لبنان
رسالة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
بارك نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب للبنانيين عامة وللمسلمين خاصة حلول شهر رمضان المبارك، آملًا أن "تحلّ بركاته مع الأمن والأمان والسلام والاستقرار على لبنان وعلى سائر البلدان العربية والإسلامية وشعوب العالم المستضعفة التي أنهكتها الحياة المادية المتوحّشة الخالية من سموّ الروح والاخلاق، فحوّلت حياتها إلى جحيم لا يطاق لا تعرف الهدوء والاستقرار بما فيها الأمم التي يُنظر إليها كنموذج للرقي الحضاري المتمثّل في التنظيم المدني والتقديمات الاجتماعية وبناء الجامعات والمراكز العلمية والأبحاث الفكرية والتقدم الصناعي الهائل والشركات الكبرى ومنها شركات إنتاج الأسلحة".
وفي رسالة الصوم التي وجهها بحلول الشهر الفضيل هذا العام، أضاف أن "فلسفة الحياة قائمة على أساس الصراع وأن البقاء للأقوى، والذي دفع المتبنين لهذه الفلسفة إلى السعي إلى ما يسمى بالأحادية القطبية والمنع من تعدّدها بما جرّ على الانسانية ويلات الصراع والحروب، فكان كلّ هذا التقدم المادي من أجل الإمساك بزمام العالم وعلى حساب باقي الأمم وليس في سبيل خدمتها أو لأهداف إنسانية محكومة بفلسفة إيمانية أخلاقية".
وقال "إنّ شعارات الانسانية وشعار الحرية لم تكن إلا نفاقًا سعت الحضارة المادية من ورائه ليكون جسرًا للعبور إلى أهدافها المبيّتة التي سهّلت لها الطريق للوصول إلى غاياتها في السيطرة على منابع الثروات لتحتكرها وتحول دون تمكّن الآخرين من استثمارها حتى لا تمتلك القدرة على منازعتها والوقوف بوجهها".
وتابع: "ولئن مكّنت هذه الفلسفة أصحابها من بناء هذا الهيكل الضخم والمخيف بمؤسساته وجيوشه وأدواته وأسلحته المدمرة، ولكنه مع ما امتلك من القوة والامكانيات الهائلة لم يستطع تحقيق الأمان والاستقرار، بل كان ذلك دافعًا لزيادة الشعور بالخوف من الآخر الذي ينازعه النفوذ والسيطرة والسعي الى التفرّد، وهكذا عاش العالم دائمًا حالة من الخوف الدائم من نشوب واستعار الحروب بين القوى الكبرى التي يتربّص بعضها الفرص للانقضاض، وهو ما يعيشه العالم اليوم ويتسبّب بالأزمات الغذائية ويودي باستقرار الدول والشعوب الضعيفة التي تدفع ثمن صراعات القوى الكبرى التي حققت تقدمها وازدهارها على حساب هذه الدول وهذه الشعوب".
وأشار إلى "أن الحضارة المادية حققت تقدّمًا ماديًا هائلًا ويسّرت الحياة وحوّلت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة وغزت الفضاء، ولكنها احتكرت الإنتاج ونهبت خيرات الشعوب وسلبتها الأمان وتحكّمت بمصائرها وجعلت العالم بما فيه شعوبها يعيش حالة الخوف وعدم الاستقرار والأزمات التي لا تنتهي من الأزمات النفسية وتفكّك الاسرة ونشر الأنانية الفردية والجماعية والتعامل مع الانسان تعاملًا ماديًا صرفًا لا محلّ فيه للرحمة والشفقة والأخلاق، وكانت نتائج هذه الحضارة أن أصابت الانسانية وأول ما أصابت المجتمع الغربي بخطر الانحلال والزوال بما انحدر اليه من مخالفة الفطرة الانسانية والالهية بتشريع الشذوذ الجنسي والهبوط إلى ما دون الحيواني، نتيجة طبيعية لهذا النهج، وهو ما يحذّر منه كبار المفكّرين الغربيين ولكن سبق السيف العذل، وهو أسوأ النتائج لهذه الحضارة المتخلّفة، والكلام في ذلك يطول فإن المهم هي النتائج التي تصدِّق الأحكام لا التي تصدِّرها".
وأكد الشيخ الخطيب "أن الحضارة الغربية بشكل خاص والمادية بشكل عام ليست سوى هيكل ضخم ولكنه فارغ سرعان ما سينهار، والى الذين أبهرتهم هذه الحضارة وظنّوا أنها منيعة عن الإنهيار ولا تضعف وأخذوا بمظاهرها فليقرؤا التاريخ الذي يكرّر نفسه، فقد مرّت حضارات ظنّ الذين يؤخذون بالمظاهر ولا يدركون الحقائق من قصيري النظر أنها باقية لا تزول لكنها سرعان ما انهارت واصبحت أثرًا بعد عين، ولولا أن الله سبحانه سبقت رحمته غضبه ببعثه الرسل والأنبياء لما بقي لهذا الوجود من وجود".
وقال "إن شهر رمضان المبارك هو أحد وجوه الرحمة الإلهية التي نستعيد فيها لحظة التأمل والتفكر لنعود إلى تلمّس مواضع أقدامنا وتصحيح توجيه مسالك دروبنا بعد أن تاهت بنا عن طريق الحق الذي يوصلنا إلى مبتغانا ويحقّق انسانيتنا التي لا معنى لها وتبقى شعارًا من دون روح حين تتجرّد عن الأخلاق والقيم الإلهية، فشهر رمضان يحلّق بأرواحنا إلى السماء وينمّي فينا روح الصبر والارادة والعطاء والمحبة ويخلّصنا من الانانية وحبّ الذات والتكالب على الدنيا وأسر الشهوات ليكون كل منا إنسانًا مسؤولًا لا لاهيًا ولا عابثًا".
واعتبر "أن الذين تخلوا عن مسؤولياتهم وألهتهم مصالحهم وذواتهم عن النظر الى معاناة مواطنيهم من أهل الحاجة والفاقة بفعل سياساتهم وأنانياتهم وخيانتهم للأمانة التي تحمّلوها لن ينظر الله إليهم يوم حاجتهم وفاقتهم حين يذهبون اليه، وقد تركوا خلفهم ما جمعته أيديهم وأمسكوا عن إنفاق الفضل في سبيل الله، ما لم يعودوا الى ضمائرهم ويبادروا إلى تصحيح سياساتهم وانقاذ وطنهم ومواطنيهم واخراجهم من الجحيم التي ألقاهم بها فراعنة المال والسياسة والسلطة".
وتابع: "بهذه الروحية نستقبل شهر رمضان ونسأل الله تعالى أن يلهم اللبنانيين بفضله توحيد كلمتهم لما فيه خيرهم ومصلحة بلدهم وأن تتخلى القوى السياسية عن رفضها للحوار والتلاقي على كلمة سواء، فهو السبيل العقلائي الوحيد لإخراج لبنان من هذا المأزق، فإن التعنّت والاصرار على السلبية إطالة لمأساة اللبنانيين وفي النهاية مزيد من التحلّل للمؤسسات والمعاناة للمواطنين وفي النهاية سيكون مرجع الجميع الجلوس إلى طاولة الحوار والتوافق على الحل".
وختم: "أعاده الله على اللبنانيين وقد تعلموا من تجارب الماضي وتحرّروا من أسر الطائفية ودعاتها إلى رحاب الدولة التي لا تُبنى الا بالوعي والجهد المخلص من أبنائها الذين يعرفون قدر المسؤولية الوطنية والانسانية والايمانية الملقاة على عواتقهم".