لبنان
السيد نصر الله يرسم إطار معادلات الحرب.. وتخبط صهيوني في مستنقع غزة
اهتمت الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم بكلمة الأمين العام لحزب الله سملحة السيد حسن نصر الله في احتفال تكريمي للشهداء على طريق القدس عصر الجمعة، حيث أكد على جهوزية المقاومة وأن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وكان لافتًا حجم اهتمام العدو بهذا الخطاب، لا سيما الإدارة الأمريكية.
وعلى مقلب غزة، استمر العدوان في قصف المدنيين وارتكاب مزيد من المجازر، وآخر انتهاكات الاحتلال كان قصف سيارات الإسعاف واستهداف المستشفيات ومدرسة التجأ إليها عدد من النازحين، ما يدلّ على ضعف هذا العدو وفقدانه لأهداف حقيقية يمكن أن يحققها على الأرض.
أما بالنسبة للخسائر التي يتكبدها جيش العدو في البرّ، فقد كانت كبيرة، لا سيما أنه اعترف بمقتل 25 جنديًا خلال الأيام القليلة الماضية أثناء محاولات التوغل التي قام بها في القطاع، وأثبتت المشاهد التي نشرتها المقاومة الفلسطينية الالتحامات من نقطة صفر التي تفتك بآليات وجنود العدو.
"البناء": نصرالله: لوقف العدوان وانتصار حماس في حرب غزة
حضر خطابَه الفلسطينيون في غزة والمستوطنون في كيان الاحتلال، فقال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لكليهما أهم ما في خطابه، وانتظره العرب والعالم، ولذلك رسم لهم معادلات نصفها واضح، مبقياً في الغموض سرّ الاحتمالات المفتوحة، ومَن أراد الاطمئنان بأنه لن يعلن حرباً مفتوحة نام مطمئناً، ومن أراد حرباً مفتوحة لم يقطع الأمل بالخيارات كلها فهي مطروحة وفي أي وقت. قال للفلسطينيين إن حربهم هي حرب محور المقاومة ولن تترك غزة ومقاومتها وحدهما، وإن النصر أكيد لكنه يحتاج المزيد من الصبر، لأن الحرب على الكيان تُربح بالنقاط لا بالضربة القاضية، وإن ما يجري على جبهة لبنان استثنائي، كما أن ما جرى في طوفان الأقصى تاريخي. وقال للمستوطنين إن حكومتهم واهمة ومنفصلة عن الواقع وتورّطهم بأكاذيب ووعود غير قابلة للتحقيق، وإن هزيمة طوفان الأقصى التي أصابتهم سوف تلحق بها هزيمتهم الأصعب والأعقد في غزة، وإن الأميركي الذي يعتمدون عليه كي يرد قوى المقاومة هو المردوع والعاجز عن خوض حرب، وإذا توهّم أنه يستطيع ذلك واختبر قوة المقاومة، فقد أعدّت المقاومة لحاملات الطائرات والبوارج والمدمّرات عدتها.
رسم السيد نصرالله الإطار الذي سوف تتحرّك الحرب ضمن معادلاته، ووضع معادلات التعامل مع التحديات. فالهدف هو انتصار المقاومة ووقف العدوان على غزة، وهذا يعني نجاح المقاومة في المواجهة البرية، وهذا يتحقق، والضغط على الأميركي ليوقف العدوان لأن الكيان مجرد أداة وقرار الحرب في البيت الأبيض، وهذا طريقه ما بدأته المقاومة العراقية في العراق وسورية، وما قد يتوسّع ليشمل مناطق أخرى ومواقع مختلفة للانتشار الأميركي في مرمى نيران قوى المقاومة، والمقاومة بدأت وهي مستعدّة للذهاب الى الأبعد، وقد أعدّت العدة لذلك.
لم يرتوِ عطش المنتظرين لمعادلات اعتادوا عليها من السيد نصرالله، كمثل إذا فعلتم كذا سوف نفعل كذا، والبعض كان ينتظر إعلان إطلاق الصواريخ على الهواء، لكن السيد نصرالله الذي قال إن «إسرائيل» هُزمت كقوة عسكريّة، لكنها لا زالت خطرة كقوة نارية، يريد أن يستنزف ما تبقى من قوتها العسكرية دون أن تستطيع استعمال فائض قوتها النارية للقتل والتدمير في المنطقة تعميماً لنموذج غزة، والطريق هو إجبار الأميركي صاحب الحرب على وقف العدوان على غزة؛ أما إذا اقتضى الأمر للذهاب بعيداً لضمان وقف العدوان، فيجب التمعن بمعنى الاحتمالات المفتوحة.
وأعلن السيد نصر الله، أن «تصاعد جبهة الجنوب وتطوّرها مرهونان بأحد أمرين أساسيين، الأمر الأول هو مسار وتطور الأحداث في غزة، والأمر الثاني هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان»، محذّرًا «العدو الصهيوني من التمادي الذي طال بعض المدنيين في لبنان، وهذا سيعيدنا إلى المدني مقابل المدني».
وأضاف: «بكل شفافية وغموض بنّاء أن كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وأن كل الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات، ويجب أن نكون جميعًا جاهزين لكل الفرضيات المقبلة».
وتوجّه للأميركيين بالقول: «أساطيلكم في البحر المتوسط لا تخيفنا ولن تخيفنا في يوم من الأيام، وأقول لكم إن أساطيلكم التي تهددون بها لقد أعددنا لها عدتها أيضًا». وأضاف «الذين هزموكم في بداية الثمانينيات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم وأحفادهم».
وأشار إلى أن «مَن يريد منع قيام حرب أميركية يجب أن يسارع إلى وقف العدوان على غزة، وإذا حصلت الحرب في المنطقة فلا أساطيلكم تنفع ولا القتال من الجو ينفع». وأضاف متوجهًا للأميركيين «في حال أي حرب إقليمية ستكون مصالحكم وجنودكم الضحية والخاسر الأكبر».
وأوضح أن «جبهة لبنان استطاعت أن تجلب ثلث الجيش الإسرائيلي إلى الحدود مع لبنان، وأن جزءًا مهمًا من القوات الصهيونية التي ذهبت إلى الجبهة الشمالية هي قوات نخبة، ونصف القدرات البحرية الإسرائيلية موجودة في البحر المتوسط مقابلنا ومقابل حيفا». وقال: «ربع القوات الجوية مسخّرة باتجاه لبنان وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي موجّه باتجاه جبهة لبنان ونزوح عشرات الآلاف من سكان المستعمرات. وهذه العمليات على الحدود أوجدت حالة من القلق والتوتر والذعر لدى قيادة العدو وأيضًا لدى الأميركيين». ونوّه إلى أن «العدو يقلق من إمكانية أن تذهب هذه الجبهة إلى تصعيد إضافي أو تتدحرج هذه الجبهة إلى حرب واسعة، وهذا احتمال واقعي ويمكن أن يحصل، وعلى العدو أن يحسب له الحساب».
ولفت إلى أن «هذا الحضور في الجبهة وهذا العمل اليوميّ يجعل العدو مردوعًا»، مشيرًا إلى أن «عمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية إنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك».
«لقد دخلنا معركة «طوفان الأقصى» منذ 8 تشرين الأول، مضيفًا «أخذنا علمًا بعملية «طوفان الأقصى» كما كل العالم، وسريعًا انتقلنا من مرحلة إلى مرحلة»، ولفت إلى أن «ما يجري على جبهتنا مهم ومؤثر جدًا وهو غير مسبوق في تاريخ الكيان، ولن يتمّ الاكتفاء بما يجري على جبهتنا على كل حال».
وأضاف: «المقاومة الإسلامية في لبنان منذ 8 تشرين الأول تخوض معركة حقيقية لا يشعر بها إلا من هو موجود بالفعل في المنطقة الحدودية وهي معركة مختلفة في ظروفها وأهدافها وإجراءاتها واستهدافاتها».
كما أكد أن «انتصار غزة يعني انتصار الشعب الفلسطيني وانتصار الأسرى في فلسطين وكل فلسطين والقدس وكنيسة القيامة وشعوب المنطقة وخصوصًا دول الجوار»، كما أن «انتصار غزة هو مصلحة وطنية مصرية وأردنية وسورية وأولًا وقبل كل الدول هو مصلحة وطنية لبنانية».
وشدد السيد نصرالله على أن «المسؤولية على الجميع في كل العالم، وعلى الدول العربية والإسلامية أن تعمل على وقف العدوان على غزة»، مشيرًا إلى أن «البيانات والتنديدات لا تكفي، وفي الوقت نفسه يتم إرسال النفط والغذاء إلى «إسرائيل»»، لافتًا إلى أن «على الحكومات العربية والإسلامية العمل من أجل وقف إطلاق النار وقطع العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل»».
وأشار إلى أنه «بالرغم من كل التهديدات قام الشعب اليمني بعدة مبادرات وأرسل صواريخه ومسيّراته حتى لو أسقطوها، لكن في نهاية المطاف ستصل هذه الصواريخ والمسيّرات إلى إيلات وإلى القواعد العسكرية الإسرائيلية في جنوب فلسطين».
كما توجّه للشعب الفلسطيني ولكل المقاومين الشرفاء في المنطقة بالقول «ما زلنا نحتاج إلى وقت ولكننا ننتصر بالنقاط، وهكذا انتصرنا في عام 2006 وفي غزة، وهكذا حققت المقاومة في الضفة إنجازات».
وأضاف: «المعركة هي معركة الصمود والصبر والتحمّل وتراكم الإنجازات ومنع العدو من تحقيق أهدافه، ونحن جميعًا يجب أن نعمل لوقف العدوان على غزة وتنتصر المقاومة في غزة.. وأنا شخصيًا ومن موقع التجربة الشخصية مع الإمام الخامنئي الذي كرّر يقينه وإيمانه أن غزة ستنتصر وأن فلسطين ستنتصر، وهو الذي قال لنا ذلك في الأيام الأولى في عدوان تموز»، وختم بالقول «غزة ستنتصر وفلسطين ستنتصر وسنلتقي قريبًا للاحتفال بذلك».
وأشار خبراء ومحللون في الشؤون العسكرية والسياسية لـ»البناء» إلى أن السيد نصرالله رسم معادلات عدة وخطوطاً حمراً مع الأميركيين قبل الإسرائيليين لكون الولايات المتحدة هي التي قررت الحرب على غزة وتدير هذه الحرب وتشارك فيها في الميدان على كافة الصعد، وهي منحت «إسرائيل» الضوء الأخضر لارتكاب المجازر وحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني وتمنع صدور قرار في مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب وإدانة «إسرائيل»، لذلك الرسائل التي وجهها السيد للأميركيين كانت قاسية وشديدة الأهمية ونقلت الحرب بين محور المقاومة و»إسرائيل» إلى «إسرائيل» وأميركا معاً، وبالتالي باتت الكرة في ملعب واشنطن، وطبيعة قرارها ووجهتها تفجّر جبهة الجنوب على نطاق واسع وتأخذ حزب الله ومحور المقاومة الى إقليمية كبيرة وشاملة وتخاطر بكل مصالحها في المنطقة، أم تأخذ المنطقة الى التهدئة، وهذا مدخله الوحيد وقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية».
وتوقع الخبراء تصعيداً كبيراً من محور المقاومة في مختلف الساحات بدءاً من اليوم ويأخذ منحًى تدريجياً ويزيد مستوى الحرب وتحوّلها الى إقليمية متفجرة كلما طالت الحرب على غزة. ويؤكد الخبراء بأن الأميركيين سيحللون خطاب السيد نصرالله بدقة ويستخرجون المعادلات والرسائل ويدرسون الخيارات وقد يُسرّعون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ويطلبون من حكومة الاحتلال الحد من المجازر تمهيداً لاحتواء ردات فعل محور المقاومة تجاه «إسرائيل» ولتجنب الحرب الإقليمية واستهداف المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، والتي ليست مصلحة أميركية، لا سيما على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وترك السيد نصرالله الاحتمالات مفتوحة منها توسيع جبهة الجنوب وانخراط المحور بالحرب الإقليمية الشاملة، إذا فرضت عليه، وربط ذلك بأمرين الأول عدوان إسرائيلي استباقي على لبنان، والثاني مجريات الميدان في غزة، أي بمدى ذهاب حكومة نتنياهو بالحرب على غزة، وفي المقابل بمدى صمود المقاومة والشعب في غزة وفلسطين. أما الرسالة الأهم فهي للأساطيل الأميركية في البحر المتوسط بإرساء معادلة ردع جديدة بأن المقاومة ستردّ بقصف البوارج والمدمرات الأميركية في المتوسط بحال قصفت لبنان، وهذا يشكل مظلة حماية إضافية للبنان، ويتيح لحزب الله توسيع الانخراط بالحرب ضد «إسرائيل» من الجنوب بعيداً عن التهديدات الأميركية.
وفي أول رد إسرائيلي على الخطاب، أشار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو، الى أنني «أقول لأعدائنا على الجبهة الشمالية لا تخطئوا تجاهنا لأن ذلك سيكلفكم غالياً ولا يمكنكم حتى أن تتخيلوه».
من جهته، رد البيت الأبيض على السيد نصرالله، أنّ «الولايات المتحدة لا تريد أن ترى الصراع بين حماس و»إسرائيل» يتوسّع إلى لبنان»، مشيرة إلى أنّه «لا يُمكن تصور الدمار المحتمل الذي سيحلّ بلبنان وشعبه في حال توسّع الصراع ويجب تجنب ذلك». وأكّد «الاطلاع على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله».
وذكر متحدث باسم البيت الأبيض، أنّ «على حزب الله ألا يحاول استغلال الصراع الدائر في غزة»، مدّعيًا أنّ «الولايات المتحدة الأميركية لا تريد أن ترى هذا الصراع يمتد إلى لبنان».
أما لجهة ساحات محور المقاومة، فوجّه الأمين العام لحركة «النجباء» في العراق الشيخ أكرم الكعبي، شكره للسيد نصرالله على خطابه الأخير، معتبرًا أنّه «وضع الأمور في موازينها».
ولفت، في بيان، إلى «أننا نطمئن الإخوة في فلسطين ولبنان أن إخوتهم في العراق الذين دخلوا معهم منذ اليوم التالي قلب المعركة، على جهوزية كاملة وقدرة مستدامة للمطاولة وتسلط واسع على كل مساحة المعركة».
في المواقف الداخلية، وصف الرئيس السابق لـ»الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في تصريحات متتالية إطلالة السيد نصرالله بالـ»موزونة جدًا وواقعية».
وعن مسارعة الأميركيين بإطلاق موقف بأنهم لا يريدون أن تتوسّع الحرب وتشمل لبنان، لفت الى أنني «لم أسمع الاشارة، مشكورون على كرم أخلاقهم وليتفضلوا ويطبقوا وقف إطلاق النار في غزة وليفكوا الحصار وليفتحوا معبر الذل الذي اسمه رفح».
وأضاف: «حماس تقاتل عن العرب لأن غالبية العرب ضد الحركة باعتبارها إخوان مسلمين. فحماس فلسطينية قبل أن تكون اخوان مسلمين»، مؤكداً أن «كل الاحتمالات مفتوحة ولا نعرف ماذا في النيات العدوانية عند «إسرائيل»».
وحجبت مواقف السيد نصرالله الأضواء عن كل الملفات الداخلية، وجال وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو على المسؤولين اللبنانيين في محاولة للجم أي تصعيد عسكري على الحدود. واستهل لقاءاته من السراي حيث استقبله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وشارك في الاجتماع سفير فرنسا في لبنان هيرفي ماغرو والوفد المرافق للوزير. وخلال الاجتماع «تم التشديد على التعاون والتنسيق الوثيق بين الجيش واليونيفيل وتفعيل مهام القوات الدولية وضرورة إرساء الهدوء على طول الخط الأزرق». وشدد لوكورنو «على اهمية أن تتحلى كل الأطراف في الجنوب بالعقلانية والحكمة وعدم دفع الأمور نحو التصعيد والتدهور». وأبلغ الوزير الفرنسي الحكومة أن «فرنسا قررت إرسال مساعدات عاجلة للجيش ومن بينها معدات طبية وأدوية».
كما زار المسؤول الفرنسي عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري. ثم التقى قائد الجيش العماد جوزيف عون.
"الأخبار": شكاوى واتّهامات وفضائح: الفوضى الإسرائيلية... في الإخلاء أيضاً
مع دخول الحرب على غزة أسبوعها الرابع، وإخلاء عشرات الآلاف من مستوطني الجنوب والشمال، إلى فنادق في مناطق مختلفة، منها إيلات والبحر الميت وتل أبيب ونتانيا وطبريا، يجد بعض هؤلاء، وخصوصاً الذين أودعوا إيلات «صعوبةً في التأقلم بعيداً عن منازلهم»، ويطالبون بالعودة إلى المستوطنات، لأنهم «لا يشعرون بالراحة». وطبقاً لما أوردته صحيفة «إسرائيل اليوم»، فإن «بعض الفنادق ظلّت غرفها فارغة؛ إذ أعلن بعض من تمّ إجلاؤهم أنهم غير قادرين على الاستمرار في الإقامة في الفنادق، على رغم أن إقامتهم مموّلة من الحكومة، وهو ما دفعهم إلى العودة إلى منازلهم». ونقلت الصحيفة عن أولئك قولهم إنه «يسود بينهم شعور بعدم اليقين تجاه الدولة في الجوانب التي تتعلّق بِمِنَحِ العمل»، وإعرابهم عن شكوكهم في أن يكون لديهم أساساً مكان يعودون إليه لاحقاً. وأشاروا إلى أنهم «عاطلون حالياً من العمل، ولا نعرف حقاً ما الذي ينبغي علينا فعله لاحقاً. صحيح أنه في إيلات ليس هناك قصف صاروخي ولا صفارات إنذار حيث نقيم، ولكن لا يوجد شعور بالراحة والحرية». وفي هذا الإطار، قالت المُستوطِنة إيتي، في حديث إلى الصحيفة: «نحن زوجان وطفلان، نتشارك غرفة فندقية واحدة، وحماماً واحداً... نجد صعوبة في العيش بهذه الطريقة لمدّة طويلة. كل واحد منّا يحتاج إلى زاويته وأغراضه. ولذلك، قرّرنا العودة إلى الجنوب».
ومثل مجالات عديدة أثبتت فيها إسرائيل أنها «دولة حارس ليلي»، كما وصفها بعض المحلّلين والمعلّقين الإسرائيليين الذين انتقدوا أداءها في رعاية الجبهة الداخلية، ظَهرت مشاكل كثيرة وفوضى في الفنادق التي جرى الإخلاء إليها؛ ففي أحدها في مدينة إيلات، اندلع شجار لفظي بين مستوطني «سديروت»، الذين أُجلوا على نفقة الدولة، ومستوطني «نتيفوت» الذين سدّدوا ثمن إقامتهم الجديدة من جيوبهم. كما اشتكى مستوطنو مستوطنات «غلاف غزة» من أنهم اضطرّوا إلى السفر لساعات طويلة إلى شمال فلسطين المحتلّة في بعض الأحيان، من أجل حضور جنازات معارف أو أقرباء لهم سقطوا في الحرب. كذلك، نقلت الصحيفة عن أصحاب شقق أُجّرت لمستوطنين أخلوا منازلهم، قولهم إن «المستأجرين قرّروا ترك الشقق والعودة إلى بيوتهم»، الأمر الذي دفع أصحاب هذه الشقق إلى إعادة طرحها للإيجار.
وفي وقتٍ سابق، تلقّت «لجنة مراقب الدولة»، برئاسة عضو «الكنيست»، ميكي ليفي، مراجعة شاملة من المسؤولين الحكوميين، ورؤساء السلطات المحلّية المسؤولين عن خطط إخلاء سكان الشمال والجنوب خلال الحرب. وفي أثناء مداولات عقدتها اللجنة، تبيّن أنه على الرغم من «الميزانيات الكبيرة» التي حوّلتها الحكومة إلى الجهات المضيفة للمستوطنين، لا يزال هناك قصور في العديد من المجالات، وأن من جرى إخلاؤهم يعتمدون على المبادرات الاجتماعية والمنظّمات التطوعية، حيث لا تُقدِّم لهم السلطات الإسرائيلية حلاً شاملاً. وعن هذه المداولات، تبيّن، وفق صحيفة «معاريف»، أن «ثمة حالة من الفوضى والاضطراب في الفنادق، تبدّت في عدم افتتاح أطر تعليمية للجميع، وفي عدم تلبية جميع الاحتياجات التي يطلبها المُخلَون». وفي هذا الإطار، قال مدير شعبة الأمن في «مكتب مراقب الدولة»، إيتان دهان، عقب جولة أجراها على الفنادق المضيفة، إن «من تمّ إجلاؤهم يفتقرون إلى الأطر التعليمية لأولادهم»، مشيراً إلى أن «المرحلة الأولى من الإخلاء كانت أفضل من الموجة الثانية، وخصوصاً لمستوطني الشمال». ولفت إلى أن «المخلَين من كريات شمونة، وُزّعوا على فنادق في مناطق مختلفة، في مقدّمها طبريا، ولكن كان هناك أشخاص سافروا لمدّة ثماني ساعات للوصول إلى فنادق في إيلات، وببساطة عندما وصلوا لم يعرفوا أين يجب عليهم أن يتوجّهوا أو أين سيقيمون»، مضيفاً إن «المستوطنين الحريديين أُخلوا إلى فنادق ليست حلالاً وفقاً للشريعة اليهودية».
على الرغم من «الميزانيات الكبيرة» التي حوّلتها الحكومة إلى الجهات المضيفة للمستوطنين، لا يزال هناك قصور في العديد من المجالات
من جهتهم، تحدّث ممثّلو السلطات المحلّية، خلال الجلسة، عن مشاكل كثيرة لم يتمّ حلّها بشكل جذري بعد، قائلين إنه «بعد جولات قاموا بها على الفنادق، وجدوا أن احتياجات المخلين تُلبّى من خلال متطوعين ومبادرات مدنية، وأن هؤلاء هم مَن يقدّمون لهم أغراض النظافة الشخصية، وأغذية الأطفال، وغسيل الملابس، لا مؤسّسات الدولة». أمّا بالنسبة إلى البلدات الفلسطينية المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان، فتقع في آخر سلّم أولويات الحكومة الإسرائيلية؛ إذ قال سكرتير المجلس المحلي في حرفيش، فرح سباك، إنه حتى الآن لم تُخلَ القرية، حيث من المفترض أن تُخلى من 800 عائلة من أصل 1300 عائلة تعيش في البلدة الفلسطينية الدرزية، غير أن الحكومة كشفت عن نيّتها إخلاء هؤلاء إلى مدرسة، وهو ما لم تقبله البلدية. وبالعودة إلى رئيس «لجنة مراقب الدولة» في «الكنيست»، فهو اعتبر أن السلطات الإسرائيلية تتعامل حالياً مع إجلاء عشرات الآلاف، من الشمال والجنوب، مشيراً إلى أن «السلطات المحلّية أثبتت قدرتها على تلبية احتياجات المخلَين أكثر من مؤسسات الدولة المعنية». وطالب بأن تتلقّى لجنته من جميع الهيئات التحقيقات التي تقوم بها هذه الأخيرة للوقوف على أوجه القصور، «من أجل الخروج بخطّة عمل مستقبلية».
في السياق نفسه، نقل موقع «واينت» عن أفراد عشرات العائلات التي أُخليت من الشمال إلى فندق «إل هيام» (إلى البحر) في نتانيا، قولها إن «الفندق لا يقدّم لهم ثلاث وجبات، كما وُعدوا، ومستوى الخدمات الفندقية متردٍّ جداً، وذلك على الرغم من أنه مسجّل في اتحاد فنادق إسرائيل، وتدفع الحكومة تكلفة الإقامة للكبار والصغار فيه (حوالي 100 دولار للكبار، و50 دولاراً للصغار) في إطار خطّة الإخلاء التي أقرّتها سلطة الطوارئ القومية، في وزارة الأمن». وقال المخلون، في حديث إلى الموقع، إن «الفندق يقدّم لنا فقط غرفة مع أسرّة وحوض استحمام، وباستثناء ذلك لا يقدّم لنا أي شيء آخر. لقد اشتكينا ولم يفعلوا شيئاً حيال شكوانا. الطعام الوحيد الذي يصلنا هو من نساء متطوّعات في المدينة. الغرف لا يتمّ تنظيفها، ولا يبدّلون لنا الشراشف. كما أن سلال القمامة مليئة ولا يجمعونها»، والسبب أن الأموال التي يتلقّاها الفندق «لا تكفي لغير إقامتنا».
وكانت سلطة الضرائب قد قرّرت، ليل الخميس - الجمعة، صرف منحة لمساعدة المستوطنين الذين أُخلوا من «غلاف غزة»، بلغت قيمتها الإجمالية 56 مليون شيكل، موزّعة على 26 ألف عائلة، بحيث يحصل كلّ فرد على ما قيمته 1000 شيكل (حوالي 220 دولاراً) شهرياً، الأمر الذي اعتبره معلّقون إسرائيليون «عاراً» و«بخلاً»؛ إذ لا يكفي هذا المبلغ، بحسبهم، «لشراء سندويشات الفلافل والبيبسي لبضعة أيام». وعلّق آخرون، بالقول: «ما الذي ستفعله عائلة بـ 5000 شيكل شهرياً؟ أين المليارات؟ فَلْتعيدوها من الحريديم (في إشارة إلى الميزانيات الحكومية التي مُرّرت للأحزاب الحريدية)... فَلْتعيدوا الأموال التي صرفتموها على وزارات لا حاجة لها أيها الفَشَلَة».
"اللواء": نصر الله: لبنان جبهة مساندة ولن نكتفي بـ«حرب المواقع»
الكلمة للميدان، وكل الاحتمالات مفتوحة، في ما خصَّ جبهة الجنوب اللبناني مع الاحتلال الاسرائيلي، حيث تدخل الحرب عتبة الشهر (29 يوماً)، ولم يوفّر فيها القصف مستشفى أو مدرسة أو مؤسسة إنسانية.
شكلت كلمة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في مناسبة تكريم شهداء الحزب على طريق القدس (57 شهيداً) محطة بارزة أمس، لجهة الرسائل التي تضمنتها والمسار المنتظر للمواجهة، وذلك على مدى ساعة وربع الساعة.
وكشف نصر الله معلومات عن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس انطلاقاً من غزة، بأنها كانت قراراً فلسطينياً محضاً، ولم يطلع احد عليه، حتى هو شخصياً، قبل حصول العملية، حرصاً على نجاحها، مؤكدا ان ما حدث كان لا بد منه لإعادة طرح القضية الفلسطينية كقضية اولى في العالم، مشيرا الى آلاف الاسرى الفلسطينيين، في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة، كذلك الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
وأشار نصر الله الى ان ما يتحكم بجبهتنا امران: الأول هو مسار تطور الاحداث في غزة، والثاني هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان، وهنا احذره من التمادي الذي يطال بعض المدنيين، وهذا سيعيدنا الى المدني مقابل مدني، وكل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة.
وقال: يمكن ان تتدحرج الجبهة على الحدود الجنوبية والعدو يعلم ذلك، واضاف: عمليات المقاومة في الجنوب ودماء الشهداء تقول للعدو انك سترتكب اكبر حماقة في تاريخك ووجودك، مشيرا الى انه يجب ان نكون جميعاً مهيئين وجاهزين وحاضرين لكل الاحتمالات والفرضيات المقبلة.
وخاطب الأميركيين، الذين اتهمهم بإدارة المعركة في غزة: اساطيلكم التي تهددون بها، لقد اعددنا لها عدتها ايضاً.
ووصفت مصادر سياسية مواقف نصر الله بأنها بعثت رسالة الى الداخل، ان حزب الله قوة مساندة للفلسطينيين، وان المعركة الفعلية هي في غزة، وقللت من الاشارات المعلنة حول احتمالات توسع الحرب، معتبرة ان حزب الله يدرك خطورة ما يحل، وليس من السهل فتح جبهتين، وتدمير الضاحية او بيروت او مناطق اخرى، في وقت يدمر فيه قطاع غزة.
ووصفت مصادر سياسية الظهور الاول للسيد نصرالله بعد قرابة الشهر من تنفيذ عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس الفلسطينية، بما واكبها من تحضيرات استباقية وحملات دعائية وبث شائعات وتهويل في اوساط اللبنانيين والخارج، بالمواقف التي سيعلنها، ولاسيما انخراط الحزب بالحرب الواسعة ضد إسرائيل بانه يهدف إلى تحقيق امور اساسية منها: نفي اي علاقة للنظام الايراني والحزب بعملية طوفان الأقصى،وحصرها بحركة حماس،لإبقاء هامش المناورة وتحرك طهران بمعزل عن آية تداعيات سلبية تضر مصالح ايران مع الغرب عموما، وابقاء قرار احتمال مشاركة حزب الله بالحرب ضد إسرائيل بشكل موسع، معلقا ومرتبطا بمسار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزّة، ما يعني ضمنا، ان لا قرار ايرانيا لتوسيع نطاق الحرب حاليا ، وابقاء حدود تحرك الحزب بالمناوشات وتبادل اطلاق الصواريخ والنار بالمناطق الساخنة على الحدود اللبنانية الجنوبية، كما يجري حاليا ،واظهار مع استثناءات محدودة جدا، وتجنب الانخراط بالحرب بشكل موسع بالوقت الحاضر.
ومن الاهداف: الاصرار على مكانة ودور حركة حماس في أي حلول مطروحة على الطاولة، لانهاء الحرب والبحث عن الصيغة المستقبلية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ورفض كل ما يروج من سيناريوهات للقضاء عسكريا على الحركة وابعادها من قطاع غزة الى الخارج،على غرار ما حصل بإخراج منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح العسكري الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية في صيف العام ١٩٨٢، واشراك قوى فلسطينة اخرى مكانها ، مثل السلطة الفلسطينية، وبعبارة اوضح حجز مكانة ايران على طاولة التفاوض التي يجري التحضير لها بشكل اساسي حول مستقبل الوضع الفلسطيني، من خلال حركة حماس او مباشرة.
وفي اسرائيل، حسب الاعلام الاسرائيلي، فإن الاجهزة الامنية واعضاء الكابينت، وشعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية استمعوا باهتمام لخطاب نصر الله.
وهدد رئيس وزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو السيد نصر الله، وقال: سيدفع ثمناً لا يمكن تخيله في حال خوضه حرباً مع اسرائيل.
وقال البيت الابيض: لا يمكن تصور الدمار المحتمل الذي سيحل بلبنان وشعبه في حال توسع الصراع، ويجب تجنب ذلك.
يشار الى ان سفيرة الولايات المتحدة الاميركية دورثي شيا التقت وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بوحبيب، الذي اعلن ان اميركا هي الأقدر على عقلنة اسرائيل، ولديها القدر على الدفاع المفاوضات تؤدي الى حل منصف وعادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وفي المواقف المحلية، وصف النائب السابق وليد جنبلاط خطاب نصر الله: «بالكلمة الموزونة جدا، وواقعية».
لوكورنو
وموقع لبنان في الحرب الدائرة في غزة، استمع وزير الجيوش الفرنسية سبستيان لوكورنو الى كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزاف عون.
وقد استهل لقاءاته من السراي حيث استقبله رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وشارك في الاجتماع سفير فرنسا في لبنان هيرفي ماغرو والوفد المرافق للوزير. خلال الاجتماع «تم التشديد على التعاون والتنسيق الوثيق بين الجيش واليونيفيل وتفعيل مهام القوات الدولية وضرورة ارساء الهدوء على طول الخط الازرق». وشدد لوكورنو «على اهمية أن تتحلى كل الاطراف في الجنوب بالعقلانية والحكمة وعدم دفع الامور نحو التصعيد والتدهور». وأكد» ضرورة ايجاد حل عاجل لقضية الرهائن في غزة والبحث في ايجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية».
وأبلغ الوزير الفرنسي الحكومة أن «فرنسا قررت ارسال مساعدات عاجلة للجيش ومن بينها معدات طبية وأدوية»... من السراي، انتقل المسؤول الفرنسي الى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ثم انتقل الى اليرزة حيث اجتمع الى العماد عون.
وفي اطار تلبية طلبات الرعايا الاجانب بمغادرة لبنان، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قرارا يحمل الرقم 141/2023، تحت عنوان «تشكيل لحنة لدراسة طلبات إجلاء الرعايا الاجانب وما يستتبع ذلك من تدابير» تتعلق باجلاء الرعايا الاجانب، وطلبات تحليق الطائرات العسكرية الاجنبية في الاجواء اللبنانية والهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي.
الوضع الميداني
وعلى الأرض، استمر التصعيد العسكري عند الحدود وتعرض الوادي الواقع بين بلدتي طيرحرفا والجبين وأطراف بلدات الناقورة وعلما الشعب والجبين منذ الصباح لقصف مدفعي اسرائيلي. كما طال القصف الإسرائيلي المدفعي منطقة الصالحاني بلاط جبل باسيل في القطاع الغربي ومحيط بلدة رامية وأطراف عيتا الشعب والقوزح. وقبل الظهر، قصف الطيران الاسرائيلي مشروع الطاقة الشمسية في بلدة طيرحرفا ، والذي يغذي بئر المياه العام بالطاقة الكهربائية، وتقدر كلفة المشروع ب ٣٠٠ الف دولار. في ساعات بعد الظهر، افيد عن إطلاق صاروخ مضاد للدروع من لبنان على موقع للجيش الإسرائيلي في الجليل الأعلى، فردت مدفعيته على مصدر اطلاق النار. الى ذلك، قصف الجيش الاسرائيلي محيط بلدة البستان وبركة ريشة . كما سمعت انفجارات في محيط موقع هرمون على أطراف بلدة رميش. وسمع قصف مدفعي اسرائيلي في محيط تلال كفرشوبا وشبعا.
وليلا، اجلى الصليب الاحمر اللبناني باشراف الجيش اللبناني وبالتعاون مع اليونيفيل شهيدا (حسين علي سرور) من خراج عيتا الشعب.
"الجمهورية": نتنياهو يُهدّد .. وواشنطن لا تريد توسيع الصراع
فاجأ الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الداخل والخارج، فلم يعلن صراحة فتح جبهة حرب ثانية وواسعة ضدّ إسرائيل على ما توقّع كثيرون، فالحزب في قلب الحرب ودخلها فعلاً في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، اي اعتباراً من يوم الأحد في الثامن من تشرين الاول الماضي.
ما من شك أنّ خطاب السيد نصرالله في احتفال تأبين «الشهداء على طريق القدس» الذي اقامه «حزب الله» امس، حظي بمتابعة غير مسبوقة في الداخل والخارج، وما قاله فيه حرّك منصّات وحلقات التحليل والتقييم والتقدير والتنجيم، لقراءة مضمون الخطاب وسبر أغواره، وبالتأكيد ستنضح المخيلات بتحليلات واقعية وغير واقعية. لكن بمعزل عن كل ذلك، فإنّ الجوهر الأساس لخطاب نصرالله، هو أنّه اكّد من جهة الواجب بنصرة غزة والمقاومة الفلسطينية في وجه حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها اسرائيل على القطاع، ولكنه من جهة ثانية رسّم حدود انخراطه في هذه الحرب حصراً بالجبهة الجنوبية، عبر عمليات عسكرية ستتواصل ضدّ المواقع العسكرية الإسرائيلية، وذلك وفق معادلة مفادها انّ يد «حزب الله» على الزناد ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها مع العدو، وأما تدحرج الامور الى حرب اكبر وأوسع فهو مسار وتطور الأحداث في غزة، وسلوك العدو تجاه لبنان. ومن هنا جاء تحذيره للعدو من أنّ تجاوز هذه القواعد والتمادي الذي طال المدنيين في لبنان كما فعل العدو بالأمس باستهداف بعض القرى الجنوبية، سيعيدنا الى معادلة المدني مقابل المدني».
كل الإحتمالات مفتوحة
نبرة خطاب نصرالله، كانت ذروة في الحدّة تجاه العدو الاسرائيلي والدول التي أجازت لاسرائيل ما اعتبرته حقها في الدفاع عن نفسها، وأطلقت يدها لتدمير غزة والقتل الجماعي لأهلها ودفن أطفالها تحت ركامها. إلّا أنّه، وكما كان متوقعاً، تعمّد أن يُبقي الغموض مُسدلاً على ما يخبئه الحزب، لم يقدّم ايّ اشارة تُخرج جبهة لبنان مع اسرائيل من دائرة الإحتمالات والسيناريوهات الحربية، بل ترك لتطورات الحرب على غزة، وكذلك للتطورات العسكرية المتصاعدة على الحدود الجنوبية، ان تحدّد المدى الذي قد تتدحرج اليه كرة النار المشتعلة على الجبهة الجنوبية، سواءً لجهة إبقائها ضمن حدود حرب محدودة ومنخفضة السّقف ومضبوطة بقواعد الاشتباك، أو في اتجاه تجاوز هذه الحدود والدفع في اتجاه حرب مفتوحة، وقد تتمدّد الى جبهات اوسع في المنطقة. ومن هنا جاء قوله: «بكل شفافية وغموض بنّاء اقول، انّ كل الاحتمالات مفتوحة في جبهتنا اللبنانية، وكل الخيارات مطروحة يمكن أن نذهب اليها في أي وقت من الاوقات. يجب أن نكون جميعاً مهيئين لكل الفرضيات المقبلة».
تهديدات مقابل تهديدات
وفي سياق هذا الغموض، ردّ نصرالله على تهديدات تلك الدول الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة الاميركية، باستهداف «حزب الله» إذا ما انخرط في الحرب وأشعل ما تعتبرها اسرائيل جبهتها الشمالية، بتهديدات من جانبه بإعداد العدّة لأساطيلها في البحر قبالتنا ووضعها في مرمى الاستهداف. وقال: «اساطيلكم في البحر لا تخيفنا، ولم تخفنا في يوم من الايام. واقول لكم اساطيلكم التي تهدّدون بها لقد اعددنا لها عدّتها ايضاً».
نصرالله
وقال نصرالله: إنّ «معركة «طوفان الأقصى» أصبحت ممتدّة في أكثر من جبهة وساحة»،لافتاً الى انّ «هذه العملية العظيمة والمباركة كان قرارها فلسطينيًا مئة في المئة وتنفيذها فلسطينيًا مئة في المئة، ولا علاقة لها بأي ملف دولي أو إقليمي، وأخفاها أصحابها عن الجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، فضلاً عن بقية دول وحركات محور المقاومة؛ وهذا ضَمَن سرّيتها المطلقة»، منوّهًا إلى أنّ «هذه السرّية ضمنت نجاح العملية الباهر، من خلال عامل المفاجأة المذهلة. وهذا الإخفاء لم يزعج أحداً في محور المقاومة، بل أثنينا عليه جميعاً، وليس له أي تأثير سلبي على أي قرار يتخذه فريق أو حركة مقاومة».
واشار الى انّ «معركة «طوفان الأقصى» كشفت الضعف والهوان، وأنّ إسرائيل هي بحق أوهن من بيت العنكبوت. وقد سارعت الإدارة الاميركية برئيسها ووزرائها وجنرالاتها للإمساك بالكيان الذي كان يهتز ويتزلزل، من أجل ان يستعيد أنفاسه ووعيه ويقف على قدميه من جديد ويستعيد زمام المبادرة، لكنه لم يتمكن حتى الآن من استعادتها».
وذكر أنّ «في عام 2006، وضعوا هدفًا يتمثل بسحق المقاومة في لبنان واستعادة الأسيرين من دون تفاوض وتبادل، ولمدة 33 يومًا لم يحققوا أهدافهم، واليوم في غزة الوضع نفسه لكن مع حجم الجرائم والمجازر». وقال: «أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة واسرائيل هي أداة، فأميركا هي التي تمنع وقف العدوان على غزة وترفض أي قرار لوقف اطلاق النار».
وقال: «إننا منذ 8 تشرين الأول، نخوض معركة حقيقية لا يشعر بها الّا مَن هو موجود بالفعل في المنطقة الحدودية، وهي معركة مختلفة في ظروفها وأهدافها واجراءاتها واستهدافاتها»، مؤكّداً انّ «الجبهة اللبنانية خففت جزءاً كبيراً من القوات التي كانت ستُسخّر للهجوم على غزة وأخذتها باتجاهنا». واشار الى أنّ «هذه العمليات على الحدود أوجدت حالةً من القلق والتوتر والذعر لدى قيادة العدو وأيضاً لدى الأميركيين». وقال: «العدو يقلق من إمكانية ان تذهب هذه الجبهة الى تصعيد اضافي او تتدحرج هذه الجبهة الى حرب واسعة، وهذا احتمال واقعي ويمكن ان يحصل، وعلى العدو ان يحسب له الحساب. حضورنا في الجبهة وهذا العمل اليومي يجعل العدو مردوعاً. وعمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية أنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك».
وتوجّه الى الأميركيين قائلاً: «من يريد منع قيام حرب يجب ان يسارع الى وقف العدوان على غزة. واذا ما حصلت الحرب في المنطقة فلا أساطيلكم تنفع ولا القتال من الجو ينفع. وفي حال أيّ حرب إقليمية ستكون مصالحكم وجنودكم الضحيّة والخاسر الأكبر».
نتنياهو يهدّد
وسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى التعليق على خطاب نصرالله، وقال متوجّهاً الى امين عام «حزب الله»: «أيّ خطأ سيكلّفك ثمناً لا يمكنك حتى تخيّله. وانصح أعداءنا في الشمال الا يجرّبونا».
واشنطن و«الحزب»
وفي موقف لافت، صادر عن البيت الابيض الاميركي، مفاده انّ على «حزب الله» الاّ يحاول الاستفادة من الصراع الدائر في غزة، والولايات المتحدة لا تريد ان يتوسع الصراع ليشمل لبنان». اضاف: «لا يمكن تصور الدمار المحتمل الذي سيحلّ بلبنان وشعبه في حال توسّع الصراع، ويجب تجنّب ذلك».
وكان المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي قد اشار الى أنّه لا يوجد ما يشير إلى أنّ «حزب الله» مستعد «للدخول بكامل قوته» في الصراع الحالي ضدّ إسرائيل. وقال: «نحن، والإسرائيليون أيضاً، قلقون من الهجمات المستمرة على القوات الإسرائيلية في الشمال، لكنني أعتقد أننا لم نر بعد أي مؤشر محدّد إلى أنّ «حزب الله» مستعد للدخول بكامل قوته» في الصراع. واشار الى أنّ البيت الأبيض «يشعر بالقلق» من الهجمات التي يشنّها الحزب على القوات الإسرائيلية مع تبادل إطلاق النار وتصاعد أعمال العنف على الحدود اللبنانية. وسبق ذلك ما نقلته شبكة «سي إن إن» عن مسؤول أميركي، حيث كشف أنّ تقييم الاستخبارات الأميركية يشير إلى أنّ إيران ووكلاءها بمن فيهم «حزب الله» يسعون لتجنّب حرب أوسع مع إسرائيل».
الغرب خائف على إسرائيل
الى ذلك، قال مصدر سياسي عامل على خط الاتصالات والمساعي الخارجية لـ«الجمهورية»: «انّ التهديدات الخارجية متواصلة بشكل شبه يومي عبر القنوات الديبلوماسية، وكذلك عبر الموفدين الغربيين الى لبنان الذين يزوروننا محاولين إيهامنا بحرص ظاهري على لبنان، وخوف من نتائج مدمّرة ومخيفة للبنان في حال انخرط في الحرب،. فيما الحقيقة انّه حرص وهمي، مبطّن بترهيب بعدم الزجّ بلبنان في هذه الحرب، ومنع «حزب الله» من جرّه اليها».
ولفت المصدر عينه الى «انّ هذه الاندفاعة الغربية في اتجاهنا، ليست من باب الحرص والقلق على لبنان، بل هي من باب الشراكة الكاملة مع اسرائيل في حربها، والحرص عليها وعلى عدم إشغال جيشها وإرباك تركيزه على غزة بإشعال جبهة حرب ثانية ضدّ اسرائيل انطلاقاً من جنوب لبنان».
وتوازياً مع الحراك الدولي، أعلنت وزارة الخارجية الاردنية عن اجتماع استثنائي يعقد في عمان اليوم السبت لوزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات وقطر ومصر وفلسطين مع وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن.
«يرديوننا أن نعين القاتل»
بدوره اكّد مسؤول كبير لـ«الجمهورية»: «الاميركيون والفرنسيون والبريطانيون والالمان وكل السفراء من دون استثناء، يطلبون منا ان نثني «حزب الله» عن القيام بتوسيع رقعة الحرب، يريدوننا بذلك ان نعين القاتل على الضحية، بحيث تُترك اسرائيل حرّة ومرتاحة في حربها الانتقامية التي تشنّها على قطاع غزة. الاسرائيليون انفسهم قالوا اليوم غزة، وبعد غزة سيأتي دور «حزب الله»، ففي هذه الحالة ماذا تنتظرون من الحزب؟».
ورداً على سؤال قال: «قادة العدو أفصحوا عن الهدف الأساسي لهذه الحرب وهو تغيير وجه الشرق الاوسط، الذي تتبدّى مرحلته الاولى بإفراغ غزة ودفع اهلها في اتجاه سيناء، والمرحلة الثانية الضفة الغربية وتفريغها وتهجير اهلها في اتجاه الاردن. الّا انّ هذا الهدف مستحيل التحقيق، كان يمكن ان يكون سهلاً لو انّ اسرائيل تمكنت من توجيه ضربة قاضية لحركة «حماس»، وفقاً للهدف الذي حدّده قادة العدو بسحقها، الاّ انّهم اصطدموا ببأس «حماس» واستحالة تحقيق هذا الهدف، فتدرجوا به الى «إضعاف قدراتها»، وهو امر لا يقلّ استحالة عن الهدف الاول، والشواهد كثيرة في العملية البرية التي اعترف العدو بدفعه ثمناً باهظاً جداً من القتلى في صفوف جنوده. وهذا لا نقوله وحدنا بل الاميركيون الذين يغطّون حرب اسرائيل على غزة بالكامل، الّا انّ موقفهم بدأ يتدرّج نزولًا عمّا كان عليه بعد عملية حركة «حماس» في 7 تشرين الاول الماضي. وخصوصاً انّهم لا يستطيعون ان يكابروا طويلًا ويتغاضوا عن حجم الإجرام الذي تمارسه اسرائيل في غزة، وكذلك عن حجم الاحتجاجات التي تحصل. وينبغي التمعن هنا بما ذكرته شبكة «CNN» الاميركية قبل ساعات من انّ الرئيس الاميركي جو بايدن وكبار مستشاريه حذّروا اسرائيل من صعوبة تحقيق أهدافها العسكرية مع اشتداد الغضب العالمي».
فَقَد أعز ما يملك
وإذا كان الإعلام الاسرائيلي منحازاً بكامله مع الحرب التدميرية على غزة، ولم يتوان الكثير من المعلّقين والمحلّلين السياسيين في الدعوة الى الإبادة الشاملة لقطاع غزة، الاّ انّ ذلك لم يغط على تحليلات بعض كبار رجال الاعلام الاسرائيليين، التي تعكس ما تسمّيه «دخول اسرائيل في واقع شديد الصعوبة والحرج عليها»، حيث تؤكّد انّ عملية «طوفان الاقصى» أفقدت الجيش أعز ما يملك، اي قدرته على ان يشكّل عامل اطمئنان للشعب الاسرائيلي.
وتتقاطع تلك التحليلات عند الخطر المصيري الذي بات يحدق بإسرائيل، فهي الآن تخوض ثلاث حروب في وقت واحد، الاولى في غزة التي تكون الحرب الأسهل عليها رغم صعوباتها وأكلافها الباهظة التي يدفعها الجيش الاسرائيلي، والثانية هي حرب الشمال الأكثر صعوبة التي يقبع فيها «حزب الله» العدو الأشرس لإسرائيل، الذي يملك قدرات تسليحية هائلة وخبرات قتالية أضعاف ما تملكه «حماس». واما الحرب الثالثة والتي تُعتبر الأشدّ صعوبة فهي حرب الداخل الاسرائيلي الذي يعاني ارباكاً سياسياً غير مسبوق، واقتصاداً يتداعى والخسائر اليومية بمئات ملايين الدولارات، يُضاف الى ذلك التراجع الحاد في ثقة المواطنين الاسرائيليين بالجيش والنفور العام من حكومة بنيامين نتنياهو. ويُضاف الى ذلك ايضاً الجبهة القاسية في وجه الحكومة الاسرائيلية، التي شكّلها أهالي الأسرى الاسرائيليين لدى «حماس». وباتت أشبه بقنبلة موقوتة تزداد اشتعالاً كلما تأخّرت إعادة هؤلاء الأسرى.
المشهد الميداني
على الصعيد الميداني، لازم التوتر الشديد الحدود الجنوبية من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا امتداداً حتى رأس الناقورة، طيلة يوم امس، حيث استمر العدو الاسرائيلي في اعتداءاته على المناطق اللبنانية، الذي طال امس اطراف بلدات علما الشعب، رميش، اللبونة، بركة ريشا وراس الناقورة، ومنطقة غاصونة والجميلة على اطراف بليدا، وبلدة طير حرفا التي استهدف العدو مشروع الطاقة الشمسية لتغذية البلدة بالمياه. وفيما اعلن المتحدث العسكري الاسرائيلي «انّ الجيش على أهبة الاستعداد على الحدود الشمالية، وقد نفّذ ضربات قوية ضدّ «حزب الله»، اعلن «حزب الله»عن استهداف تجمّع للجنود الاسرائيليين قرب موقع ميتات، وحقق فيه اصابات مباشرة.
المشهد السياسي
سياسياً، برزت في المشهد السياسي أمس، زيارة سريعة قام بها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى عمّان، حيث التقى وزير الخارجية الاردني، وجرى بحث في مستجدات الوضع في غزة. وسبق ذلك استقبال ميقاتي لوزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكرنو، الذي زار ايضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولفت في هذا السياق ما كتبه الوزير الفرنسي على منصّة «إكس»، متوجّهاً الى الرئيس ميقاتي: «عزيزي، انّ لبنان يمكنه ان يعتمد على صداقة فرنسا. اننا نقدّم وسنبقى نقدّم دعمنا للقوات المسلحة اللبنانية وقوات «اليونيفيل»، لأنّ استقرار لبنان أساسي للبلد وللمنطقة».
في هذه الأثناء، زارت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب، الذي اكّد امامها «انّ الولايات المتحدة هي الأقدر على عقلنة اسرائيل، ولديها القدرة والدفع بمفاوضات تؤدي الى حل منصف وعادل وشامل للقضية الفلسطينية».