا وإخواننا المسيحيين إلى كارثة فيما لو قُدّر لهذا المشروع أن يتحقق، لأن الخسارة لن تكون لهم فقط وإنما للأمة جمعاء، لأن المخطط هو أن يكون المشروع التالي هو فئة أخرى منها ولا مانع لدى الغرب من تنفيذ مشروع كهذا، فمن يأتي إليهم سيذوب في مجتمعاتهم وتتحقق للغرب مآربه في القضاء على هذه الأمة، وبهذا يُكمِلون المشروع الذي بدؤوه بالمشاريع الوطنية لتحقيق المشروع الصهيوني من الفرات إلى النيل".
واعتبر أنَّ "مشروع المقاومة ليس إلا لضرب هذا المخطط الصهيوني الغربي وليس كما يُرّوج البعض من أجل مشاريع إقليمية أو مذهبية، يخدمها هؤلاء وأمثالهم من المتمذهبين بهذه الترّهات"، وقال: "إنّ ارتباط المقاومة بالأرض والوطن ارتباط غير قابل للانفكاك إلى حد الشهادة يروونه بدمائهم، فهو لا يُقدَّر بثمن سوى بقاء الوطن الذي لا تقبل حبة تراب منه المساومة ولو بكل أثمان الدنيا، لذلك فإن المقاومة دفاعًا عن الأرض والوطن ليست ملهاة نتسلى بها، ولا الشهداء الذين يبذلون دماءهم رخيصة حتى تهون علينا حتى يستسهل البعض التعرّض لقداستها ليكون أقلّ عدوانية وظلماً ممن يسفكها ظلمًا أو يمدّ يده إليها، فإن لم يدفعهم الواجب إلى المشاركة في فضيلة الدفاع عن الوطن فليصمتوا على الأقل ولا ينبسوا بالسوء، فضلًا عن أن يجهروا، أما الدولة العاجزة عن الدفاع عن سيادتها فلتقُم الأقل بما يتوجب عليها من واجب الإغاثة للنازحين والمتضررين بعدما كفوها الواجب في مهمة المواجهة مع العدو".
وأضاف: "ننظر بأسى إلى ما نحن عليه إذ مضى على الفراغ في رئاسة الجمهورية ما يقارب العامين دون أن تستطيع القوى المشاركة في البرلمان اللبناني أن تتوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بسبب التركيبة السياسية وامتناع بعض القوى عن الاستجابة لدعوة دولة رئيس مجلس النواب للجلوس على طاولة الحوار، فيُعطلون هذا الاستحقاق ويتركون مؤسسات البلد تنهار واحدة بعد الأخرى دون شعور بالمسؤولية للحؤول دون المخاطر الوجودية التي تتهدّد البلد وخصوصًا ما يتعرّض له من عدوان صهيوني ومن تهديدات بتدميره ومن حصار مالي وأزمات غير متناهية، اجتماعية واقتصادية والنزوح السوري الذي يقف خلفه الغرب لإخضاع لبنان ومقاومته لإرادة العدو الصهيوني المهزوم والمأزوم والقَلِق وكأن البعض ينتظر نتيجة الصراع في غزة لعلّه يستفيد منها في الحصول على ما يبتغيه، فهناك مع الأسف تناغم بين الداخل والخارج من البعض".
وتابع: "أنا أقول لهم إن نتيجة الصراع مع العدو كانت لصالح المقاومة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وما يجري الآن ليس إلا محاولة من العدو ليحصّل بالسياسة ما فشل في الحصول عليه في الميدان، فليخرجوا من الرهانات الخاسرة وليفكّروا بعقل وطني لا طائفي وليذهبوا إلى الحوار لحل القضايا التي تُشكّل مادة خلافية".
وختم الشيخ الخطيب: "لن نسمح لأحد بأن يُسيء للعلاقات الطيبة والتاريخية مع الفاتيكان، والتي نأمل أن تتعمّق أكثر وأكثر، ونحن شاكرون لدوره المهم في المساعدة على حلّ الأزمة اللبنانية".