لبنان
خشية أميركية من توسيع العمليات في غزة وترقب لخطاب السيد نصر الله يوم الجمعة
ظلت التطورات الميدانية في فلسطين المحتلة محور اهتمامات الصحف اللبنانية، وركزت في مقالاتها الرئيسية وافتتاحياتها اليوم الثلاثاء 31/10/2023، على تداعيات العدوان الوحشي الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والسقوف العالية التي تضعها الحكومة الصهيونية لوقف العدوان، باعتبار قبولها لوقف النار هزيمة جديدة لكيان الاحتلال.
ولفتت الصحف إلى مخاوف الإدارة الأميركية من "تهور" حكومة بنيامين نتنياهو بتوسيع العمليات البرية من دون العودة إلى واشنطن، بعدما أبلغت المقاومة الفلسطينية الوسطاء رفضها تقديم أي تنازل في ما يتعلق بالأسرى الصهاينة لديها، وتمسكها بمطالبها وأولها وقف إطلاق النار كمقدمة للبحث في صفقة تبادل الأسرى.
وشددت الصحف على أهمية العمليات التي تنفذها المقاومة الإسلامية على الحدود اللبنانية الفلسطينية وتصديها للاعتداءات الصهيونية عبر مواصلة استهداف التجهيزات الفنية والتجسّسية لمواقع العدو على امتداد الحدود.
*البناء: بعد هجوم القسام في إيريز الاحتلال يرد بهجوم صلاح الدين… وهزيمة مكررة.. فضائح تصيب الكيان: الجيش قتل نساءه وأطفاله… والمجنّدة لم تكن أسيرة
تبدو القيادة السياسية والعسكرية في الكيان مرتبكة في كيفية الجمع بين عنواني تدمير حركة حماس وتحرير الأسرى، حيث فشل كل من حاول من المسؤولين في تقديم جواب حول المعادلة التي تجمع الهدفين، وامتدّ الارتباك إلى كيفية إدارة المعركتين، معركة المواجهة العسكرية مع حماس وسائر قوى المقاومة، لتحقيق نصر يعلم صعوبة الحصول عليه، ومعركة تحرير الأسرى عبر بوابة المفاوضات الدائرة في الدوحة، التي وصلها وعاد منها رئيس جهاز الموساد ديفيد بارنيا. ونقلت مصادر إعلامية في قنوات التلفزة الإسرائيلية عنه فشل المفاوضات التي دارت تحت عنوان كل الرهائن مقابل كل الأسرى، بعدما تمّ الاتفاق على تحديد البند الأول بتبادل اللوائح الاسمية الموثقة. وطلبت حماس مهلة أسبوعين من وقف النار ليتسنى لها تجميع الرهائن وتوثيق أوراقهم والتحقق منهم وإعداد اللوائح المطلوبة، بينما لم يتسرّب شيء من جانب حماس حول المسار التفاوضي، سوى اتهام قيادة الكيان بإفشال المسعى التفاوضي، والرهان على تحسين الشروط عبر الضغط العسكري.
عسكرياً، بعد هجوم أول أمس الناجح الذي نفذته قوات القسام على موقع ايريز، باءت محاولات التقدّم الإسرائيلية التي سجّلت أمس على أكثر من محور، كان أبرزها محور شارع صلاح الدين، حيث تمكّنت دبابات إسرائيلية من التوغل، قبل أن تتصدّى لها مجموعات المقاومة من قوات القسام وسرايا القدس وتلحق بها خسائر مباشرة أجبرتها على الانسحاب. ومع الهزيمة المكرّرة، جاءت الفضيحة المكررة، حيث كشفت مواقع إسرائيلية عن تحقيق في كيفية سقوط النساء والأطفال قتلى وبعضهم مصاب بحروق في مستوطنات الغلاف، ونقلت أن خلاصات التحقيق المستند الى شهادات شهود عيان من الناجين، واعترافات ضباط في سلاحي الجو والمدرعات، أن أوامر صدرت من تل أبيب بقصف المنازل التي يوجد فيها مسلحو القسام ومعهم رهائن، لقتلهم معاً. بينما كانت فضيحة أخرى تنتشر تفاصيلها على المواقع الإسرائيلية، تقول إن المجندة التي أعلن جيش الاحتلال تحريرها من الأسر خلال العملية البرية، في محاولة لإضعاف تأثير الشريط المسجل لثلاث نساء أسيرات يتّهمن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالسعي لقتل الرهائن، لم تكن أسيرة، وقد خلت كل اللوائح والوثائق الخاصة بالمفقودين والرهائن من اسمها وصورتها. وتقول التقارير إن المجندة التي كانت تسكن في غلاف غزة متخلفة عن الخدمة، كانت هاربة الى النقب، وقررت تسليم نفسها أملاً بطي ملف تخلفها، فاحتفظ بها الجيش وعقد معها صفقة قوامها التعاون في تقديمها كأسيرة تمّ تحريرها خلال العملية البرية.
لبنانياً، وسّعت المقاومة نطاق ومدى نيرانها، بينما الجميع ينتظر في لبنان والكيان وفلسطين والبلاد العربية وعواصم القرار في العالم، الكلمة التي سوف يلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إحياء ذكرى شهداء المقاومة، الذين طلب اعتبار شهادتهم على طريق القدس، حيث ينتظر أن تتضمّن الكلمة إيضاحاً للكثير من المعادلات والسقوف التي سوف تحكم المرحلة المقبلة ومواجهاتها، وتحدّد ثوابت حزب الله وضوابطه في المشاركة في الحرب الدائرة حول غزة.
وتترقّب الساحتان المحلية والخارجية إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجمعة المقبل، والتي سترسم وفق مصادر مطلعة المشهد في لبنان وغزة والمنطقة وتحديد وجهة الصراع وموقف حزب الله ومحور المقاومة.
ولفتت المصادر لـ«البناء» الى أن «مستجدّات أملت على السيد نصرالله الظهور على الإعلام لمخاطبة الرأي العام اللبناني ووضعه بآخر التطورات لا سيما بعد أن أصبح حزب الله شريكاً أساسياً في المعركة ويقاتل على جبهة طويلة وأساسية وهامة على طول الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة التي تتعدّى مساحتها المئة كلم»، مشيرة إلى أن «السيد نصرالله سيضع النقاط على الحروف وسيشرح ماذا يجري على جبهة الجنوب ووقائع ضربة 7 تشرين وأبعادها الاستراتيجية وتأثيرها على القضية الفلسطينية ومجريات الحرب في غزة، كما سيوجه رسائل الى الإسرائيليين والأميركيين والأنظمة العربية وسيحذرهم من أن استمرار حرب الإبادة الاسرائيلية الأميركية للفلسطينيين في غزة لن يُشعل جبهة بعينها فحسب، بل سيفجر المنطقة بأكملها تحت أقدام الإسرائيليين والأميركيين ولن يستطع أحد احتواءها»، مشددة على أن «السيد نصرالله سيؤكد على ثوابت الحزب والقواعد الناظمة والاستعداد والجهوزية لتوسيع رقعة الحرب بحال تجاوز العدو الخطوط الحمر، كما سيكرّر شعاره يوم ذهب الحزب للقتال في سورية ضد التنظيمات الإرهابية (حيث يجب أن نكون سنكون)، لكنه لن يدخل بتفاصيل الخطوات الميدانية التي ينوي الحزب القيام بها وسيترك العدو في حيرة من أمره، لا بل سيزيده حيرة».
ووفق ما يلاحظ خبراء عسكريون واستراتيجيون لـ«البناء» فإن السيد نصرالله تدرّج في الظهور الإعلامي من رسالته المكتوبة باعتبار الشهداء في الجنوب على طريق القدس، وثانياً اللقاء مع قيادتي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ثم ظهوره سيراً لثوانٍ أمام لوحة كتب عليها «حزب الله هم الغالبون»، ثم الإعلان عن إطلالة إعلامية الجمعة قبل 5 أيام، هو جزء من الحرب النفسية والمعنوية على الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين لمزيد من ضرب الجبهة الداخلية المنهارة أصلاً من 7 تشرين حتى الآن، على أن يستكمل السيد نصرالله الحرب النفسية بالمواقف والرسائل الذي سيطلقها يوم الجمعة المقبل».
وبحسب الخبراء، فإن «السيد نصر الله يركز على العامل الرخو في الجانب الإسرائيلي وهو الجبهة الداخلية وتحديداً المستوطنين الذين أصيبوا بالهلع لعدم ظهور السيد نصر الله كل هذا الوقت والذي كان أيضاً ضمن الحرب النفسية ضد «اسرائيل»».
وتوقع الخبراء أن يوسّع الحزب بعد خطاب السيد نصر الله «عملياته العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي وقد تكون هناك مفاجآت على هذا الصعيد، ملاحظين أن الحزب خلال الأيام القليلة الماضية تجاوز حدود العمليات السابقة، لجهة المدى حيث وصلت صواريخ الحزب الى نهاريا 10 كلم عمق، ولجهة نوع السلاح حيث أطلق صواريخ جديدة وأسقط مسيرات اسرائيلية». ولوحِظ أمس تراجع عدد المسيرات أمس في الأجواء اللبنانية إلى حدٍ كبير.
ورأى رئيس الهيئة الشّرعيّة في «حزب الله» الشّيخ محمد يزبك أننا «نريد أن نكون إلى جانب أهلنا في غزة، وإذا أراد العدو أن يفتح حربًا فنحن أهلٌ لها وسندافع عن أهلنا وشعبنا بكلّ ما أوتينا من قوّة، ونحن على يقين بأنّنا مَن سينتصر في تلك الحرب بإذن الله».
وأوضح أنّ «ما يحدث في غزة ليس مسألة مرتبطة بـ»حماس»، إنّما هناك انتقام وحشيّ وجبان ضدّ الشعب الفلسطيني كلّه، فقد سقط أكثر من 100 شهيد في الضفة الغربية وجرى اجتياح مخيم جنين وبعض مناطق الضفة»، مشدّدًا على أنّ «واجبنا أن نكون إلى جانب شعبنا في فلسطين، وسنبقى إلى جانبهم، ووحده المحور من يحمل لواء فلسطين وهو المعني بالقضية الفلسطينية».
في غضون ذلك، تستمرّ الضغوط الديبلوماسية التي تحمل رسائل التهديد للبنان لمنع حزب الله من توسيع رقعة الحرب ضد «إسرائيل»، إذ تزور مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربرا ليف بيروت بعد غدٍ للقاء كبار المسؤولين السياسيين وقائد الجيش العماد جوزف عون ونقل رسائل الإدارة الأميركية بشأن الحرب المدمّرة في غزة وخطر تمدّدها الى لبنان.
بالتزامن يزور وزير الدفاع الفرنسي لبنان لتفقد كتيبة بلاده في قوات اليونيفل بعدما تعرّض مقرّ قوات الطوارئ للقصف وأصيب احد الضباط.
وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، أنه «يعمل على تجنيب لبنان دخول الحرب»، معتبراً أن «البلاد اليوم في عين العاصفة».
وشدد ميقاتي، على أننا «نعمل للسلم، ونحن كحكومة قيّمون على الأوضاع العامة وعلى أي تداعيات يمكن أن ننجر اليها عقب أي توتر إضافي».
ورداً على سؤال عما إذا كان لمس خلال اتصالاته نيّة حزب الله بعدم التصعيد، كشف «حتى اليوم، أرى أن حزب الله يقوم بعقلانية وحكمة بإدارة هذه المواضيع، وشروط اللعبة لا تزال محدودة».
وأوضح أنه «لا يستطيع طمأنة اللبنانيين لأنّ الأمور مرتبطة بالتطورات في المنطقة»، مشدداً على أن «الشعب اللبناني لا يريد دخول أي حرب ويريد الاستقرار».
وكان ميقاتي العائد من قطر طالب «بوقف الاستفزازات الإسرائيلية على الحدود والشعب اللبناني لا يريد الحرب، وإذا دخل لبنان هذه الحرب فلن يقتصر الأمر عليه وستكون المنطقة في حالة فوضى». وأكد ميقاتي في حديث تلفزيوني أن قرار الحرب بيد «إسرائيل» إذا واصلت خرق الحدود والانتهاكات.
بدوره، التقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب السفير الروسي ألكسندر روداكوف.
وطلب بوحبيب من السفير الروسي وفق ما علمت «البناء» أن ينقل دعوة شفهية لوزير الخارجية الروسي لزيارة لبنان، في إطار حثّ موسكو للوقوف إلى جانب لبنان ولعب دور فاعل للحؤول دون تعرّض لبنان لحرب إسرائيلية في ظل الاشتباكات الدائرة في الجنوب بين جيش الاحتلال الاسرائيلي وحزب الله وتصعيد الحرب الإسرائيلية على غزة وارتفاع احتمالات توسع الحرب الى إقليمية.
وأكد بوحبيب في اتصال هاتفي مع وزيرة خارجية أستراليا بينيلوبي وونغ أن «التهديد الإسرائيلي بضرب وتدمير لبنان لا يفيد». وسأل «كيف تستفيد «إسرائيل» من القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين؟ الا يزيدهم ذلك رغبة بالقيام بردة فعل والدفاع عن أنفسهم؟». وشدد بوحبيب على «ضرورة ان تتوقف الحرب الاسرائيلية». وقال «توافقت مع وزيرة خارجية أستراليا على ضرورة دعم المسار الديبلوماسي للوصول الى حل الدولتين».
بدوره، جدد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، مطالبته حزب الله بعدم الاستدراج الى الحرب، وقال في حوار تلفزيوني: «لا أحبذ الحرب وأتمنى ألا نُستدرج إلى الحرب لأن عندها لن يبقى شيء من لبنان، والأداء العسكري حتى الآن لم يخرج عن القواعد، لكن قد يخرج».
واعتبر أنه «حتى الآن الإيقاع العسكري جنوباً ضمن الحدود ومدروس، لكن عندما تبدأ الحرب لا أحد يعرف كيف يُسيطر عليها، والأساطيل لم تأتِ إلى البحر المتوسط نزهة وهي أساطيل هجوميّة ستُشارك في حال اشتعلت جبهة الجنوب».
وتوجّه الى السيد نصر الله بالقول «أتمنى ألا ينزلق لبنان إلى الحرب، حرصاً على لبنان وأهل الجنوب، وهو مدرك لهذه المعاناة على ما أعتقد، والمطلوب ضبط النفس».
ورأى أنه «في حال وقفت الحرب اليوم، فهذه فضيحة للجيش الإسرائيلي، وقد يكون مستحيل العودة إلى حل الدولتين إلّا في حال توقف الغرب عن تقديم المساعدات لـ«إسرائيل»»، مضيفاً «الحرب قد تطول لمدّة شهرين أو ثلاثة أو أكثر، هذا إذا انتهت».
وتابع جنبلاط، أن «يبدو أن حزب الله يتفق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على عدم التمديد لقائد الجيش، وبعدما ابتعد باسيل عن حزب الله، يُريد الأخير أن يُعيده، فعدنا إلى لعبة الابتزاز، وحزب الله وباسيل محشورون، الحزب يُريد حليفاً مسيحياً». ولفت الى أن «باسيل زارني وعبّر عن خوفه على لبنان، فطرحنا جوزاف عون لقيادة الجيش لكن الجواب «إجا من غير ميلة» من وفيق صفا الذي قال «ما بدنا نحشر باسيل».
على الصعيد الميداني، أعلن حزب الله «اننا استهدفنا التجهيزات الفنية والتجسسية لموقع بياض بليدا بالأسلحة المناسبة وحققنا فيها إصابات مباشرة إضافة الى استهداف دشمه وحاميته». وأعلن أيضاً استهداف «التجهيزات الفنية لموقع المطلة بالأسلحة المناسبة وحققنا فيها إصابات مباشرة». كما استهدف الحزب ثكنة برانيت الإسرائيلية بأربعة صواريخ موجهة وأصابت الموقع إصابة مباشرة لترد مدفعية الاحتلال الإسرائيلي بقصف خراج بلدة عيتا الشعب ورامية.
في المقابل زعم جيش الإحتلال أنه «هاجم بنية تحتية لحزب الله في لبنان، بعدما أطلق مسلّحون النار على موقع إسرائيلي على الحدود اللبنانية».
وسجل قصف إسرائيلي صاروخي على محيط العديسة وعلى كفركلا، كما تمّ اعتراض صواريخ في سماء منطقة نهاريا شمالي فلسطين المحتلة. ودوّت صفارات الإنذار في شلومي والجليل الغربي على الحدود مع لبنان.
كما قصفت مدفعية الاحتلال منطقة اللبونة التي شهدت تصاعداً للدخان الذي خلفته القذائف في رأس الناقورة. وشنّت مسيّرة إسرائيلية غارة جوية على احد المنازل في بلدة عيتا الشعب، في وقت عاود الاحتلال استهداف شبعا وبسطرة بالقذائف الفوسفورية ملقياً ايضا قنابل مضيئة، كما قصف اطراف بلدة بليدا قضاء مرجعيون. كما سقط صاروخ في منطقة خالية بين عيناتا وكونين للمرة الأولى منذ اندلاع المعارك جنوباً.
وكشف وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن إحراق العدو الإسرائيلي أكثر من 40 ألف شجرة زيتون معمّرة جنوبي البلاد، باستخدامه قنابل الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً.
كما كشف أن الحكومة اللبنانية بصدد تقديم شكوى لمنظمة الأمم المتحدة اعتراضاً على وحشية العدو وانتهاكه القانون الدولي وسيادة لبنان.
*الأخبار: خشية أميركية من «تهوّر» إسرائيلي| مفاوضات الأسرى مستمرّة… والمقاومة تعيق تقدّم العدو
رفض رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أي وقف لإطلاق النار، باعتباره «دعوة لإسرائيل إلى الاستسلام»، ما عقّد المساعي للتوصل إلى حلول جزئية أو مستدامة تحقّق وقفاً للعدوان. وفيما فُسّر موقف العدو بأنه محاولة لكسب مزيد من الوقت في محاولة لتحقيق إنجازات ميدانية، أشار المراقبون إلى أن نتنياهو نفسه، كما وزير حربه يوآف غالانت ثم وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمير المقرّب من الأميركيين، وضعوا هدفاً ثانياً يتمثّل في السعي إلى أن «تفيد العمليات العسكرية بإطلاق» الأسرى لدى المقاومة.
ويحاول جيش الاحتلال من خلال عمليته البرية فصل شمال القطاع عن جنوبه، مع تركيز على قصف التجمّعات بغية دفع السكان للتوجه إلى جنوب القطاع الذي بقي عرضة للغارات أيضاً، في محاولة إضافية لإجبارهم على المغادرة بصورة نهائية. وفي هذا السياق، كان لافتاً إعلان منسّق السياسات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيربي «أننا نركز على مدى إمكانية إيجاد مخرج آمن من القطاع. في حال نجحنا في تأمين ذلك، ينبغي إجراء مباحثات مع الشركاء في المنطقة، بمن فيهم المصريون، حول قدرتهم الاستيعابية لتوفير نوع من الدعم المؤقّت للعائلات التي ترغب بالخروج، لأن شعورنا أنهم يودون العودة إلى منازلهم، ولا نعتقد أن أعداداً كبيرة ترغب بالمغادرة بشكل نهائي». فيما أعلنت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في قطاع غزة يسوء يوماً بعد يوم، وأن على إسرائيل مسؤولية تحييد المدنيين.
ميدانياً، فشل جيش العدو في تثبيت مواقع في منطقة زراعية قريبة من الجدار الفاصل في القطاع بعدما ووجه بمقاومة قوية في كل مناطق الاشتباك. وفيما يتعمّد قادة الجيش الحديث عن «عمليات» وليس عن «اجتياح»، قال متصلون بالجانب الأميركي إن ذلك يعبّر عن عدم رغبة العدو بالتورط في القول إنه يشنّ اجتياحاً واسعاً للقطاع، ويعكس، من جهة ثانية، التفاهمات بين الأميركيين والإسرائيليين على وضع «إطار دقيق للعمليات وأهدافها». وأضافت المصادر أن هناك «خشية في واشنطن من إقدام قيادة إسرائيل على خيار توسيع العمليات من دون العودة إلى الأميركيين»، وهو ما عبّرت عنه صحيفة «نيويورك تايمز»، إذ نقلت عن مسؤولين أميركيين «احتمال عدم معرفة» ما تريد إسرائيل القيام به في نهاية الأمر.
وفي ما يتعلق بالمفاوضات حول الأسرى، قالت مصادر معنية لـ«الأخبار» إن رفض العدو أي اتفاق لوقف إطلاق النار يتعارض مع جوهر الاتصالات الجارية بوساطة أميركية – قطرية – مصرية، تهدف إلى إنجاز اتفاق جزئي إن لم يكن كلياً. وأضافت أن المقاومة جزمت للوسطاء بأنها ليست في وارد تقديم أي تنازل، وهي مستعدّة لصفقة كاملة بشروط واضحة، أو لصفقة جزئية ولكن بأثمان واضحة، وفي الحالتين فإن وقف إطلاق النار شرط حيوي لتنفيذ أي اتفاق. وعلمت «الأخبار» أن رئيس الموساد ديفيد بارنيا زار القاهرة والدوحة موفداً من نتنياهو.
وبعد نشر كتائب القسام شريط فيديو لثلاث أسيرات إسرائيليات طالبن حكومتهن بإنجاز صفقة تبادل لإطلاقهن، زعم جيش العدو أنه نجح في تحرير مجنّدة أسيرة لدى المقاومة وسط غموض يحيط بالعملية، إذ تبيّن أن المجنّدة كانت قد نشرت في 12 من الشهر الجاري تغريدة على منصة «أكس»، فيما نفى عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق الأمر، مؤكداً أن «هذا الإعلان هدفه التشويش على فيديو الأسيرات الذي بثّته كتائب القسام وأحدث صدمة كبيرة لدى المجتمع الصهيوني». وأضاف أن «هذه المزاعم هي محاولة للهروب من الضغط الذي يمثله ملف أسرى الاحتلال على نتنياهو وحكومته».
وقالت مصادر فلسطينية إن مصر طلبت من قيادات في حماس الحضور إلى القاهرة لتسريع الاتصالات. وكشفت أن مسؤولين من سبع دول أجنبية على الأقل، تواصلوا مع قيادة الحركة للسؤال عن أسرى أو مدنيين من حملة جنسيتها، وادّعوا بأنهم يمارسون ضغوطاً على إسرائيل. ونقلت المصادر عن المفاوضين أن كل الأطراف المشاركة في الاتصالات تبدي خشيتها من تعنّت العدو ورفضه اتفاقاً قابلاً للتطبيق. وشدّدت على أن المقاومة «لن تقبل بصفقة لا تشتمل على وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح معتقلين من سجون العدو وإدخال كل المساعدات الموجودة في منطقة العريش»، إضافة إلى البدء في برنامج إيواء العائلات التي دُمرت منازلها أو نزحت إلى مناطق أخرى في القطاع.
وأكدت المصادر الفلسطينية أن الأميركيين وغيرهم في المنطقة يعرفون وقائع ما يجري على الأرض، وأن العدو غير قادر على تحقيق أي إنجاز نوعي في حربه البرية، وأن محاولة رهن صفقة التبادل بمجريات العملية العسكرية سيعقّد الأمور أكثر، وسيرفع شروط المقاومة يوماً بعد يوم. وأشارت إلى أن القاهرة أبلغت القوى الفلسطينية بأنها حصلت على موافقة أميركية لإدخال نحو 750 شاحنة من المساعدات خلال أسبوع إلى القطاع، لكنّ الجانب الإسرائيلي يعيق العملية.
حزب الله يواصل العمليات: لدينا وضوح في الرؤية
فيما بدأ حزب الله ترتيباته اللوجستية لتنظيم احتفالات في عدة مناطق من لبنان لتكريم شهداء المقاومة في معركة التضامن مع غزة، ينتظر اللبنانيون والمنطقة المواقف التي سيطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الجمعة المقبل. في غضون ذلك، حافظ حزب الله على وتيرة تصدّيه للاعتداءات الإسرائيلية عبر مواصلة استهداف التجهيزات الفنية والتجسّسية لمواقع العدو في بياض بليدا والمطلة ورأس الناقورة البحري وجل العلام وثكنة برانيت.
سياسياً، جدّد الحزب موقفه الداعم للمقاومة في غزة. وقال رئيس كتلة الوفاء النيابية محمد رعد: «نحن لا نطلق شعارات، وإنما نحمي ثغورنا ونقف جاهزين منفتحين على كل التطورات التي نواكبها ونلحظها لحظة بلحظة، لنطوّر موقفنا في ما يحقق مصلحتنا ومصلحة بلدنا وأهلنا في غزة ومصلحة قضية فلسطين»، مشدداً على أن «لنا كل الوضوح في الرؤية التي نتصرف بموجبها، ونحن معنيون بأن نمارس كل الضغوط منفردين ومجتمعين من أجل وقف العدوان».
*اللواء: إجراءات لمنع التفلُّت جنوباً.. والمقاومة على تكتيكها الحربي
بالأشهر، تدخل حرب غزة، وارتباطاً بها الاشتباك الخاضع لحسابات دقيقة في لبنان، غداً شهرها الثاني. فالمقاومة الشجاعة في غزة على سلاحها في اسقاط اهداف الحرب، وآخرها محاولة تقسيم غزة، على الرغم من اهوال الدمار. وشلالات الدم والقتل والمجازر المرتكبة بحق الاطفال الصغار والنساء الصابرات، وكبار السّن، الذين يعتبرون الموت في أرضهم شهادة على الانتصار والحياة الحرة الكريمة..
وكرَّر وزير (الحرب) الاسرائيلي يوآف غالانت اعتبار ضربات غزة بمثابة رسالة واضحة لحزب الله، وفقاً لما كانت أشارت اليه «اللواء» امس من ان مسؤولين أمنيين وعسكريين حاليين وسابقين يدعون لضم حزب الله الى حماس، لجهة الضربات التدميرية، او استهداف الاماكن الآهلة بالسكان وتدمير المنشآت.
وقال غالانت: «نحن في حالة دفاع على جبهة لبنان، وقواتنا جاهزة للرّد على أي عدوان من الشمال».
وسط ذلك، يمضي حزب الله في تكتيكه الحربي في الجنوب، لجهة استهداف المواقع المعادية، وإلحاق الخسائر بصفوفه، والحرص على عدم توسع الاشتباك باتجاه المدنيين، والحد من الخسائر البشرية.
وفي السياق كشفت مصادر قريبة من اليونيفل والجيش اللبناني، ان اجراءات يقوم بها الجيش اللبناني لمنع التفلت جنوباً.
وقالت المصادر ان الوحدات العسكرية لا تألو جهداً في مسح مواقع اطلاق الصواريخ وتفكيكها، نظراً لمخاطر ذلك على اهالي الجنوب، الذين يصرون على عدم تفويت الزراعات الموسمية، وقطاف الزيتون وتسليم التبغ.
وأكدت أوساط سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن المخاوف من استدراج لبنان إلى الحرب لا تزال على حالها ولذلك اطلقت قيادات سياسية وكتل نيابية نداءات بشأن هذه المخاوف، وأن اتصالات تولاها مقربون من حزب الله لمنع الانزلاق إلى هذه الحرب التي يشنها العدو الإسرائيلي، مشيرة إلى أن التوجه المرتقب للحزب يتظهّر من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في حين أن أي تأجيل لها سيكون له مدلولاته.
إلى ذلك افادت الأوساط نفسها أن التطورات في غزة والجنوب تحضر في جلسة مجلس الوزراء ويتحدث الرئيس ميقاتي عن اتصالاته ولقاءاته في هذا الشأن في حين أن جلسة مجلس النواب لمناقشة خطة الطوارىء تنتظر تأمين النصاب حولها.
اما عن تعيين أعضاء المجلس العسكري في مجلس الوزراء، فإن الأوساط نفسها استبعدت التعيين في هذه الجلسة لأن المناخ المرافق له لم يحسم بعد.
الجمهورية: الحدود تزداد اشتعالاً وإسرائيل تُهدّد... والنصائح تتوالى بإبعاد لبنان عن الحرب
كتبت صحيفة "الجمهورية": بلغت الحرب التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة مستوى من التدمير والإبادة الجماعيّة ما لا يتصوّره عقل بشري، ولا أحد حتّى الآن يملك إجابات حول مداها، وإلى أين ستتدحرج كرة نارها، وأيّ سيناريوهات شيطانية مُعدة لغزة وللمنطقة بصورة عامة، وأيّ واقع سينتج عنها ؟ فيما هدّد وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت بأنّ ما يحدث في غزة هو رسالة لـ«حزب الله»، وقال: «نحن في حالة دفاع على جبهة لبنان وقواتنا جاهزة للرد على اي عدوان من الشمال».
الثابت الوحيد هو أنّ غزة تحترق، وكل العالم مذهول، بما فيه الدول الغربية التي أجازت لأسرائيل ما سَمّته «حق الدفاع عن نفسها»، فأيّ من تلك الدول حتى الأقرب الى اسرائيل، لم تتجرّأ على تغطية علنيّة لهذا الاجرام الذي لم تشهد البشرية مثيلاً له على مرّ التاريخ. ووجدت نفسها مضطرة لأن تطلب ما تسميها هدنة انسانية او فتح ممرات اسعافية لإغاثة المدنيين، من دون أن ترقى في مواقفها الى رفع الصوت بوجه اسرائيل لتوقف هذه المحرقة.
هذه الحرب المجنونة، في أسبوعها الرابع، والهدف الذي حدّدته اسرائيل بسحق حركة «حماس»، ترجَمته بالفتك بالمدنيّين واغراق غزة بدماء اطفالها ودفنهم تحت ركامها، من دون أن تتمكن من إلحاق الضرر ببنية «حماس» وشل قدرتها على مواجهة هذه الحرب. وهو الامر الذي دفع نتنياهو إلى تخفيض سقف طموحه، حيث تراجع به من «سحق حماس» الى «القضاء على قدرات «حماس» وليس القضاء عليها».
تشكيك
الاعلام الاسرائيلي، وكذلك كبريات الصحف العالمية والاميركية على وجه الخصوص، باتت تطرح تساؤلات حول ما حققته هذه الحرب منذ بدايتها وحتى اليوم. وتشكّك في قدرة اسرائيل على تحقيق هدف نتنياهو. واللافت في هذا السياق ما صرّح به جنرالات سابقون في الجيش الاسرائيلي من بينهم رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك الذي قال انه «لا يوجد سبيل للقضاء على حماس بشكل كامل، فهي حركة «أيديولوجية، وهي موجودة في أحلام الناس وفي قلوبهم وفي عقولهم». وايضاً رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت الذي اعتبر «ان حماس أصبحت أقوى مما هي عليه، وبات من المستحيل الآن إزالتها من غزة»، بالتوازي مع اصوات تتعالى من اكثر من مستوى داخل المجتمع الاسرائيلي ضد نتينياهو، وتصِف حكومته بـ»حكومة العار»، وتدعو اسرائيل الى قبول فكرة الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين الستة آلاف مقابل استعادة جميع الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، على ما قال وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق شاؤول موفاز.
رسالة الأسيرات
يُشار في هذا السياق الى أن «حماس» بثّت امس مقطع فيديو لثلاث اسيرات اسرائيليات توجّهنَ فيه برسالة الى نتنياهو قالوا فيها: نحن محتجزات منذ 23 يوما، وكان يجب ان يكون هناك وقف لاطلاق النار، وكان يجب ان تطلقوا سراحنا جميعاً. نحن بريئات ندفع ثمن موقفك السياسي والعسكري».
وقالت الاسيرات: في 7 تشرين الاول، لم يكن هناك جيش، ولم يأت الينا احد. موقفك يعني انك تريد قتلنا لأنك وعدت بإطلاق سراحنا، وبدلاً من ذلك ما زلنا في الاسر. أطلقوا سراح الفلسطينيين في سجونكم لتحريرنا».
وقد اعتبر نتنياهو هذا الفيديو «دعاية نفسية قاسية»، وقال: «سنبذل قصارى جهدنا لإعادة الجميع الى وطنهم».
الحدود تزداد اشتعالاً
وفيما أمضت غزة أمس يوماً دموياً وتدميرياً جديداً، نفذ فيه الجيش الاسرائيلي غارات جوية مكثفة على المناطق المأهولة في القطاع، بالتزامن مع استمرار المقاومة الفلسطينية باستهداف المستوطنات والمدن الاسرائيلية بالقصف الصاروخي، تزداد جبهة الحدود اللبنانية الجنوبية اشتعالا يوما بعد يوم، حيث واصَل «حزب الله» عملياته العسكرية ضد المواقع الاسرائيلية، واعلن امس عن استهداف ثكنة برانيت، والتجهيزات الفنية لموقع المطلة بالاسلحة المناسبة، وتحقيق اصابات فيه، وكذلك استهداف موقع بياض بليدا وحاميته وتجهيزاته الفنية والتجسسية. وايضاً التجهيزات الفنية في موقع رأس الناقورة البحري، فيما نفّذ العدو قصفا مركّزا على خراج راميا وعيتا الشعب حيث أفيد عن اصابة احد المنازل، واطراف بلدة بليدا، والحَي الجنوبي لبلدة كفر كلا، والمنطقة الواقعة بين دير ميماس وكفر كلا حيث تعرّضت لقصف بالقنابل الفوسفورية التي طالت ايضا مزرعة الحمرا بين يحمر وزوطر واطراف شيحين والجبين ومدل زون، ورميش، اللبونة، ومرتفع بلاط في خراج بلدة مروحينن واحراج مزرعة بسطرة واطراف بلدة حلتا ووادي بلدة شبعا.
ترقّب حتى الجمعة
وفي موازاة التوتر على الحدود، تسود في الداخل اللبناني حال من الترقب لما سيقوله الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في اطلالته يوم الجمعة المقبل في تأبين «الشهداء على طريق القدس». في وقت تتزايد فيه المخاوف على أكثر من صعيد محلي من توسّع دائرة الحرب لتشمل لبنان، تعززها التحذيرات الدولية المستمرة من انزلاق لبنان إليها. وفي هذا السياق اعلن وزير الخارجية البريطانية «اننا نتحدث مع القيادة السياسية لجيران إسرائيل بما في ذلك لبنان ونعمل من أجل التأكد ألا يتطور الأمر لصراع إقليمي».
إستبعاد المواجهة
وفيما اكدت مصادر سياسية مسؤولة لـ«الجمهورية» استبعادها احتمال تطور الامور على الجبهة الجنوبية الى حدود حرب واسعة، قالت: الحدود أصلاً في حالة حرب، والوقائع العسكرية التي تجري على الجانبين تبدو انها السقف الاعلى للمواجهات، ولا شيء اكثر من ذلك. والملاحظ في هذا السياق ان عمليات «حزب الله» دقيقة ومدروسة، وفي المقابل لا تبدو اسرائيل راغبة بحرب قاسية على الجبهة اللبنانية، ومستوياتها السياسية والعسكرية تعتبرها حرباً اصعب عليها أضعاف المرات من الحرب مع «حماس». اضافة الى ان كل الموفدين الغربيين الذين يزوروننا يبدأون حديثهم معنا بأن اسرائيل لا ترغب بالحرب مع لبنان.
ولفتت المصادر الى أن عمليات «حزب الله» ومنذ اليوم الأول لانطلاقها جاءت لتؤكد لإسرائيل جهوزيته الكاملة لمواجهة اي طارئ على الحدود، وليس من موقع المبادر الى فتح جبهة الجنوب، وقد تحمّلَ الكثير من سقوط عشرات الشهداء في صفوفه، وحافظَ على وتيرة العمليات التي بدأها من دون ان يطور الامور الى مواجهة اعنف واوسع، لسبب اكيد وهو تجنيب المدنيين اي ضرر سواء في البلدات القريبة من الحدود او في مناطق اخرى. ثم انّ مسار الامور في غزة لا يبدو انه يستدعي فتح جبهة جديدة، فكما نرى جميعا انه رغم ضراوة القصف الذي تلقيه إسرائيل على غزة لم تحقق شيئا سوى اغتيال الاطفال والنساء وهدم الابنية، بل انها تعجز عن القيام بالعملية البرية التي هددت بها. بما يُفاقم مأزقها مع حماس، وبما يعمّق اكثر ما يسود في الداخل الاسرائيلي من انقسامات ومشاحنات وارباكات جراء عملية طوفان الاقصى والعدد الهائل من القتلى الاسرائيليين وكذلك الاسرى لدى حماس. في النهاية تستطيع اسرائيل ان تقصف وتهدم بالطائرات، إنما على الارض لن تحقق شيئاً.
تحوّل
وبحسب معلومات «الجمهورية» انّ وفد «حماس» الذي جالَ على بعض الشخصيات السياسية في الايام الاخيرة، قدّم صورة عن الواقع في غزة، والمجازر الفظيعة التي ارتبكتها اسرائيل في القطاع. امّا من الناحية العسكرية، فجزم الوفد بأنّ كل عمليات القصف من البرّ والبحر والجوّ على القطاع لم تؤثر على جهوزية المقاومة الفلسطينية واستعداداتها ومعنوياتها وقدراتها. العدو يريد ان يقضي علينا، وينهي قضية الشعب الفلسطيني، لكن غزة عصيّة عليه، وقرار المقاومة ان تجعل غزة مقبرة للاسرائيليين، ولديها من المفاجآت ما يذهل العدو، وهو يعرف ذلك، ولذلك يحارب الابنية ويَستقوي على المدنيين ويُجزّر بالاطفال.
الحرب ليست طويلة
على ان اللافت للانتباه في هذا السياق، انه في موازاة التلويح الاسرائيلي بحرب طويلة الأمد، يبرز مضمون «تقدير موقف» أعدّته جهة حزبية لبنانية، خلاصته: «إن أي حديث عن حرب طويلة ليس في مكانه، حيث ان نتنياهو أصاب فقط في أمر وحيد وهو ان الحرب صعبة، أما بالنسبة الى طول أمد الحرب كما توعّد، فقد لا تمتد اكثر من بضعة اسابيع. اولاً، لأن كلفة الحرب على جميع الاطراف عالية جدا. ومليارات الدولارات صرفت عليها، وبالتالي لا تستطيع اسرائيل ان تستمر في حرب عالية الكلفة لأجل طويل. وثانياً، لعدم قدرتها على تحقيق ما وعدت به بسَحق «حماس»، فحربها معها أشبَه بحرب مع اشباح حَسمها بسرعة غير مضمون. ومن هنا جاء تراجع نتنياهو عن سحق «حماس»، وحدّد هدف جيشه بإضعاف قدراتها. وثالثاً، ان نتيناهو يريد ان يحقق انجازا سريعا يرضي به المجتمع الاسرائيلي، لأنه يدرك سلفا انه سيسلخ لاحقاً، وهذا الانجاز ليس في متناوله حتى الآن، برغم التكتيكات والتعديلات التي يجريها جيش العدو بالنسبة الى ما خص العملية البرية. واكثر ما يقلق نتنياهو انه كلما طال امد الحرب من دون ان تحقق اسرائيل انتصارا صريحا وسريعا فيها، ستعتبره «حماس» انتصارا لها».
الأسرى يوقفون الحرب
الى ذلك، سألت «الجمهورية» سفيراً غربياً عن المشهد الذي يفترضه لمسار الحرب والنتائج التي ستنتهي اليها، فقال: بالدرجة الأولى، نشدد على الا يبادر اي طرف لبناني (يقصد «حزب الله»)، الى توريط لبنان بهذه الحرب، وقد أرسلنا رسائل بهذا المعنى الى «حزب الله»، ولم نلقَ سوى جواب عام يفيد بأن اسرائيل هي عامل تهديد للإستقرار.
اضاف: اما بالنسبة الى الحرب في غزة. فالإسرائيليون كانوا واضحين في اعلان هدفهم بالقضاء على «حماس» وهذا يشكل اولوية بالنسبة اليهم، وقادة اسرائيل تحدثوا عن حرب طويلة. ولكن الآن ثمة اولوية تتقدم على كلّ الاولويات الاخرى وهي موضوع الاسرى الاسرائيليين الذين يزيدون عن 200، والذي ارى انه قد يُعجّل بنهاية الحرب. فهذا الملف يشكل ثقلا هائلا على حكومة نتنياهو، واهالي الاسرى يتحركون في وجهه، والمجتمع الاسرائيلي قلِق حيالهم، وبالتوازي مع المفاوضات التي تجري (بين الاميركيين والقطريين) لصياغة تسوية تُفضي الى الافراج عنهم، فسيكون هذا الملف ضاغطا في اتجاه وقف اطلاق النار ما يعني وقف الحرب، ويَلي ذلك عملية تبادل للاسرى بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وفي خلاصة الامر كلما طالت الحرب، فإنها قد تُلحِق بهذا الملف تأثيرات وحسابات قد تزيده تعقيدا، ولذلك ارى ان ملف الاسرى الاسرائيليين ضاغط جدا في الوقت الراهن لحسمه على وجه السرعة، وكما قلت لا يحتمل وقتا طويلا».