لبنان
هدنة في غزة.. تمسك بالمقاومة وترقّب ما بعد الأيام الأربعة
بعد حوالي 50 يومًا من العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، بدأ صباح الجمعة سريان هدنة إنسانية فرضتها المقاومة في الأراضي المحتلة وصمود أهالي القطاع رغم كل المجازر والدمار الذي خلّفه الاحتلال.
ورغم علامات الاستفهام المطروحة حول استمرار الهدنة المؤقتة بعد انتهاء الأيام الأربعة، كانت الضفة الغربية بالأمس تستقبل 39 أسيرًا محررًا من النساء والأطفال مقابل إفراج كتائب القسام عن عدد من الأسرى الصهاينة في قطاع غزة.
هدوء القصف على القطاع انسحب على محور المقاومة الذي ساند القطاع المحاصر من العراق واليمن إلى الحدود الجنوبية في لبنان، حيث لم يكد يبدأ نهار الجمعة حتى عاد الجنوبيون الذين اضطروا قسرًا لمغادرة بيوتهم المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين المحتلة لتفقد أرزاقهم وممتلكاتهم.
على أن الأمور تبقى مرهونة بما ستكون عليه الصورة بعد أيام، موعد انتهاء الهدنة، وإن كان كيان العدو سيدخل بمغامرة جديدة ويستأنف عدوانه على القطاع أم أنه سيلجأ لتمديد جديد وصفقة إضافية من تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.
"الأخبار": استبشار في فلسطين وسخط في إسرائيل | الهدنة تؤرّق العدوّ: بحثاً عن جولة أخرى
أكثر ما كان يشغل بال قادة العدو حيال الهدنة التي بدأ سريانها، أمس، هو منع مظاهر الاحتفال الفلسطيني بإطلاق سراح مجموعة أولى من الأطفال الأسرى والنساء الأسيرات، بقوّة المقاومة. ذلك أن الاحتفال يُعدّ إحدى علائم الانتصار الذي تردّد صداه في كلّ أنحاء العالم، أثناء متابعته وقائع اليوم الأول من أيام الهدنة الأربعة، والذي شهد عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم، ولو المدمّرة. وفي المقابل، كان كلّ ما في إسرائيل يدلّ على الهزيمة، وعلى غضب كامن لدى الجمهور من الفشل، ما يؤذن بانفجار قريب في وجه صنّاع القرار الذين يحمّلهم الإسرائيليون مسؤولية هذا الفشل، على رغم محاولة هؤلاء تقديم إطلاق 13 أسيراً إسرائيلياً من الأطفال والنساء وكبيرات السن، على أنه مكسب ناجم عن الحملة العسكرية التي لم تحقّق أيّ هدف من الأهداف التي رفعها قادة العدو في بدايتها. وكان أبرز مظاهر تلك الهزيمة، هو كشف جيش الاحتلال عن حجم الفرار من الخدمة في الجيش خوفاً من الحرب، والذي وصل إلى ألفَي جندي، وإعلانه تشديد العقوبات ضد الفارّين لتشمل فترات سجن أطول.ولم يكن الاستياء الإسرائيلي من الصفقة خافياً، حتى على مستوى صنّاع القرار الذين وافقوا عليها؛ إذ نقلت محطّة «سي أن أن» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ما كان ليوافق على الصفقة بالصيغة التي مضت بها لولا أن ضغط عليه الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي مؤشّر آخر، بدأت إسرائيل، وفق ما أعلن وزير حربها، يوآف غالانت، بالتخطيط للجولة المقبلة من الحرب على غزة، والتي قال إنها ستستمرّ شهرَين على الأقل. لكنّ السؤال الأساسي الذي طرحته وسائل الإعلام الإسرائيلية، هو ما سيكون عليه موقف بايدن، حينما تنتهي مدّة الهدنة بأيامها الأربعة الأساسية، أو الممدّدة إذا حصل التمديد، ويحين موعد استئناف العدوان الإسرائيلي، في ضوء الرغبة الشديدة التي أظهرها الأميركيون في التوصّل إلى الهدنة، نتيجة الضغط العالمي الذي رتّبته عليهم تغطيتهم الكاملة للعدوان، بحيث صار كثيرون في العالم يتحدّثون عن الإدارة الأميركية بوصفها المدير الفعلي لهذه الحرب؟ ويُضاف إلى ذلك، أن أيام الهدنة التي سيتم خلالها إطلاق المزيد من الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين بوتيرة مماثلة لليوم الأول، تمثّل فرصة للمقاومة الفلسطينية لإعادة تنظيم نفسها، وهي التي لم يظهر عليها الوهن حتى اليوم الأخير ما قبل دخول الهدنة حيّز التنفيذ.
وإذ أظهرت عودة الفلسطينيين إلى مناطقهم وأحيائهم ومخيماتهم لتفقّد منازلهم والحصول على المساعدات الإنسانية التي وصلت عشرات الشاحنات منها إلى القطاع المحاصر، حجم الدمار الهائل الذي لم يكن ممكناً تقديره في وسط المعركة، فإن ذلك ساهم في إذكاء الغضب العربي والعالمي، من مستوى الوحشية التي قصفت بها آلة العدو العسكرية القطاع. فهذا الدمار، إضافة إلى العدد الكبير من الشهداء المدنيين، أظهرا جزءاً آخر مقلقاً بالنسبة إلى إسرائيل من الخسارة، تمثّل في ارتفاع غير مسبوق في إدانة الهمجية الإسرائيلية على المستوى العالمي، واستحكام العداء لدولة الاحتلال على المستوى العربي. في الجانب الأول، صارت إسرائيل تجهد للعثور على مؤيّدين من دون أن تجد الكثير منهم، على رغم التهويل والتلويح بالعقوبات على المستويات الفردية والجماعية. كما كان مثيراً للسخط بدء التفلّت الأوروبي حتى على المستوى الحكومي من القبضة الإسرائيلية، وفق ما جلّاه المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيسا وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، وبلجيكا، ألكسندر دو كرو، عند معبر رفح بين مصر والقطاع، حيث أعلن الأول أن بلاده قد تعترف بالدولة الفلسطينية حتى لو لم يفعل الاتحاد الأوروبي ذلك، وهو ما دفع بوزارة خارجية العدو إلى استدعاء سفيرَي البلدين في تل أبيب للاحتجاج على تلك التصريحات وعلى موقف الدولتَين الذي تميّز منذ البداية بإدانة كاملة للعدوان.
أمّا على الجانب العربي، فكانت تظاهرة عمّان كافية لإظهار المدى الذي وصل إليه الغليان في الشارع العربي نتيجة العدوان؛ إذ شارك في التظاهرة عشرات الآلاف من الأردنيين الذين أعلنوا أنهم خرجوا تلبية لنداء الناطق باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، الذي طلب منهم التحرّك في كلمته أول من أمس. وحتى على المستوى الرسمي العربي سعت دول عربية إلى استلحاق نفسها، إذ أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن معبر رفح لن يُغلق، علماً أن فتح المعبر مثّل مطلباً شعبياً فلسطينياً وعربياً، كان الرئيس المصري قد امتنع عن تلبيته خلال الحرب. كما سارعت دول أخرى، منها السعودية، للإعلان عن وصول طائرات مساعدات إلى مطار العريش تمهيداً لإدخالها إلى غزة. ويُذكر هنا أن الإعلام الإسرائيلي كان قد أكّد أن الرياض قادت سعياً شاركت فيه عواصم عربية أخرى، لمنع اتخاذ خمسة إجراءات قاسية - من بينها استخدام سلاح النفط - ضدّ تل أبيب في القمة العربية والإسلامية التي انعقدت في العاصمة السعودية في الحادي عشر من تشرين الثاني الجاري، لإجبارها على وقف العدوان على غزة.
وبحلول ساعات المساء الأولى كانت إسرائيل قد تسلّمت 13 أسيراً هم أربعة أطفال وست مسنّات وأربع فتيات وصبي، أفرجت عنهم حركة «حماس»، التي أطلقت كذلك سراح 11 عاملاً تايلندياً وفيليبيني واحد، بينما أفرج العدو من سجن عوفر عن 39 أسيراً فلسطينياً من الأطفال والنساء. وفي مظهر آخر من مظاهر الانتقام الإسرائيلي، عمدت قوات الاحتلال إلى مداهمة منازل عدد من الأسرى المُفرج عنهم، بتعليمات مباشرة من وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي المتطرّف، إيتمار بن غفير، الذي طلب منع احتفال الفلسطينيين بالمُفرج عنهم.
"البناء": اليوم الأول بعد الجولة الأولى للحرب: تمسُّك غزة والأسرى المحررين بالمقاومة
اليوم الخمسون للحرب كان هو يوم بدء تطبيق الهدنة وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وكان مناسبة لفحص نتائج هذه الجولة التي ترتب على العجز عن مواصلتها قبول الاحتلال بالهدنة والتبادل. وقد راقب المتابعون لنتائج الحرب عدة وجهات وجبهات، أهمها موقف أهالي غزة بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ وظهور حجم الدمار الكبير الذي لحق بكل شيء في غزة. وكانت النتيجة تجديد المبايعة لقيادة المقاومة للمضي قدماً في خيارها، وتنديداً عالي الصوت بالاحتلال وجرائمه وإصراراً على التمسك بالأرض والهوية والقضية حتى لو كان الثمن الموت تحت ركام المنازل، دون طعام او شراب او كهرباء او دواء.
الأسرى المحرّرون كانوا بعزيمة ويقين يتحدثون عن خيار المقاومة، ويقرأون هزيمة جيش الاحتلال في غزة بعد هزيمته أمام المقاومة في طوفان الأقصى، بشائر اقتراب النصر الكبير بتحرير الأرض الفلسطينية وسقوط كيان الاحتلال، ولم تخلُ كلمات الأسيرات المحررات من خطاب التحية لشهداء غزة وقيادة القسام. موازين القوى الراجحة لصالح المقاومة في مواقف الشعب في غزة والأسيرات المحررات، أكدتها المواقف داخل الكيان، بما حملت من تشكيك بنتائج الحرب وسط تساؤلات عن مبرر التبادل والهدنة إذا كانت الحرب قد نجحت في تحقيق أهدافها؟
الهدنة التي بدأ تطبيقها أمس، شملت عملياً جبهة لبنان مع التزام المقاومة بعدم المبادرة لإطلاق النار إلا رداً على اعتداءات جيش الاحتلال الذي التزم بالتهدئة بخلاف تصريحات قادته عن عدم شمول الهدنة جبهة لبنان، كما شملت الهدنة جبهة استهداف القواعد الأميركية وفقاً لمعادلة معلنة من جانب قوى المقاومة بأن وقف العدوان على غزة وحده يتكفل بوقف الهجمات على القواعد الأميركية، بينما حافظ اليمن على مقاربة خاصة تتصل باعتبار البحر الأحمر ضمن أمنه الاستراتيجي والحيوي، وربط مصير العمليات البحرية بوضوح صورة الأمن في البحر الأحمر، حيث أرسل الأميركيون البوارج وحاملات الطائرات بزعم مسؤوليتهم عن أمن الملاحة والممرات المائية.
الرئيس الفرنسي الذي سجل عدم إطلاق أي من الأسرى الفرنسيين في أول أيام التبادل وتمنى أن يحدث ذلك قريباً، متعهداً بالعمل على الإفراج عن هؤلاء الأسرى الفرنسيين، أعاد إحياء المطالبات اللبنانية والعربية لقيادة القسام لوضع قضية الإفراج عن المقاوم جورج عبدالله الأسير في السجون الفرنسية رغم نهاية مدة محكوميته القانونية بطلب إسرائيلي مقابل الإفراج عن الأسرى الفرنسيين.
وانسحبت الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، على الجبهة الجنوبية التي شهدت هدوءاً تاماً بعد 48 يوماً من العمليات الحربية على جانبي الحدود بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال، إذ لم يُسجل أي خرق على طول الجبهة في ظل التزام جميع الأطراف. واقتنص أهالي البلدات الحدودية في الجنوب فرصة الهدنة للعودة الى قراهم لتفقد منازلهم وأرزاقهم وحقولهم الزراعية بعد تعرّضها للقصف الإسرائيلي، وشهدت مداخل الجنوب أمس، زحمة سير خانقة نتيجة توجّه أهالي القرى الحدودية في الجنوب إلى قراهم.
ودعت قيادة الجيش في بيان، المواطنين العائدين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلفات القصف المعادي ولا سيما الذخائر الفسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الاقتراب منها وإفادة أقرب مركز عسكري عنها أو الاتصال بعمليات القيادة على الرقم ١٧٠١. كما دعت إلى الالتزام بإجراءات الوقاية المعمّمة من قبل الجيش في هذا الخصوص.
من جانبه، عبر رئيس بعثة “اليونيفيل” وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو “عن قلقه إزاء تبادل إطلاق النار المكثّف المستمرّ على طول الخط الأزرق الذي أودى بحياة الكثير من الناس، وتسبّب في أضرار جسيمة، ويهدد أرزاق الناس”. وتابع: “باعتبارنا حفظة سلام، فإننا نحثّ أولئك الذين يتبادلون إطلاق النار على طول الخط الأزرق على وقف دائرة العنف هذه”، مضيفاً “أن أي تصعيد إضافي في جنوب لبنان يمكن أن تكون له عواقب مدمّرة”. وقال “يجب على الأطراف أن تؤكد من جديد التزامها بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ووقف الأعمال العدائية، بينما تسعى إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع”.
الى ذلك، قال وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب بعد لقائه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزف بوريل: “وجهت دعوة للسيد بوريل لزيارة لبنان في أقرب فرصة ممكنة، وشكرته على خطابه بالامس أمام البرلمان الاوروبي ومقاربته السياسية لغزة”. أضاف “اذا ارادت “اسرائيل” وقف التصعيد فعليها وقف الحرب، والسماح بعودة الفلسطينيين الى شمال غزة، ووقف تهديداتها للبنان”.
وأشارت مصادر مطلعة على الوضع الحدودي لـ”البناء” الى أن “الهدوء خيّم على كامل الخط الأزرق في اليوم الأول للهدنة في قطاع غزة، حيث لوحظ أن جيش الاحتلال أوقف قصفه للقرى الحدودية قبل سريان الهدنة بدقائق، ما يؤكد رضوخ الاحتلال الإسرائيلي للهدنة وتهيبه من رد فعل المقاومة إزاء أي اعتداء على لبنان”. وشددت المصادر على أن “حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان ملتزمة باتفاق الهدنة ومتعاونة على هذا الإطار لتسهيل تبادل الأسرى وإدخال قوافل المساعدات الإنسانية لسكان غزة، لكن أيّ خرق للهدنة من قبل الاحتلال الإسرائيلي سيدفع المقاومة للرد بحزم”.
وعن المسار الذي ستسلكه الجبهة الجنوبية بعد نهاية الهدنة الثلاثاء المقبل، أكدت المصادر أن الأمر سيبقى مرهوناً بمجريات الميدان في غزة، فإذا استأنف جيش الاحتلال عدوانه على غزة، فإن حزب الله سيعود الى إشعال الجبهة بشكل أعنف من قبل ولن يتوقف قبل توقف الحرب على غزة، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الجبهات في اليمن والعراق والجولان.
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمة له في احتفال للحزب، أننا “في لبنان قررنا أن نساند غزة من خلال جبهة الجنوب، وقدمنا عشرات الشهداء والتضحيات وحققنا الإصابات الكثيرة في العدو فضلاً عن تهجير قرابة الـ 70 ألف مستوطن واستقدام قرابة الـ 100 ألف جندي إسرائيلي ليقفوا على الحدود، و50% من قدرة الطيران الإسرائيلي.. كل هذا يخفّف عن غزة ويؤثر في مسار المعركة مستقبلاً إذا استمرت”.
وأشار قاسم إلى أنه “شاهد بعض الشعارات على الطريق تقول “لا نريد الحرب”، وأردف “صحيح، نحن لا نريد الحرب، ولكن لا نقبل الاستسلام، فإذا تبين أن خوض الحرب بالمقاومة تدفع عنا أخطار إسرائيل وتحرّر الأرض وتجعلنا قوة حقيقية في المنطقة سنكون مع هذه الحرب التي تعيد للبنان والمنطقة الاستقلال والكرامة حتى لا تبقى “إسرائيل” فزاعة تخيف اللبنانيين”.
وقال: “إذا أردنا أن نجري تقييمًا لما حصل في غزة وبعد 49 يومًا تقرّر أن تكون هناك هدنة مؤقتة قابلة للتمديد، حيث لم يصل الإسرائيلي إلى الهدنة إلا غصباً عنه لأنه رفع شعار تحرير المحتجزين من خلال العملية البرية، وتبين أنه لم يحرّر أي محتجز بالعملية البرية، لا بل هناك قرابة الـ 60 منهم قتلوا بسبب العملية البرية”.
إلى ذلك، واصل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد تلقي الاتصالات واستقبال الوفود السياسية والشعبية المعزية باستشهاد نجله القيادي في فرقة الرضوان عباس رعد “سراج” في بلدته جباع، أشار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى أنّه “بين غزة وجنوب لبنان تُكتب بالدم ملاحم بطولة. يكتبها المقاومون بالسلاح والإعلاميون بالصورة والصوت والكلمة”. وأوضح باسيل أنّ “في جنوب لبنان استشهد عصام العبدالله وهو يحمي رفاقه وقدم مثالًا للتضحية للغير، فرح عمر وربيع المعماري وحسين عقيل استشهادهم أعطى مثالًا للشهادة بالشجاعة. وآخر شهادة قدوة هي لعباس محمد رعد (نجل النائب محمد رعد) التي تُظهر لنا كيف يُضحّي المسؤول بأبنائه من أجل قضية وطنه وأن يستشهدوا لكي نبقى».
فيما أجرى قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون اتصالاً برئيس مجلس إدارة شبكة “الميادين” غسان بن جدو معزياً بشهداء “الميادين”. وأكد العماد عون “تضامن الجيش اللبناني مع الميادين وشهدائها ومع جميع الصحافيين العاملين في الميدان”. بدوره شكر بن جدو قيادة الجيش اللبناني على موقفها وعلى التحقيق الميدانيّ الذي قامت به، لافتاً الى أن “تحقيق الجيش اللبناني أثبت مسؤولية الجيش الإسرائيلي في جريمة استهداف الزملاء الشهداء”.
في غضون ذلك، لم يسجل ملف أزمة الفراغ في قيادة الجيش أي تطور، وسط انتظار قاتل يسابق الوقت المتبقي لنهاية ولاية قائد الجيش، وعلمت “البناء” أن الخلاف بين الرئيس عون والنائب باسيل من جهة، وبين رئيس القوات سمير جعجع والبطريرك الماروني بشارة الراعي، حول التمديد للقائد الحالي، يُعيق مختلف الحلول للأزمة، حيث إن حزب الله يتريث بحسم موقفه النهائي وأبلغ المعنيين أنه يوافق على أي حل توافقي، فيما رئيس مجلس النواب نبيه بري ينتظر التوافق المسيحي لكي يدعو الى جلسة تشريعية للمجلس النيابي، فيما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لن يقدم على أي خطوة قبل نضوج الحل السياسي التوافقي، بخاصة أن تأجيل التسريح لقائد الجيش في مجلس الوزراء من دون توقيع وزير الدفاع يعرّضه للطعن أمام مجلس شورى الدولة، وقد أكد التيار الوطني الحر أنه سيطعن بأي قرار أو مرسوم مخالف للقانون. فيما أشارت أوساط التيار الوطني الحر لـ”البناء” أن “النائب باسيل يرفض رفضاً قاطعاً التمديد للعماد عون ولن يسمح بتمريره وأي فتاوى بهذا الشأن ساقطة قانوناً”. فيما تشير مصادر مطلعة سياسية لـ”البناء” الى أن انسداد أفق الحلول سيؤثر على وحدة المؤسسة العسكرية وسير عملها، مستبعدة خيار التمديد الذي تحول دونه عقبات عدة، علماً أن البطريرك الماروني ورئيس القوات يعارضان خيار التعيين في ظل الفراغ الرئاسي.
ونقل زوار رئيس المجلس نبيه بري عنه لـ”البناء” استعداده للدعوة الى “جلسة تشريعية للمجلس لكن شرط حضور الكتل النيابية كامل الجلسة بجدول أعمالها المتعدّد البنود ومن ضمنه رفع سن التقاعد للعسكريين، إذ لا يمكن فرض الانتقائية في جدول الأعمال على مجلس النواب، أو عقد جلسة لبند معين”. إلا أن أوساطاً مطلعة استبعدت لـ”البناء” حضور كتلة القوات اللبنانية الجلسة بجدول أعمال كامل، وبحال حضرت فلن تتأمن أغلبية نيابية لتمرير بند رفع سن التقاعد لوجود خلاف عليه لإصرار كتل نيابية على شموله كل المواقع العسكرية والأمنية وليس فقط في قيادة الجيش.
كما نقلت مصادر عين التينة لـ”البناء” استعداد الرئيس بري لإعادة إحياء المشاورات الرئاسية لانتخاب رئيس للجمهورية في ضوء الكلام الدبلوماسي الفرنسي والقطري والحراك المتوقع باتجاه لبنان على هذا الصعيد لمبعوث الرئيس الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان الذي قد يزور لبنان قبل رأس السنة المقبلة.
وعلمت “البناء” أن حراكاً يدور في الكواليس السياسية حول الملف الرئاسي، لكنه حراك خجول ولم يرقَ الى مستوى المبادرات، والأمر ينتظر اللاعبين الخارجيين للعودة الى لبنان لجس نبض المسؤولين تجاه الحل التوافقي لانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، في ظل نصائح خارجية للبنان بضرورة تحصين الساحة اللبنانية بانتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة وملء الفراغ في المناصب الأمنية والعسكرية والنقدية لا سيما في قيادة الجيش ورئاسة الأركان تحسباً لتمدّد وتوسع الحرب في غزة والحدود اللبنانية الى كل لبنان، بعد نهاية الهدنة في غزة.
ولفت إعلان المكتب الإعلامي لرئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية، في بيان، عن “اتصال هاتفي جرى بين الممثّل الخاص لرئيس الاتحاد الرّوسي لشؤون الشّرق الأوسط ودول أفريقيا نائب وزير الخارجيّة الرّوسيّة ميخائيل بوغدانوف، وفرنجيّة، تمّ خلاله تبادل مفصّل لوجهات النّظر حول تطوّر الوضع في لبنان والجوار، لا سيّما في الجنوب وقطاع غزة، وخطورة الوضع في حال التّمدّد والتّصعيد”.
"اللواء": هدنة الجنوب المحققة.. هدوء وعودة إلى القرى الأمامية
سحبت هدنة تبادل الأسرى والمساجين بين اسرائيل وحركة «حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية نفسها على الوضع عند الحدود اللبنانية - الاسرائيلية، مساء هدوء هناك، وعاد الاهالي الى القرى الحدودية الامامية لتفقد ممتلكاتهم ومنازلهم وأحبائهم، من موقع الاطمئنان، والاصرار على البقاء على الرغم من المخاطر المحدقة، والتهديدات الوقحة للكيان الاسرائيلي المتربص بلبنان.
وفي اليوم الاول «لهدنة التبادل»، استراحت الصواريخ التي دكت مواقع الاحتلال في الجهات المواجهة لحدود لبنان، من مسكاف عام الى المالكية والمنارة وكريات شمونة، وصولاً الى صفد ومواقع في الجليل الاعلى، وعاد الجنوبيون للتمركز قبالة جنود الاحتلال البعيدين عن النظر، مهللين للصمود والمواجهة غير آبهين بطلعات الاستكشاف المستمرة لـ M.K المتطورة.
وتزامنت عودة النازحين السريعة الى قراهم، مع دعوة قيادة الجيش المواطنين، الى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة، والحذر من مخلفات القصف المعادي، والذخائر الفوسفورية، او تلك غير المتفجرة، والابتعاد عنها، وابلاغ القيادة العسكرية بها على نحو عاجل.
ولم يخفِ رئيس بعثة اليونيفيل والقائد العام ارلدو لاثارو قلقه من تجدد التصعيد، في ضوء تصريحات المسؤولين في اسرائيل، لا سيما وزير الدفاع من العودة لحرب تستمر شهرين، زعماً بتحقيق اهداف الحرب، التي لم يلمس الرأي العام العربي والاسلامي والدولي منها سوى المجازر بحق الاطفال وتدمير المنازل، والقتل الجماعي على طريقة جرائم الحرب المعروفة، والمدانة بكل المعايير والمقاييس.
وسط هذا الاسترخاء العسكري، والعودة الى الانتظام الذي كان قبل عملية «طوفان الاقصى» في 7ت1، وما تلاه من حرب مدمرة شنتها اسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة الاميركية، وقوى غربية تدور في فلكها، تجدَّد البحث، في المسائل الداخلية، سواء الجلسة التشريعية التي يعتزم الرئيس نبيه بري الدعوة اليها قريباً كما نقل عنه، او معالجة الشغور في قيادة الجيش والمؤسسات العسكرية والامنية، فضلا عن ايجاد آلية تسمح بإنهاء الشغور في الرئاسة الاولى.
وحسب ما لمس النائب وائل ابو فاعور ان المساعي قائمة لإنهاء الشغور في المؤسسات، لا سيما القيادات العسكرية، دون ان يتطرق الى الخيارات التي يمكن الاخذ بها.
وأكدت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» أن جبهة الجنوب التي يفترض أن تلحق بتطورات الهدنة منعا لأية انعكاسات قد تكون منفصلة في بعض الأحيان إلا إذا اتخذ القرار بعدم قيام خطوات معينة. ولفتت هذه المصادر إلى أن الدخول الأميركي على خط التهدئة واضح وقد انضمت فرنسا إلى هذا الأمر، اما الخشية من مفاجآت معينة فمرتبط بالميدان.
إلى ذلك، رأت المصادر نفسها أن ملف التمديد. لقائد الجيش العماد حوزف عون يبقى خيارا قائما في حين ان تعيين قائد الجيش لن يحظى بأي تفاهم أو توافق، اما اذا كان وزير الدفاع موريس سليم سيرفع أسماء لتعيين قائد جديد فهو أمر منوط بوزير الدفاع الذي له رأي واضح في هذه العملية، معلنة أن التيار الوطني الحر قد يرفع سقف الاعتراض على تأجيل التسريح ويؤكد أهمية التعيين أو يذعن لخيار التمديد انطلاقا من مبادىء محددة وفي كل الأحوال لا بد من انتظار كيفية ترجمة موقف رئيس مجلس النواب الأخير.
واعتبرت مصادر سياسية الهدوء الذي سادعلى جبهة الجنوب وتوقف الاشتباكات المسلحة على طول الحدود اللبنانية، انه نتاج عاملين اساسيين، الأول جراء الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان الى بيروت فجأة، وبدون إبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية بهذه الزيارة، كماتحصل عادة، والتي طلب فيها من حزب الله تهدئة ظرفية للاشتباكات، افساحا في المجال امام الجهود والمساعي الديبلوماسية، لتأخذ مداها للاتفاق على وقف اطلاق النار واتمام عملية تبادل الاسرى والمعتقلين، بين حركة حماس وقوات الاحتلال الإسرائيلي، والانطلاق منها بالمسار الديبلوماسي برعاية قطر تمهيدا للتوصل الى اتفاق شامل بين الفلسطينين وإسرائيل على المرحلة المقبلة، من دون تحديد ماهية المواضيع التي سيتم التفاوض عليها، وما اذا كانت تشمل مشروع اقامة الدوليتن او اي صيغة اخرى.
اما العامل الثاني فهو الالتزام ضمنيا باتفاق التهدئة بين حركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار ان تحريك جبهة الجنوب اللبناني، هدفه دعم حماس وتخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي عنها، واشغال الجيش الاسرائيلي بحرب استنزاف، لتحويل جزء كبير من قواته واسلحته، عن الحرب التي يشنها ضد الفلسطينيين بقطاع غزّة.
واشارت المصادر إلى انه لولا هذين العاملين الضاغطين، لما كان بالإمكان تهدئة الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد ايام من التصعيد العسكري الذي طال استهداف اربعة من كوادر حزب الله في الجنوب، والذي كان متوقعا ان يرد الحزب على هذا الاستهداف، بتوجيه ضربة مماثلة لقوات الاحتلال الإسرائيلي ولكنه اكتفى بتكثيف عدد ضرباته الصاروخية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومن وجهة نظر المصادر فإن مرد استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي لكوادر الحزب الاربعة، الرد على تخطي الحزب للقواعد الاشتباك التي سادت بين الطرفين منذ بدء التصعيد العسكري على الحدود اللبنانية الجنوبية والزج باسلحة جديدة، والثاني والاهم هو جر الحزب لردة فعل على مستوى هذه العملية المؤلمة بهدف توسيع نطاق الحرب لتشمل مناطق واسعة خارج مناطق الاشتباكات الحاصلة.
وفهم من اجواء عين التينة، ان الرئيس بري ماضٍ بما يسمى بجلسات «تشريع الضرورة» وان مكتب المجلس الذي يمكن ان يدعى لاجتماع في الاسبوع الاول من الشهر المقبل ان يعرض لاقتراحات ومشاريع القوانين المطروحة على الطاولة، بما في ذلك اقتراح نواب «القوات اللبنانية» بالتمديد سنة كاملة لما هو برتبة عماد، من اجل ضمان بقاء قائد الجيش في منصبه.
وقالت مصادر تتابع مجرى الاتصالات الجاري لعقد قمة اسلامية مسيحية موسعه، كشف عنها نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب بعد زيارته مع وفد موسع البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي امس الاول، ان عوائق وصعوبات تعترض انعقاد مثل هذه القمة، وفي مقدمتها موعد ومكان انعقادها وجدول اعمالها،وهي من النقاط الصعبة التي تتطلب تذليلها مسبقا، وتساءلت الاهم وهو هل يلتزم الاطراف السياسيون بقراراتها،وهل تؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ام يكون اهم من انعقاد القمة الروحية، انعقاد مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية؟
من الهدنة الى استئناف المبادرات
وحسب مصدر مطلع، فإن ثبات الهدنة في غزة، فضلا عن احتمال تمديدها لعشرة ايام او اكثر، كما نقل عن مصدر اسرائيلي، من شأنه ان يفتح الباب مجددا امام استئناف المبادرات الخارجية لحلحلة عقد الاستحقاقات الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من استئناف الوساطة القطرية، حيث بدأ وزير قطري مهمة المساعدة على حلحلة العقد المستحكمة بالملفات، بدءاً من ملف عدم الوصول الى شغور في قيادة الجيش.
وفي اطار متصل، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف للرئيس ميقاتي على موقفه الثابت لوحدة الجمهورية اللبنانية، وعدم جواز امتداد التصعيد إلى الأراضي اللبنانية.
وجاءت مواقف بوغدانوف خلال اتصال أجراه مع ميقاتي، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الروسية، مشيرة في بيان لها إلى «أنه جرت محادثة هاتفية بين بوغدانوف وميقاتي، وقد جرت خلال المحادثة مناقشة القضايا الراهنة المتعلقة بمواصلة التطوير التدريجي للعلاقات الروسية اللبنانية الودية التقليدية، بما في ذلك الحفاظ على الحوار السياسي المنتظم، كما جرى التطرق إلى الوضع الناشئ في الشرق الأوسط، مع التركيز على الأحداث في قطاع غزة وجنوب لبنان».
ولفت البيان إلى أنه «في الوقت نفسه، أكد الجانب الروسي موقفه الثابت الداعم لوحدة الجمهورية اللبنانية وسلامتها الإقليمية وسيادتها، وعدم جواز امتداد التصعيد المسلح في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية». وأتى الاتصال بعدما كان قد أعلن عن استقبال بوغدانوف لسفير لبنان لدى روسيا الاتحادية شوقي بو نصار.
وأشار بيان صادر عن السفير بو نصار إلى أنه «جرى خلال اللقاء تبادل موسع للآراء حول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط في ظل التفاقم الحاد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع إيلاء الاهتمام الخاص للوضع الذي قد ينفجر في لبنان».
فرنجية -وبوغدانوف
كما جرى إتصال هاتفي بين بوغدانوف ورئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية.
وخلال الاتصال، تمّ «تبادل مفصل لوجهات النظر حول تطور الوضع في لبنان والجوار، لا سيما في الجنوب وقطاع غزة وخطورة الوضع في حال التمدد والتصعيد».
وعلم ان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيصل الى بيروت الاربعاء المقبل.
دبلوماسياً، كشف وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب بعد لقائة الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن للاتحاد الاوروبي جوزف بوريل: «انه وجه الدعوة لبوريل لزيارة لبنان في اقرب فرصة ممكنة، وشكرته على خطابه بالامس امام البرلمان الاوروبي ومقاربته السياسية لغزة».
أضاف: «اذا ارادت اسرائيل وقف التصعيد فعليها وقف الحرب، والسماح بعودة الفلسطينيين الى شمال غزة، ووقف تهديداتها للبنان».
"الجمهورية": سرت الهدنة .. ومخاوف جدية مما بعدها
مع سريان الهدنة في قطاع غزّة لأربعة أيّام، ثمّة احتمالان متوازيان، الأول؛ أن تؤسّس المرحلة الاولى لتبادل اسرى بين إسرائيل وحركة «حماس» لتمديد هذه الهدنة فترة اضافية لتفتح الطريق نحو مرحلة ثانية. والثاني الّا تكون هدنة الايام الاربعة اكثر من استراحة مؤقتة، تُستأنف بعدها حرب الإبادة الجماعيّة على قطاع غزة بوتيرة أعنف ممّا كانت عليه خلال 48 يوماً من المذابح والتدمير.
الاحتمالان واردان، فتمديد الهدنة مرتبط بحركة الوسطاء حيال المرحلة الثانية من تبادل الاسرى، اضافة الى «أنّ الولايات المتحدة الاميركية تريد هدنة اطول»، على ما ورد على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية قبل ايام». ثم أنّ التحوّل في الرأي العام العالمي بات يشكّل عاملاً ضاغطاً على الجميع، واللافت في هذا السياق، ما اشارت اليه مجلة «نيوزويك» الاميركية قبل يومين بقولها «إنّ الرئيس الاميركي جو بايدن صار اكثر ميلاً الى الضغط على اسرائيل من اجل كبح تصرفاتها في غزة، بعدما اثارت غاراتها الجوية احتجاجات عالمية». وسبقها إلى ذلك وزير الخارجية الاسرائيلي ايلي كوهين بقوله «إنّ امام اسرائيل اسبوعان أو ثلاثة قبل أن تأتي الضغوط للتوصّل الى اتفاق لوقف اطلاق النار».
واما احتمال تصعيد اسرائيل لحربها أكثر فهو قائم بقوة، حيث انّها لم تحقّق في حربها التدميرية لقطاع غزّة سوى الانتصار على الاطفال والنساء والمستشفيات والأبنية وبيوت المدنيين، ولم تلامس ما وصفته مستوياتها السياسية والعسكرية «الانتصار الساحق» على «حماس» وهزيمتها او إضعاف قدراتها. وتلك المستويات نفسها ما زالت تتحدث عن جولة قاسية من الحرب بعد الهدنة. ولفت في هذا السياق ما قاله وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت «إننا سنستأنف القتال في غزة بعد الهدنة، ومن المتوقع أن يستمر لشهرين آخرين على الاقل». فيما ذهب وزير الخارجية الاسرائيلي الى القول انّ اسرائيل وبعد انتهاء الهدنة واستعادة الاسرى ستستأنف الحرب حتى تصفية حماس».
وبمعزل عمّا إذا كانت هذه الهدنة ستؤسّس إلى هدنة اضافيّة أو سيليها تصعيد أكبر في غزة، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه في موازاتها: ماذا عن جبهة لبنان؟ وهل ستتمدّد هدنة الأيام الاربعة اليها؟
من دون إعلان، بدا أنّ هدنة غزة تمدّدت تلقائياً الى الجبهة الجنوبية، حيث لم تُسجّل أيّ عمليّات حربيّة على جانبي الحدود، الاّ انّ اجواء الحذر بقيت مسيطرة امتداداً من الناقورة الى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا. فيما سُجّلت حركة خجولة في البلدات الحدودية، ولوحظ انّ عودة الاهالي الى منازلهم كانت متفاوتة بين بلدة واخرى، واصدرت قيادة الجيش بياناً دعت فيه المواطنين العائدين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلّفات القصف المعادي، ولا سيما الذخائر الفوسفورية والذخائر غير المنفجرة».
بري: إسرائيل مصدر الخطر
وفيما لم يصدر عن «حزب الله» اي بيان حول وقف عملياته العسكرية ضدّ المواقع والجنود الاسرائيليين، برز موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اكّد «أنّ ما جرى في الجنوب هو نصرة لغزة ولأجل غزة، و«حزب الله»، ومنذ بداية الحرب لم يتخطّ في عملياته حدود استهداف المواقع العسكرية لجيش العدو وجنوده، ملتزماً بالقواعد المعمول بها، فيما اسرائيل هي التي خرقت هذه القواعد باستهدافها المدنيين، وقتل الصحافيين، وعمق القرى والبلدات، ومناطق في الداخل بعيدة من الحدود الجنوبية، وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يمرّ من دون ردّ. كل هذه التطورات تؤكّد بما لا يقبل أدنى شك أنّ اسرائيل هي التي تدفع في اتجاه توسيع دائرة المواجهة».
وعلمت «الجمهوريّة»، انّه بموازاة الرسالة التي تلقّاها رئيس المجلس من الرئيس الاميركي والذي اكّد فيها سعي الولايات المتحدة الاميركية لمنع توسّع رقعة الصراع، كانت خطوط باريس مفتوحة مع الرئيس بري، تؤكّد على مضمون مشابه للرسالة الاميركية، وتشدّد على أنّ عودة الهدوء واولوية استقرار لبنان، وبذل كل جهد ممكن لمنع انحدار الوضع على الحدود اللبنانية الى مواجهات واسعة». وبحسب المعلومات فإنّ برّي ردّ بالتأكيد على «أنّ مصدر الخطر الدائم سواء على لبنان وكلّ المنطقة هو إسرائيل، والمطلوب أوّلاً وأخيراً هو ممارسة الضّغوط عليها لحملها على الإلتزام بالقرار 1701 ومنعها من الإعتداء على لبنان».
ميقاتي وبوغدانوف
الى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان انّ محادثة هاتفية جرت بين الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول إفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، جرت خلالها مناقشة القضايا الراهنة المتعلقة بمواصلة التطوير التدريجي للعلاقات الروسية- اللبنانية الودية التقليدية، بما في ذلك الحفاظ على الحوار السياسي المنتظم. كما تمّ التطرق إلى الوضع الناشئ في الشرق الأوسط، مع التركيز على الأحداث في قطاع غزة وجنوب لبنان. واكّد الجانب الروسي موقفه الثابت الداعم لوحدة الجمهورية اللبنانية وسلامتها الإقليمية وسيادتها، وعدم جواز امتداد التصعيد المسلّح في منطقة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية».
الحرب الاقليمية واردة!
وكشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الجمهورية»، انّ الاميركيين يمارسون ضغطاً جدّياً على اسرائيل لمنع التصعيد مع لبنان، وعلى المنوال ذاته تحرّك الفرنسيون في اتجاه لبنان واسرائيل لتوجيه رسائل مباشرة الى المسؤولين اللبنانيين والاسرائيليين لتجنّب التصعيد العسكري».
ورداً على سؤال حول الهدنة التي سرت في غزة امس، قالت المصادر، «الهدنة امر جيد وقد تفتح نافذة للتنفس، ونأمل ان تتمدّد لفترات اطول، لكن الوضع لا يزال يبعث على القلق، وخصوصاً اننا لم نرَ حلاً نهائياً بعد لموضوع غزة، اضافة الى انّ الجنوب اللبناني في حالة حرب، وبالتالي فإنّ الوضع يمكن ان ينحدر مجدداً الى تفجير كبير في اي لحظة، ومخاطر اندلاع حرب اقليمية ما زالت قائمة، صحيح انّ هذا الاحتمال حالياً أبعد مما كان عليه قبل اسابيع لكن لا يمكن استبعاده. وذلك يعود الى ضغوط دولية، الاميركيون لعبوا دورهم في هذا المجال وكذلك الفرنسيون وخصوصاً في بدايات الحرب حيث كانت اسرائيل بصدد شنّ الحرب على جبهتين في آن معاً، جبهة لبنان وجبهة غزة».
باريس للجم التصعيد
وقالت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية»: «انّ باريس معنية بلبنان وسياستها الثابتة الوقوف الى جانب لبنان والحفاظ على استقراره، وفي هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ فيها منطقة الشرق الاوسط اولويتنا الأساس العمل الحثيث لكي لا ينجرّ لبنان الى التصعيد، فالوضع في جنوب لبنان والتوتر القائم على جانبي الحدود وما رافقه من عمليات عسكرية، يبعث على القلق الكبير من خروج الوضع عن السيطرة، وباريس تحدثت مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي لاحتواء الوضع ومنع الانفجار».
وكشفت المصادر أنّ اولوية باريس في هذه المرحلة هي اعادة تحريك الملف الرئاسي في لبنان، ومساعدة اللبنانيين على اتمام هذا الاستحقاق، وضمن هذا السياق تأتي زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت في وقت قريب.
وكشفت المصادر انّ ملف رئاسة الجمهورية في لبنان كان قبل فترة قصيرة، محل بحث في الدوحة بين لودريان ومسؤولين قطريين، وتوقيت زيارته الى بيروت ليس مرتبطاً بالتطورات التي شهدتها المنطقة منذ السابع من تشرين الاول الماضي، بل انّها كان مقرّراً ان يقوم بها لودريان قبل هذه التطورات التي أرجأتها.
واوضحت المصادر، «انّ لودريان لا يحمل معه اي مبادرة فرنسية جديدة، بل هي استمرار للجهود التي بذلها في زياراته السابقة، لمساعدة الاطراف في لبنان على التحاور في ما بينهم والتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وباريس ترى في هذه الزيارة فرصةً تاريخية لإنجاز هذا الملف».
واكّدت المصادر «انّ باريس تريد ان ترى شيئاً ايجابياً قد تحقق للبنان، ومن هنا المزيد من الانتظار بسبب حسابات داخلية لن يكون مفيداً للبنان، وليس مجدياً على الاطلاق، وخصوصاً انّ الضرورات في لبنان، سواءً ما يتعلق بالتصعيد العسكري الذي نراه على حدود لبنان الجنوبية، او باشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية، باتت تحتّم اعادة انتظام المؤسسات بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ترعى شؤون لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ فيها المنطقة ولبنان، وتباشر سريعاً في تنفيذ الخطوات الاصلاحية والانقاذية المطلوبة للخروج من الأزمة».