لبنان
مسؤول بريطاني يتسلّل سرًا الى لبنان
كشفت صحيفة "الأخبار" أن "وزارة الخارجية البريطانية أوفدت مدير قسم الشرق الأوسط لديها فيجاي رانغاراجان إلى بيروت منتصف الشهر الماضي لعقد اجتماعات خاصة مع قائد الجيش العماد جوزاف عون وتفقّد الحدود مع سوريا من دون علم الجهات الرسمية اللبنانية"، موضحة أن "المسؤول البريطاني زار منازل نازحين سوريين، وكرر طلب بلاده توفير الدعم لهم".
وفي تقرير نشرته "الأخبار" اليوم، أشارت إلى أن "رانغاراجان شدّد في الاجتماعات المغلقة، على أن بلاده لا تعتقد بأن الظروف في سوريا حاليًا آمنة كفاية لعودة النازحين إلى بلادهم"، مضيفًا أن "الدعم الذي توفره الدول المانحة يكفي لتوفير ما تنفقه الدولة اللبنانية على النازحين".
وذكرت الصحيفة أن "رانغاراجان المتخصص بـ"مكافحة الإرهاب" وملفات الشرق الأوسط، خصص القسم الأكبر من محادثاته للبحث في سبل توفير دعم خاص للجيش اللبناني بمعزل عن أي سلطة رسمية لبنانية، متجاهلًا عن عمد النقاش القائم حاليًا حول طريقة عمل قائد الجيش مع الجهات المانحة من دون الحصول على إذن مجلس الوزراء، ومن دون علم وزير الدفاع المعني بالأمر".
وأكدت الصحيفة أن "الزيارة تجاوزت الأصول الدبلوماسية في ما يبدو أنه بات سياقًا رسميًا في تعامل الدول الأوروبية مع لبنان، إذ إن الجانب البريطاني نسّق الزيارة لوجستيًا مع العماد عون ومديرية المخابرات في الجيش حصرًا، وقد حطّت الطائرة التي أقلّت الزائر في مدرج الطائرات الخاصة، ودخل مع الوفد المرافق عبر صالون الطائرات الخاصة".
الصحيفة كشفت أن "رانغاراجان زار السراي الكبير للقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث فوجئ وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الذي كان يزور السراي بالوفد الذي لم يكن على علم بقدومه... وبعد التواصل مع دوائر وزارة الخارجية تبين أن السفارة اللبنانية في لندن لا علم لديها بالزيارة، فيما ادّعت السفارة البريطانية في بيروت أنها لم تُبلّغ بالأمر! وعندما راجع بو حبيب رئيس الحكومة، نفى الأخير علمه بأن تكون الزيارة سرية، وأكد أنه تصرف مع الأمر على قاعدة أن التنسيق قد تم بالفعل مع الخارجية اللبنانية".
وبحسب الأخبار"، "تبين أن الهدف من زيارة رانغاراجان لميقاتي هو توفير تغطية من رئيس الحكومة لآلية التعاون غير الرسمية مع قيادة الجيش، علمًا أن جدول أعمال المسؤول البريطاني كان حافلاً بلقاءات مع قيادة الجيش.. وهو تعاطى مع الأمر، كما غيره من المسؤولين الغربيين، على قاعدة عدم الحاجة إلى استشارة أي مسؤول حكومي في لبنان أو وزارة الدفاع قبل التواصل مع المؤسسة العسكرية التي يُفترض أنها تخضع لأوامر السلطة السياسية"، ولفتت إلى أن "قائد الجيش نفسه يمتنع عن التنسيق في هذا الشأن مع أي من المسؤولين اللبنانيين، وهو ما يعرفه البريطانيون جيدًا.
وذكرت الصحيفة أن "المسؤول البريطاني بحث مع قائد الجيش في آليات التعاون بين الجانبين، ومستقبل برامج الدعم التي تقدمها بريطانيا للمؤسسة العسكرية، كما تطرق البحث إلى المساهمة البريطانية في بناء الأبراج الخاصة بالأفواج الحدودية على الحدود مع سوريا"، وأوضحت أن العماد عون "نظّم للدبلوماسي البريطاني ومرافقيه جولة عند الحدود مع سوريا، للإطلاع على آليات العمل في أبراج المراقبة ومناقشة آفاق التعاون بين الجانبين بما خص هذا الملف وغيره".
الأبراج المذكورة شيدت بدعم بريطاني وأسهمت الولايات المتحدة في توفير كاميرات ضخمة ثُبّتت فيها، تبث صورًا حية إلى مركز العمليات في قيادة الجيش، حسبما أفادت "الأخبار"، التي نقلت عن مطلعين أكدوا أن آلية البث تسمح بنقل الداتا إلى أماكن أخرى عبر أقمار اصطناعية، فيما يجري الحديث عن أن من بين هذه الأماكن غرفة عسكرية يشرف عليها الأميركيون في قاعدة حامات العسكرية وأخرى في قاعدة بريطانية في قبرص".
وأفادت أنه "بعد أن غادر الدبلوماسي البريطاني، طلب الوزير بو حبيب استدعاء السفير البريطاني في بيروت هاميش كاول على عجل، ولوجود الأخير خارج لبنان، أوفدت السفارة في 20 شباط/فبراير الماضي القائمة بالأعمال كاميلا نيكلس (التي بدأت مهامها في بيروت قبل ثلاثة شهور). وسمعت الأخيرة احتجاجًا من بو حبيب على "هذا التصرف الذي يعكس عدم احترام بريطانيا للدولة اللبنانية ومؤسساتها، واعتمادها سلوكًا يهمّش إدارات الدولة اللبنانية، وأن عدم إبلاغ السفارة وزارة الخارجية بأمر الزيارة، وعدم طلب اجتماع مع وزير الخارجية أو مسؤولين في الوزارة يمثل استخفافاً وتجاوزاً للتقاليد".
وسأل بو حبيب أمام الدبلوماسية البريطانية: "هل تقبلون بسلوك كهذا من أي دولة أخرى؟ وكيف يزور مسؤول رفيع في الخارجية البريطانية لبنان من دون إبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية، إذ كان عليه الدخول إلى لبنان من خلال صالون الشرف وأن يكون مسؤول لبناني في انتظاره، لا أن يأتي ويغادر سرًا عبر صالون الطائرات الخاصة"، وكيف يقبل بأن يتولى الجيش اللبناني فتح ممرات خاصة ويعقد اجتماعات سرية مع رئيس الحكومة وقائد الجيش من دون علم الخارجية ومن دون وجود وسائل إعلام". وختم بو حبيب بمخاطبة الدبلوماسية البريطانية: "هل تتعاملون مع الجيش اللبناني كما تتعاملون مع المنظمات غير الحكومية؟ نأسف لقيامكم بمثل هذه الأعمال، ولم نكن نتوقع أن لا تحترم سفارتكم المؤسسات الرسمية في لبنان"، حسبما نقلت الصحيفة.
وأوضحت أن "المعطيات تفيد أن الدبلوماسية البريطانية كانت مربكة جدًا، وأقرت بحدوث "خطأ"، وقالت إنها ستنقل احتجاج بو حبيب إلى المسؤولين في لندن. لكنها أشارت إلى أن الاجتماع مع رئيس الحكومة لم يكن سريًا، لافتة إلى البيان الذي صدر بعد زيارة السراي وجاء فيه حينها أن رانغاراجان بحث مع ميقاتي في تداعيات الزلزال الذي أصاب سوريا وتركيا وصعوبة تأمين المساعدات إلى المناطق المنكوبة".
الصحيفة ذكّرت بأن "الحكومة البريطانية رفضت في حزيران/يونيو الماضي منح اللجوء لبضع عشرات من المهاجرين عبر البحر إلى أراضيها، وخاضت معركة ضد الرأي العام ومنظمات حقوقية داخل البلاد وخارجها، بما في ذلك الكنيسة التي اعتبرت أن إرغام المهاجرين على العودة إلى بلادهم أو نقلهم إلى مكان احتجاز مؤقت مناف للطبيعة الإنسانية. ورفضت بريطانيا التي تتصرف وفق مصالحها المباشرة فقط، الإصغاء لكل هذه المناشدات وعمدت إلى إطلاق عملية ترحيل على مراحل".
وأضافت أنه "في تلك الفترة، عقد بو حبيب اجتماعًا مع عدد من السفراء الأوروبيين في لبنان، من بينهم السفير البريطاني في حينه إيان كولارد (انتقل لاحقًا إلى لندن ليشغل منصب مسؤول شؤون الأمن القومي في وزارة الخارجية)، وتمحور الحديث حول ملف النازحين السوريين، فأصر الجانب الأوروبي على أن لبنان ملزم بحماية وجود هؤلاء على أراضيه، وأن عليه أن يعمد إلى خطوات تجعلهم يندمجون أكثر في المجتمع اللبناني مع رفض تام لعودتهم إلى بلادهم بحجة غياب الأمن والعمل".
وقالت: "على الرغم من الطابع الدبلوماسي الذي يغلب على شخصية بو حبيب، إلا أنه بدا مستفزًا من حديث السفراء، خصوصًا السفير البريطاني الذي يتخذ من الصفة الدبلوماسية غطاء، فتوجه إليه وزير الخارجية بالقول: "أنتم ترفضون تحمل مسؤولية 15 مهاجرًا وتعملون على ترحيلهم إلى رواندا، وتعطينا دروسًا في كيفية التعامل مع قضية تتجاوز قدرات لبنان على التحمل اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، بينما لا يوجد ما يعيق عودتهم إلى بلادهم؟".
ونتيجة لذلك، "ثارت ثائرة "السفراء البيض" وأطلقوا العنان لموجة من ردود الفعل جعلت الوزير بو حبيب يدعوه بعد أيام إلى مكتبه، ليشرح له الموقف بكثير من الديبلوماسية. إلا أن "سفير صاحب الجلالة" تصرف يومها، وكأنه نجح في فرض تعديل على موقف الوزير، وهو ما لم يحصل إذ تبيّن أنه استعان بمسؤولين لبنانيين من بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الحريص على رضى "السفراء البيض"، كما فعل مع السفير الألماني الأكثر صفاقة بين السفراء الأجانب أندرياس كيندل عندما استدعاه وأبلغه تنبيهًا رسميًا بضرورة احترام الأصول والقواعد الدبلوماسية المعمول بها والتوقف عن القيام بخطوات تتجاوز الحكومة وتستفز قسمًا كبيرًا من اللبنانيين.
يومها، قامت الدنيا ولم تقعد، وتدخلت الحكومة الألمانية مع ميقاتي الذي عاد واستقبل كانديل وأصدر بيانًا أثنى فيه على دوره الشخصي في تعزيز العلاقات مع لبنان، وأدت خطوة ميقاتي إلى تعزيز سياسة التجاوز من قبل سفارة ألمانيا التي صارت تتدخل في كل شيء، خصوصًا في عمل القضاء اللبناني من دون الخشية من أي مساءلة"، حسبما ذكرت صحيفة "الأخبار".
إقرأ المزيد في: لبنان
17/11/2024