لبنان
تحركات سياسية لحل الأزمة الرئاسية بعد عطلة العيد.. وفرنجية يعلن ترشحه رسميًا اليوم
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر يوم الأربعاء من بيروت على الحركة السياسية التي عادت بتثاقل بعد عطلة عيد الفطر والتي تمحورت حول الأزمة الرئاسية، بانتظار إعادة تسخين خطوط التواصل الداخلية والخارجية، في ظل استمرار الرئاسة الفرنسية في مساعيها لتذليل العقبات أمام انتخاب رئيس للجمهورية، بالتوازي مع طرح مبادرات حوارية داخليّة عدة في محاولة للتفاهم على مرشح توافقي.
كما تناولت الصحف إطلالة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لاعلان ترشحه "رسميًا" مساء اليوم عبر محطة "الجديد" وشرح برنامج أهدافه وتعهداته وحيثيات التحالف الذي رشحه قبل ان يعلن ترشحه بنفسه.
"البناء": تقدُّم فرنجية وعجز معارضيه عن تقديم منافس أمام تحول المداخلة الخارجية نحو عدم التسمية
تستمرّ حالة الجمود الرئاسي في ظل تموضع الأطراف المعنية نيابياً عند مواقفها، لكن المشهد المتمثل بتقدم المرشح سليمان فرنجية بتجميع أكثر من 50 صوتاً مؤيداً لانتخابه، مقابل عجز معارضيه عن تقديم مرشح منافس جدي، بعدما فقد ترشيح النائب ميشال معوض تأييد كتل وزانة أبرزها اللقاء الديمقراطي وعدد من النواب المستقلين، والمصاعب التي تعترض طرح اسم قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يحتاج انتخابه لتعديل الدستور، فرض على المداخلة الخارجية، سواء الفرنسية المتحمّسة لخيار فرنجية، أو السعودية المتكتمة عن أي ترشيح، أن تلتقي تحت عنوان الابتعاد عن التسمية وجعل العنوان البديل هو دعوة النواب لممارسة مسؤوليتهم الدستورية بانتخاب رئيس على قاعدة أن زمن تعطيل النصاب كحق دستوري بات يعني الخراب، وأن التنافس الديمقراطي صار حاجة وجودية لبقاء لبنان وخروجه من النفق المظلم.
وانعكست عطلة عيد الفطر استرخاءً سياسياً وبطبيعة الحال برودة على الملف الرئاسيّ، بانتظار إعادة تسخين خطوط التواصل الداخلية والخارجية، في ظل استمرار الرئاسة الفرنسية في مساعيها لتذليل العقبات أمام انتخاب رئيس للجمهورية، بالتوازي مع طرح مبادرات حوارية داخليّة عدة في محاولة للتفاهم على مرشح توافقي.
وعلمت «البناء» أن الفرنسيين مستمرون بمبادرتهم واتصالاتهم مع كل المعنيين وعلى كل المستويات لتوفير عناصر نجاح تسوية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإطلاق قطار النهوض الاقتصادي والمالي.
وعاد الوفد النيابي الذي زار واشنطن منذ أيام الى لبنان، حيث التقى أكثر من مسؤول في الادارة الأميركية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكن اللقاء الأهم كان مع نائبة وزيرة الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، وجرى البحث في ثلاثة ملفات وفق مصادر مطلعة لـ»البناء» وهي المساعدات الأميركية للجيش والقوى الأمنية، اللاجئون السوريون، رئاسة الجمهورية.
ووفق المصادر فإن المسؤولة الأميركية وخلال اللقاء الذي استمر حوالي الساعة، عكست امتعاض بلادها من تلكؤ اللبنانيين عن إنجاز استحقاقاتهم الدستورية لا سيما رئاسة الجمهورية، وسألت النواب الزوار أكثر من مرة عن رأيهم بترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، فكان جوابهم بأن لا مشكلة مع ترشيح قائد الجيش لكن العقدة تكمن بتعديل الدستور في مجلس النواب في ظل معارضة أطراف سياسية عدة لهذا التعديل لا سيما التيار الوطني الحر والثنائي حركة أمل وحزب الله، ما يُعرّض انتخاب قائد الجيش للطعن النيابي أمام المجلس الدستوري.
ولم تتدخّل باربرا بأسماء المرشحين للرئاسة وفق ما أشارت مصادر الوفد، لكنها دعت النواب للنزول الى البرلمان وتحمّل المسؤولية وانتخاب رئيس للجمهورية، فأجاب النواب: بأننا شاركنا بإحدى عشر جلسة ولم ننجح بانتخاب رئيس ومستعدّون للنزول الى أي جلسة مقبلة، وليتفضّل الطرف الآخر بالنزول الى المجلس، ولا نعرف ما إذا كان سينزل فريق حزب الله إلى المجلس عند تأمين الأكثرية النيابية لمرشحه فرنجية.
وأبلغ النواب باربرا رفضهم المطلق للطرح الفرنسي بالمقايضة بين فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، مشيرين إلى أن فرنجية هو مرشح حزب الله وسيمدّد المشكلة في لبنان مع الدول الخليجية والعربية، كما أن نواف سلام غير مطلع على تفاصيل الحياة السياسية في لبنان وعلى زواريبها. وشكر الوفد للأميركيين دعم المؤسسات الأمنية والعسكرية الضامنة للأمن والاستقرار في لبنان.
ووفق مصادر «البناء» فإن النائب غسان سكاف يقوم بحراك رئاسي باتجاه مختلف الكتل النيابية لا سيما المسيحيّة لمحاولة التوفيق بينها والاتفاق على 3 أسماء والنزول الى مجلس النواب لانتخاب أحدها. في موازاة ذلك يحصل تواصل بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية عبر النائبين جورج عطالله وفادي كرم للتوفيق بين موقفي التيار والقوات.
وأشارت مصادر نيابيّة في التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى «أننا نسعى الى إيجاد شخصية لا يوجد ذرائع عند أي طرف لرفضها ونحن منفتحون على كافة الأطراف، أكان حزب الله أو القوات اللبنانية والتغييريين على اسم موحّد، لأن الظروف الراهنة تقتضي تفاهماً مع القوى السياسية وتبديد هواجس حزب الله وكل الأفرقاء ويجب تبديدها وطمأنة الجميع».
وردّ الوزير السابق وئام وهاب على رئيس القوات سمير جعجع في تصريح بالقول: «بعد تصعيد جعجع أصبحت مقتنعاً أن حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الرئاسية قد زادت بشكل كبير، وأنا أستند الى قراءات جعجع خلال 17 سنة فائتة لم يصحّ منها شيء، أنصحه ونحن على أبواب مرحلة جديدة بتعميق قراءاته».
ويتمسك الثنائي حركة أمل وحزب الله بدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وتشير مصادر الثنائي لـ»البناء» الى أن فرنجية يحوز على دعم الثنائي وقوى أخرى في الداخل وتأييد كبير من قوى إقليمية ودولية، فهل نسير به أم نبقى ننتظر تحوّلات من غير المعلوم من أين ستأتي وقد يجرّ الانتظار تطوّرات خطيرة على البلد على المستويات كافة.
ولفت نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على حسابه عبر «تويتر» قائلاً: «الصورة على حالها منذ ستة أشهر. مرشح رئاسي لديه عدد وازن من أصوات النواب هو الوزير السابق سليمان فرنجية، ومرشح تبحث عنه كتلٌ تصنِّف نفسها في المعارضة ولم تصل إلى اتفاق عليه حتى الآن، من بين عددٍ من المرشحين ليس لأحدٍ منهم أصوات وازنة. البلد أمام مرشحين: أحدهما جِدِّي والآخر هو الفراغ، وكل المؤشرات المحلية والتطورات الإقليمية لا تنبئ بتغيُّر المشهد. لنحسم خيارنا اليوم باختيار الأقرب إلى الفوز بالرئاسة، بالحوار وتذليل العقبات لإنقاذ البلد، وعدم إضاعة الوقت سدًى بتحقيق النتيجة نفسها بعد طول انتظار».
بدوره، رأى رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، أن «لبنان يمر اليوم في مرحلة خطيرة جداً، وهو ليس مأزوماً فقط، وإنما ينتقل الآن من مرحلة التأزم إلى مرحلة الفوضى العارمة، لأن ما بين التأزم والفوضى هناك التخبّط، وهذا ما يعيشه لبنان الآن، حيث نرى أن هناك انفراطاً عملياً للوزارات، والمؤسسات الحكومية ليست قادرة وعاجزة، والموظف الحكومي لا يستطيع أن يؤمن من خلال راتبه أدنى مقومات العيش، وهناك انفراط قضائي ودستوري، وخلافات طاحنة على أقل الأمور، فضلاً عن تراكم الخلافات والنقاشات العقيمة».
"النهار": "المعاندة" الفرنسية تحفّز "الحزب" على التهويل؟
فيما عادت امس الحركة السياسية بتثاقل عقب عطلة عيد الفطر ووسط مزيد من التلبد في الأجواء التي تسود واقع الازمة الرئاسية، يبدو من الواضح تماما ان ثمة مرحلة تصعيدية قد بدأت منذ ما قبل العطلة ولكنها تصاعدت بقوة في الأيام الأخيرة منذرة بمزيد من التأزم في الفترة الطالعة. ففي الوقت الذي يستعد فيه رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لاعلان ترشحه "رسميا" مساء اليوم عبر محطة "الجديد" وشرح برنامج أهدافه وتعهداته وحيثيات التحالف الذي رشحه قبل ان يعلن ترشحه بنفسه، بدا المشهد السياسي كما لو انه ضرب بقوة بموجات ساخنة مما يضع التطورات المتصلة بالازمة الرئاسية اشبه بجولات قتالية. ولعل العامل الأشد اثارة لشحن الواقع السياسي بجرعات كبيرة من التوتر تمثل في تعمد خطير لـ "حزب الله" الى اطلاق شحنات من الاستفزاز لخصومه ومعارضي خيار انتخاب فرنجية من خلال دفع الحزب لقادة ومسؤولين فيه الى اطلاق مواقف تهديدية وتهويلية على غرار تهديد الشيخ نعيم قاسم بخيار انتخاب فرنجية او الفراغ او من خلال استتباعه بتهديد السيد هاشم صفي الدين للمعارضين بانهم سيفوتون فرصة الركوب في القطار اذا ظلوا على رفض ما يعرض عليهم، بما يعني القبول بفرنجية او الاقصاء السياسي.
احدثت هذه الموجة الطارئة من التهديدات ترددات خطيرة في كواليس الازمة الرئاسية ليس لكون الأوساط السياسية كافة ليست معتادة على هذا النمط من الخطاب التهويلي الذي يلجأ اليه الحزب في ازمان عدة سابقا، ولكن نظرا الى الخطورة التي يرتبها الحزب على نفسه في دفع البلاد الى مناخ مشحون لن يبقى فقط في الاطار السياسي بل سيتمدد حكما الى الاطار الطائفي، ناهيك عن التسبب بمزيد من الأجواء والمسببات والدوافع التي ستمعن في تعميق الازمة الرئاسية ولن تساعد اطلاقا في أي انفراج محتمل من شأنه فتح ثغرة في جدار الانسداد والتحدي والاستفزاز.
ولعل العامل الاخر الخارجي الذي لا يقل خطورة في هذا السياق تمثل في ما تداولته أوساط ديبلوماسية وسياسية ونيابية على نطاق واسع في الساعات الأخيرة لجهة تحميل الاليزيه تحديدا تبعة مباشرة او ضمنية في دفع "حزب الله" الى الاستقواء بموقف الرئاسة الفرنسية وفريقها الداعم بلا أي هوادة لترشيح فرنجية وعدم التبصر باخطار التزام موقف منحاز بهذا الشكل الامر الذي استغله الحزب في الداخل لاطلاق نمط تهديدي ينذر بعواقب وخيمة. حتى ان هذه الأوساط التي كان كثير منها على تواصل في الأيام الأخيرة مع باريس وواشنطن والرياض تخشى ان تؤدي المعاندة التي يبديها الفريق الرئاسي الفرنسي في المضي بدعم فرنجية ورفض رؤية اخطار إدارة ظهر باريس لجهات لبنانية واسعة ترفض خيار فرنجية كما ترفض انحياز باريس بهذا الشكل في الازمة الرئاسية ، الى اخطر سابقة في تدهور علاقات فرنسا مع جهات لبنانية معروفة بصداقاتها التاريخية معها من جهة والى استقطاب ذي طابع طائفي لدى القوى المسيحية على قاعدة يجمعها فيها رفض الخيار الذي تندفع اليه باريس والسعي الى ترجمة هذا الالتقاء بالاتفاق على لائحة أسماء لمرشحين اخرين .
وتشير المعلومات المتوافرة في هذا السياق الى ان لقاءات لرؤساء احزاب ونواب مستقلين أجريت مع الديبلوماسية الفرنسية على مختلف مستوياتها تميزت اخيرا بخلاف واضح فيما يرجح ان تكون وفود نيابية لبنانية زارت العاصمة الاميركية أخيرا قد بحثت مع المسؤولين الاميركيين الذين التقتهم سبل لجم وتجميد المقاربة الفرنسية. وفي هذا السياق اعربت مصادر سياسية عن اعتقادها بان البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية الفرنسية، واعلنت فيه ان لا مرشح رئاسيا لفرنسا في لبنان فيما ان الخارجية الفرنسية لم تبرز مرة في كل المقاربة الفرنسية المتعلقة بالرئاسة اللبنانية، قد يكون اتى من باب اتصال اجرته الخارجية الاميركية بنظيرتها الفرنسية من اجل تخفيف الاندفاعة الفرنسية التي اقلقت للغاية قوى لبنانية بتبنيها موقف الثنائي الشيعي ومرشحه وتولي التسويق له بما وضع فرنسا في مواجهة مباشرة مع هذه القوى التي ترى خطرا كبيرا في تبني دولة مثل فرنسا مقاربة فريق مسلح قادر على تعطيل البلد وتراعيه لهذه الاعتبارات بدلا من ان تدعم القوى التي تتصدى لسيطرة السلاح. وقد تحول الجهد المعارض الى التصدي للمقاربة الفرنسية التي يرى كثر من السياسيين انها باتت تشكل احراجا لادارة الرئيس ايمانويل ماكرون من حيث عدم قدرتها على التراجع وحاجتها الى احداث اختراق ديبلوماسي وسياسي في لبنان يساهم في تعزيز الوضع الداخلي للرئيس الفرنسي .
واللافت انه نقلت عن مسؤولين اميركيين او ديبلوماسيين سابقين لا يزالون يتابعون الوضع في لبنان مواقف متحفظة بل ورافضة لمضمون المقاربة الفرنسية كما ان في هذه التحفظات ما يوحي بان الاميركيين يعتقدون بان الفرنسيين ذهبوا ابعد مما يشكل اطارا لتوكيلهم في مساعدة لبنان.
وزير الخارجية الإيراني
وسط هذه الأجواء سيحط اليوم رحاله في بيروت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على ان يبدأ زيارة رسمية ليومين يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين، وقد حُدّدت له غدا الخميس، ثلاثة مواعيد مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب. وتترقب الاوساط السياسية ما سيحمله وزير الخارجية الإيراني، وما اذا كانت مرتبطة مباشرة بتطورات الملف الرئاسي في ظل التقارب الحاصل بين ايران والمملكة العربية السعودية .
وغداة المواقف التي اطلقها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع واكد فيها ان "القوات" لن تنتخب او تؤمن النصاب لاي مرشح من محور الممانعة، غرد عضو امس عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب غياث يزبك عبر تويتر كاتبا "أَنذر السيد هاشم صفي الدين المعارَضة بأن تَقبل بمرشحِ حزب الله وإلا فوتّت فرصة لن تتكرر لركوب قطار سفَربرلِك المُمانِع. الموقف يستلهِم السلاح لا حقيقة ما آلت اليه الطبخة الرئاسية. جوابنا، الأحرار لا يخشون السلاح، والدستور أقوى وإن بَدا هشّاً لِمن امتهَنوا الزِندَ والزناد دستوراً".
"الأخبار": محضر التحقيق مع يوسف خليل: "شاهد ما شفش حاجة"!
عاد الوفد القضائي الأوروبي إلى لبنان لمتابعة التحقيقات حول التحويلات المالية بين مصرف لبنان وشركة "فوري" لصاحبها رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إذ يشتبه المحققون الأوروبيون بقيام الاثنين بعمليات تبييض أموال عبر هذه الشركة، في أكثر من 5 دول أوروبية. وفي حين لم يحضر شقيق الحاكم إلى التحقيق أمس بذريعة مرضه كما أفاد وكيله القانوني، تشير مصادر قضائية إلى استجوابات أخرى يعتزم الوفد القضائي إجراءها، لا سيما مع شخصيتين أساسيتين، هما مدير التنظيم والتطوير في مصرف لبنان رجا أبو عسلي ومدير العمليات المالية يوسف خليل (وزير المالية الحالي في حكومة تصريف الأعمال والذي أكدت مصادر مطلعة أنه لن يحضر جلسة الاستماع بطلب من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. والاثنان لم يعودا يشغلان مناصب رسمية في المصرف المركزي، إلا أن خليل عبر موقعه كوزير مالية لا يزال، بشكل أو بآخر، ذراعاً أساسية للحاكم ومتواطئاً معه في كل القرارات. وهو حاول أخيراً عرقلة مسار التحقيقات عبر تعمّده عدم الرد على طلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر تعيين محامين دوليين لضمان حق الدولة اللبنانية في الخارج. وكان، قبل ذلك، قد أعطى تبريرات لمصرف لبنان حول تقاضيه عمولات لقاء بيع شهادات الإيداع للمصارف محاولاً إزالة شبهات الاختلاس وتبييض الأموال خلال التحقيق الذي أجراه معه القاضي جان طنوس. غير أنه بإجاباته المتناقضة، ورّط نفسه وسلامة في مسألة العمولات، ولو أنه يظهر جلياً في التحقيق بأنه كان ينفذ تعليمات الحاكم من دون اعتراض أو حتى استفسار. وفي ما يأتي محضر التحقيق مع خليل في 24/6/2021، والذي اطلع عليه المحققون الأوروبيون قبل أن يقرروا إعادة استجوابه يبدأ التحقيق بسرد لخليل حول وقائع عمله في المصرف. واللافت، هنا، أنه لا يملك تعريفاً أو توصيفاً لوظيفته كمدير للعمليات المالية، بحجة أن لا مستند تنظيمياً للمديرية، بل مجرد قرارات إدارية تصدر عن الحاكم أو المجلس المركزي. إذاً، من حدد لهذه المديرية مهام بيع أو شراء سندات الخزينة وشهادات الإيداع؟ بحسب خليل، هذه المهمة تستند إلى قرار صادر عن المجلس المركزي في تسعينيات القرن الماضي أو أوائل العام 2000. أما مهام المديرية الأساسية، فهي "مراقبة تطور الدين العام الخارجي وإصدار سندات الخزينة في السوق الأولية بالليرة اللبنانية وتحضير جداول وبيانات لمتابعة تطور السيولة في السوق والتدخل في السوق المالية لتحقيق ثباتها عن طريق ضبط الكتلة النقدية". إصدار سندات الخزينة يتم عبر طلب من وزارة المال يتلقاه الحاكم بواسطة رسالة رسمية، وتتلقاه المديرية بواسطة رسالة إلكترونية، لتتم عملية الإصدار بعدها. فيما يحدّد المجلس المركزي سقفاً لقبول شهادات الإيداع (وديعة تضعها المصارف في مصرف لبنان لفترة محددة مقابل فائدة مرتفعة) مع تحديد الفائدة والمدة الزمنية. وعلى ضوء هذا القرار، تتواصل المصارف مع المديرية، خطياً، لتعرض شراء شهادات بمبالغ معينة. بعدها، يُرفع الأمر إلى الحاكم الذي يوافق أو يرفض. باختصار، ما يقوله خليل هو أن كل القرارات المتعلقة بسندات الخزينة وشهادات الإيداع مغطاة مسبقاً إما من وزارة المال أو من المجلس المركزي، وأن المديرية مجرد منفذ لهذه القرارات، بمعنى أن منصبه كمدير للعمليات المالية "مبالغ فيه"، إذ إنه مجرد موظف ينفذ التعاليم، وليس مديراً من مهامه إدارة ومراقبة كل العمليات المالية الجارية في المصرف وإبداء الرأي فيها سلباً أو إيجاباً.
"لا أعرف رجا ولا فوري"
في إطار "مسؤوليته المحدودة"، يسرد خليل أنه اطلع على قرار للمجلس المركزي بإصدار شهادات إيداع بالليرة بعمولة قدرها 38 سنتاً بالدولار الأميركي، أو ما يعرف بثلاثة أثمان. فقامت المديرية بالتأكد من مديرية القطع بأن المصرف سيدفع قيمة العمولة إذا كانت بالدولار. لكنه، من جهة أخرى، نفى، كما كل الذين تم استجوابهم، "معرفته برجا سلامة شقيق رياض سلامة أو أن يكون قد تعامل معه أو شاهده في المديرية، وأنه إذا كان قد شاهده فهو لا يذكر هذا الأمر، ولم يسمع بشركة فوري إلا عبر الإعلام كما كل اللبنانيين"، ما يتناقض مع إشارته إلى دفع مصرف لبنان لعمولة الثلاثة أثمان (0.375 سنت) مقابل شهادات الإيداع التي مُنحت لـ"فوري"، ما يعني أن خليل إما أنه كان يعرف بـ"فوري" وينكر ذلك، أو أنه وافق على إعطاء عمولات من المال العام لجهة لا يعرف هويتها.
وفي عملية حسابية بسيطة لعمولة الثلاثة أثمان على قيمة المبلغ الذي حولته "فوري" إلى الخارج، أي 330 مليون دولار، يتبين أنه تمّ التداول عبرها بما قارب 88 مليار دولار. رغم هذا المبلغ الضخم، فإن مدير العمليات المالية الذي يفترض أن تمر عبره هذه العمليات لا يعرف شيئاً عنها كما يزعم، ولا يعرف لمن جرى تحويلها!
خليل والعمولة
إلى ذلك، قال خليل في إفادته الشيء ونقيضه. فهو أكد أن "مصرف لبنان لا يتقاضى عمولة من بيع الأوراق المالية وهو لم ير هذا الأمر منذ زمن بعيد"، لكنه يشرح، من جهة أخرى، أن العمولات كانت تودع "في حساب خاص هو حساب العمولات في مصرف لبنان بهدف التنظيم المحاسبي (...) ويمكن أن يكون السبب تعزيز موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية فيتم فرض العمولة بالدولار الأميركي"، من دون أن يشرح كيف للمركزي الحق في تقاضي "كوميسيون" أو توكيل شركة تتقاضى "كوميسيون" لمصلحته. وهو ما يتناقض مع كلام حاكم مصرف لبنان نفسه الذي أكد في أكثر من مناسبة أنه لم يقبض أي عمولة، لا هو ولا المصرف المركزي، وأن العمولة كانت تدفعها المصارف بشكل مباشر للشركة. وأفاد خليل بأن مديريته "تُدخل أموالاً على حساب العمولات لكنها ليست مسؤولة عن تحريك هذا الحساب بل مديرية المحاسبة". وبعدها، يعود إلى تبرير تقاضي مصرف لبنان هذه العمولة (التي سبق أن أنكرها)، فيلفت إلى أن "المصارف المركزية درجت على احتساب عمولات على العمليات المالية لزبائنها، وهذا ما قام به مصرف لبنان لفترة قبل أن يتوقف عن ذلك. ثم عاد واتضح أن المصارف المركزية كانت تحتسب عمولة لزبائنها لقاء اطلاعهم على بيانات وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلى الغرابة إذا كان مصرف لبنان يحتسب عمولة على الأوراق المالية التي يبيعها".
الحاكم يقرر والحاشية تنفذ
على مدى تسع صفحات، يثبت خليل بأن مصرف لبنان كان يُدار على أنه منجم ذهب لشريحة محظية يحددها الحاكم، بالتضامن والتعاون وتسهيل من كل المدراء في المصرف ومن المجلس المركزي نفسه. إذ يروي أنه "اطلع على قرار المجلس المركزي القاضي بإجراء عمليات إقراض لشراء سندات خزينة بقيمة 35 مليار ليرة. قيد المبلغ المذكور في حساب 260632009 لدى مصرف لبنان لتغطية ودفع عمولات على عمليات أجريت مع القطاع الخاص". وبرأيه، يمكن أن يكون الأمر "قد شجع المصارف على الاكتتاب بسندات الخزينة عبر منحهم هذه العمولة لأشخاص يمكنهم الاستثمار لدى مصرف لبنان بمبالغ كبيرة"، لكنه "لا يعرف هوية هؤلاء الأشخاص ولم يسبق له أن صادف أحدهم وهو حتماً لم يطلب من هؤلاء الأشخاص الاكتتاب بسندات خزينة أو بشهادات أو الاكتتاب بسندات خزينة مقابل عمولة". ثم يجيب عن سؤال أخير عبر تعداد "حملة شهادات الإيداع وسندات الخزينة وهم المصارف الأكبر: بنك عودة وبلوم بنك والبنك اللبناني الفرنسي وفرنسبنك وبنك بيبلوس وبنك الاعتماد اللبناني. فجميع المصارف تشتري سندات خزينة وشهادات إيداع وكلما كان حجم المصرف كبيراً كانت توظيفاته كبيرة". إذاً يعود خليل ليكرر تنفيذه عمليات مالية لمصلحة عملاء لا يعرفهم بقيمة قاربت 22 مليون دولار، ومن دون أن يسأل عنهم أو يقوم بمهامه، ثم يعدّد بعض المكتتبين بشهادات الإيداع، وهم من المصارف الكبيرة. للمفارقة، فإن يوسف خليل هو نفسه وزير المال اليوم الموكل بإدارة السياسة المالية للدولة اللبنانية وتحقيق النمو الاقتصادي والحرص على حفظ انتظام المالية العامة!
إقرأ المزيد في: لبنان
09/11/2024