لبنان
استعدادت استثنائية لطلاب الشهادة العامة في قرى الجنوب الحدودية: صمود وإصرار على النجاح
لم يكن الطالب في القرى الحدودية الجنوبية بعيدًا عن الأحداث التي تعيشها المنطقة منذ الثامن من أكتوبر - تشرين الأول الماضي، بل شكّل الشأن التربوي والأكاديمي جزءًا من المشهد العام لا سيما ما يتعلق منه بالشهادة الثانوية العامة، بعدما باتت مواعيد بدء الامتحانات على الأبواب.
للطالب الجنوبي نصيبٌ من معركة الصمود وخوض التحديات التي يعيشها سكان القرى الجنوبية الأمامية، الصامدون منهم والنازحون. وفي ظلّ صدور القرارات الأخيرة لوزارة التربية والتعليم العالي المرتبطة بامتحانات الشهادة الثانوية العامة، كان لا بد من رصد واقع الطلاب في هذه القرى، وكيفية استعدادهم لخوض الامتحانات، فضلًا عن مسؤولية الجهات الرسمية المعنيّة بهذا الشأن والدور الذي أدّاه حزب الله في هذا الملف على مستوى المنطقة.
"نحن أيضًا طلاب مناضلون"
اضطرّت الطالبة ريم يزبك، ابنة قرية الناقورة الحدودية في قضاء صور، للنزوح مع عائلتها إلى منطقة أخرى، بعد اشتداد حدة القصف الصهيوني على القرية. وفي مقابلة مع موقع العهد، وصفت لنا ريم واقعها كطالبة نازحة تحضر لامتحانات الشهادة الثانوية العامة.
بالنسبة لريم، التعلّم حاليًّا يتم عن بُعد (Online)، لأن "الالتحاق بالمدرسة الرسمية الجديدة لم يكن خيارًا موفقًا بسبب التفاوت في سرعة المناهج والتدريس، لذلك قررت الاعتماد على نفسي والمضيّ بالدراسة عن بُعد". وأضافت "حاليًا الأمور جيدة، لكن ثمة خوف من عدم إنهاء المنهج الدراسي قبل الامتحانات".
وفي السياق نفسه، أشارت ريم إلى أن "العديد من الأساتذة يخصصون ساعات إضافية للتلاميذ بهدف دعمهم والسعي لإعطاء الدروس المطلوبة قبل انتهاء العام". وتمنّت بدورها من المعنيين في الجهات الرسمية "العمل على تقليص المنهج أو الدروس المطلوبة في كلّ مادة بسبب الوضع الاستثنائي"، مؤكدةً أنها وزملاءها "يعملون كلّ ما بوسعهم لتحقيق النجاح والتفوق رغم كلّ المخاطر والتحديات".
هشام بسّام طالب آخر من طلاب القرى الأمامية، ينطلق يوميًا من منزله الكائن في قرية البياضة القريبة من الحدود، متوجهًا لثانوية القليلة الرسمية لاستكمال دراسته، بعد أن أقفلت مدرسته الكائنة في قرية علما الشعب أبوابها، بسبب الحرب الوحشية الصهيونية.
وفقًا لهشام، فإن أمور الدراسة الجديدة تسير بشكل مقبول، لكن و"بسبب تأخري في الالتحاق بالمدرسة الجديدة، فاتني العديد من الدروس التي لم يكن لدي متسع من الوقت لإعادتها". وأضاف: "الوضع الآن أفضل نسبيًا من السابق، وأحاول أن أتابع مع زملائي الدروس الجديدة". وختم اللقاء بالقول: "لا شيء يمكنه أن يمنعني من استكمال علمي، سنكمل دراستنا رغم العدوان لنثبت للجميع أن طلاب الجنوب هم أيضًا مناضلون وشجعان".
قرارات الوزارة غير كافية
في السياق قالت الأستاذة منتهى فواز، رئيسة لجنة المتعاقدين في التعليم الثانوي، لموقع العهد، إن اجتماعًا عُقد مع وزير التربية والتعليم عباس الحلبي بحضورها ووفد من طلاب المنطقة الحدودية، وخلاله رفع الطلاب مطالبهم للوزير، وقد دعمت اللجنة على مستوى لبنان هذه المطالب ولا زالت.
الأستاذة فواز أشارت إلى أن اللجنة طلبت من الوزير "اعتماد إجراءات خاصة بطلاب المنطقة الحدودية الجنوبية، وتعديل علامات الاستحقاق لتصبح 20 علامة بدلًا من 10 علامات، أو إعداد مسابقة خاصة بطلاب هذه المنطقة، وتغيير صيغة المواد الاختيارية لتصبح مادة واحدة من أصل 6 مواد لقسم الاجتماع والاقتصاد، ومادة واحدة من أصل 4 مواد لفرع علوم الحياة، بالإضافة إلى المطالبة بتقليص المنهج إلى حيث وصل الطلاب فيه، واعتماد مسابقة تراعي حال الطلاب الذين تلقوا التعلم عن بُعد".
أما عن قرارات الوزارة، فأوضحت الأستاذة فواز أن "الوزير طلب من المركز التربوي تقليص المنهج للطلاب الذين درسوا عن بُعد، وأشار إلى أنه سيتم اتّخاذ إجراءات معينة بالنسبة للعلامات، فضلًا عن أن وزارة الاتصالات أصدرت بيانًا في الثاني من الشهر الحالي تحدثت فيه عن تخصيص باقة انترنت للطلاب والأساتذة المنتقلين قسرًا من المدارس". وبحسب البيان الصادر، بلغ عدد الأساتذة والطلاب المعنيين بهذه الباقات 1000 أستاذ و4000 طالب، مع العلم أن باقات الانترنت المخصصة للطلاب أقرت منذ شهرين فقط.
اللجنة رأت أن هذه الإجراءات غير كافية وثابتة، لأن "الأمور ترتبط قبل أي شيء بالظروف الأمنية الصعبة، إذ تبقى المعضلة الأساسية كيفية التحاق هؤلاء الطلاب بمراكز الامتحانات تحت القصف". وتجدر الإشارة إلى أن الوزارة أصدرت منذ أيام قليلة جدول مواعيد امتحانات الشهادة الثانوية العامة لطلاب لبنان والتي تبدأ في 29 حزيران الحالي، بعد أن كان الوزير قد أعلن عن المضي بامتحان موحد لكافة طلاب لبنان وعدم استثناء الطلاب
الجنوبيين وذلك للحفاظ على مستوى شهادتهم، واعتماد المواد الاختيارية لصفوف الشهادة الثانوية.
التعبئة التربوية حاضرة ومساندة
موقع العهد كان له لقاء أيضًا مع الحاج حسين غريّب، مسؤول التعبئة التربوية في منطقة جبل عامل الأولى، وقد أطلعنا على واقع المشهد التربوي في هذه المنطقة من خلال الدراسة التي أعدتها التعبئة التربوية حول قطاع التعليم في ظلّ أحداث الحرب، وقد شملت الدراسة 169 مؤسسة تربوية (مدارس، ثانويات، مهنيات، جامعات) موزعة على ثلاث مناطق وفقًا لمعيار استمرارية التعليم في كلّ منطقة.
بحسب الدراسة، يبلغ عدد المؤسسات التربوية في منطقة جبل عامل الأولى 275 مؤسسة، 87 مؤسسة منها أغلقت واعتمدت نمط التعلّم عن بُعد، و188 مؤسسة استمرت بالتعليم الحضوري. والجدير بالذكر أن حزب الله يتابع فعليًا 220 مؤسسة من أصل 275، أما في ما يتعلق بالمؤسسات التي شملتها الدراسة على وجه الخصوص فهي تضم 55804 طلاب، من بينهم 2202 التحقوا بمدارس أخرى، و6956 يتابعون تعليمهم عن بُعد.
وفي ما يتعلق بدوره في مواكبة هذه التداعيات على القطاع التربوي وتحديدًا طلاب الشهادة الثانوية العامة، فقد عمد حزب الله لتقديم ورقة إلى وزير التربية تتضمن جملة من المطالب تم تنفيذ معظم بنودها وتجري متابعة ما تبقى؛ أبرزها استمهال الطلاب المقيمين في المناطق الحدودية في تأمين المستندات المطلوبة للامتحانات الرسمية ريثما تفتح المراكز الحكومية في المنطقة المذكورة، وتأجيل الامتحانات الرسمية المقررة في بداية شهر حزيران وذلك ليتسنى للطلاب التحضير لها كما يجب في ظلّ الظروف غير المستقرة التي مروا بها، وتم تبني الاقتراح، فضلًا عن تخصيص خط ساخن للرد على الشكاوى ومتابعتها، وإقامة العديد من دورات الدعم الأكاديمي لطلاب الشهادة الثانوية في عدد من قرى وبلدات المنطقة، بالإضافة إلى إعداد ورش دعم نفسي للطلاب والمعلمين، وورش التعامل مع الأزمات وحالات الطوارئ داخل المؤسسات.
وبحسب الإحصاءات التي تضمنتها الدراسة، فإن حجم التقديمات المالية للطلاب بلغ 143,334 $، وقد استفاد منها ما يقارب الـ 2512 طالبًا لغاية الآن، وتنوعت هذه التقديمات ما بين أقساط مدرسية، وتأمين قرطاسية، ورسوم تسجيل، وبدل نقل، ومساعدات اجتماعية وصحية وغير ذلك.