لبنان
عدوان صهيوني بقاعًا.. والمقاومة تردّ بصواريخ على الجولان
تطوّر العدوان الصهيوني على لبنان بالأمس وطال منطقة البقاع، حيث استهدفت طائرات الاحتلال بغارتين منطقة بوداي قرب بعلبك، ما استدعى ردًا قويًا من المقاومة الإسلامية قصفت فيه بـ60 صاروخًا مقر قيادة جيش الاحتلال في الجولان السوري المحتل.
وكانت المقاومة أسقطت بصاروخ أرض-جو طائرة صهيونية من نوع هيرمز450، كبيرة الحجم فوق الجنوب، كما شهدت عدة مناطق جنوبية اعتداءات صهيونية.
"الأخبار": حزب الله يبدّد رهانات العدو: التفوّق الجوي ليس مطلقاً
في البعد السياسي، جسَّد إسقاط المقاومة مُسيّرة «زيك - هيرمس 450»، أمس، رداً موضوعياً على تهديدات العدو، وخصوصاً وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، بمواصلة العدوان على لبنان حتى لو هدأت جبهة غزة، استناداً بشكل أساسي إلى التفوّق الجوي للعدو. وهي تهديدات تكشف عن حقيقة المشهد الميداني في الوعي الإسرائيلي، إذ تدرك قيادة العدو أن هدوء جبهة لبنان بعد هدوء جبهة غزة سيعني أن الجبهة تحرّكت عندما حرَّكها حزب الله، وهدأت عندما أراد الحزب ذلك. وهذا ما يضع جيش العدو والكيان كله في موقع ردّ الفعل، ويساهم في مزيد من تقويض صورة الردع والهيبة التي يحاول ترميمها، وينطوي على رسالة إلى المستوطنين الذين يعلنون أنهم لن يعودوا قبل أن يشعروا بالأمان، بأن جيشهم ليس في موقع من يملي المعادلات.
مقالات مرتبطة
وكشف رد الفعل الإسرائيلي، ميدانياً وسياسياً، على إسقاط المُسيّرة عن إدراك قيادة العدو لمخاطر نجاح حزب الله في استهداف هذا المستوى من الطائرات، وتداعيات هذا الاستهداف على حرية عمل سلاح المُسيّرات في الأجواء اللبنانية، خصوصاً أن «هيرمس 450» هي من الأكثر تطوراً في سلاح الجو الإسرائيلي، وشكّلت ركيزة أساسية في المعركة الحالية، وتلعب دوراً رئيسياً في الاغتيالات في لبنان وفلسطين وغيرهما، وتتمتّع بهامش واسع في الكشف والاستهداف والمناورة، وتتميّز بتقلّص الفترة الزمنية بين الكشف الاستخباري والاستهداف العملياتي. كما يشكّل إسقاطها رسالة أخرى تكشف عن قدرة عملياتية لدى حزب الله على اختراق المنظومة التكنولوجية التي وفّرت قدراً من الحصانة لحرية عمل سلاح الجو، بعدما راهن العدو على أنه تمكّن من فرض هيمنة جوية أطلقت يده في مستوى الحركة والاستهداف. وهو ما دفعه للتأكيد في أكثر من مناسبة على أن هذا الاستهداف سيتواصل بعد الحرب، إضافة إلى كونه إحدى صور الانتصار التي كان يراهن أن تُختتم المعركة بها.
لذلك، أظهر ردّ الفعل التصعيدي حجم مخاوف العدو من أن يشكّل الحدث مؤشراً إلى كسر المعادلة الجوية التي توهم بأنه نجح في فرضها، بعد خمسة أشهر من القتال ومراكمة نتائج تكتيكية، وهو ما عبّرت عنه التعليقات بوصف ما حصل بأنه «خطير جداً» و«يعطي صورة سيئة جداً عن الجيش الإسرائيلي وعن سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط». كما أن هذا الحدث يبدّد الرهانات على «التفوّق الجوي» بالتأسيس لمعادلة مضادّة، أخطر ما فيها أنها ستمتد إلى ما بعد الحرب. أضف إلى ذلك، أن إسقاط المُسيّرة تجسيد عملي للمسار التصاعدي لحزب الله، في وقت يحاول العدو - عبر الميدان والرسائل التهويلية - كبح هذا المسار وتغيير اتجاهه. فضلاً عن أنه يكشف عن إرادة سياسية تستند إلى قدرة عملياتية قادرة على توسيع نطاق الاستهدافات، في الجو كما في البر، حتى لو اعتبر العدو ذلك تجاوزاً لبعض قواعد الاشتباك التي ظن أنه فرضها.
وباعتبار الحدث الجوي حلقة في سلسلة متواصلة، لها ما قبلها وما بعدها، فإن العدو يرى في التأسيس لتقويض حريته العملياتية، مع ما حقّقه حزب الله في فرض «حزام أمني» في الأراضي الإسرائيلية من دون حتى أن يقوم بمناورة برية، إضافة إلى تهجير أكثر من 100 ألف مستوطن، بحسب المعلّق العسكري أمير بوحبوط، ترجمة وتطويراً لموقع حزب الله في القواعد التي تحكم حركة الميدان. وهو ما دفع وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان إلى رفع الصوت محذّراً من أن الحزب «تهديد استراتيجي حقيقي، وإذا لم نغيّر المعادلة فلن يبقى سكان في الشمال».
أظهر ردّ الفعل التصعيدي حجم مخاوف العدو من أن يشكّل إسقاط المُسيّرة مؤشراً إلى كسر المعادلة الجوية
على هذه الخلفية، حرص العدو على تصعيد ردّه بعد إسقاط المُسيّرة بتوجيه ضربات في العمق اللبناني وصولاً إلى محيط مدينة بعلبك وغيرها. وقد هدف من وراء ذلك إلى تسجيل رد ميداني وتوجيه رسالة بأنه مستعد للذهاب إلى أبعد مدى عبر تجاوز خطوط لم يسبق أن تجاوزها، وملامسة سقوف أشد خطورة. إلا أنه من الواضح أن الاعتداء الجديد، وإن كان ارتقاء مدروساً، يندرج ضمن السقوف المتحرّكة للمعركة على طرفَي الجبهة، ولا يؤشر حتى الآن إلى خروجه عن سيطرة أيّ من الطرفين. وهو ما أشار إليه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، بالقول إن كلاً من الطرفين يضرب على يد الآخر عندما يرى أنه تجاوز المربّع الذي تدور ضمنه المعركة، في إشارة إلى حرص الطرفين على تجنّب التدحرج نحو حرب شاملة مدمّرة.
وقدّم مثالاً عملياً على ذلك باستهداف حزب الله الجولان، أمس، بعشرات الصواريخ كونها تقع «خارج اللعبة». لكنه عاد وأكد أن المبادرة في كل هذا المسار بدأت من قبل حزب الله. وشدّد عميدرور على أنه «سيكون من الغباء البدء بحرب في لبنان لأن الأمر يتعلق بمصير الدولة (...) قبل أن تتخذ قراراً عليك أن تتأكد بأن الطرف الثاني يدرك المخاطر التي ينخرط فيها. (ولذلك) أحياناً تهدّد ولا تنفّذ». ودعا إلى عدم التوقف عند ذرائع من نوع «أننا قلنا كذا وحزب الله قال كذا... هذا ببساطة أمر غير عميق»، لافتاً إلى أن أيّ حرب ستنشب «ستكون فظيعة».
"البناء": غارات إسرائيلية قرب بعلبك.. والمقاومة تقصف بـ 60 صاروخاً قيادة «الجولان»
في واحدة من صرخات الإنسانية النادرة وصحوات الضمير الإنساني الفريدة، أقدم الطيار الحربي الأميركي آرون بوشنل على حرق نفسه حتى الموت أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وهو يردّد عبارات، لن أشارك بعد الآن في حرب الإبادة، وفلسطين حرّة، مضيفاً “سأنظّم احتجاجاً عنيفاً للغاية الآن، لكن احتجاجي ليس كبيراً بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم”، ثم أضرم النار في نفسه وهو يصرخ “الحرية لفلسطين” مراراً وتكراراً حتى توقّف عن التنفس.
الحادث الاستثنائيّ هزّ العالم، ولم يجرؤ أحد على وصفه بالانتحار، فقد كان واضحاً أن الرجل الأميركي الأبيض وغير المسلم وغير العربي، وقد أصبح عبء مشاهد المذابح اليوميّة على ضميره ثقيلاً، قرّر أن يهب نفسه وقوداً لإشعال نورٍ يضيء به طريق رفاقه وزملائه وسائر الأميركيين، داعياً لعدم قبول شهادة الزور والمغامرة بالشهادة للحقّ وصولاً للاستشهاد من أجله.
في حرب غزة، رغم ضراوة المعارك التي تخوضها المقاومة وتُسقط فيها جنود الاحتلال قتلى وجرحى، خطف المسار التفاوضيّ الأضواء مع انتقال المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة وكيان الاحتلال الى الدوحة، حيث التقى رئيس الحكومة محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيسَيْ وكالتي الأمن الإسرائيليتين، الموساد والشاباك، اللذين نقلا تصوراً إسرائيلياً تفاوضياً، قالت الأوساط الإعلامية الإسرائيلية إنه يحمل أفكاراً جديدة. وقامت الدوحة بتسليم المقترح الإسرائيلي الجديد إلى قيادة حركة حماس، حيث استقبل الأمير تميم بن حمد آل ثاني رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وفقاً لمصادر متابعة للمسار التفاوضي، تضمنت الورقة الإسرائيلية أفكاراً مثل، اشتراط عودة تدريجية للنازحين إلى شمال القطاع باستثناء مَن هم في سنّ الخدمة العسكرية، وقبول زيادة دخول المساعدات والمنازل المؤقتة للقطاع وإدخال آليّات ومعدات ثقيلة بينما اكتفى جيش الاحتلال بطرح إعادة التموضع خارج المناطق المكتظة ووقف الاستطلاع الجويّ ٨ ساعات يومياً. أما المفاجأة السلبية فكانت باقتراح “إسرائيل” إطلاق سراح 400 أسير فلسطيني بينهم عدد من أصحاب الأحكام العالية، مقابل الإفراج عن 40 أسيراً إسرائيلياً من النساء والأطفال.
لبنانياً، أكمل جيش الاحتلال ما بدأه من استفزازات تتمثل باستهداف مواقع بعيدة عن الجبهة، في محاولة لمنح المصداقية لحديثه عن الحرب الشاملة، واستخدام هذه المصداقية المفترضة من أطراف لبنانية لتنظيم حملات تشكيك بصحة ما يقوم به حزب الله، إضافة لتوظيف هذه الاستهدافات وما يرافقها من صخب إعلامي بزيادة عمليات التهجير بين صفوف مؤيّدي المقاومة، لخلق توازن التهجير كمدخل للتفاوض. وقالت مصادر عسكرية إن المقاومة ترد على التوسيع بالتثقيل، عبر تكرار استهداف من المؤكد أنه يصيب منشآت وتجهيزات وبنى عسكرية نوعية كما حدث في موقع ميرون، وأن معادلة المقاومة هي وقف الحرب على غزة، كمدخل إلزاميّ لكل الحلول التفصيلية لسائر الأزمات.
كسرت قواعد الاشتباك مع تجاوز العدو الإسرائيلي نطاق العمليات الجغرافي وتوسيعه رقعة الحرب. فقد استهدفت غارات إسرائيلية وللمرة الأولى، منطقة بعلبك، وتحديداً حوش تل صفية «حيث توجد مستودعات لتخزين المواد الغذائيّة لمؤسسات السجاد». ونعى حزب الله «الشهيد حسن علي يونس من بلدة بريتال في البقاع»، ونعى أيضاً «الشهيد أحمد محمد سنديان من بلدة علي النهري في البقاع».
من جانبه، أكد حزب الله أن «الضربة الإسرائيلية على بعلبك «لن تبقى من دون ردّ حيث استهدف بعد ظهر أمس مقر قيادة فرقة الجولان في «نفح» بستين صاروخ كاتيوشا». وبحسب المعلومات من حزب الله فإن القاعدة تضمّ، مقر قيادة الفرقة الإقليمية 210 (الجولان) مقر قيادة اللواء الإقليمي 474، عيادة اللواء الإقليمي 474، معسكر عوز مقر قيادة الكتيبة المدرعة 77، مستوى قيادياً من فوج المدفعية 209، تشكيلات برية من قوام القوات المتدرّبة في معسكرات الجولان، مقر قيادي فرقي أمامي في حالات الطوارئ وقيادة أماميّة لتشكيلات تعمل على الاتجاه السوريّ، محطة اتصالات قيادية وتكتيكية أفيك رهاف وايتاكس، مشغل صيانة أمامي 754 لوحدة التسليح الإقليمية الشمالية لصيانة الآليات المدرعة».
كما نعى حزب الله الشهيد حسن حسين سلامي “محمود” 74 من بلدة خربة سلم في جنوب لبنان، في الغارة الإسرائيلية التي استهدف سيارة في بلدة المجادل.
وتابع رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية الأوضاع العامة، لا سيما المستجدات الميدانية على ضوء تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان والقرى والبلدات الجنوبية، خلال لقائه قائد قوات اليونيفل العاملة في جنوب لبنان اللواء آرولدو لاثارو والوفد المرافق.
وأكد مستشار رئيس مجلس النواب نبيه برّي علي حمدان أن اتصالاً هاتفياً حصل بين الرئيس نبيه بري والوسيط الأميركي أموس هوكشتاين لمتابعة بعض الأمور، مشيراً إلى أن هوكشتاين لا يحمل أي طرح، بل مجرّد أفكار، وقد وعد الوسيطُ الأميركي الرئيس برّي بإرسال نصّ مكتوب بهذه الأفكار خلال مدّة يومين ليُصبح التفاوض وفقاً لنصٍّ مكتوب، ولكن حتى الآن لم يصلنا أي شيء من هوكشتاين. وأضاف حمدان: الردّ متوقّع وإن كان اليومان أصبحا أسبوعين.
وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة اجتماعات وزارية في السراي تناولت مجمل الملفات المطروحة. وأعلن وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب بعد اجتماع مع رئيس الحكومة: “بحثنا مع الرئيس ميقاتي في الردّ على المقترح الفرنسي ونحن نهيئ الرسالة التي اتفقنا عليها، والنقاط التي سنتناولها، وإن شاء الله يكون الرد لدى الفرنسيين الأسبوع المقبل”. وقال رداً على سؤال “موقفنا معروف ونريد تطبيقاً كاملاً وشاملاً للقرار 1701 ومن ضمنه شبعا وكفرشوبا”. وقال “نرحّب بالدور الفرنسي، ولقد أعطانا الفرنسيون هذه الأفكار لأن يهمهم لبنان وسلامة لبنان”. وقال بوحبيب خلال استقباله السفيرة الأميركية ليزا جونسون وسفير إسبانيا خيسوس سانتوس أغوادو: “مستمرّون بجهودنا الهادفة إلى احتواء التصعيد، ووقف تدحرج الأمور إلى الأسوأ، لا سيما من خلال ما نشاهده هذه الأيام من اعتداءات مقلقة جداً تهدّد ليس فقط أمن لبنان بل المنطقة بأسرها.»
رئاسياً، تتجه الأنظار إلى مبادرة كتلة الاعتدال الوطني والتي سوف تزور، بحسب ما علمت البناء، اليوم رئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط على أن تزور هذا الاسبوع أيضاً رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ومع ذلك تقول مصادر سياسية مطلعة لـ “البناء” إن المبادرة لن تصل إلى خواتيمها خاصة أنها لا تحظى بدفع إقليمي، رغم أن أعضاء الكتلة التقوا بعدد من سفراء الخماسية. ورغم ذلك يقول مصدر من الاعتدال إن كل القوى السياسية التي زارها وفد كتلة الاعتدال أبدت إيجابية نحو المبادرة، التي تجسد أهمية انتخاب رئيس للجمهورية من دون نيات مسبقة، فنحن نعمل على تأمين حضور ممثلين عن ثلثي المجلس، عندها ستتم الدعوة إلى جلسة للتفاوض تمهيداً لنقل مطلب 86 نائباً إلى الرئيس بري بضرورة الدعوة إلى جلسات متتالية لانتخاب رئيس.
"الجمهورية": الحل الجنوبي معقّد.. إسرائيل توسّع اعتداءاتها إلى بعلبك
الداخل اللبناني ينبض بالإرباكات على كلّ المستويات، والاهتراء بات الصفة الملازمة لكل القطاعات المالية والاقتصادية والحياتية، يُضاف إليه الشلل في معظم الادارات والمؤسسات، ما يفتح الباب على تداعيات وسلبيات آنية ولاحقة لا حصر لها. يُؤسّس لها تخبّط السلطة وإخفاقها المريع في احتواء تلك التداعيات، وتوفير الحدّ الأدنى من العلاجات المطلوبة، التي من شأنها أن تضبط البلد على سكة المخارج والحلول.
وأمّا السياسة، فمتموضعة خلف المتاريس يطوّقها التناقض والإنقسام ومكونات عبثية تركن رئاسة الجمهورية في زاوية التعطيل، وفي محاذاتها الخطر الأكبر الذي يتفاقم في الأفق الجنوبي، مع اشتداد الاعمال الحربية على طول خط الحدود الجنوبية، وتوسيع العدو الاسرائيلي لدائرة استهدافه لتطال العمق اللبناني، على ما حصل في الغارات الجوية التي استهدفت بالأمس منطقة بعلبك. وكذلك التطور النوعي في المواجهة مع تمكّن «حزب الله» من إسقاط مسيّرة اسرائيلية، والذي وصفه الإعلام الاسرائيلي بالتحول الخطير جداً في مسار الحرب الدائرة، ينبغي التوقف عنده.
تأجيل لا تعجيل
رئاسيّاً، بات مؤكّداً أنّ جعبة المفاجآت المرتبطة بالملف الرئاسي خاوية تماماً، وليس فيها ما يمكن ان يُبنى عليه للدفع بهذا الملف الى برّ الإنتخاب.
وإذا كان نواب الاعتدال قد انطلقوا في مبادرة لتحريك الملف الرئاسي، التي شملت امس لقاء نواب «تحالف التغيير»، وكتلة «تجدد»، على ان تواصل لقاءاتها مع سائر الكتل النيابية، إلّا أنّ هذه المبادرة تتطلّب معجزة تمكّنها من اختراق جدار التعطيل والتناقضات المانعة انتخاب رئيس للجمهورية. فإنّ الأوساط السياسية على اختلافها، دخلت في حال من الانتظار للخطوة التالية للجنة الخماسية.
وبحسب معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، انّ السمة العامة للملف الرئاسي، في ظلّ الحراكات التي تسارعت في الفترة الأخيرة، هي التأجيل لا التعجيل في حسم هذا الملف، ومردّ ذلك الى انعدام المبادرات الجديّة، وخصوصاً من قبل «اللجنة الخماسية».
وتشير مصادر المعلومات، الى أنّ احد سفراء «الخماسية» اعترف بأنّ «المساعي التي تقوم بها اللجنة تشهد تقدّماً، انما تقدم بطيء ولكن بجدّية اكبر»، وانّه ابلغ بعض السياسيين قوله انّ الجهود، وتحديداً من قِبل الفرنسيين، منّصبة الآن على محاولة فصل انتخاب رئيس عن الازمات الشرق اوسطية. وانّه حث على الضرورة القصوى لتجاوب اللبنانيين مع المساعي القائمة، وقال ما مفاده: «الوضع كما نعلم خطير جداً في هذه المرحلة، فإن لم يتحمس اللبنانيون لحسم استحقاقهم الرئاسي في هذه المرحلة، ففي أي مرحلة سيتحرّكون ويعون مسؤولياتهم وواجباتهم».
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، ما كشفه مصدر سياسي مسؤول لـ»الجمهورية»، حيث قال: «اخبار اللجنة الخماسية لا تبعث على الاطمئنان. وما نسمعه عن خلافات في الرأي في ما بين اعضائها صار يؤكّد الحاجة الى التوفيق في ما بينهم قبل كل شيء».
واوضح المصدر المسؤول عينه «أن لا شيء ملموساً قد تحقّق في حراك اللجنة، بل يمكن القول إنّ مهمّة اللجنة قد تعثرت في مطرحين، بمانع اول تجلّى في التناقض القائم بين المكونات السياسية، وعدم رغبتها في بلوغ التوافق المنشود على رئيس للجمهورية. وبمانع ثانٍ، هو مانع من داخل اللجنة نفسها، والذي يتجلّى في اختلاف النظرة بين اعضائها الى الملف الرئاسي، حيث انّ البعض منهم يرى الحسم بإجراء حوار بين اللبنانيين، فيما يرى البعض الآخر ان لا جدوى من هذا الحوار ولا فائدة تُرجى منه. ويتجلّى ايضاً في عدم استعداد اللجنة في لعب دور مسهّل للعملية الانتخابية، وذلك عبر ممارسة «المونة» على حلفائهم لتليين موقفهم. اضافة الى النظرة المتناقضة الى دور الوسيط الفرنسي جان ايف لودريان، بين من يعتبره وسيطاً باسم «الخماسية»، وبين من يعتبره وسيطاً فرنسياً. اي انّه لا يوجد اجماع داخل اللجنة «الخماسية» على اعتباره موفداً باسمها. وضمن هذه الأجواء لا يُعوّل على اي حل يمكن ان تبلغه «الخماسية»، كما لا تبدو في الافق اي زيارة للودريان الى بيروت».
فرصة للحل
الى ذلك، اكّد سفير احدى دول «الخماسية» خلال لقاء مع شخصيات سياسية وعدد من رجال الاعمال «انّ انتخاب رئيس للجمهورية في القريب العاجل، يشكّل فرصةً للبنان لإعادة تنظيم حياته السياسية، وصياغة الخطوات العلاجية والاصلاحية التي تمكّن لبنان من تجاوز هذه المحنة».
ونُقل عن السفير المذكور قوله: «نحن مدركون انّ المسؤولية تقع بالدرجة الاولى على اللبنانيين، فالأزمة خانقة، ونحن على يقين من انّ لبنان لا يمكن ان يخرج من ازمته من دون انتخاب رئيس وتشكيل حكومة علاجات واصلاحات تسارع الى اتخاذ الخطوات اللازمة لإنعاش لبنان، وايضاً من دون ان يلقى الدعم المطلوب من المؤسسات المالية الدولية، وعلى وجه الخصوص من صندوق النقد الدولي، ولكن لنكن صريحين انّه لا يمكن للبنان الانصياع والقبول بكل شروط صندوق النقد. حيث انّ هناك شروطاً يمكن للبنان ان يلبيها ومطلوب منه ان يلبيها، ولكن في الوقت نفسه هناك اخرى اقوى من قدرة لبنان على الإيفاء بها».
الحل الجنوبي معقّد
وسط هذه الأجواء، تتوالى التهديدات الاسرائيلية بتوسيع دائرة الاستهدافات، في وقت يتجلّى فيه فشل محاولات تبريد الجبهة الجنوبية، وضمن هذا السياق يأتي الجواب اللبناني على خريطة طريقة الحل الفرنسية الذي سيقدّم بصورة رسمية الى الجانب الفرنسي الاسبوع المقبل.
وبحسب معلومات «الجمهورية» من مصادر سياسية مسؤولة، فإنّ المستويات السياسية اللبنانية قد درست خريطة الطريق الفرنسية، ووجدت فيها نقاطاً ايجابية يمكن القبول بها، مثل وقف العمليات الحربية. الّا انّها تضمنت في الوقت نفسه نقاطاً لا يمكن للبنان أن يقبل بها بأي شكل من الاشكال، سواءً ما يتعلق بالخطوات التي توجب الورقة القيام بها من الجانب اللبناني لطمأنة المستوطنين ليتمكنوا من العودة الى المستوطنات القريبة من الحدود، او ما يتعلق بترك مصير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا للبحث في وقت لاحق. وبالتالي فإنّ الجواب اللبناني يرفض اي اجراءات او ترتيبات في منطقة عمل القرار 1701 تخدم مصلحة اسرائيل على حساب لبنان، بل انّ مرتكزه الأساس هو التطبيق الكلّي لهذا القرار بكل مندرجاته، وإلزام اسرائيل بتطبيقه.
وكشف مرجع كبير لـ»الجمهورية» استحالة قبول لبنان بمثل هذه الطروحات، وقال: «الموقف من هذه الورقة، سبق وقدّمناه بصورة شفهية فوريّة في اللحظة التي تلقينا فيها تلك الورقة. واكّدنا لمن تقدّم بها أنّ السبيل الوحيد الى الحل وتبريد الجبهة هو القرار 1701 ولا شيء غيره».
ورداً على سؤال عمّا يتردّد عن تباين فرنسي - اميركي في شأن ورقة الحل التي قدّمها الفرنسيون قال المرجع: «بحسب معلوماتي فإنّ الورقة الأولى التي قُدّمت عبر وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورني، وُضعت بالتوافق بين الفرنسيين والاميركيين، ولذلك تمّ تقديمها باللغة الانكليزية».
اضاف: «وامّا الورقة الجديدة التي قُدّمت بثلاث لغات عربية وفرنسية وانكليزية، فهي نظرياً، توحي بشراكة اميركية وفرنسيّة فيها وخصوصاً انّها لا تختلف في مضمونها عن الورقة الاولى، وتعكس في مضمونها ذات الطروحات التي سبق للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين ان عرضها في زيارته الأخيرة الى لبنان، ورُفضت باعتبارها تلبّي المصلحة الاسرائيلية، واما عملياً فلا نلاحظ دوراً اميركياً مباشراً في هذا الورقة، واكثر من ذلك، لا نلاحظ حماسة اميركية تجاهها او اي اشارات من الجانب الاميركي تدعو الى السير بخريطة الحل هذه».
وقال المرجع «انّه بمعزل عمّن قدّم خريطة الحلّ هذه، او عمّا اذا كانت فرنسية او بشراكة مع الاميركيين ودول اخرى، فهي غير قابلة للسريان، او لأن تشكّل قاعدة ملائمة للحل، كونها تنظر بعين واحدة، وتفرض على الجانب اللبناني من الحدود اجراءات وترتيبات تحاكي أمن واستقرار المستوطنات الاسرائيلية، دون ان تقارب الجانب الاسرائيلي بأي اجراءات او ترتيبات تطمئن السكان في القرى والبلدات الجنوبية، وتزيل التهديد الاسرائيلي الدائم لتلك المنطقة بصورة خاصة وللبنان بصورة عامة».
حرب كارثية
وفيما تؤكّد مصادر ديبلوماسية فرنسية على أهمية هذه الورقة، باعتبارها تتضمن حلاً ملحّاً في هذه المرحلة، يحول دون انزلاق جبهة الجنوب الى حرب واسعة بين اسرائيل و»حزب الله»، نُقل عن سفير اوروبي بارز تخوفه الكبير من أنّ احتدام التصعيد على هذه الجبهة ينذر باقتراب الحرب الواسعة.
وبحسب معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، فإنّ السفير المذكور، أبلغ جهات لبنانية قبل ايام قليلة قوله بأنّ «كلّ المؤشرات تشي باشتعال الحرب، والعمليات العسكرية المتصاعدة على جانبي الحدود باتت تخرج عن السيطرة».
واكّد السفير انّ الحرب إن وقعت فسيتأذى منها الجميع، وقال: «حزب الله» لا يستطيع ان يحقق انتصاراً على اسرائيل، وقادة اسرائيل يهدّدون بضرب لبنان وصولاً الى بيروت. والنتائج ستكون بالتأكيد كارثية. وفي الجانب الآخر، فإنّ اسرائيل، تعرف، ونحن ايضاً نعرف انّ الحرب مع لبنان ليست نزهة بالنسبة اليها، صحيح انّ الموازين التقنية والعسكرية الاسرائيلية والغربية التي تدعمها تفوق «حزب الله»، ولكن في المقابل، نحن نعرف ايضاً انّ نتائج هذه الحرب ستكون كارثية على اسرائيل ايضاً».
واستغرب السفير عينه ما وصفه «التعاطي البارد من قِبل المسؤولين في لبنان مع خريطة الحل الفرنسية»، مشيراً الى «انّ فرنسا تضع ثقلها لمحاولة بلورة حلّ في لبنان، فيما الآخرون لا يعيرون لبنان الاهتمام المطلوب». وقال ما حرفيته: «الامر المستغرب هو انكم في لبنان تهملون المبادرات الصادقة لإبعاد لبنان عن منزلقات الحرب. وتنظرون الى الآخرين، وتحديداً الى آموس هوكشتاين كمالك للحلول وصانع لها، فيما هو يتعاطى مع لبنان وكأنّه غير موجود، حيث انّه يأتي بزيارة او زيارتين او اكثر الى اسرائيل من دون ان يزور لبنان الذي هو الطرف الثاني في المواجهات الدائرة. الا يعني ذلك لكم شيئاً، وهل تستطيعون ان تفسّروا هذا التعاطي مع لبنان. انّهم ينظرون اليكم وكأنكم غير موجودين في كل العملية الشرق اوسطية».
توسّع نطاق الاعتداءات
ميدانياً، لوحظ انّ المجريات العسكرية على الجبهة الجنوبية المشتعلة، قد بدأت تنحى في اتجاه اكثر توتراً، حيث تسارعت التطورات منذ الصباح مع تمكّن «حزب الله» من إسقاط مسيّرة اسرائيلية، وما تلاها من غارات اسرائيلية في العمق اللبناني، حيث طالت منطقة بعلبك للمّرة الأولى منذ العام 2006. بثلاث غارات جوية على حرش تل صفية بالقرب من مزارع اللقيس وبلدة عدوس على طريق الكيال - اطراف بوداي، مستهدفة مستودعاً للمواد الغذائية تابعاً لمؤسسة «السجاد» ما ادّى الى سقوط ثلاثة شهداء وجريحين.
واعلن «حزب الله» انّ «وحدة الدفاع الجوي في المقاومة الإسلامية قامت عند الساعة 09:20 من صباح الاثنين 26-02-2024 بإسقاط مسيّرة إسرائيلية كبيرة من نوع «هرمز 450» بصاروخ أرض جو فوق منطقة اقليم التفاح، وقد شوهدت وهي تسقط بالعين المجردة».
وفيما ذكرت وكالة «اسوشيتدبرس» الاميركية انّ الغارات طالت مشارف قرية بوداي قرب بعلبك مستهدفة قافلة شاحنات»، قال المتحدث بإسم جيش الاحتلال الاسرائيلي، انّ الجيش شنّ غارات في عمق لبنان تستهدف أهدافاً لحزب الله. فيما اعلنت القناة «12» العبرية «انّ القصف على بعلبك يأتي رداً على إسقاط «حزب الله» لمُسيّرة صبح اليوم (امس) بصاروخ أرض- جو».
ونقلت وكالة «رويترز» عن جيش الاحتلال أنّه قصف أنظمة دفاع جوي لـ»حزب الله» في البقاع اللبناني»، ووصفت «القناة 14» الاسرائيلية إسقاط «حزب الله» للطائرة من دون طيار وسقوطها في الأراضي اللبنانية بأنّه «حدث خطير». كما وصفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الهجوم على بعلبك بأنّه «الأعمق» منذ بداية الحرب، مشيرةً إلى أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يُهاجم فيها الجيش الإسرائيلي بعلبك منذ 7 تشرين الأول الماضي».
بدورها، قالت قناة «الحدث» إنّه تمّ إخلاء محطات وقود ومخازن ومراكز اقتصادية تابعة لـ»حزب الله» في بعلبك، وذلك إثر القصف الإسرائيلي الذي طال المنطقة.
ورداً على قصف محيط منطقة بعلبك، أعلن «حزب الله» انّ المقاومة الإسلامية استهدفت بعد ظهر امس مقر قيادة فرقة الجولان في نفح بـ60 صاروخ كاتيوشا. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ وابل الصواريخ الذي أُطلق على الجولان مصدره لبنان.
وبالتزامن مع الغارات على البقاع، نفّذ الطيران المعادي طلعات جوية فوق مناطق واسعة من بيروت والضاحية الجنوبية الى جبل لبنان وصولاً للجنوب وعلى علو منخفض. واعلن جيش العدو انّه «سيواصل العمل في الأجواء اللبنانية ضدّ «حزب الله».
اما في جبهة الجنوب، فصعّد العدو اعتداءاته وأغار الطيران المسيّر على سيارة في بلدة المجادل كانت تسير على الطريق العام، وافاد الدفاع المدني عن سقوط شهيدين. كما نفّذ قرابة الثالثة غارتين منفصلتين على عيتا الشعب. وذكرت بعض المعلومات انّ الشهيدين فلسطينيان.
كما نفّذ الطيران الحربي المعادي غارة جوية على أطراف منطقة برغز قضاء حاصبيا سبقها قصف مدفعي على المنطقة، وترافق ذلك مع قصف مدفعي عنيف على معظم القرى اللبنانية القريبة من خط الحدود.
في المقابل، اعلن الحزب انّ المقاومة الاسلامية استهدفت موقع البغدادي ومحيطه، وتجمعاً لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع حدب يارين، وثكنة برانيت وموقع الرادار ورويسات العلم في مزارع شبعا، كذلك استهدفت مستعمرة «شتولا» رداً على القصف الإسرائيلي على بلدة بليدا. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن سقوط صاروخين داخل مستوطنة «شتولا» بالجليل الغربي واصابة مستوطن.
ونعى «حزب الله» 3 شهداء، هم الشهيد حسن علي يونس «أبو العز» من بلدة بريتال، والشهيد أحمد محمد سنديان «نجاد» من بلدة علي النهري، والشهيد حسن حسين سلامي «محمود» من بلدة خربة سلم.
إقرأ المزيد في: لبنان
15/11/2024