لبنان
جلسات الموازنة مستمرة .. فمتى تبصر النور؟
لا تزال جلسات الموازنة تأخذ الإهتمام الأكبر في الصحف والأوساط اللبنانية، فقد جاء في صحف اليوم أبرز التطورات في الجلسة الرابعة عشر لمجلس الوزراء، رغم عدم البت بالموزانة رسمياً. فيما تستمر الإعتصامات في مختلف القطاعات والإدارات العامة، حيث أعلنت هئية التنسيق النقابية إضرابها يوم الإثنين المقبل، رغم الجلسة الوزارية يوم الأحد.
موازنة "سنيورية" بامتياز
بداية مع "الأخبار"، والتي تحدثت أن الحكومة لا تزال عاجزة عن تقديم مشروع موازنة جدي. ويكفي لإظهار انعدام الرؤية أن مشروع قانون الموازنة الذي أحاله وزير المال علي حسن خليل على مجلس الوزراء قبل أسابيع كان يتضمّن 62 مادة قانونية، فإذا بالنسخة المنقحة التي قدّمها خليل نفسه أمس، تضم 82 مادة! خليل عبّر عن غضبه في جلسة مجلس الوزراء أمس. طالبه الوزير ريشار قيومجيان بنسخة جديدة من مشروع الموازنة، فقال وزير المال: لا يجوز أن نعدّ مشروع الموازنة أكثر من مرة. هذا أمر يحتاج إلى وقت طويل. بعض زملائه رأوا في «غضبته» هذه امتعاضاً من ورقة زميله، وزير الخارجية جبران باسيل، التي «هبطت» على طاولة النقاش بعد أكثر من 12 جلسة حكومية. لكن خليل أعطى نسخة منقّحة من المشروع إلى الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي أرسلها، بعد الجلسة، إلى الوزراء الذين تعهّدوا بعدم تسريبها. حصلت «الأخبار» على نسخة من المشروع الجديد، فإذا به كالنسخة الأولى، لا يقول شيئاً في الاقتصاد. هي مجرّد حسابات لا تحتاج إلى «سلطة سياسية» لإقرارها، بل مجموعة محاسبين يقصّون من النفقات، ولو كانت مجدية، ويزيدون الأعباء على المكلفين، ولو كانت مؤذية، بهدف تحقيق الأرقام التي تعهّدت بها الحكومة أمام مؤتمر «سيدر». يكفي أيضاً للتدليل على انعدام الرؤية الاقتصادية أحد البنود في ورقة باسيل الذي تحوّل في الأيام الماضية إلى وزير مالية ظل، إنما داخل مجلس الوزراء. هذا البند (لم يتم التوافق عليه)، يقترح فرض رسوم باهظة على العامل الأجنبي، في حال كان أفراد عائلته يعيشون في لبنان، لتشجيعهم على المغادرة. ويعني ذلك أن هذا العامل سيرسل الجزء الأكبر من دخله إلى عائلته خارج لبنان، بدلاً من إنفاقه في لبنان في حال كانت عائلته تعيش معه. يقترح باسيل ذلك، فيما البلاد تعاني من نزف في العملة الأجنبية، نتيجة الاستيراد وانخفاض تحويل الأموال إلى لبنان.
وأضافت "الأخبار" أن الخلاصة الرئيسية التي يمكن الخروج بها بعد الاطلاع على المشروع الجديد للموازنة، أن الأقوى حضوراً داخل مجلس الوزراء، ليس سوى الرئيس الأسبق للحكومة، فؤاد السنيورة. وبصرف النظر عن نظرة الخبراء لمشاريعه، إلا أن مقترحات السنيورة، وزيراً للمال ورئيساً للحكومة، التي كان «الرأي العام» يبغضه بسببها، كانت الحاضر الأبرز في النقاشات، وفي البنود التي جرى تبنّيها: تمجيد للتقشف، وعداء للقطاع العام، وحرص مبالغ فيه على المستفيدين الكبار من النموذج الاقتصادي المعمول به في لبنان.
إذاً، بعد كل الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء، قدّم وزير المال نسخة منقّحة من مشروع موازنة عام 2019، يتضمن التعديلات التي جرى التوافق عليها. المفارقة أن انعكاس كل ذلك على الأرقام كان محدوداً جداً، إذ ارتفعت قيمة النفقات في النسخة الجديدة نحو 37 مليار ليرة من 23 ألفاً و617 ملياراً إلى 23 ألفاً و654 مليار ليرة، في حين ارتفعت الإيرادات بقيمة أكبر بلغت 621 مليار ليرة، من 18 ألفاً و265 ملياراً إلى 18 ألفاً و886 مليار ليرة.
احتفظ المشروع المنقّح بأكثرية المواد الواردة في المشروع الأصلي، مع تعديلات طفيفة عليها وإضافة مواد جديدة، بعضها تجرى محاولة إمرارها منذ سنوات طويلة، كخفض الضريبة المفروضة على إعادة تقويم الأصول الثابتة والعقارات من 10% إلى 3% و2%. وكذلك التعديلات على نظام التقاعد والمبالغة في زيادة رسوم إجازات العمل للأجانب الى مستويات مرهقة ستزيد البؤس الذي يعيشون فيه.
تجدر الإشارة الى أن المشروع المنقّح ليس النسخة الأخيرة، اذ لا يزال النقاش مستمراً في مجلس الوزراء وخارجه للتوافق على المزيد من الإجراءات الضريبية (مثل فرض رسم جمركي على المستوردات) أو التي تطاول الأجور (مثل خفض بدل النقل اليومي من 8 آلاف ليرة الى 6 آلاف ليرة، وكذلك المنح التعليمية ووضع قواعد جديدة لتطبيع التدبير الرقم 3 في الأسلاك الأمنية والعسكرية وزيادة الحسومات التقاعدية من 6% إلى 9%).
ويمكن إيجاز أبرز ما تضمنه المشروع المنقّح، على الشكل الآتي:
الرواتب والملحقات ونظام التقاعد
ــــ إخضاع معاشات التقاعد لضريبة الدخل على الرواتب والأجور، ما عدا تعويضات نهاية الخدمة من صندوق الضمان وتعويضات الصرف التعسفي.
ــــ تجميد طلبات الإحالة الى التقاعد لمدة 3 سنوات، ما عدا السلك القضائي وبلوغ السن القانونية. وإذا أصر صاحب الطلب يتمّ حسم 25% من حقوقه التقاعدية.
ــــ اقتطاع 3% من رواتب ومعاشات تقاعد العسكريين للطبابة والاستشفاء والتقديمات الاجتماعية.
التعديلات الضريبية والإعفاءات والحوافز للقطاع الخاص
ــــ رفع الضريبة على ربح الفوائد من 7% الى 10%.
ــــ زيادة شطر على الرواتب والأجور وأرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية يفوق 225 مليون ليرة، وفرض معدّل ضريبة عليه بنسبة 25%، بدلاً من 20%.
ــــ خفض رقم الأعمال للمكلفين بالضريبة على القيمة المضافة من 100 مليون الى 50 مليون ليرة.
ــــ إلغاء الإعفاءات من الرسوم الجمركية، ما عدا لبعض الفئات والسلع، منها السيارات الجديدة الهجينة أو العاملة على الكهرباء.
ــــ تعديل بعض الرسوم التي يستوفيها الأمن العام.
ــــ تعديل رسوم السير وتحويل حصيلة غرامات السير المستوفاة بموجب طوابع مالية الى الخزينة. أمّا الغرامات المستوفاة بموجب أحكام قضائية فتوزّع بين الخزينة وصندوق تعاضد القضاة وصندوق المساعدين القضائيين على مدى سنتين، على أن تحوّل اعتباراً من السنة الثالثة الى الخزينة كلها.
ــــ تنظيم بيع الأرقام المميزة وفرض رسوم عليها.
ــــ فرض رسم مقابل إشغال غرفة في فندق أو شقة مفروشة عن كل ليلة.
ــــ زيادة رسوم إجازات العمل من مليون الى 3 ملايين ليرة للفئة الأولى، ومن مليون الى مليوني ليرة للفئة الثانية، ومن 300 ألف الى مليون ليرة للفئة الثالثة ومن 50 ألفاً الى 300 ألف ليرة للفئة الرابعة، وزيادة رسم تصديق نظام داخلي للشركات وتصديق دوام العمل في الشركات الى 100 ألف ليرة.
ــــ إعفاء المؤسسات العامة والقطاع الخاص من الغرامات بنسبة 85% على الضرائب والرسوم البلدية ورسوم الميكانيك والسير واشتراكات الضمان الاجتماعي.
الحكومة تلملم أجزاء الموازنة المتفرقة إلى الأحد وتناقش ورقة باسيل
بدورها قالت "البناء" أن جلسة الحكومة بدت موزعة بين شقين، شق يتصل بلملمة شظايا الموازنة، ومحاولة تجميعها بالأرقام تمهيداً لمواصلة العمل عليها في جلسة الأحد، أملاً بإنهائها الإثنين والمصادقة عليها الثلاثاء لإرسالها إلى المجلس النيابي، بينما كان الشق الثاني من النقاش مخصصاً لأوراق قدمها وزير الخارجية جبران باسيل. لم يستعرض مجلس الوزراء أرقام الموازنة التي أعدّها وزير المال علي حسن خليل، بل ناقش أغلب البنود الواردة في ورقة وزير الخارجية جبران باسيل على أن تتم مناقشة ورقة وزير المال في جلسة تعقد مساء غد الاحد عند الساعة التاسعة والنصف في السراي وسط توقعات وزارية أن تكون جلسة الاثنين الاخيرة في السراي لتعقد بعدها جلسة الثلاثاء في بعبدا لإقرار الموازنة وإحالتها الى المجلس النيابي.
وبحسب مصادر وزارية، فإن سجالاً حصل في الجلسة، أبدى خلاله وزير المال علي حسن خليل انزعاجه من المماطلة في إقرار الموازنة. ولفتت المصادر إلى أن النقاط التي أرجئت باقتراحات باسيل تتعلق بالاقتصاد والميزان التجاري وضريبة التبغ والتنباك، في حين أن مادة أضيفت لمشروع الموازنة تتعلق بخفض مكافآت الموظفين بنسبة 70 بالمئة بعدما كانت 40 بالمئة، مع إشارة المصادر لـ»البناء» إلى أن الوزراء لم يطلعوا على الأرقام التي قدمها وزير المال وربما تتغير هذه الأرقام في كل لحظة تجري خلالها إضافة بنود أو إجراءات على مشروع الموازنة.
وأشارت المعلومات إلى أن «مجلس الوزراء قرر إقفال أندية الميسر التي تنافس كازينو لبنان، لأنها تجذب اللاعبين من أمام الكازينو وتحرم خزينة الكازينو من الأموال، في حين أن موضوع زيادة 2 و3 في المئة على البضائع المستوردة لم يقر في الجلسة»، لأنه يحتاج الى درس في ظل وجود اتفاقات دولية تجول دون فرض ضرائب.
وأعلن وزير الاعلام جمال الجراح أنه تم اتخاذ جملة إجراءات بملف التهرب الجمركي وتم تكليف وزارة الدفاع بمنع التهريب عبر المعابر غير الشرعية، لافتا إلى أنه تم أيضاً اتخاذ قرارات تتعلق بضبط الانفاق والتهرب الضريبي. وأكد أنه تم اتخاذ قرار بإلزام البلديات أن تصرح لوزارة المال عن المؤسسات في نطاقها البلدي لمنع التهرب الضريبي، كاشفاً أنه تم طرح تخفيض بدل النقل لموظفي القطاع العام من 8 آلاف الى 6 آلاف ليرة.
وبينما أوحى كلام وزير الخارجية أننا سنحتاج إلى الاسبوع المقبل للانتهاء من الموازنة، وأشار باسيل بعيد الجلسة إلى أن «النقاش كان ايجابياً وللمرة الأولى ندخل في الملفات الساخنة، مشيراً إلى أننا لم نبحث فقط في بنود الموازنة بل مواضيع تتعلق بالتهرب الضريبي والفساد وهنا يظهر عمق الازمة». وفيما خص معاشات التقاعد، أوضح باسيل أن هناك حالات فاضحة في معاشات التقاعد ومكلفة على خزينة الدولة ويجب توقيفها، موضحاً أنه لم يشمل كل المستفيدين من المعاشات والتعويضات العائلية بل تحدث عن حالات معينة.
وكان باسيل اقترح بحسب المعلومات تخفيض أسعار تذكرة سفر خطوط الشرق الأوسط الجوية بنسبة 30 بالمئة لأن سعرها مرتفع. ورأى باسيل أن «ذلك سيشجع السياح على السفر الى لبنان ما يساهم في الحركة السياحية». كما طالب بأن يعود مردود عدد من أنشطة المطار الى خزينة الدولة وليس الى طيران الشرق الأوسط. ونفى وزير الدفاع الياس بوصعب كل ما يثار في الإعلام والصحافة حول خلافه مع رئيس التيار الوطني الحر في موضوع العسكريين، موضحاً أن «باسيل يعمل على بنود أخرى في الموازنة وأنا على تنسيق دائم معه وهو ايضاً لم يرض الاستفراد بالعسكريين والمس بحقوقهم». أما في ما خص التدبير رقم 3 فأشار وزير الدفاع الى أن رئيس الحكومة أبلغ الوزراء أن هذا الموضوع سيبحث في جلسة مجلس الدفاع في بعبدا.
وتحدّثت مصادر وزارية لـ«البناء» عن هدر كبير جراء التهرب الضريبي إن كان عبر المطار أو المرفأ أو الحدود الشمالية والشرقية، كاشفة عن «155 معبراً غير شرعي على الحدود يجري تمرير جميع أنواع البضائع المستوردة من دول عدة الى الداخل اللبناني ومن دون جمرك»، مشيرة الى أن المجلس بصدد «اتخاذ اجراءات حاسمة في هذا الموضوع». كما لفتت المصادر الى توجه حكومي لإشراك المصارف بتخفيض كلفة العجز في الموازنة وفي الدين العام عبر إجراءات يتفق عليها بين وزير المال وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف من خارج الموازنة».
وقال وزير التربية أكرم شهيب لـ»البناء» إننا «للمرة الاولى نعمل على موازنة اصلاحية في ظل حكومة مكونة من كتل نيابية عدة ومن مختلف التيارات والرؤى الاقتصادية والسياسية لذلك ما أنجزه مجلس الوزراء حتى الآن إيجابي». موضحاً أن «المجلس يناقش كل المواضيع المتعلقة بمكافحة التهرب الضريبي والجمركي والهدر في الادارات العام وسيتخذ إجراءات في هذا الخصوص عن طريق الموازنة او من خارجها. كما أوضح الى أن تخفيض رواتب السلطات العامة غير مطروح بل تخفيض التعويضات والتقديمات»، وفي مجال آخر اوضح شهيب أنه «لا يمكن قانونياً الفصل بين أساتذة التعليم الرسمي والخاص لجهة الرواتب».
إلى ذلك، عادت القطاعات النقابية والعمالية والمتقاعدون الى الشارع. ودعت هيئة التنسيق النقابية إلى الاضراب العام الشامل الاثنين المقبل والاعتصام عند الساعة 3 في ساحة رياض الصلح دفاعاً عن الحقوق والمكتسبات. وأكدت أن الرواتب والتقديمات الاجتماعية ومن ضمنها المنح التعليمية وبدلات النقل خط أحمر لا تراجع عن اي جزء منها. وأشارت إلى أن معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة معفاة من الضرائب لكونها تراكمت من الاشتراكات والحسومات على الرواتب والاقتطاع منها مرفوض قانوناً.ونفذ الموظفون في مختلف المناطق إضراباً عاماً تنفيذاً لدعوة الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الادارة العامة إلى الإضراب رفضاً للاقتراحات التي تسعى إلى قضم مخصصاتهم وحقوقهم، معلنين التوجه نحو إضراب مفتوح قد لا ينتهي».
ولادة الموازنة متعسرة
من جهتها عبرّت "اللواء" أنه في الوقت الذي تتهيب فيه الطبقة السياسية تجرّع «الكأس المرة»، أي الإقتطاع او التجميد من الرواتب.. كشفت المناقشات الماراتونية، شبه اليومية، عن خلل، في عمل المؤسسات الدستورية، عبّر عنها على نحو تلميحي، ذي دلالات الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر ان «الممارسة السياسية تقدم أحياناً صورة مشوهة عن الشراكة» التي اعاد تجديد مفاهيمها اتفاق الطائف.. ووصف ما يجري من مناقشات وتسريبات ومناكفات في مجلس الوزراء بأنه تعطيل للسلطة التنفيذية «عندما يتحول مجلس الوزراء الى متاريس سياسية». محملاً المسؤولية للكل، يعني للكل، مؤكداً انه لا يمكن لأي «جهة على طاولة مجلس الوزراء ان تتنكر للقرارات التي تتخذ سواء بالتوافق أو بالتصويت».
وأضافت أن أخطر ما في كلام الحريري في مأدبة الافطار غروب امس في السراي الكبير، هو تحذيره من أن القرارات الملحة في ما خص البرنامج المالي، المرتبط بـ«سيدر»، يشكل فرصة للبلد، ويحتاج الى قرارات جريئة، وسيكون بلا جدوى اذا قررنا تأجيل القرارات الملحة ستة اشهر او سنة والقرار بأيدينا وشركاؤنا في مؤتمر «سيدر» ينتظرون وعلينا ان نبادر.
وفي السياق، أشارت "اللواء" إلى استئناف مجلس الوزراء امس درس مشروع موازنة العام 2019، في جلسة حملت الرقم التسلسلي 14، لم يصل بعد الى مقاربة الارقام في الموازنة الجديدة التي حملها وزير المال علي حسن خليل الى المجلس، ولم تقترب بشكل مباشر الى الملفات الحساسة، حيث اقتصر النقاش على ورقة وزير الخارجية جبران باسيل الذي كان قدمها الى المجلس بداية الاسبوع، وعكف على دراستها بنداً بنداً، مع العلم ان العديد من البنود والمقترحات المدرجة في الورقة تم التطرق اليها في وقت سابق، ما دفع عدداً من الوزراء الى اعتبار ما يجري بأنه نوع من المماطلة ما زالت تحكم جلسات مجلس الوزراء، بالرغم من بعض القرارات التي تتخذ سواء من صلب المشروع الاساسي للموازنة ام من خارجه، كذلك دفع الوزير خليل الى الاعراب عن استيائه من هذه المماطلة الناتجة عن طرح بعض البنود اكثر من مرة، او طرح مقترحات جديدة، وهو عبر عن ذلك بقوله للوزراء: «لقد اعدنا صياغة الموازنة والجداول اكثر من مرة، وهي باتت في صيغتها النهائية».وانسحب هذا الاستياء من المماطلة على وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، خاصة بعد استغراق المجلس مطولاً في تفاصيل ورقة باسيل، رغم ان الكثير من بنودها وارد في الموازنة.
وفي المعلومات انه ما زال امام المجلس مناقشة، الصفحة الاخيرة من تصور باسيل المكون من ست صفحات، على ان يكون ذلك في الجلسة التي تقرر عقدها ليل الاحد، قبل الانتقال لقراءة موازنة خليل الجديدة التي سلمها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء امس على CD لتوزيعها على الوزراء الذين يفترض ان يعكفوا على دراستها اليوم، خلال فترة الاستراحة، بعدما اصبحت في حوزتهم، قبل بحثها في جلسة الغد، واذا استدعى الامر عقد جلسة اخرى ظهر الاثنين للمتابعة. وتضاربت توقعات الوزراء بالنسبة لموعد الانتهاء من درس الموازنة، فبينما توقع عدد منهم ان تكون جلسة الاحد ختامية اشار عدد آخر الى ان الامر لا يزال يحتاج الى جلسات عدة لانجازها، قبل الدعوة لعقد جلسة الاقرار النهائية في قصر بعبدا، وشكك مصدر وزاري مطلع بإمكان الانتهاء من الموازنة غداً الاحد.
على ان الجديد الذي سجل في الجلسة امس، هو الاتفاق على ان يتخذ المجلس الاعلى للدفاع القرار في شأن التدبير رقم 3 الخاص بالعسكريين، وجاء هذا القرار نتيجة الاجتماع الذي عقد قبيل الجلسة بين الرئيس سعد الحريري ووزيري الدفاع الياس بوصعب والداخلية ريا الحسن، وهو تتمة للاجتماع الذي عقد بين الوزيرين امس الاول في الدفاع، والذي وضع الوزير بوصعب الرئيس ميشال عون في اجوائه قبل وصوله الى السراي، على ان يتخذ القرار بصيغته النهائية في مجلس الوزراء بموجب مرسوم مستقل عن الموازنة. كما طُرح موضوع تخفيض بدل النقل لموظفي القطاع العام من ثمانية آلاف ليرة الى ستة آلاف، الا انه لم يتخذ قرار نهائي في شأنه.
وعلمت «اللواء» ان التخفيضات في وزارة الدفاع شملت ما يعرف بقانون التجهيز والمحروقات والصيانة والدورات والاتصالات وبلغ الوفر فيها 443 مليار على ان الرئيس عون الذي التقى الوزير بوصعب كرر ان لا مس برواتب وتعويضات العسكريين. اما بالنسبة الى التدبير 1و2و 3 فيعود الى المجلس الأعلى للدفاع البت به ووفق توجيهات رئيس المجلس. وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» انه لا يمكن الغاء هذا التدبير المتعلق بمهام أمنية. وكان مجلس الوزراء كلف الجيش بمهمة حفظ الأمن .
جلسة حوار «الطرشان» والمتاريس والمزايدات السياسية والأوراق
"الديار" أيضاً ركزت على أجواء الجلسة ووصفتها بالحامية لكن من دون نتيجة، وأضافت "أن الرئيس الحريري «قال ان مجلس الوزراء تحول الى متاريس ومزايدات سياسية تعطل السلطة التنفيذية وتوقف الدولة عن العمل مما ادى الى عدم الوصول الى نتيجة، الكل في مجلس الوزراء مسؤول وما من جهة على طاولة مجلس الوزراء تستطيع ان تتنكر للقرارات التي تتخذ، سواء بالتوافق او بالتصويت الدستور هو الذي يحكم مسار الامور ومسار النقاش». واضاف هناك بيان وزاري جرى التوافق عليه فقرة فقرة، والمسؤولية توجب ترجمة البيان في السياسات العامة للدولة وفي البرنامج المالي والاصلاحي والاقتصادي.
وتابعت الصحيفة، في الجلسة قدم وزير المالية علي حسن خليل الذي خرج غاضبا من الحلسة الموازنة بأرقامها الاخيرة عبر «سي دي» وزع على الوزراء وسيناقش في جلسة غد. وبعدما اعترض عدة وزراء على كلام وزير المالية معتبرين أنه لم يقدم ارقاما ثابتة ومحددة، رد الخليل قائلا: «انني مستعد لتحضير مئة موازنة»، ولكن بالنتيجة على مجلس الوزراء الموافقة على الارقام. وقال الخليل اننا درسنا كل الارقام وقدمتها بشكل نهائي الى الحكومة.
بالمقابل قدم وزير الخارجية جبران باسيل ورقة جدية وخطة كاملة لتخفيض العجز في الموازنة، على ان يكون تخفيض العجز بشكل حاسم ولمرة واحدة وليس لكل المرات حتى ولو اصابت الموظفين لمدة سنة او سنتين، فإن مقابل ذلك سيتحسن الاقتصاد لسنوات قادمة وان المؤسسات الدولية و«سيدر1» ستثق بنا اكثر وتقدم اموال «سيدر»، وهذا ما يعزز الثقة بلبنان. كلام الوزير باسيل شكل ولأول مرة اشارة قوية عن مدى خطورة الوضع الاقتصادي وهو قال كلام غير شعبي، وتحديدا الى العاملين في القطاع العام، لكنه توجه اليهم بالقول «اقبلوا التخفيض الآن ولمرة واحدة كيلا يبقى لكم معاش بعدها». وطالب الوزير باسيل بإلغاء 90 بالمئة من المكافآت والعلاوات بالنسبة للموظفين ولأن محضر جلسات مجلس الوزراء سري لم نعرف مضمون ورقة الوزير جبران باسيل، لكن جاءت المعلومات ان الوزير باسيل طالب بتخفيض 90 بالمئة على العلاوات وعلى التعويضات وغيرها ولا نستطيع الجزم.
ولفتت "الديار" أن مجلس الوزراء قد غرق في مناقشة ورقة باسيل المؤلفة من 6 اوراق وقد وصل الى الصفحة الرابعة، على ان يستكمل النقاش في جلسة غد، وهذا ما اثار استياء العديد من الوزراء والقوى السياسية الممثلة في الحكومة. وقد رد ابو فاعور على ورقة باسيل قائلا: «الورقة مضيعة للوقت، وبهذا التكرار سنضيع اموال سيدر». كما ان وزراء القوات اللبنانية اعتبروا ان الورقة جديدة لكنهم قالوا انها تضيع الوقت وتعيد النقاشات الى مسائل كان قد حسم النقاش فيها وهذا ما سيؤخر اقرار الموازنة. كما ان الرئيس الحريري طالب بالتخفيف من المزايدات السياسية والمتاريس وان يتحمل كل وزير مسؤوليته في موضوع الموازنة واقرارها. وقد كان لكل وزير رأي بالارقام وعاد وزير المالية علي حسن خليل واعتبر ان ما قام به وانجزه لجهة الارقام النهائىة، وبالتالي يمكن تسمية جلسة الامس جلسة مزايدات ومتاريس سياسية بين الوزراء حول الموازنة التي طرح فيها تخفيض بدلات النقل وصالون الشرف في مطار بيروت والضرائب على الشركات وغيرها. اما بالنسبة للتدبير رقم 3 للضباط والعسكريين في الجيس اللبناني، فإن اللجنة التي اجتمعت في وزارة الدفاع وضمت الوزيرين الياس ابو صعب وريا الحسن وضباطاً من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي قد توصلت حول تطبيق الاستنفار والتدبير رقم 3، الى احالة الملف على مجلس الدفاع الاعلى برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهذا ما سيؤدي الى انتظار الموازنة لحين عقد المجلس الاعلى للدفاع بشأن الاستنفار والتدبير رقم 3 على الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي. كما ان الوزير باسيل اشار الى ان هناك مواضيع اساسية لم تناقش بعد ودخلنا الان مرحلة الجدية، وهذا ما سيؤدي الى اطالة جلسات مجلس الوزراء. ولذلك يمكن تسمية جلسة الامس جلسة حوار الطرشان والمزايدات السياسية، وبالتالي فإن الموازنة تكاد ان تنتهي في اواخر اب او اوائل ايلول، وبالتالي ضياع نصف سنة 2019 . ولم يعد مبررا لاقرار الموازنة في عام 2019 لأن نصف السنة قد مرّ ولا بد عندئذ من بحث موازنة 2020في ظل بقاء اربعة او خمسة اشهر من سنة 2019 . وبالتالي فإن اقرار موازنة 2019 لن يكون قبل اوائل ايلول، حتى ان النائب ابراهيم كنعان قال «من دون فتح حساب لا يمكن مناقشة الموازنة». وبالتالي فإن الموازنة ستأخذ في لجنة المال النيابية نقاشا قد يمتد لأكثر من اسبوعين، وعليه فإن اقرار الموازنة سيطول. وهذه كارثة على البلد في ظل ضياع الناس وعدم قدرة مجلس الوزراء على اقرار الموازنة وانتظار لجنة المال لقطع الحسابات في المجلس النيابي الذي ستخضع الموازنة فيه الى خطابات ومزايدات ومتاريس سياسية. ومهما حصل، فإن مجلس الوزراء قد يحتاج في مناقشاته لأكثر من شهر ونصف وشهرين وأكثر في ظل الضياع الحاصل والنقاش في بنود حسمت في الجلسة الاولى ويعود النقاش فيها في الجلسة الرابعة عشرة والخامسة عشر. وهذا يؤكد مدى الخلاف بين القوى السياسية على موضوع الموازنة وكيفية التعامل مع الارقام وفي المقلب الاخر كان الموظفون والمتقاعدون في الجيش اللبناني وفي ادارات الدولة يعتصمون ويقررون الاضراب العام نهار الاثنين اذا مسّت الموازنة حقوقهم ورواتبهم او تعويضاتهم. في ظل هذه الخلافات هل تصل الامور الى المأزق الكبير؟