لبنان
مواقف مستنكرة للقرار الأوروبي حول النازحين وتحذير من مخاطره
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم في بيروت بمواقف استنكرت القرار الأوروبي بخصوص النازحين السوريين، محذرة من خطورته واعتبرته تهربًا من المسؤولية تقوم به هذه الدول.
وفي وقت تشهد السياحة في البلاد حركة جيدة، لا تزال الملفات الكبيرة عالقة وتراوح مكانها، إذ ينتظر ملف رئاسة الجمهورية عودة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، فيما يمرّ الوقت والعد العكسي لانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع عدم التوصل إلى أي حلول، لا سيما بعد حسم نواب الحاكم الأربعة لخيارهم والحديث عن تقديمهم الاثنين المقبل استقالاتهم إلى الحكومة.
"البناء": تصاعد الرفض لقرار البرلمان الأوروبي في ملف النزوح
فيما شهدت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة هدوءاً حذراً بانتظار الوساطات الأميركية والأممية لجهة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قرية الغجر اللبنانية وموضوع الخيمتين في مزارع شبعا، تترقب الأوساط السياسية زيارة مبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان الى لبنان للكشف عما يحمله في جعبته من مبادرة أو اقتراحات جديدة، وبين هذا وذاك، بقي قرار البرلمان الأوروبي في ما يتعلق بالنازحين السوريين في لبنان في واجهة الاهتمام الرسمي، لما يشكله من اعتداء على السيادة اللبنانية وتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية وعبث بتركيبته الداخلية وأمنه واستقراره، وفق ما تشير مصادر سياسية لـ»البناء» والتي استغربت صمت وتقاعس الحكومة اللبنانية التي لم تقم بأي إجراء أو خطوة ديبلوماسية باتجاه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ولا حتى عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لبحث الملف، كما صمت المجلس النيابي، واقتصار الأمر على إطلاق المواقف السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما المطلوب قرار من مجلس الوزراء برفض القرار الأوروبي وزيارة عاجلة الى سورية برئاسة رئيس الحكومة ووفد وزاري لإجراء محادثات لإعادة النازحين الى سورية تدريجياً. وحذرت المصادر من مشروع خطير يجري إعداده للبنان لمزيد من تدمير الاقتصاد عبر إغراق لبنان بتداعيات النزوح لفرض تنازلات سياسية على لبنان.
ويُحذّر خبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية عبر «البناء» من دمج مليوني نازح سوري في المجتمع اللبناني ما يحمل مخاطر أمنية كبيرة لا سيما في حال أوقفت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعداتهم للنازحين وعمدت بعض الأجهزة الاستخبارية الى تسليح بعض المجموعات أو الخلايا الإرهابية وتكليفهم بمهمات أمنية لخلق فتن في لبنان، وتوقع الخبراء إعادة نشاط الهجرة غير الشرعية للنازحين السوريين الى أوروبا عبر البحر المتوسط. وحذر الخبراء الدول الأوروبية من أن قرارهم سيرتدّ سلباً على المجتمعات الاوروبية.
وأجمعت المواقف السياسية على استنكار القرار الأوروبي والتحذير من مخاطره.
وأشار رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الى أنّ القرار «مخالف لسيادة لبنان». ولفت في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى «أننا إذ نرفضه رفضًا قاطعًا، ندعو الدولة الى استكمال العمل الجدّي لتأمين عودة اللاجئين إلى بلادهم».
بدوره، أكّد المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، أنّ «القرار مجحف بشكلٍ متوازٍ بحق لبنان واللبنانيين وبحق سورية والسوريين، لكونه يضع عبئًا نأت على حمله قارة مثل أوروبا وتريد أن تلقي بثقله على لبنان».
ولفت إلى أنّ القرار «يحرّم السوريين من العودة إلى أرضهم وبلدهم ويريد أن يضعهم في ظروف هي أشبه بالإقامة الجبرية على الأراضي اللبنانية، لكي يضمن عدم تفكيرهم بالتوجه للبلدان الأوروبية عبر المتوسط»، مشددًا على أنّه «بئس القرار أن تضع مؤسسة التشريع الأوروبية اللبنانيين والسوريين، أمام خيارات كلها ساقطة بمفهوم السيادة الوطنية والقوانين الدولية».
كما اعتبر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أن «قرار البرلمان الأوروبي فيه ايجابية لناحية المطالبة بفرض عقوبات على المتورطين بالفساد ومعرقلي التحقيقات بقضايا الفساد المالي وانفجار المرفأ، وقد ذكر بالاسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي».
وفي تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اشار باسيل الى ان «في القرار أيضاً سلبية مرفوضة وهي متعلقة بموضوع إبقاء النازحين في لبنان، فبأي حق يطلب ذلك وهو قرار سيادي لبناني، وبأي سلطة يفرض على لبنان ما لا يقبله على دول الاتحاد الأوروبي، فسقف الهجرة لا يتخطى الـ30 الفاً لكل اوروبا بينما في لبنان 2 مليون نازح»، متسائلاً: «هل يتجرأ البرلمان الأوروبي على الحديث مع تركيا باللهجة نفسها؟».
ورأى باسيل أن «ابتزاز لبنان بوقف المساعدة والتمويل لأزمة النزوح فهو مرفوض و»ما يربّحونا جميلة» فمساهمة لبنان من خلال خسارته 50 مليار دولار هي أكثر بأربع مرات من كل مساهمات الدولة المانحة والتي بلغت 12 مليار دولار»، متمنياً أن تتخذ الدول الأوروبية مثل هذا القرار فهو سيساهم اما بعودة النازحين الى بلادهم او التوجه لأوروبا وعندها «ما يطلبوا منا نكون خفر سواحل» لمنع توجّه قوارب المهاجرين باتجاه أوروبا.
وفي سياق ذلك، أفادت قناة «أن بي أن» نقلًا عن مصادر مطلعة، بأنّ سفير الاتحاد الأوروبي لدى لبنان رالف طراف كشف أمام المجلس الأوروبي معطيات هامة في ملف النزوح، منها على سبيل المثال أنّ ليس كل النازحين السوريين في لبنان بحاجة إلى الحماية السياسية، التي تعتمدها مفوضية اللاجئين حيال إعطاء صفة «لاجئ»، ومن هؤلاء السوريين عمال موسميون أو مهاجرون اقتصاديون، وبالتالي لا يجب اعتبارهم لاجئين ولا حق لهم في المساعدات التي حصلوا عليها، لافتة إلى أنّ «الشروط الأممية لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، تكاد تكون غير قابلة للتحقيق».
وانتقد السفير طراف السياسة الفرنسية في لبنان، «والتفرد الفرنسي بالملف اللبناني، واصفًا الدور الفرنسي بأنّه يسير بمعزل عن موقف الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعله يستبعد أن يصل الفرنسيون في لبنان الى النتائج المرجوة، رغم كل الجهود التي تبذل بغية إنجاح مسعى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون».
وشدّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة على أن «لبنان يعيش بالتلاقي والتضامن والحوار، والمطلوب أن نحدث خرقاً وطنياً لأن السكوت والحياد السياسي وترك لبنان بغيبوبة، والإصرار على القطيعة السياسية، لا يمكن أن نسمّيه إلا خيانة، لأن البلد ينزلق باتجاه الأسفل أكثر، ومع ذلك فإننا في وضعنا الحالي تجاوزنا مرحلة لبنان يكون أو لا يكون».
واعتبر أن «داتا النزوح ضرورة وطنية، والنزوح أزمة إنهاكية لبنية البلد وتركيبته وأسواقه ويده العاملة، واليد الأجنبية تجتاح كل شيء، وما يجري كارثة في حق اليد اللبنانية وأصحاب العمل، فيما اللعبة الدولية تعمل على تغيير وجه لبنان الديموغرافي والاجتماعي». ووجّه قبلان خطابه للقوى السياسية والحكومة اللبنانية معاً بالقول: «إن الاتحاد الأوروبي يتآمر على لبنان بخصوص النازحين، والبرلمان الأوروبي يتعامل مع لبنان كمنفى للاجئين، ويقود حملة دولية لوصم لبنان بالعدائية والكراهية والعنصرية، بخلفية إبقاء النازحين بعيداً عن حدائق أوروبا، وأثبتت أوروبا في هذا المجال أنها نازية وفاشية وطاغية، وذات استبداد لا نهاية له». وأكد قبلان أن «المطلوب حماية لبنان من لعبة الأمم، وطريق بيروت – دمشق وسيلة إنقاذية استراتيجية، وكذلك العلاقة فوق العادة مع دمشق ضرورة حيوية لسورية ولبنان».
"الأخبار": خامس حاكم لمصرف لبنان كيف يخرج وأين يكون؟
كلٌّ ممن سبق رياض سلامة إلى حاكمية مصرف لبنان غادر منصبه كمثل يوم دخل إليه آمناً: فيليب تقلا ظل يُعيّن وزيراً للخارجية، الياس سركيس صار رئيساً للجمهورية، ميشال الخوري تقاعد وهو على مشارف مئويته اليوم، إدمون نعيم انتُخب نائباً. الموارنة الثلاثة الأخيرون راموا رئاسة البلاد، فلم يفز بها إلا ثانيهم. إلا أن أحداً لا يعرف كيف سيغادر سلامة خامسهم، الأطول عمراً من بينهم، وأين يكون؟
منتصف ليل 31 تموز هو آخر موعد للحاكم المنتهية ولايته رياض سلامة في مكتبه في مصرف لبنان مُذ اتّخذه مسكناً له بعد 17 تشرين الأول 2019. دخل إليه بقرار من الرئيس رفيق الحريري ويغادره وحيداً. آخر مَن تبقّى من رموز الحريرية السياسية في نظام ما بعد اتفاق الطائف. يوم تسلّمه منصبَه كان محاطاً بطبقة سياسية منبثقة من انتخابات 1992 أضحت تدريجاً، بعد اغتيال الحريري، ملاذه. احتمى أولاً بمَن عُدّ الوارث الموقّت للرئيس الراحل في الحكم الرئيس فؤاد السنيورة رئيس حكومة الغالبية عام 2005، ثم صار منذ عام 2009 في حمى الرئيس سعد الحريري الذي لم يتردد في أن يطلب عام 2015 ـ وهو يفاوض النائب السابق سليمان فرنجية على تأييد انتخابه رئيساً للجمهورية ـ إبقاء سلامة في منصبه. ما لم يحزه من فرنجية أعطاه إياه الرئيس ميشال عون في التسوية البديلة المبرمة السنة التالية، بإعادة تعيينه عام 2017 لولاية جديدة. باندلاع أحداث 17 تشرين الأول 2019 أضحى سلامة في حمى الطبقة السياسية برمّتها، بخليطها الطائفي ونفوذها لستر ارتكاباته على مرّ العقود المنصرمة في ما تواطأ والطبقة نفسها عليه معها. في آخر الشهر يخرج وحيداً وتبقى بعده. من غير المستبعد أن لا تتنصل منه بمرور الوقت. ليس وحده المسؤول إلا أنه واجهةُ ما حدث وقَبِلَ بأن يفعل.
يوم قيل قبل ثلاثة عقود إنه سيكون الحاكم المقبل لمصرف لبنان بعد ميشال الخوري، ظُن أنه اكتشاف استثنائي. في الواقع رُوَّج له دونما أن ينتفخ حجمه أكثر من أنه موظف يستمد دوره ـ لا موقعه ـ من كونه أحد مساعدي الحريري الأب الموثوق به الملمّ بمهنته والكفيّ. أعدّ الرئيس الراحل بعناية إيصاله إلى منصبه تدريجاً. طلب أولاً من سلفه ميشال الخوري التنحي الإرادي قبل انتهاء ولايته بأن شجّعه على الاستقالة قبل سنتين من موعد انتخابات رئاسة الجمهورية المقرّرة عام 1995، عملاً بالمادة 49 من الدستور، كي يتسنى له الترشح ويدعم بدوره إيصال المرشح المزمن منذ عام 1970 إلى المنصب خلفاً للرئيس الياس هراوي.
الخطوة التالية، طلب الحريري من النواب الأربعة للحاكم (محفوظ سكينة ومروان غندور وغسان عياش وكارابيت كالاجديان) الاستقالة الطوعية هم الآخرون قبل سنة ونصف سنة من نهاية ولايتهم تمهيداً لإرفاق تعيين سلامة على رأس مصرف لبنان عامذاك بفريق عمله. أعد لإقصائهم بالتحدث إلى مرجعياتهم وحصل على موافقتهم الفورية بالتخلي عنهم. أقرن هذا الإجراء بإيفاد وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة إلى الرئيس سليم الحص الذي كان على رأس حكومته عيّن النواب الأربعة أولئك في كانون الثاني 1990، كي يحوز تأييده إبعادهم عن مناصبهم لإحلال طاقم جديد. سأل الحص الوزير الزائر هل هم مرتكبون؟ فردّ بالنفي. أخطره بأن في وسع الحكومة أن تفعل ما تريد إن أرغموا على الاستقالة إلا أن في وسعهم أيضاً هم مقاضاتها لدى مجلس شورى الدولة والحصول على قرار بنيلهم تعويضات السنوات الخمس كاملة في ولايتهم وإن أبعدوا عنها قبل سنة ونصف سنة من موعدها. أطلع السنيورة الحريري على الجواب، فكان الجواب على الجواب، المألوف لدى رئيس الحكومة، تسديد تعويضات السنوات الخمس والتخلص منهم. ذلك ما حصل في 31 تموز 1993. راتب نائب الحاكم آنذاك 1800 دولار أميركي، فيما استهلّ خلفاؤهم النواب الأربعة الجدد ولايتهم مطلع الشهر التالي براتب 20 ألف دولار شهرياً. يوم طلب منهم الحريري الاستقالة الطوعية في حضور ميشال الخوري والسنيورة، تذرّع بإعادة تنظيم المؤسسات في مرحلة ما بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة، واعداً بعضهم بإبقائهم في مناصب عالية في القطاع العام كانت في الواقع ثانوية قياساً بما كانوا عليه، بيد أن المطلوب التخلص منهم لإحاطة نفسه بسلامة وفريقه وإن بتسمية مرجعياتهم الطائفية الجديدة في مرحلة ما بعد انتخابات 1992.
ماذا لو خرجت من الجارور سابقة ميشال الخوري عام 1984؟
حدث ذلك في الماضي كي يدخل سلامة محاطاً براعٍ استثنائي هو الحريري. بانقضاء العقود الثلاثة يغادر منصبه متنكباً ـ إلى الجوائز التي نالها كأحسن حاكم مصرف مركزي شرق أوسطي ـ استنابتين من الإنتربول وملاحقة سبع دول أوروبية له وحجزاً على أملاكه وأرصدته وعشرات الدعاوى وادّعاء الدولة اللبنانية عليه. إلى كمّ من الفضائح مرتبطة باتهامات شتى من بينها اختلاس وتبييض أموال وإثراء غير مشروع وتزوير، قبل الوصول إلى يوم تغسل فيه الطبقة السياسية يدها منه كما فعل بعضها من قبل عندما غسلوا أيديهم من دمشق وارتكاباتهم في الحقبة السورية بكل ما انطوت عليه من إثراء وإهدار مال عام ومناصب.
يبدو ذلك كله أيضاً من الماضي.
إلى أن يرحل الرجل أخيراً لا تزال المرحلة التالية غامضة. نوابه الأربعة الحاليون هدّدوا بالاستقالة ما لم تُطلق أيديهم في إدارة السياسة النقدية في المرحلة المقبلة بما في ذلك وقف تدخّل السياسيين في شؤونهم وفي إجراءات قد يعتزمون اتخاذها، مع أنهم يعرفون سلفاً أنهم ودائع مرجعياتهم في مصرف لبنان. استقالتهم الجماعية المزمع الإعلان عنها لا تصبح نافذة ما لم يوافق مجلس الوزراء عليها. إذا وافق يطلب منهم تسيير أعمال مصرف لبنان ريثما يُعيّن حاكم جديد ونواب حاكم جدد. في الأثناء هذه يتحمّلون التبعات والمسؤوليات كاملة وإن حُسبوا مستقيلين. ليس في وسع حكومة تصريف الأعمال الالتئام لتعيين خلف لسلامة في ظل رفض حزب الله ـ وهو الأصل في القرار ـ المشاركة في الجلسة، ناهيك برفض القوى المسيحية هذا التعيين. بدوره الرئيس نجيب ميقاتي جزم بعدم تعيين خلف لسلامة. قال أيضاً بعدم تمديد ولاية الحاكم الراحل قريباً، مع أن الخيار لم يُطوَ تماماً في ظل استمرار عرقلة الوصول إلى المخارج المقبولة الانتقالية، من بينها تسلّم النائب الأول الشيعي وسيم منصوري صلاحيات الحاكم. على أن تأكيد الأفرقاء المعنيين أن سلامة لن يبقى في منصبه بانتهاء ولايته منتصف ليل 31 تموز لا يحول دون التفكير في سابقة موقّتة انتقالية كانت قد حدثت.
في 4 أيلول 1984 أصدرت حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس أمين الجميّل القرار الرقم 3 بناءً على اقتراح وزير المال الرئيس كميل شمعون وموافقة كرامي، قضى بـ»الطلب إلى حاكم مصرف لبنان ميشال الخوري متابعة ممارسة مهماته إلى أن يتم تعيين حاكم ونواب حاكم للمصرف». كانت انقضت ولاية ميشال الخوري وتعذّر الاتفاق على خلفه فاستمر في منصبه طوال أربعة أشهر إضافية خلافاً لقانون النقد والتسليف المحدِّد ولاية الحاكم بست سنوات لا تزيد يوماً ولا تنقص آخر، إلى أن عيّن مجلس الوزراء في 15 كانون الثاني 1985 الدكتور إدمون نعيم خلفاً له بالمرسوم الرقم 2189. في الجلسة نفسها عُيّن أيضاً ثلاثة نواب جدد هم الأول الشيعي حسين كنعان والثاني الدرزي مجيد جنبلاط والثالث السنّي سمير عكاري. بعد خمسة أشهر في 6 أيار عُيّن رابعهم الأرمني مكرديش بولدغيان.
"الجمهورية": الاستحقاق جامد والحراك غامض.. وإستقالة نواب الحاكم الاثنين
أربعة ملفات تتصدّر واجهة الاهتمامات المحلية والاقليمية والدولية دفعة واحدة في هذه المرحلة، وكل منها يرتبط به مصير البلاد راهناً ومستقبلاً، ولكن المعالجات في شأنها لا تزال بطيئة حيناً ومنعدمة احياناً، ولكن قضية حاكمية مصرف لبنان بدأت تضغط في اتجاه حسمها، في ضوء انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة نهاية الشهر الجاري. خصوصاً انّ نواب الحاكم الاربعة يتّجهون للاستقالة من مهمّاتهم الاثنين المقبل، الامر الذي سيهدّد بحصول فراغ في السلطة المصرفية الى جانب الفراغ الرئاسي القائم.
على صعيد الاستحقاق الرئاسي، فإنّه يعيش جموداً في انتظار الجولة الجديدة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان والاجتماع الموعود للمجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، ولم يرشح اي شيء امس عن لودريان الموجود في الخليج، وسيشارك في هذا الاجتماع الذي قيل انّه سينعقد في قطر، وسط معلومات عن وجود تباين بين اركانه حول سبل مقاربة الوضع اللبناني واستحقاقاته التي هي محور انقسام عمودي بين الأفرقاء السياسيين المعنيين.
وفي هذا السياق، أشارت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، خلال احتفال في قصر الصنوبر في مناسبة العيد الوطني الفرنسي، إلى أنّ «الوساطة الفرنسية ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادىء بين أفرقاء لا يتحدثون مع بعضهم»، وذكرت متوجّهة إلى اللبنانيين، أنّه «يمكنكم في لحظة يقظة جماعية أن تطلقوا العنان للتغيير». وقالت إنّ «الخطوة التي قام بها رئيس الجمهورية (ايمانويل ماكرون) عبر اقتراح وساطة جان-إيف لودريان، إنمّا تتوجّه إليكم، وإلى لبنان هذا بالذاّت. هي خطوة تهدف إلى جمع بلدان المنطقة والمجتمع الدولي التي ما زالت تهتمّ بمستقبل لبنان، وقد أصبح وجودها نادرًا. كما ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادئ بين فرقاء لا يتحدثّون مع بعضهم البعض، علماً أنّه يقع على عاتقهم جميعاً إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كي يعملا لمصلحة لبنان واللبنانيين. الهدف ليس الحلول مكانهم بل محاولة مواكبة إعادة إطلاق عجلة مؤسساتكم، فهذا شرط مسبق لا بدّ من توافره لكبح انهيار لبنان ودولته».
وأضافت: «منذ ثلاث سنوات، لم يكفّ رئيس الجمهوريّة عن حشد الجهود وحمل قضيّة لبنان ودعمه، وتجنيد طاقاته من أجل لبنان ومن أجل شعبٍ وقع ضحيّة تسويف حكّام. كنّا وما زلنا حاضرين على كافة الجبهات، على الرغم من كلّ شيء، ونحن نقوم بذلك بكلّ وعي وإدراك، ولكن أيضاً بكلّ نبُل، فاللبنانيّون يستحقوّن نبُل القلب. أنتم تستحقّونه فعلاً».
وشدّدت غريو على أنّ «لبنان ليس على ما يرام. يطيب للبعض أن يعتقدوا اليوم أنّه تمّ تجاوز الأزمة. غير أنّ الّاستقرار الحالي إستقرار خادع». ورأت أنّه «ينبغي البدء بتطبيق اللامركزية التي نصّ عليها إتفاق الطائف». لافتة إلى أنّ «رسالة لبنان منذ البدء تقضي بأن يكون بوّابة بين الشرق والغرب، تطلّ على البحر الأبيض المتوسط وعلى جبله، وبأن يكون مساحةً للتعايش في سلام بين جميع الذين وجدوا فيه ملجأ على مرّ تاريخه، ومن أجلهم جميعاً. وهي رسالة جميلة، كما أنهّا ركيزة من ركائز هويّتكم. وهي ميزتكم الفريدة في المنطقة ومصدر قوّة هائلة كما أنّها ضمانتكم الوحيدة للمستقبل».
وفي انتظار تبلور طبيعة المشهد مع عودة لودريان، أكّد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب مروان حمادة، أنّ «الدول المشاركة في اجتماع الدوحة، لم تتفق بعد على رؤية موحّدة إزاء التعاطي مع الأزمة اللبنانية»، مستبعداً «أي تطور حاسم في المدى المنظور في سبيل انهاء الفراغ الرئاسي».
استقالات
وعلى صعيد قضية مصرف لبنان، دخل تموز نصفه الثاني وبدأ حبس الأنفاس لمعرفة مصير الحاكمية بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة. وعلمت «الجمهورية»، انّ نواب الحاكم الاربعة حسموا خيارهم وسيتقدّمون الاثنين المقبل باستقالاتهم الى مجلس الوزراء، وسيكلّفهم وزير المال تصريف الاعمال الى حين تعيين حاكم جديد، على ان يُدرس موضوع الاستقالة في جلسة لمجلس الوزراء.
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، من مصادر مالية، انّ مشروع قانون الموازنة لسنة 2023 شارف على الإنجاز وسيُسلّم في غضون اسبوع الى الامانة العامة لمجلس الوزارء ليوزع على الوزراء لدرسه، تمهيداً لتحديد جلسات متتالية لدرسه وإقراره وإحالته على مجلس النواب.
القرار الاوروبي
في غضون ذلك، تفاعل قرار البرلمان الاوروبي القاضي بإبقاء النازحين السوريين في لبنان، وتوالت ردود الفعل الداخلية المستنكرة له، لما يشكّله من مخاطر على لبنان، واعتبرته تهرباً اوروبياً من تحمّل المسؤولية، ومحاولة اوروبية لاستخدام ورقة النازحين ضدّ النظام السوري.
وفي هذا الاطار، اعتبر رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، في تغريدة له، أنّ «القرار الصادر عن الاتحاد الاوروبي في شأن اللاجئين السوريين قرار مخالف لسيادة لبنان. وإننا إذ نرفضه رفضاً قاطعاً، ندعو الدولة الى استكمال العمل الجدّي لتأمين عودة اللاجئين الى بلادهم».
وعلّق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على القرار الأوروبي، قائلاً: «بأي حق يطلب ذلك، وبأي سلطة يُفرض علينا ما لا يقبله على دوله؟»، فليوقف الأوروبيون تمويل النازحين». سائلاً: «بأي حق يطلب ذلك؟ وبأي سلطة يفرض على لبنان ما لا يقبله على دول الاتحاد الأوروبي، فسقف الهجرة لا يتخطّى الـ30 ألفاً لكل أوروبا، بينما في لبنان 2 مليون نازح»، متسائلاً :»هل يتجرأ البرلمان الأوروبي على الحديث مع تركيا بنفس اللهجة؟».
وقال: «إذا كانت الدول الأوروبية مهتمة بعودة النازحين فلتساهم بتمويل عودتهم أو فلتأخذهم إلى أوروبا»، مشدّداً على أنّ «الحق على لبنان بسبب تخاذل المسؤولين، والمطلوب اجراءات ديبلوماسية فورية من الخارجية بحق موظفي مفوضية اللاجئين والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ردّ من مجلس النواب بقرار واضح وملزم للحكومة ببدء تنظيم العودة الكريمة والآمنة، بموازاة تحرك شعبي غير معادٍ إنما ضاغط سلمياً لتشجيع عودتهم».
واكّد المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل عبر «تويتر»: «انّ قرار البرلمان الأوروبي هو قرار أقل ما يُقال فيه إنّه مجحف بشكلٍ متوازٍ بحق لبنان واللبنانيين وبحق سوريا والسوريين، لكونه يضع عبئاً نأت على حمله قارة مثل أوروبا، وتريد أن تلقي بثقله على لبنان». واضاف: «هو يحرم السوريين من العودة الى أرضهم وبلدهم ويريد أن يضعهم في ظروف هي أشبه بالإقامة الجبرية على الاراضي اللبنانية لكي يضمن عدم تفكيرهم بالتوجّه للبلدان الاوروبية عبر المتوسط. بئس القرار أن تضع مؤسسة التشريع الاوروبية اللبنانيين والسوريين أمام خيارات كلها ساقطة بمفهوم السيادة الوطنية والقوانين الدولية».
وبدوره رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان غرّد عبر «تويتر» قائلاً: «المواقف المندّدة بقرار البرلمان الأوروبي المتعلق بالنازحين السوريين في لبنان لا تسمن ولا تغني ولا تبرئ ذمّة البعض من تقصيرهم منذ البداية في مواجهة هذا الواقع أو العمل الجدّي على معالجته وتغييره بالتعاون مع الاحزاب والكتل النيابية الاوروبية التي عارضته وعلى رأسهم thierry mariani وزملاؤه في التجمّع الوطني، ولا سيما رئيسه Jordan Bardella». وختم: «الى اللقاء في تشرين الأول في ستراسبورغ للقاء موسّع في البرلمان الاوروبي حول هذه القضية».
إقرأ المزيد في: لبنان
09/11/2024