لبنان
المرتضى: التطبيع الحقيقي يكون باجتثاث الاحتلال وتحرير الأرض واسترجاع الحقوق
تحت عنوان " فلسطين مقاومة الهوية والتاريخ " وبدعوة من وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وجامعة بيروت العربية وبالتعاون مع اتحاد الكتاب اللبنانيين والملتقى الثقافي اللبناني وضمن فاعليات "طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024" استضافت جامعة بيروت العربية - طرابلس رؤساء اتحادات الكتّاب العرب حيث تناوب على الكلام كل من الأمين العام لجامعة بيروت العربية الدكتور عمر حوري الذي استعرض مأساة الشعب الفلسطيني المأزوم ودور جامعة بيروت العربية الحاضن للقضايا الانسانية وفي طليعتها قضية فلسطين، ثم كانت كلمات لرؤساء اتحادات العراق علي فواز والجزائر يوسف شقرة وفلسطين مراد السوداني إضافة الى الخورأسقف أنطوان مخايل والأب ابراهيم الدربلي والشاعر جرمانوس جرمانوس الذي ألقى قصيدة في المناسبة الهبت الحضور.
الوزير المرتضى قال في كلمته "على هذه الأرضِ ما يستحقُّ الحياةْ هتافاتُ شعبٍ لمن يصعدون إلى حتْفِهم باسمينَ وخوفُ الطُّغاةِ من الأغنياتْ على هذه الأرضِ: سيِّدةُ الأرضِ أُمُّ البداياتِ... أمُّ النهاياتِ كانت تسمّى فلسطين... صارت تسمّى فلسطين. سيِّدتي، أستحقُّ، لأنَّكِ سيِّدتي، أستحقُّ الحياةْ".
وأضاف "فلسطين هي التي تستحقُّ الحياة أوّلًا، لأنَّ حروفَها الستةَ جهاتُ الوجود، ولأنّها الحياةُ الطالعةُ من عصفِ الدمار، والأغنيةُ التي يرتعبُ منها الطغاةُ والغزاة، وإرادةُ الحريّة التي لا يستطيعُ القتلُ اليوميُّ أن يغلبَها. عقودٌ من الاحتلال الصهيوني، عبثَت بأسماء الحجارة فيها، وبتراثِ الزيتون والبرتقال، من إصبَعِ الجليل المبتلِّ بالنّدى إلى قدَمِ النَّقَب المغموسةِ في الماء، وحاولت أن تستبدلَ بالعربية الفصحى لغات الأرضِ التي قدِمَ منها المستوطنون الدخلاء، في مشروعٍ متوحِّشٍ معادٍ للسلامِ والإنسانية، فباغتَه حجرٌ وترصَّده طوفان، فإذا المشروع أضغاثُ هباء، وإذا الدولةُ المسخُ أوهنُ من بيتِ العنكبوت".
وعن سبات الضمير قال المُرتَضى: " لعلَّ القراءةَ الصحيحة للتاريخ على ضوء الحاضر، هي التي تقود إلى تَوَقُّعِ ملامح المستقبل. فغزة التي تتعرّضُ لمجازرِ الإبادة الجماعية، في ظلِّ الموت السريريِّ اللاحق بالضمير العالمي الرسمي، إنْ كان له أصلًا من ضمير؛ والتي تعلنُ بصمودِها في كلِّ يومٍ انتصارًا تلوَ انتصار، تذكِّرُنا بأنّ المعاركَ الكبرى في مسيرة الحضارة البشرية، عادةً ما تقتات بالدمار والدماء، ويذهبُ ضحيَّتَها كثيرٌ من الشهداء والأبرياء، لكنَّ النصرَ يكون دائمًا في نهايتها حليفَ الحقِّ وأصحابه ومن يتأمّل ما حدث منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم يجد أن أمورًا كثيرةً من هذا القبيل، على الرغم من الأهوال التي تحيق بغزة وسكانها، أصبحت محطاتٍ على درب النصر الأكيد، نتيجة تضحيات ليس لغير أصحاب الإيمان الحارِّ والإرادةِ الحرّة أن يسلكوها".
وأوجز المُرتَضى المحطات في خلاصاتٍ أربعٍ هي: " أوّلًا، لقد أدَّت عملية طوفان الأقصى إلى انهيارِ المنظومتين العسكرية والأمنيةِ في الكيان العدو. فما فعله المجاهدون في طَرْفةِ فجرٍ، لم يكن عمليةً عاديةً، بل تدميرًا لمشروع عسكري استمر بناؤه، جيشًا وأمنًا، على مدى خمسٍ وسبعين سنةً، وكان يُرادُ له أن يكون الأداةَ المباشرةَ للاستيلاء على الشرقِ كلِّه، وترهيبِ شعوبِه واستتباع أنظمته، توصّلًا إلى نهب الخيرات الكامنةِ فيه، بما في ذلك تراثُه غير المادي. فإذا بهذا الجيشِ عاجزٌ بكلِّ ما أوتيَ من قدراتٍ تكنولوجية عن استكشافِ خطَّةٍ مجاهِدة دُبِّرَت في نفقٍ تحت شمسِ غزة، فاضطرَّ إلى الاستنجاد بالأساطيل وحاملات الطائرات، كاشفًا عن هويته الحقيقية التي تؤكد أنه ثكنةٌ عسكرية متقدمة في بلادِنا، وليس دولةً لشعبٍ وفق المفهوم العصري للدول. ولاحقًا أثبتت قيادة هذه الثكنة فشلها العسكري في تحقيق أي هدف من أهداف العدوان المعلنة، فحوّلت حربها إلى عمليات انتقام وقتل بالمجان من دون أيِّ انتصار ممكن".
وأضاف: "الخلاصة الثانية تتمثل في هذا الفصل الجديد من الصراع الوجوديِّ مع الكيان المغتصب، والذي أصبح له معنًى آخر مناقضًا للعنوان الذي أُعطيَ له صبيحةَ نشوءِ عدوانه في النصف الأول من القرن العشرين. فعوضًا عن حركات الهجرة المنظمة المتتالية إلى أرضِ فلسطين، تشهدُ اليوم مطاراتُ الأرض المحتلّة حركات نزوح معاكسة، كلٌّ إلى البلدِ الذي منه أتى، وهذا يؤكِّدُ أن الحلَّ الوحيدَ المتاح للقضية الفلسطينية، هو الذي كنا سميناه منذ بضعة شهور حلَّ العودتين بدلًا من حلِّ الدولتين الذي تأباه طبيعة الحياة، ويستحيل تطبيقه في ظلِّ الاستيطان السرطانيّ".
وعن الخلاصة الثالثة قال المُرتَضى: "إن المجازر المرتكبةَ في غزة، ضدَّ الأبرياء من نساءٍ وأطفالٍ وشيوخ، وضدَّ المباني السكنية ودور العبادة والمستشفيات والمدارس ومراكز الأمم المتحدة، وضد كلِّ ما ينبضُ فيه عرقُ حياة وشِريانُ كرامة، جعلت شعوب الأرض تتحركُ في الساحات العامة والشوارع تنديدًا بمواقف حكوماتِها ورفضًا للعدوان وتأييدًا للحقّ الفلسطيني الذي تسطِّرُه اليوم الدماءُ والأشلاء. هذا الموقف الشعبي العالمي غيرُ مسبوق في مسيرة الصراع مع العدو ويقتضي البناء عليه والاستفادة من تداعياته الايجابية".
وأوجز المُرتَضى الخلاصة الرابعة معتبرًا انه " إثرَ مجازر غزّةَ تهافتَ جنوبُ الأرضِ لنصرةِ قلبِها. فملاحقة الكيان العنصري وقادته أمام محكمة العدل الدولية، من قبل دولة جنوب أفريقيا، سابقةٌ ضد العدو لا مثيلَ لها من جميع النواحي القانونية والسياسية والإنسانية والأخلاقية. وأيًّا تكنِ النتيجةُ التي ستصلُ إليها المحاكمات، فلا شكَّ في أنّها ستهزمُ صورتَه التي يدعي بها أنه دولةُ الشعبِ المطارَدِ وسْعَ الأرض، الساعي إلى السلام والديمقراطية في أرض أجداده وسيَظْهَرُ بالبيّنات مقدارُ الوحشية التي يتسمُ بها هذا الاحتلال، في سياساته وممارساته العدوانية، وسيُفتَضَحُ كذِبُ الإعلام الغربي وأدواتِه الإقليمية التي تخفي الحقيقة بجلبابِ الأباطيل. والأهم أن الطرف المدّعي دولةٌ عانت من مثل هذه السياسات والممارسات في تاريخها القريب، وتعرف عن يقينِ تجرِبة معنى العنصرية والإبادة الجماعية".
وأردف المُرتَضى : " إنّ الارتكابات التي اقدم وما برح يقدم عليها الصهاينة في غزة، تجعلني ازداد رسوخاً كوزير للثقافة في الجمهورية اللبنانية على موقف سبق لي أن أعلنت عنه، مفاده الدعوة إلى التطبيع والقطع جزماً ويقيناً أنه لا مناص من التطبيع. لكن ما هو هذا التطبيع الذي أدعو اليه والذي اتت احداث غزّة لتثبّتنا عليه؟ التطبيع لغة ايها الاحبة هو إعادة الأمر إلى طبيعته بجعله موافقا للطبيعة. أما الإحتلال الاسرائيلي فهو مخالف للطبيعة مناقض للقيم الإنسانية ومجاف للشرائع الدولية والحقوق الوطنية والقومية، والتطبيع الحقيقي الذي أدعو اليه، والذي أرى أنه لا محيد عنه، يكون بإعادة الأمور إلى طبيعتها، أي بإجتثاث الاحتلال وتحرير الأرض واسترجاع الحقوق، فلا والف لا للتسليم بالإحتلال أو لتسويق العلاقات معه ايّاً كان شكلها وتزدادُ فكرةُ هذا النوع الصحيح من التطبيع أهمية وراهنيةً كلما ألقت طائرةٌ حممَها على رؤوس الأبرياء في غزّة او الجنوب اللبناني".
وعن أولوية فلسطين قال : " اليوم، في طرابلس عاصمة الثقافة العربية، تدفعُنا هذه الخلاصاتُ إلى أن نردِّدَ بصوتٍ واحد: لبنانُ أوّلًا، وكل وطنٍ من أوطاننا أوّلًا، لكنَّ الأمر لن يصيرَ كذلك، ما لم تكن فلسطينُ هي الأولى، وعلى قدم المساواة، لأن الإسرائيلي يرى بدوره، وإن بمعنًى مختلف، أنّ لبنان أوّلًا ولكن في تلقّي العدوان القادم، لأن هذا الوطنَ الصغير، بتنوّعه وعيشه الواحد، يشكّل التهمة الأخلاقية الموجهةَ حضاريًّا إلى الكيان العنصري، والنقيضَ الفاضح لشرِّه. لذلك نحن مدعوون إلى الاستمرار في المقاومة، وبخاصة الثقافية، والى ان نبني وطننا على اسس قويمة وأن نمتّن وحدتنا الداخلية وأن نرسّخ تمسّكنا بقيمنا الجامعة وبعيشنا الواحد وان نستفيد من مقوّماتنا وأهمّها التي تختزنه طرابلس وصولاً الى بناء المجتمع اللبناني الموحّد على تنوّعه المكتفي العزيز المشبَعِ بالفكرِ والوعي والحريّة، والرافضِ لأن تكونَ أرضُه ومنطقته مسرحًا لأعداء الانسانية. وطرابلس التي ردّدت شوارعُها أصداء القضايا العربية منذ قرون، سيمنحُنا عرسُها الثقافي المتمثل بالفعاليات التي ستقام فيها بمناسبة اعلانها عاصمة للثقافة العربية، سيمنحنا هذا العرس المزيد من الثقة بأن عهد الاحتلال آذَنَ بالزوال، وبأن الشمسَ عمّا قريب ستكتبُ فوقَ بوابات المدائن والقرى في فلسطين بأحرفٍ من نور أسماء كنعان وعدنان وقحطان، وأبنائهم من جيل التحرير، وسترتفعُ عاليةً من جديد ضَحِكاتُ الأطفالِ الذين تحتفظُ السماءُ بعويلِ بكائِهم على أقراص نجومِها الزاهرة".
إقرأ المزيد في: لبنان
09/11/2024